آخر تحديث :الخميس-28 مارس 2024-12:22م

ملفات وتحقيقات


محافظو عدن .. من الاغتيال إلى الإقالة أو الاستقالة فمن سيكون القادم؟!

الأحد - 10 نوفمبر 2019 - 01:38 م بتوقيت عدن

محافظو عدن .. من الاغتيال إلى الإقالة أو الاستقالة فمن سيكون القادم؟!

(عدن الغد) القسم السياسي:

- ستة محافظين في أقل من أربع سنوات.. رقمٌ كبير.
- محافظ عدن.. منصب مليء بالتحدي والمخاطر.
- محافظو المدينة.. إما أُغتيلوا أو أُقيلوا أو قدموا استقالاتهم.
- لم يُسعف الوقت محافظي عدن على إخراجها من حالة الحرب نحو الاستقرار.

مثّل منصب محافظ محافظة عدن، منذ ما قبل اندلاع حرب عام 2015 تحدٍ لا يخلو من المخاطر على كل من تعاقبوا عليه خلال الفترات المتلاحقة.
حيث يرى مراقبون أن ستة محافظين لمحافظة عدن خلال أقل من أربع سنوات، منذ 2015 وحتى 2019 يعد رقمًا كبيرًا، ويُرجعه البعض إلى التوتر الذي عاشته وما زالت تعيشه المدينة خلال تلك الفترة العصيبة.
حتى تلك الفترات التي شهدتها المدينة في أحداث 2011 وحتى قبيل الحرب لم تكن مستقرة، وكان ضحاياها العديد من المحافظين، الذين كان أغلبهم حزبيين أو محسوبين على أحزاب.
غير أن الفترة التي أعقبت حرب الإنقلابيين الحوثيين على عدن سجلت ضحايا كُثُر، وكانت قاسية على المحافظين أنفسهم وعلى المدينة برمتها.
فرّ محافظ عدن قبيل حرب 2015 الدكتور عبدالعزيز بن حبتور إلى صنعاء والتحاقه بركب قوات صالح ومليشيا الحوثيين، وانكشاف دوره "التمويهي" الذي كان يقوم به خلال تواجد الرئيس هادي في عدن بعد هروبه من حصار الحوثيين للقصر الرئاسي بصنعاء.

*مدينة تقاتل بلا محافظ*
خلت ساحة محافظة عدن حينها من أي قيادةٍ على هرمها، وظلت المدينة ساحةُ حربٍ بلا محافظ، حتى وكلاءها الكُثُر فروا منها، ولم يبقى منهم سوى وكيل المحافظة لشئون الخدمات حينها نائف البكري، الذي كان يزور الجبهات وينسق الأعمال القتالية مع قوات التحالف بشهادة المقاتلين من أبناء عدن.
ورغم أن المدينة كانت مقطعة الأوصال حينذاك، إلا أن الوكيل البكري استطاع إدارة شئونها وخدماتها بالقدرات والإمكانيات المتاحة، وبدعمٍ من التحالف العربي، حتى غدت عدن مدينةً تُقاتل الحوثيين بلا محافظ.

*البكري محافظًا.. وتهمة الإخوان تُقيله*
عقب تحرير مدينة عدن من الحوثيين في أغسطس 2015 تم تعيين نائف البكري محافظًا للمدينة، لكن الحقيقة التي تقال إنه لم يحظَ فرصة كافية ووقتٍ كافٍ للعمل على توفير الخدمات العامة في المدينة، وإخراجها من معاناة الحرب.
فسرعان ما تم التخلص منه من حلفاء الإمارات في عدن بحجة انتماءه الإخواني لحزب الإصلاح، عقب حملات تحريض واسعة ومركزة مورست ضده، والتي لم يستطع البكري مواجهتها، خاصةً في ظل ضغوطات تعرض لها الرئيس هادي من أبو ظبي قبل أن تتكشف نواياها الحقيقية في عدن.
نجحت تهمة الإخوانية في إزاحة البكري عن هرم محافظة عدن، رغم عمله الدؤوب في المدينة خلال فترة احتلالها من الحوثيين، ورفضه لسيطرة أمراء الحرب على مقدرات عدن، إلا أن تلك الجهود لم تشفع له، للبقاء محافظًا لعدن، وربما كانت سببًا لإبعاده.
غير أن ما خفف وطأة وصدمة إقالة البكري - لدى كثيرين - هو تعيين اللواء جعفر محمد سعد بديلاً عنه، وهو المشهود عنه نضالاته الميدانية وقيادته إلى جانب العديد من القادة العسكريين معركة تحرير عدن من الحوثيين.

*اغتيال اللواء جعفر*
استبشر أبناء عدن بتعيين اللواء جعفر، الذي كان بحسب كثيرين نظيف اليد، ومتفانٍ في عمله وخدمته، إلا أن شأنه كان مثل شأن سلفه نائف البكري، فتصادم هو الآخر من "اللوبي" الذي أراد أن يسيطر على مكامن القدرات الاقتصادية والتجارية في مدينة عدن.
كان اللواء جعفر منكبًا على تحسين الخدمات في المدينة، وتهيئتها للانتقال من مرحلة الحرب إلى مرحلة التطبيع والحياة المستقرة.
ويبدو أن هذه الأسباب هي التي دفعت الخاسرين من بقاء شخصيات بحجم وأمثال البكري وجعفر محمد سعد على سدة قيادة المحافظة، إلى التخلص من الأول بالإقالة، والآخر باغتيالٍ إجرامي دموي هو الأول من نوعه بحق محافظ محافظة يمنية.
حيث كانت الحادثة صادمة ومفاجئة للمراقبين، الذين استغربوا حدوثها بحق رجل وشخصية مثل اللواء جعفر، واتجهت الاتهامات حينها إلى الانفلات الأمني المرعب الذي كانت تعيشه عدن، وانتشار الجماعات والتنظيمات الإرهابية التي كان يُعتقد أنها تتلقى دعمًا من الرئيس الراحل علي عبدالله صالح، ومليشيات الحوثي.
وتزامنت حادثة اغتيال اللواء جعفر مع عديد من حوادث الاغتيالات والتفجيرات التي استهدفت شخصيات عدنية، وضباط أمن وعلماء وأئمة مساجد.

*زمن عيدروس المحافظ*
في نفس يوم الاغتيال الإجرامي للمحافظ جعفر، تم تعيين القائد العسكري في محافظة الضالع عيدروس قاسم الزبيدي محافظًا لعدن، وبالتزامن كان شلال علي شائع شاغلاً لمنصب مدير أمن المحافظة، بهدف ضبط الانفلات الأمني وإنهاءه والتخلص من الجماعات الإرهابية التي كانت "تعشعش" في بعض مديريات عدن.
ظن مناصرو الرجلين أن المحافظة مقبلة على استباب أمني وإنهاء للتفجيرات والاغتيالات، إلا أن تلك الأحداث لم تنتهي أبدًا، رغم حملات التخلص من أوكار العصابات الإرهابية في بعض مديريات عدن.
ويؤكد متابعون أن الزبيدي هو أكثر محافظ لمحافظة عدن منذ 2015 مكث في هذا المنصب حتى الآن، حيث بقيَ في ديوان المحافظة في المعلا زهاء عامين.
ورغم ذلك، وعلى صعيد الجانب الخدمي، لم تتحسن الخدمات العامة في عدن كثيرًا خلال عهد الزُبيدي، فالميناء الذي تعول عليه المدينة الكثير لم يُفعل بالشكل المطلوب، كما أن الخدمات الملاحية في المطار تأخرت وتعطلت رغم إعادة ترميمه بعد الحرب.
وانتهى عهد الزبيدي بإقالته بقرار من الرئيس هادي، في مايو 2017، وسط رفضٍ من الأول، الذي اتجه بعدها بأيامٍ فقط إلى تأسيس المجلس الانتقالي الجنوبي، ردًا على قرار إقالته.
وظلت مفاتيح منزل محافظ عدن، وديوان المحافظة بالمعلا بحوزة الزبيدي منذاك الحين وحتى نحو ما يزيد على العام والنصف.

*المفلحي.. بلا ديوان*
ظل خليفة الزبيدي، الدكتور عبدالعزيز المفلحي، بقرار من هادي، يدير محافظة عدن لمدة ثلاثة أشهر من منزله، ومن خارج ديوان المحافظة.
ويؤكد محللون أن المفلحي كان أحد الشخصيات الإدارية والخدمية الكفؤة التي حظيت بهم عدن، وكانت المدينة محظوظة بتعيينه محافظاً لإدارتها.
حتى أن العديد من الاقتصاديين عولوا على المحافظ المفلحي الكثير لانعاش الوضع الخدمي في عدن، وإعادة إنعاش مرافقها الاقتصادية والتجارية العامة، وإعادة الحياة إلى المدينة.
غير أن الظروف لم تسمح في استمرار المفلحي، الذي اتهم الحكومة الشرعية بالفساد، وتبديد موارد الدولة، ورفض أكثر من مرة صرف وإخراج إيرادات عدن إلى خارجها، ودخل في صدامات عديدة من رئيس الوزراء اليمني السابق الدكتور أحمد عبيد بن دغر، لتنتهي تلك الصدامات بتقديم استقالته في نوفمبر 2017، ليعود منصب محافظ عدن شاغرًا مرة أخرى، ويظل على هذا الحال طويلاً.

*أحمد سالم ربيع.. ونصيبٌ من الانتقادات*
كان وكيل محافظة عدن، أحمد سالم ربيع علي، قائمًا بأعمال محافظ المحافظة، المنصب الشاغر، ورغم إبداءه جهودًا في الجوانب الخدمية في المحافظة والإشراف عليها، إلا أنه لم يحظَ بشعبيةٍ كبيرة في أوساط السياسيين قبل المواطنين.
حتى تم تعيين الحكومة الجديدة برئاسة الدكتور معين عبدالملك الذي ثبّت "سالمين" في منصبه، رغم معارضة الكثيرين.
ويعتقد محللون أن المحافظ الجديد لم ينجح في تأكيد أهليته بالمنصب، عقب انتقادات كثيرة لمستوى أداءه الخدمي، وفقدانه الشخصية القيادية التي يحتاجها هذا المنصب.
وكثيرًا ما قارنه منتقدوه بمن سبقه من المحافظين، أصحاب القدرات القيادية والشخصيات القادرة على اتخاذ القرارات المصيرية.
حتى أن موقفه "الضبابي" من أحداث عدن الأخيرة، في أغسطس الماضي سببت له الكثير من الانتقادات التي لم تطالبه باتخاذ موقف منحاز لطرفٍ ما، بقدر مطالبته بالخروج والنزول الميداني لتوفير الاحتياجات والخدمات للمواطنين، والتي انقطعت عقب خروج الحكومة من عدن.

*عدن.. مدينة الانتماءات المتناقضة*
يتميز منصب محافظ عدن، بالكثير من الخصوصية النابعة من تميز المدينة وموقعها الحيوي، ومكانتها بين المدن اليمنية، وامتلاكها قدرات اقتصادية وتجارية عملاقة، بالإضافة إلى كونها مدينة مركبة من مزيج سكاني، يجمع العديد من الانتماءات المتنوعة، والهويات المتعدد حد التناقض أحياناً.
ومن هنا تكمن الصعوبة والخصوصية الحادة في إدارة أو قيادة مدينة بحجم ومكانة عدن، والتي تحتاج فهمًا عميقاً واستيعابًا كبيرًا للتناقضات المتعايشة في هذه البقعة من اليمن.
وبدون هذا الفهم والاستيعاب لن يستطيع أي قيادي إدارة المدينة بشكل يوصلها إلى بر الأمان، مع كمٍ هائل من التناقضات.

*فلسفة إدارة الصراع في عدن*
ويبدو أن التاريخ المليء بالصراعات، خاصةً التاريخ المعاصر، والمعاصر جدًا، أضاف الكثير من الصعوبة إلى طبيعة المدينة، وجعل من معالجة تلك الصراعات أمرًا شائكًا، دفع كثيرين إلى الدعوة للتعايش مع تلك الصراعات، والبحث عن كيفية إدارتها بدلاً من معالجتها.
وربما يكون التعايش مع التناقضات وجعلها تسير في طريق من التنوع والتعدد هو الحل الأنجع لهذه المدينة، التي لا يمكن أن تبقى بدون تنوع، ولا يمكن أن يستأثر بها طيف وحيد دونًا عن بقية الأطياف.
تلك هي فلسفة الإدارة الخاصة بمدينة عدن.

*الخدمات.. ثم الخدمات*
منصب المحافظ، لا يعدو عن كونه منصبًا خدميًا في المقام الأول، ونظرًا لامتلاء مدينة كعدن بالمرافق الحيوية والخدمة من الطراز الأول، وتواجد كم كبير من السكان في مساحة جغرافية ضيقة، تحتم توفير خدمات لكل أولئك المواطنين الذين يتزايدون عامًا بعد آخر، مما يسبب ضغطًا على الخدمات والاحتياجات الخاصة.
ومن هنا تنبع وظيفة المحافظ المعني بتوفير جميع تلك الخدمات والاحتياجات، وعلى رأسها المياه والكهرباء والصرف الصحي، والطرقات، والنظافة والتحسين، والبحث مع الجهات ذات العلاقة والوزارات المعنية لتوفير المدارس والمعلمين وبناء المستشفيات، وضمان استمرار الخدمات وتدفقها بشكل مستمر.
وهذه هي المهمة الأساسية لأي محافظ، وهنا يتذكر الكثيرين أعمال محافظين سابقين جاءوا من خارج عدن ونجحوا في صناعة مظهر حضاري داخل عدن، أمثال يحيى الشعيبي وأحمد الكحلاني، بفضل اهتمامهم بالخدمات والبنية التحتية والنظافة والصرف الصحي.
ومازال أهالي عدن يتذكرون تلك الشخصيات بكثير من الامتنان.

*صعوبات وتداخلات*
جانبٌ آخر من جوانب الإشكاليات والصعوبات التي تعيشها المدينة، خاصة في الفترة الأخيرة، وعقب تحريرها من الحوثيين، وتتعلق بالجانب الأمني.
يعتبر محافظ المحافظة رئيسًا للجنة الأمنية في المحافظة، وهو بذلك يكون المسئول الأول عن الأمن في المحافظة.
غير أن تداخل السلطات الأمنية في عدن منذ أواخر 2015 ووجود تشكيلات عسكرية وأمنية حديثة النشأة في المدينة، سواء من طرف الحكومة الشرعية أو الكيانات التي شكلتها بعض جهات التحالف العربي تسبب بالكثير من التداخلات في المهام الأمنية، وجعلت من مسئولية المحافظ الأمنية هامشية.
وقد يذهب بعض المتابعين إلى اعتبار أن الوضع في اليمن حاليًا هو حالة حرب، والمسئولية حاليًا من شأن التحالف العربي في السيطرة وإدارة البلاد برمتها وليس مدينة عدن بحد ذاتها.
وهذا الطرح صحيح لحدٍ بعيد، خاصةً مع تحول مدينة عدن لمقرٍ للتحالف العربي، وعاصمة مؤقتة للحكومة الشرعية.

*مهام المحافظ الجديد*
يحمل اتفاق الرياض الموقع مؤخرًا بين الحكومة اليمنية والمجلس الانتقالي تلميحات - غير مؤكدة - على تغيير قيادات في السلطات المحلية بعددٍ من المحافظات الجنوبية، وتبدو مدينة عدن على رأس هذه المحافظات.
لهذا يرى مراقبون أن المحافظ المقبل للمدينة يجب أن يتصف بمواصفات يقدر من خلالها على حل شفرة التداخل في السلطات الأمنية، ويقدم من خلال منصبه خدمة مستمرة ومشمونة للمواطنين، ويضمن التعايش بين مكونات المجتمع العدني، واستمرار التعدظ والتنوع الحيوي الذي تميز به أهالي عدن عبر تاريخهم الطويل.
كما عليه أن يُبعد أهاليها عن أية صراعات قد تضر النسيج الاجتماعي للمدينة، ويوحد جهود السلطات للمحلية نحو للتنمية وتطوير المدينة، ونظافتها، وإعادة مظهرها الجمالي.