آخر تحديث :الخميس-18 أبريل 2024-06:18ص

ملفات وتحقيقات


النرويج يعلم مأساة سبب قهر وانكسار العدالة في اليمن في قضية الضحية النرويجية .. فلماذا ظل الرئيس صالح لايحرك ساكنا حيال هذه القضية ؟!

الأربعاء - 12 فبراير 2020 - 02:03 م بتوقيت عدن

النرويج يعلم مأساة سبب قهر وانكسار العدالة في اليمن في قضية الضحية النرويجية .. فلماذا ظل الرئيس صالح لايحرك ساكنا حيال هذه القضية ؟!

(عدن الغد)خاص:

عدن الغد " تنفرد بنشر مذكرات  ( القطار .. رحلة إلى الغرب ) للرئيس علي ناصر محمد   (الحلقة 21) 

متابعة وترتيب / الخضر عبدالله : 

هارب من العدالة

يروي لنا كعادته الرئيس علي ناصر  عن مذكرات حياته وفي هذا العدد يواصل معنا  عن حادثة هاروب ابن رجل الاعمال شاهر عبدالحق  اليمني المتهم بقتل الفتاة النرويجية "مارتينا ماغنو " فيقول الرئيس ناصر :" بعد عام من زيارتنا لاوسلو حضر السفير علي محسن حميد (1)  حفل تكريم السيدة توكل كرمان الحائزة على جائزة نوبل للسلام لعام 2011م وكتب موضوعاً هاماً عن هذه القضية الانسانية " في جريدة الوسط بعنوان ابتسامة في صنعاء وحزن مقيم في اوسلو" ولأهمية ما جاء فيها من الناحية السياسية والقانونية والانسانية اورد اهم ما جاء فيه: 

لم أكن أود الكتابة في هذا الموضوع وتمنيت أن أقوم بدور في حله.. 

محاولاتي لم تكن بنفس حماسي في اوسلو وأنا أسمع تفاصيل حكاية قتل شابة نرويجية على يد شاب يمني ليقيني بأني لن أنجح في ما فشل فيه غيري من نرويجيين ويمنيين.

في حفل إفطار كبير في صنعاء شاهدت في التلفاز رجلا يبتسم ولكنه يحرم آخرين من نفس الابتسامة. 

الحكاية تمت في ابريل من عام 2008م عندما أقدم شاب يمني في لندن على قتل زميلته النرويجية مارتينا ماغنو سنوفر هاربا إلى صنعاء مطمئنا لغياب العدالة فيها. وقتها كان علي عبد الله صالح على سدة الحكم ومن غيره يمكنه توفير ملاذ آمن لفار من العدالة وهو الذي كان يعرف كل صغيرة وكبيرة ويوظفها أحسن توظيف لمصالحه وحده. ومنذ ذلك الحين لم تفلح محاولات الأسرة المكلومة التي قادها السيد شلماقنا بوندافيك –رئيس وزراء نرويجي سابق ورئيس مركز اوسلو للسلام وحقوق الإنسان– في رحلاته العديدة إلى صنعاء والقاهرة وفي الأخيرة قابل والد المشتبه به، وفي صنعاء قابل الوزراء ذوي الاختصاص، عدل، خارجية، داخلية وغيرهم بغرض طلب عونهم لحث أسرة المشتبه به على تسليم الأخير للقضاء البريطاني إما لتبرئة ساحته أو لإدانته بعد وضعه على قائمة المطلوبين للإنتربول (الشرطة الدولية)  بسبب عدم تعاون الحكومة اليمنية في تسليمه. ولاشك أن وزير الداخلية في حكومة باسندوة عبد القادر قحطان على علم أكيد بالموضوع لأنه كان مسؤول الإنتربول في اليمن. 

 

تعارض عائلة الضحية 

 

ويستطرد حديثه بالقول :" ومبدئيا تعارض عائلة الضحية المكونة من أب وأم وأخ وأخت محاكمة المشتبه به في اليمن خشية أن يصدر ضده حكم بالإعدام وهي من منطلق إنساني ضد عقوبة الإعدام برغم خسارتها الفادحة ولأنها لاتزال تقدر العلاقة العاطفية التي جمعت بين الضحية والمشتبه به وتتساءل أيضاً كيف استطاع المشتبه به قتل من أحب وأحبته. 

إن الغاية الأساسية للأسرة هي أن تستريح من عناء آلام التفكير بأن العدالة في اليمن غائبة أو مغيبة ولاتستطيع أن تطول المشتبه به وعاجزة عن أن تترجم مبادئ العدالة الإسلامية إلى فعل وتستغرب أنه طليق ومحمي بنفوذ يتعارض مع القانون. وعند الملمات توضع القيم والأنظمة والأديان على المحك.

وستتم المقارنة حتماً بين ماهم عليه ومانحن فيه من أحوال هي أقرب إلى أحوال عصر الجاهلية حيث القوة فوق القانون والقوي أقوى من العدالة وستجرى عملية مفاضلة بين قيم نزعم بوجودها وتأثيرها في حياتنا ولكنها فعلياً غائبة بينما هي حاضرة هناك حيث لا أحد يقلل من قيمة أي مواطن آخر لأنه يعتبر نفسه من الجنس الآري النقي الدم أو يزعم أنه ينتمي إلى خير أمة أخرجت للناس والواقع يكذب كل غطاس. البعض من القراء قرأ تقرير منظمة الشفافية الدولية الصادر في  4 اغسطس عن الفساد في عام 2011م الذي ذكر بأن النرويج هي أول دولة في العالم من حيث قلة الفساد فيها وأن اليمن من بين العشرين دولة الأكثر فسادا في العالم ويتذكر أن اليمن في عام 2011 كان تحت حكم علي صالح و32 عاماً قبله. 

 

قهر وانكسار العدالة في اليمن 

 

ويتابع  الرئيس ناصر الكلام حول تقرير علي محسن حميد حيث قال:" من يقرأ هذا التقرير في النرويج ويعلم مأساة مارتينا سيتبين سبب قهر وانكسار العدالة في اليمن وأن هذا القهر هو جزء من الفساد الشامل الذي تميز به عهد وصف نفسه بأنه أزهى عصور الديمقراطية التي يذوق الغريب معنا مرارتها.

صالح كان يعلم علم اليقين بما حدث في لندن وبالتفصيل ولكنه لم يحرك ساكناً لكي يستثمر الحادث لصالحه ولاشك أنه فعل. خلال زيارتي للعاصمة النرويجية اوسلو في ديسمبر 2011 بدعوة من معهد نوبل للسلام لحضور حفل تكريم المناضلة توكل كرمان ومنحها جائزة نوبل للسلام أتيحت لي الفرصة لمعرفة تفاصيل المأساة التي كنت قدتابعتها في الصحافة البريطانية عند حدوثها. 

 وفي اوسلو لم أملك سوى التعاطف الكامل مع الأسرة التي رأت في مناسبة حصول مناضلة يمنية على جائزة نوبل فرصة أتتها من السماء لتسليط الضوء على محنتها التي تتعاطف معها النرويج حكومة وشعبا. وفي اوسلو سمعت بأن النرويج قررت وقف تقديم أي دعم لليمن حتى تتحقق العدالة لمارتينا ولم تخرق هذا الموقف إلا عندما قدمت دعماً إنسانياً في  8 ديسمبر 2011 قدره 8 مليون كرون (مليون ومائتي ألف دولار). عن طريق الصليب الأحمر الدولي عندما أعلنت عدة منظمات دولية أن اليمن على شفا كارثة غذائية.

 وبمناسبة نوبل حشدت الأسرة والمنظمة التي أنشئت في اوسلو للمطالبة بالعدالة لمارتينا التي يرأسها السيد بوند افيك مساء يوم التكريم أنصار قضية مارتينا أمام فندق جراند الذي أقامت فيه السيدة كرمان ورفعت صورا كبيرة لإبنتها الشابة ويافطات تطالب بالعدالة وكان الإعلام  الدولي والنرويجي حاضراً أو فعلاً اهتم الإعلام النرويجي بتغطية هذا الحدث وشاهد النرويجيون وغيرهم الصور وقرأوا اليافطات ولعلهم تساءلوا باستغراب عن الصعوبة التي تحول دون تسليم مشتبه به لكي يواجه العدالة ولماذا تأوي دولة (هارب) من العدالة. 

قد يعلم هؤلاء وقد لايعلمون أن هذه الدولة التي تأوي مشتبهاً به تدعي الالتزم بحقوق الإنسان وبمواثيق دولية ذات صلة بالعدالة التي أصبحت قيمة إنسانية عالمية ملزمة لكل أطرافها وقطعاً هم لايعلمون أن هذه الدولة تضحك على شعبها برفع شعار 'العدل أساس الملك'!!!. 

في ظهر نفس اليوم 8 ديسمبر كان الإعلام النرويجي المرئي والمقروء قد اهتم بالأمر وغطى مؤتمراً صحافياً عقده السيد بوند افيك لتوضيح ملابسات القضية للرأي العام النرويجي وغير النرويجي وليكرر مطالبة الحكومة اليمنية بالمساعدة على تسليم المشتبه به للقضاء البريطاني. 

 

نصحية لشاهر عبدالحق بتسليم أبنه للعدالة النرويجية 

 

" أحد الوزراء اليمنيين نصح الأب بتسليم الإبن وأن ذلك في مصلحة الإبن أنه لوفعل ذلك لصدر حكم مخفف  فظروف الحادثة تسوغ للمحكمة إصدار هذا الحكم ولكان قد قضى ثلثي فترة العقوبة لو لم يهرب بعد الحادث إلى صنعاء. 

إن قضية مارتينا تستحوذ على تعاطف واسع في النرويج وفي إحدى المدن –وقد تكون اوسلو- سينحت فنان نرويجي تمثالا نصفيا لمارتينا سيذكر الناس لزمن طويل بمقتلها وبفشل العدالة اليمنية عن القيام بوظيفتها وبتواطؤ رسمي يمني لايستطيع احد إنكاره.

 

تعاطف غربي كبير مع الضحية مارتينا 

 

 " في اوسلو سمع والد الضحية وعودا معسولة بأنه في ظلال تغيير ومجيء حكومة جديدة (2)  ستفتح العدالة عينيها المغمضتين ويحدث انفراج في القضية. ولكن تفاؤلي لم يكن في محله لذلك اعتذر عن تفاؤل ربما خدر الأسرة لبعض الوقت وأطرح القضية الآن للرأي العام وللمحامين ولمنظمات حقوق الإنسان لتبنيه وللدفاع عن حق الأسرة في تحقيق العدالة وإنقاذ العدالة اليمنية مما لحق بها من تلوث وفساد. 

إن لليمن مصلحة في إنقاذ سمعته قبل فوات الأوان بالضغط على أسرة المشتبه به على تسليمه شاءت أم أبت وبذلك نبرئ الإسلام كدين مما ليس فيه، أما تبرئة المسلمين فتلك حكاية أشبه بحكاية سيزيف.  أما عن بريطانيا مسرحاً لجريمة فإنها تقف مع النرويج ولولا ظروف اليمن الاستثنائية وخاصة مواجهتها الإرهاب لكانت قد أوقفت أو خفضت مساعداتها له. وبحسب علمي فإن التعاطف الغربي مع قضية مارتينا كبير وقد يأتي وقت تجبر فيها اليمن على التخلي عن موقفها السلبي.  لقد أرسلت الأسرة رسائل إلى أعلى المستويات في الدولة ولا أحد يعلم مصيرها. الإمام الراحل أحمد حميد الدين كان لاينام إلا بعد أن يرد على كل برقية تصله وخاصة إذا كانت 'جوابلي'. ما بالنا لوكان قد تسلم رسالة 'جوابلي' من شمال الكرة الأرضية تطلب العدالة وليس سواها.  إن لمارتينا أُماً تتعذب كل يوم كما للمشتبه به أم سعيدة بالتهرب من العدالة لا تشعر بعذاب أختها في اوسلو. وبعيداً عن الحزن المقيم في اوسلو والسعادة المؤقتة والزائفة في صنعاء هنا كعدالة يجب ألا تنتظر أكثر مما انتظرت. لنبرهن أننا في بلد الشريعة فيه هي المصدر الوحيد للتشريع فعلا وأن النفوذ ليس فوق الشريعة، أي فوق حكم الله.  ولنعلم أن أسرة مارتينا لن تيأس وأن بعد اوسلو عن صنعاء لن يميت القضية وأنه كلما تحركت الحكومة بالسرعة المطلوبة كان ذلك أفضل لنا كشعب وحكومة وكحاملي قيم سامية لا تنحاز إلا للعدالة انتهى كلام علي محسن حميد . 



اللقاء بمحامي  الضحية مارتينا 

 

وفي باريس التقيت ظهر يوم 24 مايو 2017  بمحامي مارتينا (باتريك لوندييفال) الذي وصل من أوسلو للقاء معي بعد اتصالات جرت بيننا منذ شهرين عبر القيادي البارز في الحراك الجنوبي أحمد الدياني والذي كان له نشاط بارز منذ بداية الحراك وواصل نشاطه في الخارج من النرويج واميركا وغيرها من الدول الاوروبية. كان المفروض أن يقوم بزيارة على رأس وفد الى القاهرة أو بيروت لمناقشة التطورات في اليمن والمنطقة ولكن هذا اللقاء تأجل بسبب انشغالنا وعلمت أثناء اللقاء أنه يحمل دعوة من رئيس الوزراء النرويجي لزيارة أوسلو وأنهم يرحبون بعقد مؤتمر للمعارضة في اليمن شمالا وجنوبا وأن الحكومة النرويجية تتكفل باتخاذ كافة الترتيبات والتسهيلات لنجاح هذا اللقاء ولكنني لم أقتنع بكلامه وكنت أخشى أن يتحول هذا اللقاء الى مناقشة قضية الفتاة مارتينا واعترف المحامي أنه في نهاية هذا اللقاء سيطالبون المشاركين في هذا المؤتمر باصدار بيان للمطالبة بمحاكمة السيد فاروق شاهر عبد الحق ولكنني رفضت هذا العرض لأسباب سياسية مع تعاطفي انسانيا مع قضيتها وسبق وأن أكدت أكثر من مرة أنني مع حل هذه القضية وفقاً للأنظمة والقوانين للدولة التي جرت فيها هذه الحادثة




من أوسلو... إلى جوتنبرج في السويد 



يواصل لنا الرئيس الأسبق علي ناصر حول رحلته من أوسلو إلى جوتنبرج في السويد  حيث قال :" عند الساعة الثانية والنصف من بعد الظهر انطلق بنا الباص في طريقنا إلى جوتنبرج، بعد أن غيرنا وسيلة مواصلاتنا القطار في أخر لحظة، حيث كان من المفترض أن نستقله في السادسة مساء لكننا رأينا الاستفادة من فارق التوقيت بين موعد رحلته وموعد الباص للوصول مبكراً وموافاة مضيفنا السيد خالد السعدي، شقيق طارق السعدي الذي كان يعمل معي في دمشق، لكنه هاجر إلى كندا وتزوج هناك وكون أسرته، وهما ابن أخت صديقي محمد صبري كتمتو "أبو فراس" وأخيه عمر كتمتو الذي ودعنا في المحطة.

انطلق الباص بعد صعود الركاب بثوان في موعده دون أي تأخير، جلسنا إلى مقاعدنا، بينما أخذ الباص يشق طريقه بعد مسافة قصيرة مر خلالها داخل نفق طويل، وعندما خرج منه رأيت البحيرات على يميني عبر طريق مكسوة بالغابات... وبينما كنت ومرافقي مبهورين بروعة وجمال المنظر والطبيعة الخلابة، كان بقية الركاب أما مسترخين في مقاعدهم، أو نائمين غير مبالين بشيء، فهم معتادون عليها ولا يشعرون بالانبهار نحوها مثلنا... أقصد الطبيعة وجمالها.

الباص يسير ببطء.. سائقه رجل في الخمسين من عمره تقريباً.. طويل، أنيق، مظهره، بدلته، ربطة عنقه الحمراء، قميصه الأبيض، نظارته الشمسية، كلها تمنحه مهابة، وتجلب له احترام الركاب الذين كانت ملابسهم دون أناقة السائق بكثير... فهو المسؤول في الباص، ويفتح بابه بجهاز التحكم في قمرة القيادة بمجرد الضغط على زر صغير بأصبعه لصعود أو نزول الركاب الذين يمرون عليه قبل الجلوس إلى مقاعدهم، شتان بين أناقة ونظافة هذا السائق والسواقين في بلادنا، فملابسهم متسخة، والأوسخ منها ثياب مساعديهم في الرحلات الطويلة (جراج بوي أو جيرش بوي باللهجة العامية) بعضهم يعتبر ذلك من مظاهر الرجولة والفتوة، وأحياناً "البلطجة" وفى اليمن يزداد الأمر سوءً إذ يخزنون القات ويدخنون بشراهة، ويقودون بتهور، ويكثرون من الثرثرة مع الركاب، ويفقدون التركيز، ويتسببون بالحوادث، لهذا تجد أعداد الموتى في الطرقات أكثر من الذين يقتلون في الحروب الصغيرة والكبيرة وماأكثرهما، ولا يتورع البعض منهم في احتساء الكحول المغشوش والمخدرات ويكون لذلك بالإضافة إلى الحرمان من النوم تبعات قاتلة، بعد نشوة القات! لا يبلغ السائق الذي لايحترم مهنته ولاسلامة الركاب ذروة الكيف والانبساط إلا عندما يرمي بقنينة الخمر على حجر، أو على قارعة الطريق ليسمع صوت ارتطامها، وتحطمها، وتحولها إلى شظايا متناثرة..! وإذا علقت "القارورة" في الرمل يشاركه آخرون في اطلاق النار عليها من مسدساتهم، أو الكلاشنكوف!! هذه بعض افرازات ثقافة العنف وممارسته كسلوك لم يجد من يتولى ترشيده.

يتوقف الباص لدقائق... ينزل بعض الركاب في محطتهم... تصعد إليه أربع فتيات، شقراوات بالغات الطول والجمال... يعلق لؤي صالح بأنهم من الجنة الموعودة..

 الباص يتحرك من جديد... سرعته لا تزيد على المائة كلم/سا حرصاً على حياة الركاب. على اليمين رأينا وعولاً وظباء ترعى بهدوء.. فهي محمية ولا أحد يطلق عليها النار كما يفعل الناس في بلادنا كلما رأوا حيواناً حتى انقرض الكثير منها... وبعضها من النوع النادر فيخلون بالبيئة من حيث لا يعلمون كما حدث في جزيرة كمران -التي كانت محمية طبيعية يمنع فيها الصيد- حيث انقرض العديد من الحيوانات النادرة التي كانت تعيش فيها. 

 

الحقيبة وعناء السفر 

 

 ويتابع حدبثه عن رحلته :" مرينا  بجسر معلق فوق نهر كبير يربط بين الحدود النرويجية - السويدية.. يتوقف الباص... يصعد إليه شخص يبدو انه من حرس الحدود، يطلب من الركاب النزول مع حقائبهم للتفتيش.. نمتثل لأمره، ننزل ونمر أمام كلب أسود ضخم، علق أحد أصدقاء الرحلة "سينبح" إذا اكتشف وجود مخدرات مع أحد الركاب أو في حقيبته لكن الكلب لم ينبح.. وهذا يعنى أنه لم يشتم شيئاً مثيراً للريبة... بدلاً منه اندفع أحد الضباط نحو حقيبة ملابسنا "ونبح" هو (وليس الكلب) يبدو أن حجمها الكبير هو ما أثار ريبته، فقد كانت الوحيدة بهذا الحجم إذ كان بقية الركاب يصطحبون حقائب صغيرة يسحبونها على عجلات متحركة... بينما كانت حقيبتنا الكبيرة تنوء بثقلها من الملابس التي لم يكن من مبرر لتكديسها بهذا الشكل في رحلة قصيرة كهذه... هذه الحقيبة التي عانى ماهر حداد مرافقي في هذه الرحلة الكثير من ورائها حيث كان يجرها وراءه عند انتقالنا من محطة إلى محطة..

بعد أن فتشوا الحقيبة، لم يجدوا فيها شيئاً ذي بال... اعتذروا بلطف وطلبوا إلينا والى بقية الركاب العودة إلى الباص... وأغتنم الركاب فرصة التوقف في الذهاب إلى الحمامات وفي التدخين، واخذ بعض الراحة لبضع دقائق قبل أن ينطلق الباص مجدداً لإكمال رحلته إلى مملكة السويد، شاقاً طريقه عبر عالم كله اخضرار وطريقاً سالكة مريحة تشعرك بالراحة والاطمئنان بأنك ستصل بسلام. 

في محطة الوقوف الواقعة في قلب مدينه جوتنبرج  (3)، كان السيد خالد السعدي في انتظارنا، رحب بنا واقلنا بسيارته التاكسي... 

 

الجميع مرتاحون في السويد 

 

ويستدرك :" ذَّكرني بأنه التقى بي سنة 1982 م في مدينة سرت الليبية عندما كنت في طريقي الى كوبا، وقد شاركنا مع العقيد القذافي في حفل تخرجه مع دفعة الكلية الجوية (4)، وكان من ضمن دفعة الجبهة الشعبية –القيادة العامة التي يرأسها أحمد جبريل والتي تتخذ من دمشق مقراً لها... فيما بعد اختلف مع جبريل الذي سجنه لسنة ونصف، وبعد إطلاق سراحه هاجر إلى السويد التي استقر فيها بعد مروره وإقامته في عدد من الدول الأوربية، وقد حصل على الجنسية السويدية هو وأبناؤه، وأَلحق أولاده بالمدارس والجامعات. اخبرني أن ملك السويد كرم ابنته "لين" لتفوقها ومنحها منحة مالية قدرها 25 ألف كرون ومجموعة من الكتب، هذه المنحة ترجمة عملية لمبدأ المواطنة المتساوية التي نفتقدها في اليمن وفي البلاد العربية، وقال أن الجميع هنا مرتاحون في السويد، وان الجاليات الفلسطينية واليمنية والسورية والصومالية، متآخون ومتحابون ويعيشون في وئام في هذا البلد.. وأنه تجمعه صداقة شخصية مع فارس فضل السلامي –ابن الشهيد فضل السلامي- الذي هاجر من عدن إلى هذه المدينة.. 

كان السيد خالد السعدي عائداً لتوه –كما أخبرني- من مظاهرة احتجاج على مباراة كرة قدم أقيمت في المدينة بين فريقين إسرائيلي وسويدي.. وقد دخلوا الملعب الذي جرت  فيه المباراة بالأعلام الفلسطينية ولافتات الاحتجاج وهم يهتفون ضد إسرائيل... وقد تدخل البوليس السويدي لتفريق المظاهرة واعتقل عدداً من المتظاهرين لتجنب الصدام بين الفلسطينيين والإسرائيليين.

وأخبرني أن السيدة "أم فراس" أرملة خاله وصديقي الراحل محمد صبري كتمتو، ورئيسة "البيت الفلسطيني" كانت هي التي تقود المظاهرة بنفسها وقد تلقت ضربة على بطنها من البوليس أثناء إسعافها لإحدى الفتيات الفلسطينيات التي سقطت على الأرض بعد أن تعرضت للضرب من البوليس وأغمي عليها.

كان خالد السعدي يخبرنا بذلك ونحن في طريقنا إلى العشاء في مطعم تركي... عندما وصلناه كانت الساعة تشير إلى الثامنة وعشر دقائق، عشرات الأتراك والعرب والمسلمين وغير المسلمين يتناولون طعامهم.. ابنة صاحب المطعم قدمت لنا الطعام بنفسها، وقد علمنا أن والدها هو الذي يخبز الخبز ويحضر الوجبات، بينما تتولى زوجة أخيها تقديمه للزبائن، وهي جميلة وتتكلم العربية بطلاقة دون لكنة تركية.

العشاء الذي تناولناه كان لذيذاً.. وهذه هي المرة الأولى التي أتناول فيها مثل هذا الطعام الشهي منذ حوالي شهر، فالمطبخ التركي قريب من المطبخ الشامي إن لم يكونا واحدا.سلمنا على صاحب المطعم وأبدينا إعجابنا بطعامه الشهي وكان سعيداً بذلك.. ثم انتقلنا إلى منزل مضيفنا خالد السعدي لتناول الحلويات والشاي.

 

خلافات فتح وحماس 

 

ويقول أيضاً :" خلال ذلك تناولنا أطراف الحديث... وكان الغائب الحاضر ياسر عرفات "أبو عمار" هو المهيمن على جزء غير يسير من حوارنا أثناء تلك الجلسة حول القضية الفلسطينية، باعتبار مضيفنا السعدي فلسطينياً، وقد هاجم عرفات والقيادات الفلسطينية، التي وصفها بالخائنة للقضية!

دافعت عن (أبو عمار) العاشق لفلسطين، والذي ناضل في سبيلها حتى الرمق الأخير من حياته، فنذر نفسه لها، ومات من أجلها شهيدا.. شهيدا.. شهيدا، حتى أخذه الموت الذي لا مفر منه، وأعربت عن رأيي بأن يتجاوز الفلسطينيون خلافاتهم خاصة بين حماس وفتح لأن المستفيد الوحيد منها هو العدو الصهيوني. وهنا ذكرت له حادثة أخبرني بها خاله عمر كتمتو عن أبي عمار.. 

في شهر أكتوبر تشرين الأول لعام 2003, كان عمر كتمتو في زيارة عمل للمقاطعة برام الله برفقة وزير الخارجية النرويجية آنذاك السيد (جان بيترسون)  Jan Petersen وكان الحصار شديداً على عرفات, وحينما تدخل إليه في المقاطعة, تمر من خلال هرمين عاليين من الدمار الذي فيه تراب وحجارة وسيارات محطمة تم تجميعها على طرفي الممر المؤدي إلى مكتب الرئيس كي يرى كل من يأتي إليه من القادة أو السياسيين الشاهد الحي لجرائم رئيس الوزراء الإسرائيلي شارون.

في تلك الجلسة أبلغ الوزير النرويجي عرفات بأنه طلب خلال زيارته لشارون أن يفك الحصار عنه وأن يسحب قواته المحاصرة وآلياته ودباباته المحيطة بمقر عرفات, وطلب من أبي عمار العمل مائة بالمائة على إيقاف العنف!. 

كان جواب عرفات قراءة قائمة موجودة أمامه بأعداد القتلى المدنيين الفلسطينيين من أطفال ونساء وشيوخ, وأعداد البيوت التي نسفت والنساء اللواتي أجهضت على الحواجز والمدارس التي دمرت والمزارع التي جرّفت, والأسرى الذين اعتقلوا وكل ما من شأنه التأكيد على استمرارشارون بنهجه العدواني. كرر الوزير طلبه أكثر من مرة وأجابه عرفات بنفس الجواب انتهى اللقاء دون مؤتمر صحفي, عاد بعده الوزير لسيارته لكنه قضى ليلته في رام الله, وعاد عرفات إلى مكتبه الذي ينام فيه ويقاتل ويصلي فيه أيضاً, وكان حزيناً جداً ومتعباً جداً, فرافقته بينما ذهب الوفدان إلى الفندق للقاء يجمع الوزيرين نبيل شعث و بيترسون بعد ساعة, وذهبت بعد ذلك للمشاركة في اللقاء المذكور.

لكنني وبعد أن عدت مع أبي عمار إلى مكتبه، والكلام لايزال للسفير عمر كتمتو وبعد أن حدّق في الأوراق الموجودة على طاولته دون أن يقول شيئاً, استأذنته بأن أقول أنا شيئاً ما بصفتي سفيره في النرويج, فقال لي "نعم تفضل وقول اللي عندك ياعمر"

 

قلت يا سيادة الرئيس. هذا الرجل السيد بيترسون هو زعيم حزب المحافظين ثاني الأحزاب النرويجية قوة, وله في الوزارة حصة الأسد مع الحزب الديمقراطي المسيحي, وكان من المفترض أن يكون رئيس وزراء الحكومة الائتلافية الحالية, وهو وزير خارجية دولة تقدم لنا سنوياً ملايين الدولارات, لذا برأيي وبعد إذْنك كان الوزير يسعى للحصول على شيء سياسي منك يعود به إلى بلاده فما رأيك؟ نظر لي أبو عمار وقرع الجرس الموجود في طاولته وقال لأحد المرافقين "أعملوا قهوة للسفير" ومن ثم قال لي بلهجته المصرية المحببة:

(أسمع ياعمر, النرويجيين دول كانوا صادقين معايا مالياً وسياسياً مقدرش أكذب عليهم. هو عاوزني أوقف, أوقف إزاي وهم يقتلوا أطفالنا ونساءنا وشيوخنا وبينسفوا بيوتنا وبيقتلوا شبابنا وأنا شكلت كتائب الأقصى على شان أوقف, مستحيل, دا اللي اعطيته لاسرائيل لا يجرؤ أي زعيم عربي أو مسلم أن يعطيه وشوف عملوا بييا أيه, لأ دول كمان قتلوا رابين لأنهم مش عاوزين سلام.. تعرف ياعمر دول عاوزين إيه؟, دول عايزين الأرض كلها, وأنا لذلك عايز الأرض كلها, يا بخرج من هنا لدولة عليها القيمة, يا بخرج محل ما ربنا عايز, إنما أنا ياسر عرفات, أنا مش حخون, مش حخون, مش حخون..)

أحسن السعدي ضيافتنا واهتم بنا وبعد شكره على كرمه غادرنا الى فندقنا.

بتنا الليلة الأولى لنا في "جوتنبرج" في الفندق، وفي الصباح قمنا بجولة لأهم معالم المدينة برفقة خالد السعدي، القصر الملكي.. وبعض المباني التاريخية.. والبحيرات.. والقناة التي قال خالد أنها أطول قناة تربط بين السويد وألمانيا والنرويج.. وحرص أن نشاهد الفرع الذي يلتقي عنده الماء الحلو أو العذب بالماء الأجاج على شكل مجموعة متتابعة من الموجات تتوسع من المركز لتشكل دوائر منتظمة قبل أن يختلط الماء العذب بماء البحر المالح. 

 

السويد طبيعة وجمال المكان 

 

ويتحدث عن طبيعة وجمال السويد :" الطبيعة في هذه المدينة جميلة وسخية مثلما هي في بقية أراضي السويد الغنية... غمرنا خالد السعدي بلطفه وكرمه وجعل من إقامتنا القصيرة في "جوتنبرج" مريحة وممتعة حتى انه عرض علينا أن ينقلنا بسيارته إلى كوبنهاجن التي قدمنا منها.. ولكننا اعتذرنا عن قبول عرضه شاكرين له كرمه وضيافته الكريمة. ( للحديث بقية ) .. 

 

هوامش 

 

1- السفير علي محسن حميد، دبلوماسي يمني مخضرم، اختار منذ زمن طريق المعارضة من دون تحزب لفصيل بعينه. كان في السادسة عشر من عمره حين تحركت قوات عبد الله السلال قبل تسعة وأربعين عاما للاطاحة بحكم الإمام. يُعتبر شاهدا على ثورة السادس والعشرين من سبتمبر عام 1962، كما انه شاهد على الانتفاضة الشعبية والشبابية الاخيرة التي اسقطت النظام عام 2011م، شغل العديد من المناصب السياسية سواء في اليمن أو في جامعة الدول العربية، وله العديد من التابات السياسية والاقتصادية في عدد من الصحف العربية. 

2- - الحكومة الجديدة، حكومة الوفاق الوطني برئاسة محمد سالم باسندوه ورئيس الدولة الجديد التوافقي عبد ربه منصور هادي 



3- غوتنبرغ، تأسست المدينة في عام 1621 بواسطة الملك السويدي غوستاف الثاني أدولف بعد أن غزا المنطقة التي كانت تحت حكم الدنمارك - النروج وهي مدينة وبلدية تقع في الساحل الغربي من السويد بالقرب من  بحر الشمال وهي ثاني أكبر مدن السويد بعد ستوكهولم . 

4- - ذكَّرني الصديق خالد السعدي -الطيار السابق- بالطياريين اليمنيين الذين شردهم "صالح" من أعمالهم، وقطع ارزاقهم وأضر بمستقبل أولادهم، واضطروا بعد بيع ما خف وغلى أن يشتغلوا بائعي قات أو سائقي تكسي كالسعدي، ولكن في الجنوب وليس في السويد وبعضهم اصيب بالجنون أو بمرض نفسي وهذه واحدة من مخرجات "صالح" التدميرية للاسرة اليمنيةوالشعب  والوحدة في الشمال والجنوب .