آخر تحديث :السبت-20 أبريل 2024-08:53ص

أدب وثقافة


غيوم (قصة قصيرة)

الأربعاء - 11 ديسمبر 2019 - 05:54 م بتوقيت عدن

غيوم (قصة قصيرة)

كتب/عصام مريسي

تلبدت السماء بالغيوم المبشرة بهطول الامطار التي طالما انتظرها أهالي القرية لتصب خيرها فتمتلأ الأودية وتجري بالمياه الرقراقة الصافية العذبة وتمتلأ الابار الجوفية فتنضخ بفائض الماء ليسير سلسالا يضفي على وجه الأرض رونق الحياة ويلبس التربة حلة بهية من الخضرة بعد شتاء بارد جاف نثر على ارجاء القرية لون من الغبرة وخمول الحياة . سرعان ما غطت رأسها ووضعت الحجاب على وجهها وهي مهرولة نحو البلد( الأرض الزراعية)  لتغير مجرى الماء ليصب إليها تشد الوثاق نحو خصرها وتأخذ الخنزرة( الفأس أو المحراث اليدوي) وخلفها صغارها يهرولون وهي تحاول ارجاعهم نحو الدار:

عودوا صغاري ستبردون فالمطر غزير.. سأحول مجرى السيل نحو الطين وسوف أعود

ما زال المطر ينهمر بغزارة عاد جميع أهالي القرية لبيوتهم , لكن المرأة على اصرار من ري أرضها وهي طيلة فترة غياب زوجها في المهجر في دولة من دول الجوار وهي تحاول بجهد وهمة استصلاح ما حول أرضهم من الأراضي التي لا تزرع حتى صارت هي وزوجها من يمتلكان أكبر مساحات الأرض المزروعة والمستصلحة بعد أن غادر كثير من سكان  القرية الجبلية وشبابها نحو دول قريبة لطلب الرزق بعد أن عمَّ الجفاف.

لم يلبث المغادرون يعودون واحداً تلو الأخر بعد تعمم قرار في دولة الجوار توظيف أبناء ذلك القطر الملاصق لحدود البلاد والتخلص من العمالة من خارج البلاد فعاد المهاجرون يجر بعضهم خيبة الأمل وقلة الحيلة وضيق الرزق وعاد الأخرون ليفتحوا مشاريع في مدن البلاد , لكن زوجها عاد فاضي اليدين بعد أن تكبد كثير من الأموال في قضاء ديون شراء فيزة الاقامة وديون أخرى أرهقت كاهله فعاد صفر اليدين وما أن وصل نحو داره وهو يقرع قبضة الباب , حتى انطلقت زوجته وخلفها صغارها مسرعين نحو الباب يحدوهم الأمل في مشاهدة والدهم الغائب :

أمي إنه أبي

يسرع الأطفال يلقون بأجسادهم المشتاقة للمسة حنان يمرر الأب يداه  على رؤوس أبنائه ويضمهم إلى صدره وهم في حال من السرور والبهجة وأناملهم الصغيرة تتحسس لحيته ، وما أن تبزغ الخيوط الأولى للفجر حتى تستعد الزوجة للخروج إلى أرضها القريبة من منزلها وقد جمعت لوازم عملها في كيسها ( جلعابها) كيس مصنوع من جلد الحيوان المدبوغ وخلفها يسير الزوج العائد من غربته والصغار لم يناموا ليلة البارحة فهم في شوق كبير للأب العائد يقف الزوج في حال من الدهشة والانبهار فيتسأل :

لمن هذه الأرض

تجيب الزوجة وهي تشعر بالفخر:

إنها أرضنا , لقد استصلحت الأرض البور التي بجوارها

فما يلبث الزوج إلا أن يمدّ كفه ليتناول الخنزرة ليعمل في الحق الذي استصلحته، والزوجة تقدم وجبة الفال( وجبة الفطور) المصنوع من خير الأرض وهي تصب القهوة من الدلة في الصياني( الأكواب) والجميع تغمرهم الفرحة وهم يتناولون الفدرة( الخبز المصنوع من الحبوب المتنوعة والمطبوخ في التنور) وتكاد أياديهم تتلاحم وهي تقع على فطيرة الفطور وضحكاتهم تتعالى حتى يتردد صداها في القرية التي كادت أن تفرغ من سكانها