آخر تحديث :الجمعة-19 أبريل 2024-09:59ص

ملفات وتحقيقات


ما زلت صغيرة على الأمومة يا أمي..صابرين صغيرة زُوجت قسراً وأرادت تحدياً ناجحاً

الثلاثاء - 19 نوفمبر 2019 - 06:57 م بتوقيت عدن

ما زلت صغيرة على الأمومة  يا أمي..صابرين صغيرة زُوجت قسراً وأرادت تحدياً ناجحاً

كتب/ هلا عدنان

 كدأبها تقوم صابرين صباح كل يوم تلملم نفسها  تخرج مترجلة تسابق ظلّها، حاملة حقيبتها الدراسية و صغيرتها  لتخطو أول خطواتها في الدراسة الجامعية متحدية واقعا أجبرت عليه.

صابرين فتاة ذات التاسعة عشر ربيعاً، أم لطفلة صغيرة مرت ثلاث سنوات على زواجها... ما أن  أيفعَت صابرين إلا وقد زُوجت قسراً  لأول عريس يطرق باب والدتها هربا بها من الظروف القاسية  والفقر، دون التفكير بأدنى حق من حقوق هذه الطفلة الحالمة..

كانت الساعة الرابعة عصراً عندما توجهت إلى منزل الصغيرة صابرين .. بدأت بالدخول والمشي بين شوارع المنطقة التي تقطنها  .. منازل مهترئة .. شوارع ضيقة ممتلئة بالخردة المتراكمة  .. نساء تقف على الأبواب تتبادل الحديث دون ان تكترث لشكلها ، تستنكر دخول أي غريب إلى منطقتهم .. حينها استقبلتني صابرين بصحبة صغيرتها سارة في بيتها الصغير الذي تقطن فيه حالياً  ..

" لم أنهي الصف التسع إلا ووجدت نفسي عروس في بيت غريب ..حينها لم أكن مستوعبة للمسؤولية والحياة الصعبة التي كانت تنتظرني في الفترة القادمة" بهذه العبارة جسدت لي لصابرين بداية قصتها .. 

جلست معها وسردت لي قصتها بنبرة حزينة تحمل الكثير من نسيج روحها المكلومة تقول " ما أن مرت شهور بعد أن زوجتني أمي حتى وبدأ جسمي الهزيل يشتد المرض عليه ولم أشعر إلا بركلات صغيرتي في بطني..كنت صغيرة جدا حينها لأتقبل هذه الصدمة فأخدت في تلك الليلة إلى المشفى لحظات ..وجاء الخبر " رأيت الفرحة في وجوة من حولي وانهالت عليَ التبريكات "مبروك انت حامل وستصبحين أماً "  ..

تواصل "  ما أن انجبت ابنتي إلا و زادت المشاكل بيني وبين زوجي  ، هنا بدأت حياة جديدة مع صغيرتي ..توقعت أن الأمر سهلا و لكن ...انعزلت عن الحياة حينها، ورحت أشارك ابنتي بكاءها، فأبكي آلام نفسي وحزنها، وحزني على ابنتي التي لا ذنب لها بما أمرُّ به من ظروف.. في الوقت ذاته لم أتقبل فكرة أنني أصبحت أماً فقد كنت أشعر أنني ما زلت صغيرة جدا على الأمومة،  لم أكن قط استوعب ما معنى أن اكون زوجة متحملة مسؤولية بيت بأكمله حينها كنت لم أكترث لعدم تأديتي واجباتي كزوجة وأم ... فقد طلقت مرتان ولكنني في كل مرة كنت أعود إلى زوجي، ليس لأنني أريد العيش معه فقد كان يقسوا علي كثيرا وعشت أيام صعبة معه ولكن لا أريد ابنتي أن يأتي اليوم الذي تعيش فيه مع زوج أم مثلي "

تطبق يدها على وجهها  لتخفي تعبيرات الألم, وهي تسترجع شيئا مؤلما من الماضي، وتقول" لا أريد أن أتذكر تلك الأيام، ثم بروحها البريئة تتنهد وتسرد لي معاناتها مع زوج والدتها " لم أنسى تلك الأيام الذي كان زوج أمي يضربني  بعنف، وأنا اتوسل الى أمي بنظراتي أن تحميني منه حيث كانت أمي لا تستطيع التدخل حين يضربني.. ويقف اخوتي من أمي ينظرون إليَ في كل مرة فقد كان لي أخت وأخ من أم..  فكم من ليلة كنت أفلت من بين يدية  متسلقة الدرب هاربة إلى السطح وقد اضطر إلى النوم حتى لا  أشعر بنفسي إلا وقد ظهرت شمس اليوم التالي ، عادة في مثل هذه الليالي التي كانت تتكرر دائما ..استيقظ في الصباح إلى خارج المنزل لا أعلم الى أين أذهب"

كانت تروي صابرين قصتها وكلما تساقطت دمعاتها حاولت مسحها مبتسمة وتواصل حديثها"  لا أتذكر من طفولتي سوى الحرمان والقهر والكبت .. كم تمنيت أن يكون والدي بجانبي فقد تركني وأنا ما زلت في بطن أمي ولا يعلم عني شيء إلى هذا اليوم .. أكثر ما يشعرني بالحزن أن أمي كانت لا تستطيع أن تفعل شيء من أجلي "

ما باليد حيلة

تتحدث والدة صابرين "  عندما أنظر إلى حياة ابنتي الآن وقد استعجلت في تزويجها  يؤنبني ضميري  ولو تعود بي الأيام لما زوجتها فابنتي تتحمل فوق طاقتها  لكن ما باليد حيلة الآن،  أتألم لمعاناة  ابنتي صابرين وكنت دائما أنظر إليها بحسرة،  لكنني كنت مجبرة على تزويجها لكي أخرجها من العيش تحت تلك الظروف"

وهذا ما تؤكده شقيقتها التي تشعر بالشفقة على أختها، حين تعود بذاكرتها إلى  تلك الأيام، وتتذكر جيدا تلك اللحظات التي كان الدها  يقسوا على أختها ويهينها أمامهم ".

احصائيات صادمة

في آخر إحصائية للتقرير العالمي لمنظمة الهيومن رايتس ووتش   في اليمن تشير إلى أن 3 ملايين امرأة وفتاة تقريباً معرضات لخطر العنف في   2018 ،  حيث أزادت معدلات الزواج القسري، بما فيه زواج الأطفال، لا توجد في اليمن سنّ دنيا للزواج ، وليس لديها حقوق متساوية في الطلاق أو الميراث أو الحضانة إنعدام الحماية القانونية يجعل المرأة عُرضة للعنف الأسري والجنسي.

هذا ويستصعب حصر حالات الزواج القسري وحجم العنف الذي تتعرض له النساء في ظل عدم وجود إحصائيات دقيقة، لأسباب مختلفة، وما يجعل من مهمة حصر الحالات وتوثيقها صعبة، هو خوف النساء من الإبلاغ عن تعرضهن لعنف إضافي من العائلة، بالإضافة من الخوف من الفضيحة في المجتمع.

مضاعفات صحية

وفي صدد هذا  تقول الدكتورة منال الناخبي أخصائية نساء ولادة،  إن زواج الفتيات في سن مبكر له تأثير سلبي على الحامل بحيث يكون جسدها غير مهيأ للحمل والولادة، مما تنتج عنه مضاعفات صحية، منها الولادة المبكرة وفقر الدم والالتهابات النسائية، وكثير منهم تكون غير واعية لمخاطر الحمل، وما يلزمه، مثل متابعه قياس الضغط لتفادي حدوث تسمم الحمل.

وتضيف، وأثنا ء المخاض تكون  الصغيرة غير مدركه لمدى ألم الولادة، مما يضطر تحويل أكثرهن لعمليات قيصرية بدل الولادة الطبيعية.

 

توصيات بإقامة دَور للمعنفات

ويوصي دكتور علم الاجتماع سيف حسن أنه من الضروري بمكان تأوي لها المعنفات التي قد لا تجد مهرب من واقعها العنيف وأن يقام دار للمعنفات  وبذات  الصغيرات اللواتي  مرت طفولتهن بظروف صعبة  ومُورس عليهن عنف بمختلف أنواعه وحياتهن الزوجية هي الأخرى عرضت للعنف وقد عانين الأمرين مع أمهاتهن وازوج أمهاتهن ومع أزواجهن..

ويؤكد د. سيف أن  في مثل حالة صابرين يكون أحد الأسباب التي ترتب عليه حياة مليئة  بعنف  جسدي ولفظي  وطفولة مؤلمة  هو تخلي والأب عنها فقد نمت عندها مشكلة معقدة تكره سلوك الرجال بعد كرهها لأبيها  الذي رماها  وأمها  إلى إنسان آخر وهو زوج أمها ، في هذا الحالة  يتضاعف كرهها المبكر  للرجال لأنها  ارتسمت  في مخيلتها الطفولية أن  هؤلاء الرجال أعداء للمرأة وقد ينتج عنها كرهه للمجتمع بأكمله ونحث في مثل هذه الحالات  الاهتمام والرعاية  من المجتمع  والمؤسسات ذات العلاقة  بالمرأة  والطفل.

ضغوطات نفسية تصلهم للانتحار

ومن جانبها تقول شيرين  فاروق، أستاذة  في علم النفس  إن الزواج المبكر يؤثر على حياة  الفتاة بشكل عام وخصوصا في علاقتها مع نفسها قبل أن يكون مع زوجها ، حيث لا يكون لديها خبرة مع الحياة التي ستقدم إليها ، والزواج في هذا السن يؤدي إلى عدم التوافق بين الزوجبن وهذا بحد ذاته يؤدي إلى اضطراب نفسي  تؤدي  وقد تدخل الفتاة في حالة اكتئاب وذلك من خلال شعورها بعدم القدرة على التعامل مع زوجها وحياتها الجديدة التي تعد صغيرة عليها وكثير من الحالات التي وصلت الينا من الصغيرات اللواتي تزوجن قسرا يصلوا إلى الانتحار .. وذلك ناتج عن الضغوطات النفسية التي تعيشها الصغيرة في بيئة غير مناسبة لها .

معاناة تتحول إلى آمال

سنوات القمع تركت آثاراً جلية على صابرين ولكن بعكس ما سيتوقع الجميع  فهي الآن تتحدى  واقعها.. في إكمال تعليمها  التي كادت أن تحرم منه  وتُجهز نفسها  لتحقق أمنيتها طامحة بمستقبل وحياة أفضل تؤمنها لها وصغيرتها.. قائلة" إلى جانب دراستي  بدأت أمارس أعمال متفرقة لكي  أجمع المبالغ البسيطة فقد بدأت ببناء منزلي الذي كان غير مؤهل للسكن الآمن وسأسعى جاهدة في تحقيق هذه الأحلام التي قد يراها البعض أنها ليست أحلام ولكن هذه هي  أحلامي .."  وانتهت بابتسامة خجولة بعد أن ألتفتت إلى صغيرتها.

غادرتها وأنا أتسال كم من مرأة تعنف وتظلم ظلّت مخبأة بين جدران هذه البيوت.. فصابرين ليست الحالة الأولى ولا الأخيرة التي زُوجت في هذا السن وعاشت تلك الظروف فهناك الكثير من الصغيرات اللواتي يزوجن في سن مبكر ويتعرضن للتعنيف فقد تزايدات  ظاهرة الزواج القسري في اليمن بشكل ملحوظ مؤخرا بسبب الظروف المعيشية التي تعيشها الأسر في اليمن بعد الحرب.