آخر تحديث :الخميس-18 أبريل 2024-02:14م

ملفات وتحقيقات


تقرير: المجلس الأوروبي بشأن الجنوب.. إخفاقات وخلافات بالجُــملة.... لمَـــن تُــــقرع الأجراس ؟ّ

الثلاثاء - 28 يناير 2020 - 04:07 م بتوقيت عدن

تقرير: المجلس الأوروبي بشأن الجنوب.. إخفاقات وخلافات  بالجُــملة.... لمَـــن تُــــقرع الأجراس ؟ّ

تقرير صلاح السقلدي

قبل يومين أصــدرَ  المجلس الأوروبي - وهو مجلس  قمة لرؤساء الدول ورؤساء الحكومات الثمانية والعشرين الأعضاء في الاتحاد الأوروبي وتعهد به إلى تحديد المجالات الرئيسية لسياسة للاتحاد، لا سيما في السياسة الخارجية - تقريرا قاتما من عدة نقاط كانت صادمة وخطيرة لنا جميعا بخصوص الوضع بالجنوب " جنوب اليمن"،برغم ما حوى في ثناياه مِــن ومضات نور خاطفة، يجب ألّا تُــمرُ مرورُ الكرام أمام أعين القوى الثورية الجنوبية والمجلس الانتقالي الجنوبي على وجه الخصوص، والقيادات الجنوبية بالداخل والخارج، ليس لأن هذا التقرير صادراً عن جهة دولية " المجلس الأوربي" تتبع أهم التجمعات  الدولية بالعالم، " الاتحاد الأوربي" لها حضورها وتأثيرها الطاغي بالساحة الدولية ومنها الشرق الاوسط، ولكن لما حفَــلَ به هذا التقرير من اشارات وانتقادات وإخفاقات وخلافات خطيرة بشأن الوضع بالجنوب والعلاقة بين قواه الثورية والسياسية والاجتماعية وعلاقتها بالقوى الشمالية والإقليمية, وخطورة أن يفضي هكذا وضع ملوث ومسموم الى أن يصير الجنوب في نهاية المطاف فرسية سهلة بيد الأجنبي.

 

هذا التقرير برغم ما أشار فيه الى المكانة الدولية التي وصلت إليها القضية الجنوبية وإلى ضرورة تمكين الجنوبيين من حقهم السياسي المتمثّــل بحق تقرير مصيرهم بأنفسهم، وكيف صارت القضية الجنوبية على طاولة القوى الدولية الفاعلة بعد عقدين ونيف من القهر والعسف الداخلي، ومن التجاهل الدولي والإقليمي، وبرغم ما  اشار فيه الى النجاحات السياسية اللافتة التي حققها المجلس الانتقالي الجنوبي على الساحة المحلية والدولية - بحسب التقرير- ،وصولاً الى اتفاق الرياض الذي يبدو -بحسب التقرير أيضاً- مهددا بالفشل بسبب ضعف الأداء السعودي، إلًا أنه أي التقرير اشار الى نقاط غاية بالقتامة والخطورة، سواءً وهو يتحدث عن حالة التعثر والتنافر التي تعتري القوى الجنوبية التحررية - أو ما يصفها  بالفصائل الجنوبية بالانفصالية- وعلى رأسها الانتقالي الجنوبي ،أو الى حالة غياب البرامج السياسية والاجتماعية لهذه القوى، أو للعلاقة المتشظية التي تعتري هذه القوى ببعضها بعض وبعلاقتها المشوشة مع القوتين الرئيستين بالتحالف: السعودية والإمارات.

صحيح أن التقرير تحامل كثيرا على القوى الجنوبية واستقى جزءاً من معلوماته من جهات تكن للجنوب الضغائن السياسية ,وهذا واضحا من خلال بعض العبارات والمفردات التي تستخدمها عادة قوى محلية يمنية مناوئة للقضية الجنوبية وللانتقالي بالذات، إلّا أن هذا لا يعني إغفال ما ورد فيه من نقاط نظنها صحيحة وفي غاية بالخطورة، وتقرع بها الأجراس الحزينة على الجنوب  الذي نخشى أن نجده مسجّى على قارعة الزمن ،إن لم يأخذها الجنوبيون محمل الجد بكل تجرد، ويقفون عليها بجدية، والتعاطي معها بعقول منفتحة متحررة من نظرية المؤامرة ومن رغبة الاستحواذ والتفرد، ومن سلوك تصعير الخد للآخر، ومن حالة اللامبالاة لما يصدر عن المنظمات الدولية من تقارير وملاحظات التي تترى تباعاً بالآونة الآخرة.

 سنشير هناك الى أهم النقاط التي أوردها التقرير، متجاوزين بذلك الشرح التاريخي المطوّل الذي استرسل فيه هذا التقرير بشأن الوضع السابق بدولة الجنوب، وبطبيعة النظام السياسي ودورات الصراعات والتجنحات الحزبية والسياسية داخله، والإيجابيات التي حققها ذلك النظام برغم كل إخفاقاته، خصوصا من نافذة سيادة القانون وهيبة الدولة وفرض حالة الأمن والاستقرار المفقودين اليوم، والذي وصفه  التقرير أي النظام السابق بالجنوب بأنه كان متعصبا لليمنية بقوة وأغفل الهوية الجنوبية الى أبعد مدى، ،وكيف كان مصير وحدة 90م التي اجهضتها حرب 94م التي قال عنها التقرير أنها مكّــنت الرئيس السابق صالح والجماعات الجنوبية الموالية له والحركات الإسلامية المتطرفة من الأصوليين الإسلاميين ،والمقاتلين الذين عادوا من الجهاد في أفغانستان ، والشماليين الذين اعتبروا الجنوب كمنطقة للإلحاد والشيوعية، مكنتهم جميعا من الجنوب ونهبه، بحسب التقرير الذي أشار  كذلك الى مرحلة الظهور العلني الحراك الجنوبي" ثورة الجنوب" والخارطة الجغرافية العريضة التي تمد فوقها ، بقوله: ( فعام 2006 ، بدأ أفراد الجيش والأمن اليمنيون الذين أجبروا على التقاعد بعد عام 1994م، الحركة التي طالبت في البداية بدفع معاشاتهم التقاعدية ، بحثاً عن وسائل لتحقيق مستوى معيشي معقول، تسبب القمع الوحشي لنظام صالح للحركة في توسعه إلى ما وراء ضالع ولحج ، حيث سيطر على مدينة عدن ومناطق مثل محافظة حضرموت الشرقية.).وكيف سحبت تلك الصراعات الجنوبية القديمة  نفسها على وضع ما بعد الوحدة 90م وحرب 94م، وصولاً الى أوضاع ما بعد 2015م .

.... نشير هنا إلى ست نقاط نعتقد أنها أهم وأخطر ما أورده هذا التقرير، مع تعليقنا العابر عليها :

 

  -1- يشير التقرير الى حالة الانقسام الحاد داخل الصف الجنوبي و وكيف أن هذا الانقسام ينعكس سلباً على  انتاج برامج سياسية واقتصادية واجتماعية ولو قصير الأمد، وهنا يقع على كاهل القوى الجنوبية الفاعلة وأولها المجلس الانتقالي والشخصيات الجنوبية المستقلة والنضالية البارزة بالداخل والخارج صياغة مشروع وطني متكامل بعد لملمة هذا الشتات الجنوبي واستئناف جولات الحوار  التي بدأها المجلس الانتقالي ودعت لها كثير من الشخصيات والكيانات المختلفة ولكن حوار شفاف وواضح لا يستثني منه إلا من لا يرغب فيه بمحض ارادته- على طاولة مستديرة، والبحث عن قواسم جنوبية مشتركة تطغى على التباينات، خصوصا حين يتعلق الأمر بالاستحقاقات أمام الهيئات والمنظمات الدولية، حيث يقول التقرير حرفيا:

 ( حاولت الدول الأوروبية والقوى الأجنبية الأخرى ، دون جدوى ، تشجيع مختلف الحركات الانفصالية على إعادة التنظيم إلى عدد يمكن إدارته من المنظمات ذات الأهداف الواضحة، وشمل ذلك سلسلة من الاجتماعات في أبو ظبي وعمان وبيروت والقاهرة وعواصم أوروبية مختلفة ، حضرتها مجموعات متباينة من الزعماء الانفصاليين وأتباعهم كان آخرها في بروكسل في ديسمبر 2019م/ في أحسن الأحوال ، التزم هؤلاء القادة بحضور اجتماعات المتابعة. لكنهم لم يتمكنوا باستمرار من الاتفاق على برامج أو أهداف قصيرة الأجل، في حين أن جميعهم يطالبون إما بالحكم الذاتي للجنوب داخل اليمن الموحد أو العودة المباشرة إلى دولة جنوبية مستقلة على طول حدود ما قبل 1990 ، فإن أي إعلان بارز عن تجمع رسمي للمنظمات الانفصالية أدى على الفور إلى نفي من قبل بعض الموقعين، ينتج هذا الفوضى عن افتقارهم إلى السياسات الأساسية: لم يقم أي منهم بتطوير أي برنامج اجتماعي أو اقتصادي أو أي برنامج آخر يتجاوز الدعوة إلى الانفصال. كما أنه ناتج عن أهدافهم الضيقة الأفق التي تخدم مصالحهم الذاتية - والتي تتجاهل احتياجات السكان الأوسع ، بمن فيهم مؤيدوهم ، وكلهم يعانون من عدم الاستقرار والمشاكل الاقتصادية العميقة ).انتهى الاقتباس.

 

    -2-  الخطاب الجنوبي الموجّــه للخارج بحاجة الى مراجعة و انفتاح أشمل وأعمل على الجميع، ونقصد  بالذات الانتقالي الجنوبي، لئلا يظل الماضي الجنوبي الألم سيفا مسلطا بيد القوى اليمنية والإقليمية والدولية على رقاب أجيالنا ومستقبلهم وقرارهم السيادي وثرواتهم الطبيعية، مع أحقية المجلس الانتقالي بأن يكون له خطابا مستقلا يتبنى مشروعه السياسي. وهذه النقطة اشار اليها التقرير بوضوح بقوله: (.. فمنذ عام 2017م سيطرتْ إحدى الفصائل على الخطاب الوطني والدولي حول الانفصالية الجنوبية: المجلس الانتقالي، وهي منظمة أسسها في أبريل من ذلك العام حاكم عدن عيدروس الزبيدي السابق ، وحلفاؤه المقربون هاني بن بريك ، السابق وزير بدون حقيبة في حكومة هادي ، وشلال شلال علي شايع. تعرض هادي لضغط من التحالف الذي تقوده السعودية - وخاصة الإمارات العربية المتحدة ، التي مثلته في عدن - لمنح الزبيدي وحلفائه مناصب حكومية (على الرغم من دعمهم للانفصالية ومعارضتهم لفصيل هادي في صراع 1986 م).انتهى الاقتباس.

 

     -3-  وكما أسلفنا فأن نقطة ضعف الجبهة الجنوبية، أو" كعب أخيل الجنوبي" إن جاز لنا القول تُــكمنُ في غياب رؤية سياسية جنوبية شاملة تستوعب القضية الجنوبية وتعبر عنها بشمولية وتنتصر لها محليا ودوليا، وهذه النقطة  هي نتاج التفتت الجنوبي ولتبعثر قدرات كوادره المتخصصة ولتغييبها عن موقع صنع القرارات داخل الكيانات الجنوبية أو رغبته بالانكفاء على الذات جرّاء اليأس والقنوط ، وكيف أن التمزق الداخلي يضعف القبضة الجنوبية بالمجال السياسي وعلى الأرض ويقوّض بالتالي  سيطرت الجنونيين الاستقلاليين على مقاليد الأمور في أرض الواقع ويجعلهم في نهاية المطاف فريسة الوجود الأجنبي، على الأقل مقارنة بطريقة تعامل الحوثيين الصلبة و أسلوبهم الأمني الحازم في مناطقهم كسلطة أمر واقع، وهي القبضة التي امتدحها التقرير برغم كل ما قاله عنهم , حيث يشير  بوضوح إلى ما ذكرناه ،قائلا) : أدت الحرب 2015م إلى تفاقم التفتت السياسي للجنوب ،والانفصاليين الجنوبيين أثبتوا أنهم غير قادرين على التغلب على تنافسهم بين الفصائل أو وضع استراتيجيات تعالج مشاكل التنمية الاجتماعية والاقتصادية والسياسية للسكان، لا يقدمون أي برنامج يولد الدعم خارج المنطقة التي يمثلونها ، وبالتالي يكونون عرضة للنفوذ الأجنبي، في حين أن الجنوب ممزق بين العديد من الحركات المتباينة والمزاعم الانفصالية ، فإن الحوثيين يديرون سفينة ضيقة في المناطق التي يسيطرون عليها ، على أمل توسيع نموذج حكمهم في جميع أنحاء البلاد، برغم انهم مكروهين على نطاق واسع إلا أنهم يقدمون نوعًا من السيطرة المركزية القوية التي يتوق إليها بعض الناس، فمثلما عارض العديد من اليمنيين النظام الاشتراكي لكنهم احترموه لفرضه القانون والنظام - ولقدراته التنظيمية الأوسع - فقد يرون فوائد حكم الحوثيين ، خاصة بالنظر إلى الفوضى داخل قوات الحكومة.) أنتهى.

 

     -4- لا ينفك التقرير عن التركيز على تهميش القوى الجنوبية  خارج المجلس الانتقالي. وبرغم أن هذه النقطة يتم استخدامها في كثير من المناسبات لغرض الوقيعة بين القوى الجنوبية والتشنيع بالمجلس الانتقالي، إلّا أنها يجب أن تظل حاضرة بكل حركات وسكنات المجلس الانتقالي -  الذي يحقق مكاسب سياسية باعتراف هذا التقرير- وغيره من القوى الأخرى ليس فقط للجم كل من يثير مثل هكذا دسائس ولكن لأنها نقطة حساسة وتسحق المعالجة .لذا وجب التنويه. حيث يفرد التقرير لها أكثر من عبارة، ومنها قوله: (أنشأ المجلس الانتقالي مكاتب في بعض العواصم الغربية ، وتمكن من الوصول إلى خدمات شركات العلاقات العامة ، بينما يسافر قادته للقاء قادة العالم وتعزيز قضيته وقد مكنه ذلك من الوصول إلى مكانة دولية على حساب العديد من المنظمات الانفصالية الجنوبية الأخرى ، التي تم تهميشها في العامين الماضيين،بسبب الانقسام ، لم تتمكن المجموعات الانفصالية الجنوبية حتى الآن من تطوير مواقف مشتركة أو إنشاء تحالفات دائمة ، وبالتالي منع المجتمع الدولي من إيجاد محاورين بينهم. إذا أراد صانعو السياسة الدوليون تغيير ذلك ، فهم بحاجة إلى فهم مختلف مسارات الانفصال التي تمر عبر الجنوب فيما يتعلق بحدود اليمن قبل عام 1990.). أنتهى الاقتباس.

-5-  عــــرّجَ التقرير بإسهاب كبير على حضرموت، ماضياً وحاضرا ومستقبلا, طارقا كل الجوانب السياسية والاقتصادية  والثقافية والفكرية المذهبية. ولأن الشرح يطول إن نحن استعرضنا كل ما ورد فيه با بخصوص حضرموت إلّا أننا سنعرض أهم  نقطة نعتقد أنها وردت بالتقرير، وتشكل مبعث خطر على الأمن والنسيج الاجتماعي لهذه المحافظة الهامة، وهي مسألة استهداف وحدتها الاجتماعية التي تضرب بالصميم من قبل جماعات  تكفيرية متطرفة تم جلبتها من قِــبل قوى حزبية يمنية واقليمية خلال الربع قرن الماضي من خارج المحافظة ، حيث يقول التقرير بعبارة مظلمة: (هناك احتمال حقيقي لزيادة التوتر بين مؤيدي التقاليد الصوفية والحركات السلفية التي تم تأسيسها مؤخرًا والإصلاح والجماعات الجهادية. يتمتع الصوفيون بحضور مهم للغاية في تريم - موطن دار المصطفى ، وهي مؤسسة صوفية شهيرة تجذب العديد من الطلاب الأجانب، يشكل ظهور الجماعات السلفية المتطرفة في المنطقة تهديدًا وجوديًا للنسيج الاجتماعي المتنوع لتريم والهوية الثقافية الغنية والأسر البارزة لديها ـ الحركات الجماعات الجهادية- القدرة على تفاقم الطائفية في حضرموت وزيادة تآكل التسامح الديني في جميع أنحاء البلاد.).انتهى الاقتباس.

 -6- محافظة المهرة تواصل ابتعادها وتغريدها باضطراد خارج السرب الجنوبي, واليمني أيضاً، بعد أن استفردت بها السعودية، وسلختها عن الجسد الجنوبي ، في ظل صمت مُــريب أو قل خوف مُريب من كل القوى الجنوبية الفاعلة ومنها المجلس الانتقالي.. والغريب بالأمر أن يتصدر حزب الإصلاح المواجهة مع السعودية بالمهرة -ولو أن هذه المواجهة لم تنطق من حسابات وطنية بقدر ما تأتي على خلفية إفرازات الأزمة الخليجية الحادة بين الرياض والدوحة- في وقت يبلع فيه الجنوبيون ألسنتهم أمام العصاء والجزرة السعودية بصورة مخزية ..يشير التقرير الى هذا الأمر بكل وضوح وبعبارة صادمة  لنا جميعا، بقوله: (..فإن تدويل الصراع في اليمن ومصالح الزعيمين الرئيسيين للتحالف تضيف بُعدًا آخر لهذه الخصومات، على سبيل المثال تم تشكيل الوضع في المهرة من خلال تصميم المملكة العربية السعودية على تحقيق أحد أهدافها الاستراتيجية الطويلة الأجل تجاوز القيود التي يفرضها اعتمادها على مضيق هرمز ، الذي يهدد وصولها إلى أعالي البحار لتجارة الطاقة، كما نجحت المملكة العربية السعودية في الضغط على السلطات اليمنية لتعيين حليفها القوي رجح بكريت حاكم المهرة في نوفمبر 2017م وقد حاول حتى الآن استيعاب جميع السلطات داخل المحافظة والمنطقة ككل، لقد حل محل محمد بن قدوه ، الذي كان أقرب إلى كل من عُــمان والإمارات، على الرغم من التنافس بين هاتين الدولتين). انتهى الاقتباس.