آخر تحديث :الجمعة-19 أبريل 2024-02:25م

ملفات وتحقيقات


(عدن الغد) تنفرد بنشر مذكرات الرئيس علي ناصر : الحلقة ( الثالثة ) ( الطريق إلى عدن )

الإثنين - 18 نوفمبر 2019 - 12:21 م بتوقيت عدن

(عدن الغد) تنفرد بنشر مذكرات  الرئيس علي ناصر :  الحلقة ( الثالثة ) ( الطريق إلى عدن )

(عدن الغد)خاص:

كتايب ( المعلامة ) بدثينة كانت بمثابة مؤسسات التعليم الوحيد المتاحة المتاحة في المنطقة

 متابعة وترتيب / الخضر عبدالله :

تنفرد ( عدن الغد ) بصحيفتها الورقية والإلكترونية بنشر أبرز وأهم  المذكرات من كتاب علي ناصر محمد الذي أسماه ( الطريق إلى عدن )  

ويعد هذا كتاب الجزء الثاني من مذكرات الرئيس علي ناصر محمد حيث سبق وأن تفردت صحيفة ( عدن الغد ) بنشر الجزء الأول من كتاب ( ذاكرة وطن  من الاحتلال إلى الاستقلال ) وفي الجزء الثاني تحتوي مذكراته إلى لفت الانتباه على معايشات ومشاهدات وحوارات وأحاديث، جرت في رحلة قام بها الرئيس السابق ( علي ناصر محمد ) ورفاق الرحلة من دثينة إلى عدن، وقد دونت في عدة محطات توقف فيها، وصاغه في قالب حواري يجمع بين اللغة الفصحى واللهجة المحلية.

أما في حمص السورية، وأصولهم من اليمن، فيوم الأربعاء كما هو متداول هو يوم الحماصنة ويوم عيد عندهم. وقد وصل اليمانيون إلى حمص مع الفتوحات الإسلامية واستقروا فيها ورفضوا التقدم نحو بقية بلاد الشام. كما اختارت والدتي شيخة بنت محمد أن تكون حمص مستقرها ومأواها الأخير في هذه الدنيا ومدخلها إلى العالم الآخر، عندما وافاها الأجل عام1996م وجرى تشييعها بحضور عدد كبير من المسؤولين في الحزب والدولة. وأنا حتى الآن لا أعرف سر كلمة الربوع، ولماذا يتطير من ذكرها بعض الناس ويتوجسون حدوث شر أو مكروه لهم في هذا اليوم. ولكن يبدو لي أن حادثاً رهيباً وفظيعاً حدث في المنطقة نتجت عنه مأساة كبيرة، وكان ذلك يوم أربعاء، أو ربوع كما نطلق على يوم الأربعاء. ويبدو أن الأجيال توارثت التطير من يوم الأربعاء، فبقي الخوف والهلع في القلوب من تلك المأساة البعيدة، بينما نسي الناس الواقعة أو الحادثة الرهيبة نفسها.. لكن التشاؤم من يوم الربوع ظل مزروعاً في الذاكرة الشعبية تتوارثه الأجيال من الأجيال التي سبقتها. وفي محاولة للتهرب من ذكر الأربعاء، أو الربوع، الذي يتشاءمون منه، فإن الناس عندنا أخذوا يطلقون على الأربعاء (يوم امبرك) أي يوم البركة حتى يدفعون النحس عن هذا اليوم.

معلامة بنيص

مازال في ذاكرتي بعض ملامح حياتي الأولى وخاصة رغبتي في التعلم, اذ كان الاولاد في عُمري يلتحقون بالكتاب (المعلامة) عند العلامه صالح بنيص او كما كان يطلق عليه "بوي بنيص". كان المعلم صالح بنيص رجلا فاضلا قيل انه ذهب إلى حضرموت لدراسة علوم الدين وأسس بعد عودته أول كتاب لتعليم الاطفال في منطقتنا امفرعة وامقوز وغيرها من قرى المنطقة. وكانت الكتاتيب هي مؤسسات التعليم الوحيدة المتاحة في دثينة ولم تفتح المدارس النظامية الحديثة في دثينة إلا في بداية الخمسينيات من القرن الماضي.. وكانت هذه الكتاتيب تعلم القراءة والكتابة وتحفظ القرآن الكريم، وتعلم الأطفال أصول الصلاة والصوم والوضوء ونواقضه، وقد تعلم إخواني فيها جميعاً، ولم تتح لهم فرصة المتابعة, حيث التحق الأكبر سناً منهم بالخدمة العسكرية في جيش "الليوي" و"شبرد" في عدن, وبعضهم اشتغل بحراثة الأرض. ولم يكن ذلك مما يناسبني ويناسب طموحي حتى في تلك السن المبكرة. ولكن بعد هذا الحرمان الطويل من التعليم أصبح في بيتنا اليوم أكثر من خمسةٍ وثلاثين خريجاً من البنين والبنات من أبناء إخواني وهذا من ثمار الثورة التي لم تكن متوفرة في زمن الاحتلال.

أخيراً حان الوقت الذي دخلت فيه باب المدرسة، وحل معه شعور جميل بأن عليّ أن أدرس وأن أتفوق. ولا أدري كيف ارتبطت عندي، في ذلك الوقت المبكر، فكرة الدراسة بالعمل. ولا كيف أن التحصيل والمواظبة كفيلان بضمان مستقبل طيب لي، وبما يساعد أسرتي على تجاوز شظف العيش.

الدراسة في احور

التحقت مع عدد من أترابي من أبناء قريتنا وبعض القرى الأخرى بمدرسة أحور, وكان يشرف عليها السيد علي المشهور, وكانت تابعة لحكومة معارف عدن, ومن بين الذين التحقوا معي خلال الفترة ذاتها عبد الله أحمد علي (من ناعب) وعبد الله محمد الهيثمي من (كبران) وعبد الله حسين درامة ومحمد حسين درامة من (امقوز) وحسن علي الصغير من (عدن) وقـد سمي بعد ذلك أثناء حرب التحرير باسمه الحركي (بدر) واستشهد في 14 مايو 1968م وفضل محسن (1)  وعبد الله محسن الطويل وسواهم.

حلمي أن أكون مدرساً

وكانت مناهج المدرسة هي تلك المعتمدة في مستعمرة عدن, وكان يتم التركيز فيها على مادتي اللغة العربية والدين اللتين يوليهما السيد علي اهتماماً خاصاً. وكان هذا من أجمل ما حملته ذاكرتي عن الأيام الأولى للدراسة. لقد أحسست منذ اليوم الدراسي الأول بجدية المسار الذي أقطعه، وصار حلمي الجديد أن أكون مدرساً مثل هؤلاء الذين يقفون إزائي، بقاماتهم العالية، أمام اللوح (السبورة) وهم - كما بدا لي - يعرفون كل شيء ولا تخفى عليهم خافية. ولأن المناهج في مثل تلك المدارس كانت متطورة آنذاك، ولأن مدرسة مودية كانت تفتقر إلى مدرسين فقد عدت إلى قريتنا بعد أن أنهيت الابتدائية في مدرسة أحور، والتحقت مدرساً بمدرسة مودية، وكنت أدرس التلاميذ وفي الوقت ذاته أواصل منهج دراستي المتوسطة ثم معهد دار المعلمين بكريتر عدن.

اخوتي خصوني ب برعاية بتكاليف دراستي

كانت المصاعب أكبر من أحلام صبي بعمري. الحاجة تطوّق خناق الأسرة والأشقاء، ولا تسمح لمثلي أن يواصل دراسته، مع أن تكاليف الدراسة من ملابس وكتب وقرطاسية وما إليها لم تكن مرتفعة. لكن حالفني الحظ بأن انخرط أشقائي أحمد وعوض في جيش الليوي في عدن، وصلاح في الحرس الاتحادي، وكان مرتبه الأفضل، فخصني برعايته الاستثنائية وتكفل ببقائي على مقاعد الدراسة، كما أخذ على عاتقه مساعدة العائلة بصورة عامة, وهذا ما ضاعف شعوري الدفين بالمسؤولية.

وبعد هذا الحديث عن سني دراستي الأولى فسأتحدث عن رحلتنا الطريق الى عدن ودراستي لاحقا فيها .

بداية الرحلة إلى عدن

أخيراً نجحت في إقناع الجميع وعلى رأسهم الوالد ناصر محمد بالسفر الى عدن لمسافة 209كم وحينها كانت السيارات تأتي من عدن الى دثينة والى قريتنا ولم يكن مفهوما من وجهة نظر الوالد السفر على الاقدام والجمال ولكن امنية تحققت لي في هذه الرحلة وهو ما سنتحدث عنه في هذا المذكرات ..

وبدأت استعداداتنا للسفر..

انطلقنا من قريتنا (2)  بعيد صلاة الفجر مع يقظة الجميع، فالجميع هنا.. الرجال .. النساء .. الأطفال .. الجمال .. الغنم والطيور ينطلق مع الأذان الأول ولا مكان للكسالى، إذ لا نوم بعد صياح الديك ، " (3) وصلاة" الصبح, ولا أتذكر أن أحداً كان ينام بعد شروق الشمس، فبعد انقشاع الظلام الذي يلف البلاد والعباد يجب أن يبدأ الكل بالحركة.. وكلهم لرزقهم يسعون.

فيما كنا نغادر القرية رأينا عدداً من النسوة على حافة بئر قريتنا "عماصير" وهن يسحبن الماء من أعماق البئر بالدلاء المصنوعة من الجلد وحول البئر عددٌ من الحمير والجمال المحملة بالماء. تتهيأ للعودة إلى القرى والمناطق التي جاءت منها، وبعضها يبعد مسيرة يوم كامل وربما أكثر.. كانت "عماصير" المبنية من أسفلها إلى أعلاها بالحجارة والصخور المرصوفة بأحكام, محفورة في سفح جبل القاهرة ليس بعيداً عن وادي وجر، وقد حفرت بكاملها في جسم الجبل ذي الصخور الرمادية المائلة إلى الاخضرار.. كانت هذه البئر من القِدم بحيث لا يُعرف من حفرها ومتى حفرت. الناس هنا يقولون إن "الكفر" هم من حفرها. وصفة الكفر في الوعي الشعبي البسيط تعني الأقوام الذين عاشوا قبل الإسلام.. البعض يقول إن من حفرها بنو "غسان", والأرجح أنهم الأوسانيون.

كانت "عماصير" كما يؤكد كبار السن البئر الوحيدة في المنطقة كلها، وكان الناس يأتون     إليها للسقي من مناطق تبعد مسيرة اليوم واليومين وقد قال احد الشعراء عنها:

ياعماصير مال أهلش كمل بختهم

           ماتوا من الغبن حما يبصرون الوريدة

هادي علي يا ريتني عندهم

          ولا محلة معاهم رأس تاك امحديدة

أي إن أهل "عماصير" يموتون من الحسرة كل يوم وهم يتأملون أجمل الفتيات الفاتنات اللواتي يأتين من كل المناطق للسقي من بئرهم.

وقد ارخ الشاعر فرحان لهذه البئر قبل ثلاثمئة سنة عندما ضاعت بعض الدواب لأهل مودية وجاءوا يبحثون عنها إلى امفرعة وكانت الضباع قد افترست الدواب بين الأشجار الكثيفة التي كانت موجودة بين امقوز ومودية وكانت مليئة بأشجار (الصرح) التي تستخدم في سقف المباني لقوتها واستقامتها: ويؤكد الأهالي أن بعض الحُصون ومنها حُصن جدنا سليمان محمد جُلبت كل الأخشاب المستخدمة في سقوفها من هذه أشجار هذه المنطقة التي كانت لا تخلو من الحيوانات المفترسة كما يقول كبار السن نقلاً عمن سبقهم من آبائهم وأجدادهم. تقول القصة إن دواب أهل مودية لم تبق منها إلا دابة واحدة وصلت إلى القرية. وعندما جاء أهل مودية يسألون عن دوابهم وكان بينهم شخص اسمه ابن قاسم علي وجدوا أهل امفرعة في رقص ولهو بإحدى المناسبات وقد قال الشاعر فرحان شعراً عندما رأهم وعرف غرضهم من المجيئ:

حمير بر قاسم علي ضاعين وامدبة

 معانا لا متى يا مودية با تشربوا مأنا

وهذا يعني أن أهل مودية كانوا يشربون من بئر "عماصير" في تلك الفترة.

وكان لهذه البئر نبعان أحدهما ينبع من جهة الجبل الذي يحتضن القرية وماؤه يميل إلى الملوحة وطعمه غير مستساغ، وكان هذا النبع يسد بإحكام بما تيسر من الجلود والخرق والحجارة حتى لا يفسد المياه العذبة التي تتدفق من العين الأخرى التي ينبع ماؤها من جهة الوادي.

ويذكر أن الشاعر فرحان كان يتاجر على حماره، بين أرض أل حسنة و المياسر في مودية وفي إحدى المرات أخذ "سييرا" (مرافقا)ً يحميه وفي الطريق هجم عليهم مجموعة من اللصوص وقطاع الطرق وأخذوا الحمار والبضاعة ولم يحمه أو يدافع عنه مرافقه الذي كان مسلحاً وكان من قرية تسمى اورمة، فقال حينها:

 

اورمـــــة لا تجيها زكـــنـــك مــــكــنـــك

مقصور محجور وإلا با تبان الخبية

خذت سيير من عصبة تشب البلا

واتقاطبوني طرف موقط  (4) جناح العشية

لا عد نفعني ولا ناعاد عنته بشي    

الله يصيبش مصيبة يا العروق الوشية

يا حبال امعزف ما عاد باشد بش

با تقطعي بي قطع بش في الخبوت الخلية

قال فرحان من حانق علي يشتحن    

يشد كوكب على جنبه بشترة (5)  قوية

هوامش /

1-  - أصبح فضل محسن مدير مراجعة الحسابات في عدن .  

2-  - قرية الفرعة:  تبعد نحو200متر عن قرية امقوز، ويفصل بينهما وادي وجر.

3- كان صياح الديكة حينها الساعة المنبهة الوحيدة

4- موقط جبل في منطقة آل وليد ويكنوا بآل مجرب

 5- شترة: تعني حبل