آخر تحديث :الأربعاء-24 أبريل 2024-02:19ص

اليمن في الصحافة


تقرير لمركز بروكنجز..أدوار القوى الداخلية والخارجية في المصالحة الوطنية باليمن

السبت - 23 مارس 2013 - 12:08 م بتوقيت عدن

تقرير لمركز بروكنجز..أدوار القوى الداخلية والخارجية في المصالحة الوطنية باليمن
يرى الكاتب أن المجتمع الدولي لعب دورًا بارزًا في تسهيل رحيل الرئيس صالح، فالمبادرة الخارجية تمت بمباركة ودعم من الولايات المتحدة الأمريكية وبقية المجتمع الدولي. وبرغم أن توقيع المبادرة الخليجية عُقد في الرياض بحضور الملك عبد الله بن عبد العزيز، حيث مثلت المبادرة الخليجية استمرارًا لدور المملكة التقليدي في اليمن، وقدرتها على صياغة الحلول للمشاكل المزمنة في اليمن، فإن المملكة لم يكن باستطاعتها التحرك في اليمن دون موافقة المجتمع الدولي.

((عدن الغد)) كتب/ إبراهيم شرقية :

شكل الحوار الوطني في اليمن الذي انطلق هذا الأسبوع محاولة للخروج من نفق الأزمة التي تعانيها البلاد منذ إزاحة الرئيس علي عبدالله صالح من الحكم، لاسيما أن الحوار سيناقش قضايا جوهرية ولكنها خلافية في الوقت نفسه مثل القضية الجنوبية، مسألة الدستور وشكل الدولة، واستحقاقات اتفاق التسوية والترتيبات للمرحلة الانتقالية وغيرها.ورغم أن الحوار يمثل فرصة تاريخية من أجل صياغة عقد اجتماعي يكفل الحقوق للمواطنين كافة ومشاركة القوى السياسية في الحكم ، ولكن في حالة فشله من الأرجح أن يجر البلاد لحرب اهلية سيتحمل تكلفتها المواطن اليمني الساعي إلى الاستقرار. ويأتي الحوار في إطار المبادرة التي رعاها مجلس التعاون الخليجي والتي تنحى بموجبها الرئيس صالح عام 2011.



وفي هذا السياق؛ نشر مركز بروكنجز في فبراير دراسة بعنوان "السلام الدائم: رحلة اليمن إلى المصالحة الوطنية" للكاتب إبراهيم شرقية، وهو نائب مدير مركز بروكنجز في الدوحة. وتعرض الدراسة أهمية المبادرة الخليجية في رسم مستقبل اليمن، وأهم الأطراف الفاعلة في المصالحة الوطنية، ودور العامل الخارجي في إنجاح أو إفشال المصالحة.



فاعلية المبادرة الخليجية


يُشيد الكاتب بأهمية المبادرة الخليجية التي ساعدت في تقليل حدة الاحتقان الذي شهدته البلاد منذ تظاهرات عام 2011، والتي أفضت إلى تعريض المؤسسة العسكرية لخطر محدق كان من شأنه أن ينزلق بالبلاد إلى حرب أهلية، كما أنها ساهمت في الخروج المشرف للرئيس اليمني السابق علي عبد الله صالح لما تضمنته بنودها من حصانة قضائية، وهي في الوقت نفسه أزاحت رأس النظام، وأرست قواعد للتغيير، وهيأت أرضًا خصبة للتفاعلات بين جميع القوى السياسية والمعارضة، وأخيرًا ساعدت أيضًا على تعزيز التوافق الدولي على أهمية الانتقال في اليمن، هذا بخلاف الحالة السورية التي تشهد سجالات حول أهمية التدخل من عدمه.



ومع ذلك؛ يرى الكاتب أن اتفاق التسوية لم يتطرق إلى جميع المشاكل التي تواجه اليمن مما قد يخلف آثارًا سلبية على استقرار اليمن، ويعزو ذلك إلى عدة أسباب. أولها، وجود ما يسمى بـ"السلام السلبي" الذي من شأنه أن يجهض المبادرة في أي وقت. ومن ثم يرى أن الانتقال للسلام الإيجابي يحتاج إلى إيجاد توافق حول أهمية العمل على التقدم السياسي والاجتماعي ومعالجة أسباب عدم الاستقرار.



ثانيها، عدم خروج الرئيس صالح من الحياة السياسية خروجًا نهائيًّا، برغم أنها نصت على تنحيته من منصبه كرئيس، لذلك تمكن صالح من تولي منصب سياسي جديد وهو رئاسته لحزب المؤتمر الشعبي العام، لذلك يعتقد الكثيرون أنه يسعى لدحر الثورة، والتحايل على المشهد السياسي، وتقويض المبادرة. ثالثها، منح المبادرة حصانةً للرئيس صالح وأعوانه دون إشارة للمعارضة، مما قد يولد نزاعات مستقبلية بين الطرفين، بدليل أن الرئيس صالح استغل الهجوم الذي تعرض له في يونيو 2011 لملاحقة عدد من المعارضة وقادة القبائل، وبالتالي فإعطاء الحصانة الكاملة لطرف واحد بينما يسمح بملاحقة آخرين يجعل من المستحيل للأطراف للعمل معًا لغياب الثقة. رابعها، التركيز المفرط على العدالة من منظور مرتكبي الجرائم البشرية دون معالجة المعاناة العامة للشعب اليمني، أي الاعتذار عن التجربة التي عاصرها إبان النظام السابق، فهذا قد يخلف تأثيرًا عاطفيًّا قويًّا وأداة فعالة للمساعدة على توجيه البلاد نحو المصالحة.



"أربع" قضايا للنزاع

بات المشهد اليمني محل "نزاع" نتيجة حالة الشد والجذب بين قوى ومكونات سياسية رسمية وغير رسمية نمت على حساب الدولة ومؤسساتها المختلفة بما قد يعرقل جهود التسوية، وهؤلاء يختلفون في الأساس حول أربع قضايا، يمكن إجمالهما كالتالي:



أولا: معالجة إرث الماضي، إذ يبدو أن الذكريات المؤلمة التي عانت منها الأسر اليمنية عشية اختفاء ذويهم من المعارضين السياسيين وزجهم في السجون والمعتقلات فترات طويلة دون وجه حق؛ لن تتلاشى بمجرد توقيع المبادرة في الرياض. ولكن نظريًّا، لا بد من التعاطي مع الماضي لتحقيق المصالحة الوطنية. وبرغم التأكيد على حق هؤلاء في الوصول إلى الحقيقة، فإن هذا لا يعني بالضرورة إخضاعهم للمحاكمة.



وفي الوقت نفسه؛ تواجه هذه المعضلة جملةً من التحديات. تتمثل أولها في صعوبة إيجاد أرضية مشتركة أو إطار زمني للتحقيق. بينما تنصرف ثانيها في أن معظم القيادات الراهنة هي جزء كبير من "إرث" النظام السابق. فعلى سبيل المثال، فإن الحوثيين يطالبون المعارض اللواء علي محسن الأحمر الذي خاض عمليات عسكرية ضدهم بمحاكمته على الحرب التي وصفوها بـ"غير العادلة" كشرط أساسي للانخراط في عملية المصالحة. كما أن حزب الإصلاح الإخواني الذي كان من أكثر الأحزاب معارضةً للنظام السابق كان جزءًا من حكومة صالح إبان حرب 1994 مع الجنوب. ومع ذلك، يرى الكاتب أن هذه التحديات لا تمنع من أهمية البحث عن الحقيقة، وعدم البحث عن مخرج مختلف هذه المرة يتضمن الاعتراف والاعتذار.



ثانيًا: التعاطي مع النظام القديم، نظرًا لكون الشباب ضحوا بحياتهم من أجل التغيير ورؤية بلادهم تتجه نحو الديمقراطية، وهذا يتأتى عن طريق استبعاد ومحاكمة رموز النظام السابق وفقًا لآرائهم، ولكن هذا غير وارد في اليمن لعدة أسباب. يتمثل السبب الأول في أن الاتفاقية الخليجية تنص على تقاسم السلطة بين جميع الأطراف دون استبعاد طرف، وبالتالي فهي ليست تسوية "صفرية". وينصرف السبب الثاني إلى إحكام سيطرة رموز النظام السابق على المناصب السياسية الرفيعة لا سيما المؤسسة العسكرية، ويحظى بدعم شعبي لدى جموع عريضة. بينما يتعلق السبب الثالث في معرفة النظام السابق بعمل أجهزة الدولة وإدارة الخدمات المدنية. وبالتالي، فهو يرى أن الاستبعاد الكلي حلٌّ غير قابل للتطبيق، ومن ثم يشدد على أهمية منحهم الفرصة للمشاركة في إعادة البناء واستيعابهم بدلا من إقصائهم. وهذا يتطلب حزمةً من التغييرات أهمها: تغيير اسم الحزب، لأن كثيرًا من اليمنيين قد لا يتصالحون مع حزب ارتبط اسمه بالقمع والفساد والتعدي على حقوق الإنسان، وكذلك تغيير ميثاق الحزب ليس فقط لصالح عملية المصالحة، ولكن من أجل "إعادة التكيف" مع البيئة السياسية الجديدة.



ثالثًا: استيعاب الجنوبيين، حيث عانى اليمنيون في الشطر الجنوبي من تمييز سياسي واقتصادي في عهد "صالح". ويعاني الحراك الجنوبي من انقسامات عديدة تتمحور في قضيتين رئيسيتين هما الكيفية التي قد تشكل حلا "عادلا" لمشكلتهم، وتحديد الشخصيات المسئولة عن إدارة أي حوار وطني. وهم يختلفون أيضًا حول الخيار الأمثل لحل القضية الجنوبية، فهناك من يطالب بانفصال كامل عن الشطر الشمالي ومن أنصاره "علي سالم البيض"، بينما يدعم البعض الخيار الفيدرالي ومنهم حيدر أبو بكر، بينما يمثل الخيار الثالث معالجة مظالم الجنوب مع استمرار الوحدة مع الشطر الشمالي. فتحديد الأهداف اليمنية بنجاح سيساعد في تعزيز الحوار بصورة أوسع والمصالحة بشكل أعم. وعلى الجنوبيين أن يميزوا بين الانفصال بالقوة مثلما حدث في حرب 1994 والوحدة التي تتحقق بالاختيار.



رابعًا: الدور الملتبس للحوثيين، فعلى الرغم من أن الحراك اليمني يتشارك مع الحوثيين في أنهما عانوا مرارًا من بطش النظام السابق، وعدم التمييز السياسي والديني مع غياب الخدمات، فإن لدى الحراك الجنوبي خيارات عديدة، فيما يواصل الحوثيون نضالهم ضد النظام الراهن. ويعتبر العائق الرئيسي لهما لتحويلهما إلى حزب شمالي هو إقناع أعضائهما بالتنازل عن تأثيرهما الفعال على الشطر الشمالي، مما قد ينتهي بهما إلى تمثيل ضئيل في البرلمان. ولكن التطور الهام بالنسبة للحوثيين هو القبول العريض من قبل الأحزاب السياسية في أن تكون لهم حقوق مشروعة، سواء أكانت اجتماعية أو سياسية.



آليات المصالحة الوطنية


يرى الكاتب أن نجاح المصالحة الوطنية يتوقف على متغيرين؛ الأول يكمن في الفاعلين اليمنيين وآليات عملية المصالحة. فيما يخص الفاعلين وهما أتباع أحزاب اللقاء المشترك وحزب المؤتمر الشعبي العام وحركة التجمع اليمني للإصلاح والمنظمات غير الحكومية والمرأة والقبائل. ويركز الكاتب أكثر على أهمية المنظمات غير الحكومية في إتمام عملية المصالحة عن طريق النصح وتقديم مشاركين ذوي خبرة ومعرفة. وفيما يخص المرأة، يرى الكاتب أنها لعبت دورًا متميزًا ضد النظام السابق، وتستطيع لعب دور أكبر في دعم عملية المصالحة نظرًا لأنها نجحت في تولي قيادات رغم تهميشها اجتماعيًّا. بينما يمكن الاستفادة أيضًا من القبائل في إتمام عملية المصالحة بعدة طرق منها؛ أولا، القدرة على المشاركة في صيانة الأمن نظرًا لضعف الحكومة المركزية، وعدم قدرتها على صيانة الأمن خارج صنعاء. ثانيًا، امتلاكها خبرة قوية في تسوية المنازعات والوساطة. ثالثًا، باعتبار اليمن مجتمعًا قبليًّا في الأساس، لا يمكن تجاهلها في دعم المصالحة.



فيما يخص الآليات، يرى الكاتب أنه ليس من الضروري تبني نموذج واحد بل يجب التعاطي مع السياق الداخلي لكل نموذج على حدة. ومع ذلك، يرى أن آليات المصالحة في أي دولة تمر بالمرحلة الانتقالية بعد ثورات الربيع العربي لا بد أن تتضمن أربع آليات هي:



أولا: استيعاب جميع القوى السياسية، فعناصر النظام السابق الذين لم يرتكبوا جرائم مخالفة لحقوق الإنسان، لا بد أن تتضمنهم المرحلة الانتقالية، وهذا ينطبق أيضًا على القبائل. وهذا يتطلب الاعتراف بالمطالب السياسية والاجتماعية والاقتصادية للفئات المهشمة مع تقديم الاعتذار لهم.



ثانيًا: وضع خريطة طريق، وهذا يتطلب موافقة من جميع الأطراف على إطار عمل للتعامل مع التحديات الرئيسية التي تواجه الدولة في المرحلة الانتقالية للانتقال من الديكتاتورية إلى الديمقراطية. ولكن على الأطراف قبول مجموعة من المبادئ، منها "شراكة متساوية" لكل الأحزاب المشاركة كميزة أساسية للحوار الوطني، ولكن هذا لا يعني منح كل طرف مقاعد متساوية بل يعني انخراطهم في الحوار دون تمييز، وعدم وضع شروط مسبقة للحوار، لأنه قد يعطل المصالحة، فانهيار الحوار قد يدفع اليمن إلى مستقبل "غامض" ويهدد أمن واستقرار البلاد.



ثالثًا: تعيين لجان للتحقيق، وهذا يساعد في محو الذاكرة السيئة المرسخة في أذهان الشعب اليمني مثل حرب 1994، والحروب التي خاضها النظام ضد الحوثيين، وهي مهمة يمكن اعتبارها أساسًا لعلمية المصالحة، ولكنها تتطلب الشفافية ومعرفة توقيت وظروف نشر الحقائق.



رابعًا: تحقيق العدالة الانتقالية، بمعنى إغلاق صفحة "داكنة" في تاريخ البلاد والتحرك لمرحلة جديدة تنتشر فيها العدالة والمساواة، وهي تتضمن أربعة إجراءات هي: لجان الحقيقة، وتعويضات للضحايا، والمساءلة عن انتهاكات حقوق الإنسان، والإصلاح المؤسسي لا سيما القضائية. وفي نهاية المطاف، تساعد هذه الآليات في تعزيز نظام القيم الذي يرمي إلى مساءلة منتهكي حقوق الإنسان، وتأسيس حكم القانون.


هل من دور خارجي؟

يرى الكاتب أن المجتمع الدولي لعب دورًا بارزًا في تسهيل رحيل الرئيس صالح، فالمبادرة الخارجية تمت بمباركة ودعم من الولايات المتحدة الأمريكية وبقية المجتمع الدولي. وبرغم أن توقيع المبادرة الخليجية عُقد في الرياض بحضور الملك عبد الله بن عبد العزيز، حيث مثلت المبادرة الخليجية استمرارًا لدور المملكة التقليدي في اليمن، وقدرتها على صياغة الحلول للمشاكل المزمنة في اليمن، فإن المملكة لم يكن باستطاعتها التحرك في اليمن دون موافقة المجتمع الدولي.



وعلى غرار بعض الحالات في الدول العربية التي تواجه اضطرابات سياسية، يحمل النموذج اليمني بُعدًا إقليميًّا. فإيران اتهمت بدعم الحراك الجنوبي والحوثيين، بينما تدعم المملكة السعودية النظام الراهن وقادة القبائل، كما أن من المتوقع في حالة مواجهة مستقبلية بين إيران والولايات المتحدة أن يتم استخدام اليمن ضد إيران. ولكن هذا التنافس والنزاع لا بد لهما ألا يؤثرا على المصالحة الوطنية. فهناك خطر يهدد نجاح المصالحة يتمثل في استمرار انتهاك سيادة الدولة خلال استمرار الحرب الأمريكية على القاعدة، والتي تجعل الأحزاب السياسية أقل استعدادًا للعمل مع الحكومة المركزية وإنجاز المصالحة.



وختامًا، يرى الكاتب أن المجتمع الدولي منوط بدور رئيسي لإنجاز المصالحة يتمثل في "الضغط الدبلوماسي" على من يحاول إفسادها أو إعاقة تقدمها، وتقديم منح ومساعدات مالية، وتوفير مكان محايد للحوار والمصالحة في أي وقت، وأخيرًا تقديم خبرة تقنية في الوساطة لإنجاح المصالحة وتعميمه كنموذج.

 

 

عن/ المركز الاقليمي للدراسات الاستراتيجية