آخر تحديث :الخميس-28 مارس 2024-09:01م

ملفات وتحقيقات


تقرير يرصد استهداف الجيش اليمني في مأرب ومن يقف خلف تلك الهجمات

الإثنين - 20 يناير 2020 - 10:08 ص بتوقيت عدن

تقرير يرصد استهداف الجيش اليمني في مأرب ومن يقف خلف تلك الهجمات

(عدن الغد)خاص:

- هل الحوثيون المنفذ الوحيد للهجوم.. أم هناك أطراف أخرى؟

- لماذا لم يتبن الحوثيون الهجوم رغم أنهم المتهم الأول؟

- لماذا تكررت عمليات قصف الجيش بمأرب.. ومن يسمح للحوثيين بعمل ما يحلو لهم؟

- هل يدفع الهجوم الجيش للتحرك بجبهات القتال المجمدة؟

- الرئيس يوجه برفع الجاهزية والجيش يتعهد بالثأر.. ماذا بعد؟

- تهاون القيادات العسكرية وفسادها.. كيف سهّل تكرار الهجمات؟

- ما أسباب غياب المحاسبة للقيادات العسكرية المتهاونة؟

- ما علاقة الهجوم الصاروخي بتنفيذ اتفاق الرياض؟

الطريق إلى مأرب !

تقرير/ بديع سلطان:

لم يقف سيل الصواريخ القادم من السماء على مواقع الجيش اليمني في مدينة
مأرب (شمال وسط اليمن) منذ نحو ثلاثة أشهر.

كان القصف الصاروخي الذي استهدف معسكر الاستقبال، مساء السبت، هو الأكثر
دمويةً، لكنه لم يكن الأول في سلسلة القصف المتواصل تلك.

حيث سبقه استهدافات عديدة، وقصف متكرر على المدينة التي يتخذها الجيش
اليمني مقرًا لقيادة عملياته العسكرية والقتالية.

لن نعرج على حوادث القصف التي بدأت منذ 2015، ولكن خلال الأشهر الثلاثة
الأخيرة كانت هناك ثلاث حوادث مشابهة بصواريخ حوثية، سقطت على مأرب.

كانت الأولى في 29 أكتوبر الماضي، حين استهدف صاروخ مقر وزارة الدفاع
اليمنية داخل معسكر "صحن الجن" شمال مدينة مأرب، أثناء اجتماع رفيع ضم
وزير الدفاع اليمني الفريق الركن محمد علي المقدشي، وقائد قوات التحالف
العربي في مأرب قائد القوات السعودية اللواء الركن عبدالحميد بن هادي
المزيني، وعدد من القادة العسكريين.

وأسفر الهجوم حينها عن مقتل ضابط وجرح عدد من الضباط والجنود، ولم تكن
الخسائر ضخمة بسبب تحصينات مقر وزارة الدفاع، والتي كانت منيعة.

الاستهداف الثاني كان خلال أسبوعين فقط من الأول، وبتاريخ 13 نوفمبر
الماضي، حين تعرض نفس المعسكر "صحن الجن" في محافظة مارب لاستهداف
صاروخي، أوقع 5 قتلى من أفراد الجيش اليمني بينهم ضابط رفيع، وإصابة 10
جنود آخرين.

 

السبت الدامي.. حصيلة كارثية

استهداف مساء السبت الماضية كان مختلفا عن كل ما سبق من حوادث استهداف
معسكرات الجيش اليمني، من حيث حصيلة القتلى والضحايا، وحتى من ناحية
نوعية من استهدفتهم الصواريخ القادمة من السماء.

حيث ارتفعت حصيلة ضحايا القصف إلى 157 قتيلاً وجريحاً، بحسب المركز
الإعلامي للجيش اليمني على حسابه في (تويتر)، نقلاً عن الناطق الرسمي
للقوات المسلحة اليمنية العميد الركن عبده مجلي، يوم أمس الأحد.

مجلي قال: "إن الصاروخ الباليستي الذي أطلق على محافظة مأرب واستهدف
المصلين في أحد معسكرات التدريب؛ أسفر عن مقتل 76 وإصابة 81 آخرين من
منتسبي اللواء الرابع حماية رئاسية ووحدات أخرى ومدنيين".

فيما أشارت مصادر طبية في مستشفى مأرب الى ارتفاع ضحايا الهجوم الصاروخي
الحوثي على معسكر للجيش في المحافظة إلى 87 قتيلاً وما يقارب 70 جريحاً
في الهجوم الذي استهدف مسجداً في معسكر تجمع اللواء الرابع حماية رئاسية
شمال غربي محافظة مأرب.

 

من يقصف قوات الجيش في مأرب؟

رغم عدم إعلانهم عن تبنيهم أو مسئوليتهم عن القصف الذي استهدف معسكر
الجنود في مأرب، إلا أن الحكومة اليمنية تشير بأصابع الاتهام إلى
الحوثيين.

جاء ذلك وفق تغريدات على الحساب الرسمي للرئيس هادي، خلال تعزية بعثها
إلى أسر الشهداء والجرحى، وقال فيها إن المليشيات الحوثية "أدمنت" الدمار
والقتل، وأنها لا ترغب في مد يد السلام ولا تسعى إليه.. موجهًا قوات
الجيش اليمني برفع الجاهزية القتالية في مختلف جبهات القتال مع الحوثيين.

كما أن تصريح الناطق الرسمي للجيش اليمني، العميد عبده مجلي، أكد تلك
الاتهامات في معرض حديثه عن تفاصيل الاستهداف، مهددًا الحوثيين باستمرار
القتال في الجبهات، متعهدًا "بأخذ بالثأر" من مليشيا الحوثي الانقلابية
المدعومة من إيران واستعادة كافة المناطق التي لا تزال خاضعة لسيطرة
المليشيا المتمردة التي رمت بكل الاتفاقات والمعاهدات عرض الحائط.

وتثير الاتهامات الحكومية للحوثيين بالوقوف خلف الاستهداف الصاروخي
الكثير من الجدل، في حين لم تعلن الجماعة المتمردة تبنيها للهجوم
الصاروخي، وهي التي تسعى لإعلان مسئوليتها عن مثل هكذا هجمات واستغلالها
إعلاميًا والترويج لانتصاراتٍ، حتى وإن كانت وهمية.

غير أنه من الطبيعي قيام الحكومة بمثل هذا العمل واتهام الحوثيين (العدو
الأول) لها في هذه الحرب، بالضلوع بتلك الهجمات الصاروخية؛ خاصةً وأن
المعسكر المستهدف لا يبعد كثيرًا عن جبهات القتال مع الحوثيين في محور
نهم، شرق صنعاء، والمتوقفة منذ سنوات.

ولهذا رجّح محللون أن تُقدم الحكومة على استثمار الهجمات الأخيرة لتحريك
كل ما سكن من جبهات القتال مع الحوثيين، وتحديدًا في جبهات نهم،
والبيضاء، وعلى جبهات تعز.

ولعل مثل هذا الاستثمار والاستغلال الفعلي لهذه الهجمات سيجعل من عملية
التقدم على مختلف جبهات القتال مع الحوثيين عاملاً مهمًا لوضع حدٍ نهائي
لهجمات الصواريخ البالستية، سواءً تلك التي تهدد المدن اليمنية، أو تلك
التي تهدد دول الجوار.

فالحل الوحيد وفق متابعين لإيقاف كل ذلك العبث الحوثي هو الحسم العسكري
المتمثل في تحريك القتال على مختلف الجبهات؛ باعتبار أن سكون محاور
القتال يُغري الجماعة المتمردة بمزيد من التمادي وتهديد من حولها.

 

لماذا تتكرر.. ومن المتورطون؟

اللافت في الهجمات الصاروخية التي تطال قوات الجيش اليمني في مأرب أنها
متكررة، وتحدث في فترات زمنية متقاربة- كما أشرنا سابقا (ثلاث هجمات خلال
ثلاثة أشهر، اثنتان منهما خلال أسبوعين فقط)!.

الأمر الذي يثير الكثير من الريبة والشك، في أسباب السماح بتكرار مثل هذه
الهجمات الكارثية والمأساوية والتي يروح ضحيتها عشرات الشباب اليمنيين،
وقادة وضباط عسكرين.

فمن المعيب أن يعجز الجيش اليمني عن حماية عناصره وقادته وضباطه، من
هجمات صاروخية كان يمكن تجنبها بعدة طرق استخباراتية أو لوجستية، من خلال
التعميم على أماكن الاجتماعات واللقاءات العسكرية، أو بالتنسيق مع
التحالف العربي وتوفير منظومة دفاع جوي عسكرية تتصدى لمثل تلك الهجمات
المتكررة.

لكن الصمت عن مثل هذه الهجمات المتواصلة، دون الكشف عمن يقف خلفها أو
يسهل حدوثها فهذا قد يُلحق ضررًا كبيرًا بسمعة الجيش اليمني، وقاداته
التي يبدو أنها متهاونة في قضية محورية وهامة كهذه.

حتى وإن كانت مليشيات الحوثيين هي من تقف خلف تلك الاعتداءات، فمن الواجب
الكشف عن أسباب استمرارها وتكرارها بهذه الطريقة المرعبة.

ولهذا السبب خرجت الكثير من الأصوات الإعلامية ومن مراقبي الأحداث
الأخيرة، التي دعت إلى محاسبة القادة الكبار في الجيش اليمني، وكشف
ملابسات الهجمات المتكررة التي تنال من عناصر القوات المسلحة اليمنية.

ولمحت تلك الأصوات إلى وجود "تواطؤ" أو على أقل تقدير "تهاون" من قبل بعض
القادة العسكريين المسئولين عن تأمين المعسكرات ومقرات الدفاع والأمن في
واحدة من أهم المدن اليمنية، والتي تتخذها الشرعية منطلقًا لعملياتها
العسكرية والقتالية ضد الحوثيين.

 

بين عدن وصنعاء.. لماذا تُستهدف مأرب؟

وتتخذ القوات الحكومية من محافظة مأرب مقرًا لقيادة العمليات العسكرية ضد
الحوثيين المتمردين، منذ أواخر 2014.

وتتمتع محافظة مأرب بوجود حاضنة شعبية للحكومة والحيش اليمني، وإليها نزح
الكثير من القادة السياسيين والعسكريين بعد انقلاب الحوثيين، وتحوي
العديد من المعسكرات الضخمة والأساسية في قوام الجيش اليمني.

كما يقع فيها مقر وزارة الدفاع اليمنية في معسكر "صحن الجن" شمالي مدينة
مأرب عاصمة المحافظة، التي تحمل الاسم ذاته، وهو أحد أكثر المعسكرات
تحصيناً.

ورغم ذلك طالت الهجمات الصاروخية الحوثية المحافظة، وبشكل مستمر، دون أن
تفلح القوات الحكومية بوضع حدٍ لها، ويبدو أن الخسائر التي لم تكن في
مستوى هجمات السبت الماضي، لم تُثِر القضية، ولم تلفت الانتباه.

غير أن الهجوم الذي طال معسكر الاستقبال التدريبي ومعسكر النصر، لم يكن
كسابقيه، فالكارثة كانت مربكة للجميع، كما أن المعسكرين من جبال الفرضة
التابعة لمديرية نهم، شرق محافظة صنعاء.

 

ضحايا جنوبيون

خرج عشرات الشباب المقاتلين المنتمين لمحافظات عدن، أبين، وشبوة،
والمنضوين ضمن قوات الحماية الرئاسية الموالية للحكومة، من مدينة عدن،
عقب أحداث أغسطس الماضي، صوب مدينة مأرب؛ يترقبون موعد العودة إلى
محافظات الجنوب وفق ما نص عليه اتفاق الرياض؛ غير أن الهجمات الأخيرة على
مأرب لم تحقق ترقبهم.

ووفق مصادر محلية وعسكرية في مأرب فإن جميع ضحايا الهجوم الصاروخي على
مأرب هم من كتائب ألوية الحماية الرئاسية التي كان يجري إعدادها للنزول
إلى العاصمة المؤقتة عدن.

وكانت هذه الكتائب قد أنهت- لتوها- تدريباتٍ عسكرية مكثفة، وتم تحضيرها
عسكريًا للنزول إلى عدن بحسب اتفاق الرياض؛ لاستلام مقرات الحكومة
والمؤسسات العامة.

ولم تستبعد تلك المصادر فرضية أن يكون الهجوم الصاروخي له علاقة بمنع
تنفيذ اتفاق الرياض بين الحكومة والمجلس الانتقالي، كون القوات التي تم
استهدافها كان منوطًا بها تنفيذ أحد جوانبه الهامة.

 

منع تطوير قوات الشرعية

مصادر عسكرية في مأرب تحدثت في تصريحاتٍ إعلامية، رصدتها (عدن الغد)،
أشارت فيها إلى أن الاستهداف لم يكن وفقًا لأجندات مناطقية ضيقة، بقدر
كونه يستهدف قوات الجيش اليمني برمته.

وأكدت تلك التصريحات أن ما تقوم به مليشيات الحوثي، لا يمكن فصله عن
تنسيقات تجريها أطراف فاعلة ومؤثرة في الشأن اليمني؛ هدفها منع تكوين أو
تطوير أية قوات موالية للحكومة الشرعية وتقوية الجيش اليمني.

ولهذا رجحت تلك المصادر أن عملية الاستهداف والهجمات الصاروخية الأخيرة،
تصب في مسار تحقيق هذا الهدف الذي اتفق عليه الحوثيون، ومن يقف خلفهم
ويدعمهم.

وينتمي غالبية ضحايا الهجوم الصاروخي للواء الرابع حماية رئاسية، بقيادة
القائد العسكري الموالي للشرعية، مهران القباطي، الذي كانت مواقفه في
مختلف الأحداث مؤيدة للحكومة.