آخر تحديث :الخميس-28 مارس 2024-12:13م

أدب وثقافة


قصة قصيرة في غرفة..العلاج الكيمائي

الجمعة - 21 فبراير 2020 - 04:48 م بتوقيت عدن

قصة قصيرة  في غرفة..العلاج الكيمائي

عدن ((عدن الغد)) خاص

 

 

في كل مرة ..كنت اذهب فيها إلى منزل صديقي محسن.. أجد ابنه الصغير.. هو من يستقبلني عند الباب الشقة ..فيتعلق بي فأخذه بين ذراعي.. واضمه إلى حضني ..كان حضنه مريح ودافئ.. و ضحكاته وشقاوته.. تنسيك تعب اليوم، وعادة الاطفال.. يحبون من يلعب معهم ،ويتفاعل معهم.. كنت اترك لنفسي فسحة صغيرة .. للعب مع ابنه الصغير.. نضحك وننلعب ..قبل الجلوس مع صديقي محسن.. فالأطفال هم مصدر السعادة والبهجة في الحياة..

انا ومحسن زملاء في العمل.. والغربة جمعت بيننا أكثر ،وصرنا اصدقاء، لم أكن اعرفه من قبل، وحين عمل معنا وعرفت، انه من عدن ،اقتربت منه أكثر، كان يكفي انه من أبناء عدن، حتى اتعلق به في الغربه وأتلمس الهويه العدنيه من خلاله ، نتذكر الاماكن ،والأشياء الجميله في عدن ،وتبدأ في رحلة الذكريات الطويله، المخبأة في الذاكرة، التي لها من الأثر الجميل ،في الوجدان، مثل ذلك الشغف، المصحوب بخيال الطفولة وشقاوتها، مثل ايام الدراسة، والبحر، وشواطئ عدن ،جولدمور، والغدير، وساحل أبين، والاكلات العدنيه، فكان دائما ما يدعوني، إلى منزله نتناول الطعام العدني، الشهي، ودائما ما يجر رجلي، إلى منزله، فيقول لى اليوم الزوجة ، عملت زربيان، ومرة اخرى، يقول مطفايا، وانا لا أستطيع ،مقاومة الاكل العدني، خاصة في الغربه ،فله اشتياق خاص، و مذاق حلو له وحشه، وزوجة محسن ،كانت بارعة في إعداد وطبخ الاكلات العدنيه.... 

تغيب محسن عنا كثيرا،وهي ليست عادته، ولم اعد أراه في العمل، وسالت عنه الزملاء، قالو اخذ اجازة، اتصلت به، قال ان ابنه مريض، وذهب به إلى المستشفى، فتمنيت السلامه لابنه،وعودته إلى العمل قريبا..

 لم يعود محسن إلى العمل، طال غيابه فطلب المدير مني الذهاب إليه، والجلوس معه، فذهبت إلى محسن في منزله، فكان حاله متغير، و شكله فاجئني، ووضع البيت كان غير مرتب كعادتة،أحسست أن هناك شى ما حدث ،تريث قليلا وجلست،لاحظة أن ابنه الصغير لم يستقبلني كعادته على الباب.. سألت محسن أين الصغير؟ وماذا حدث؟ كان كلامه مفاجئا لي..! في البداية لم يكن يريد أن يطلعني على شئ..وحين رأى اني غضبت منه.. أخبرني أن ابنه في المستشفى، أصيب بمرض خبيث ،سرطان في الصدر ،وهو الآن في المستشفى، يأخذ جرعات في غرفة العلاج الكيماوي..

نزل الخبر علي كالصاعقة..! ،ومفاجئ لي نظرت إلى محسن ،وتمنيت أن لا تكون هذه هي الحقيقه.. حين تعلم ان شخص ما..قد أصيب بمرض السرطان.. تتأثر كثيرا بذلك.. وتحس بالألم ،فكيف اذا كان طفل صغير ،أربعة أعوام في بداية الحياة، وكنت اوده واحبه كثيرا فهو صديقي الصغير.. 

أحسست انه لايريد، ان يخبر أحد بمرض ابنه، ربما لايريد ان يرى.. نظرة الاشفاق والعطف ..او.. انه لايريد ان يرى موت ابنه في عيون الناس ..فالكثيرون من الناس، ينظرون إلى مريض السرطان ،انه شخص قد شارف على الموت..وهي معاناة يتألم منها المريض واهله .

كانت لحظات صعبة.. وأنا واقف أمامه.. كان لساني عاجز عن الكلام، وغير مصدق ماقاله لي في لحظة ذهول ..!غير مصدق..!، ولكنها الحقيقه.. وعلينا مواجتها ..فطلبت من محسن زيارة ابنه في المستشفى ..ذهبنا معا المشوار إلى المستشفى.. ركب معي في السيارة ،عرفت منه انه، قد باع سيارته، ربما احتاج الكثير من المال، مصاريف للعلاج ابنه، اعرف المستشفيات هنا ،تكاليف باهضه، ومرض مثل هذا المرض الخبيث السرطان، وعلاج كيمائي، يجر معه الكثير من المشاكل، الماديه والنفسيه للأسرة ،وخاصة شخص مثل محسن، ليس لديه دخل اخر، هناك من يبيعون أشياء ثمنيه، ذهب او سيارة ،و احيان ربما بيت صغير، أدخره لزمن، او لاجل عودته من الغربه ..املا من النجاة، من هذا المرض الخبيث، الذي استعصى على الطب علاجه..وصلنا المستشفى ..كان كبير وضخم ..وبه الكثير من الجنسيات الأخرى من دكاترة وممرضين من اعلى مستوى..ولكن ما لفت انتباهي ..كثرة الاطفال المصابين بهذا المرض ..قال لي محسن ان التسجيل في هذا المستشفى أخذ منه الكثير الوقت..رغم تكاليف العلاج الباهضه..كان الدخول صعب ..لكثرة الاطفال المريضة بالسرطان..لم أكن أتوقع هذا الكم الهائل من الاطفال، يعانون هذا المرض الخبيث ..كان ابن محسن الصغير ..في غرفة العلاج الكيميائي ..رأيت زوجة محسن ، جالسة في غرفة الا تنتظار ..في حالة صعبه، ترى التعب باديا عليها والحزن في عينيها..كان وجها شاحب وعلامات الأرق والسهر ضاهر فيها.. مرض ابنها ..جعلها منكسرة محطمة .. وكأن هموم الدنيا حطت على راسها ..أخذ الكثير من جمالها وسحر عينيها.. عرفها محسن ايام الدراسة في عدن وتزوجها عن حب ..و نقلها إلى هنا للعيش معه في الغربه..

 كان الطفل الصغير ابن محسن.. في الغرفة العازله غرفة العنايه.. نظرت اليه من خلف جدار شفاف.. كان التعب باين عليه.. نظر الي ..متبسما فرح بروئتي ..كان وجه شديد الاحمرار وابتسامته فاترة ..لايقوى على فتح شفتيه..كان يتقيئ في كل لحظه.. ربما يكون من أثر الجرعات الكيميائية.. فهي عادتا تترك أثر وأعراض جانبيه أخرى.. رغم أن العلاج الكيميائي، هو العلاج الوحيد، لمرضى السرطان، لكنه أيضا ينطوي على مخاطر كبيره ..أحسست أن الطفل يعاني من الألم المرض.. ويعاني أكثر من الألم العلاج ..لم استطع الوقوف أكثر..أحسست بالقهر وقلة الحيلة ، دمعت عيناي ،انسحبت بهدوء، مغادرا المستشفى ..وانا أفكر في صديقي محسن..وحال الطفل الصغير في المستشفى ..أصعب شئ هي معاناة الاهل.. وهم يرون أبنائهم يعانون المرض ،ويصارعون الموت، كل يوم ،ورغم الاهتمام، وصرف كل تلك الأموال .. إلا انه مرض يصعب النجاة منه ..لازال العلاج الكيميائي، غير مجدي لمرضى السرطان ،ونسبة العلاج، والشفاء منه لاتتجاوز اثنين في المائه فقط ..

في الصباح ..بسبب الارق لم انام جيدا.. أخذت الجوال، اقرأ الأخبار والرسائل ،وهي عادة جديدة استهوتني، بعد دخول النت حياتنا، أصبحت سمه من سمات العصر، التصفح بين قنوات التواصل والمواقع الإخبارية ،اعرف الأخبار بسهولة ويسر ، كانت رسالة من صديقي محسن ،وجدتها في الواتس.. قال فيها..ما أجمل الحياة.. حين أعطتني صديقا مثلك..وأعلم انك صديق لابني.. لمحت الدموع تنساب من عينيك.. وانت تغادر المستشفى بهدوء .. لهذا كنت حريصا الا تحضر الى المستشفى.. لانك لن تستطيع تحمل ذلك الالم ..وسيقهرك المرض لأنه مرض قاتل.. ولم يترك أمل للنجاة او والحياة .. اعلم انك تحبه ..ولكن هل اخبرتك يوما، اني انا ايضا احبك..توفى صديقك الصغير .. ابني .. في غرفة العلاج الكيميائي بعد معاناة مع المرض..

*أحمد الجعشاني*