آخر تحديث :الثلاثاء-19 مارس 2024-01:50م

ملفات وتحقيقات


أخطر وثيقة لأول مرة .. بطل حصار صنعاء الذي قتله عبدالله عبدالعالم

السبت - 19 أكتوبر 2019 - 07:17 م بتوقيت عدن

أخطر وثيقة لأول مرة .. بطل حصار صنعاء الذي قتله عبدالله عبدالعالم

عدن (عدن الغد ) خاص :

بقلم / عبدالفتاح الحكيمي.

على مدى سنوات قرأت لاشخاص عديدين من الذين كتبوا عن يوم اغتيال الزعيم إبراهيم الحمدي  أنهم عندما يصلون إلى ذكر إسم الرائد عبدالله عبدالعالم باعتباره إحدى أدواته العسكرية المهمة يقولون (إنه لم يعلم بمقتله إلا آخر الليل , أو في اليوم الثاني  ..) وكأنهم يتوقعون أن معرفة الرجل المبكرة بالحادثة أو قربه من الشهيد لحظتها كانت ستجلب المعجزات وتقلب المعادلات وكأننا مع إحدى خوارق سوبر مان وغرانديزر وباتمان في أفلام الكرتون والإثارة .

نريد حماية عقولنا من التشوهات والانجرار العاطفي الخادع بوعي جديد يقرأ ويتفاعل مع الأحداث والمعطيات كما حصلت في الواقع  لا كما يريد البعض لها ان تكون بتوهم ما ليس موجودا , وبإنصاف يتحيز للحقيقة وليس للأشخاص ومناطقهم وقراباتهم واحزابهم وعصبياتهم .

هذا المقال(التحقيق) عن الأخ عبدالله عبدالعالم قد يستجلب من البعض نفس ورطة الحوثيين معي حين ناصرتهم لسنوات على مظلمتهم من النظام السابق عندما كانوا يستحقون المؤازرة والنصرة ولو بشق كلمة , وعندما نسيوا آلله فأنساهم أنفسهم وانقلبوا على البلاد والعباد وافسدوا في الأرض وطغوا وبغوا بغير الحق طمعوا اليوم ايضا بمولاة ظلمهم وتزيين فاحشتهم  وكأنهم على صراط مستقيم وليسوا مجرد عصابات اجرامية.

لسنا في فيلم هندي لا يموت فيه البطل ولا تطاله الرماح والعوادي فما بالنا بسرد وقائع وتقييم ما حدث بموضوعية وإنصاف , فهناك فرق بين الحقائق والمجاملات وبين التاريخ وبين(التمريخ).

 شعرت بالضحك أيضا وأنا أقرأ بعض ردود عبدالله عبدالعالم في اكثر من مناسبة وهو يدفع عن نفسه تهمة خذلان إبراهيم الحمدي في الموقف العصيب غداة مقتله .. وإنكار علمه المبكر بالواقعة يثير الشكوك حول غيابه المفاجئ ذلك اليوم بالتحديد أكثر من توقعنا او رهاننا على إنه بمستوى فعل فاقد الشيء.

كل ما استطاعه عبدالله عبدالعالم هداه الله (بعد علمه المتأخر) هو الإمساك بالهاتف بيد مرتعشة والإتصال بالأستاذ أحمد النعمان لقياس رضى رئيسه الجديد احمد حسين الغشمي عنه , وأحسب ان سماعة الهاتف نطلت من يديه حتى بعد شفاعة النعمان بمهاتفة الغشمي ورد الأخير بحسب مصطفى نعمان السفير ما مضمونه ( ما عليه شيء خلليه يلزم عمله بهدؤ ) !!.

أما إذا كان تواصله مع العم احمد رحمه الله للتمويه ودرء شبهة فالسياسة خدعة , ولا أعتقد بفطنة عبدالعالم أكثر من أنه كان مرعوبا من الغشمي بالفعل.

معظم الذين أحاطوا بالشهيد الحمدي وانتفعوا منه لديهم النزعة العدوانية نفسها , وكما تقول الأبحاث النفسية إن من سمة الشخصية العدوانية إلقاء الإخفاقات والعثرات الشخصية واسقاطها على الآخرين , فيحملون غيرهم نتيجة عجزهم .. ذلك ما قرأناه او شاهدناه في قنوات الفضاء , عبدالله عبدالعالم ليس بدعة فالشيخ مجاهد القهالي يتهمه بالمثل ما يشبه خيانة الحمدي والهروب والتخلي عنه  , والعكس يسرف عبدالله عبدالعالم في التشكيك بعلاقات رفاقه بالحمدي ووفائهم له.

ونعرف إن عملية تصفية الزعيم الشهيد الحمدي  نسجت بكفاءة فائضة من الخبث لا تردها أو تعترضها همهمات الرائد ولا هنجمة العقيد القائد  .. لكن المناكفات تكشف ايضا ضحالة من اعتمد عليهم الرجل لإدارة دولة وأمانة المسؤولية, أقل شيء كان أحمد الغشمي الذي ركن الحمدي على سذاجته أكثر وضوحا في الغدر بعكس من نحروا مشروع دولة العدالة الاجتماعية والقانون بعلم الحمدي نفسه , وأولهم عبدالله عبدالعالم.

هذا الرجل غريب الأطوار والشخصية فمثلما كانت خطيئة الحمدي تهوين خطورة الغشمي عليه وتجاهل نصائح المخلصين  , لم يدرك أيضا خطورة وسؤ من وثق بهم أكثر وكأنه استأجرهم بالقطعة لأجل معلوم قبل أن يتحولوا الى سرطان في جسد الدولة.

إعدام بريء

لا أعتقد إن الرئيس إبراهيم الحمدي الذي كان نائب رئيس الوزراء للشؤون الداخلية يجهل وقائع جنائية كثيرة ارتكبها بعض المحيطين به قبل توليه الرئاسة.. ما معنى صدام الحمدي مع مراكز القوى القبلية المعيقة لبناء الدولة وصرف النظر أو التهوين من جرائم أدوات ورموز الحكم والنظام الجديد.

نحن بحاجة إلى تقييم وليس الى تطبيل وتزمير .. الحمدي مات مظلوما وانتصف له ارحم الراحمين ولكن .

في  شهر مارس 1972م صحت صنعاء على جريمة بشعة نكراء اهتز لها عرش الرحمن ولانت لها القلوب القاسية .. اغتيال قائد كتيبة أعزل في قوات المظلات جهارا نهارا بين زملائه أمام(سارية العلم) بعد أن جاءوا به مكبل اليدين من قاع بئر التعذيب التابع لمعسكر مركز قوات المظلات الذي أمضى فيه الشهيد ليلته الاخيرة مع صنوف أنواع التعذيب الوحشي , وأن من شهدوا على الواقعة الجبانة قالوا إنه جيء بالضابط وهو في حالة فقدان للوعي من هول التعذيب .. كانت آثار السياط المعدنية والكدمات وتهتك الجلد واضحة وزملاؤه يصرخون ويتشفعون له عبدالله عبدالعالم أن يحيله الى للقضاء العسكري ان كانت عليه قضية او مخالفة عسكرية أو جنائية .. ولا ضمير لمن تنادي .. قضي الأمر  , أمر البطل المناضل احد جنوده بتفريغ مجزين رصاص كامل من أعلى الجسد الى اسفله  وأكمل هو الباقي بالميكروف , أيقنت نفسه برجولته ( خللموه يعرف حجمه ومقداره , ما هلش قانون عندنا في العسكرة هذا هوه القانون) ورفع مسدسه كرمزية بلهاء.

وهذه حادثة سابقة قبل 8 سنوات على واقعة مذبحة( شيوخ الحجرية) الشهيرة عام 78 التي قتل فيها عشرات الشيوخ وغيرهم  في تعز وقال فيها القضاء كلمته ..

وتقاس على الجريمة البشعة الأولى درجة الجنون والاحتمالات اللاحقة الممكنة لشخصية عدوانية منحرفة في وعيها وسلوكها تعتبر الاستقواء على الضعيف كمالا  وقمة العدالة ضمن شعارات تصحيح المرحلة , بينما التخريب من الداخل أسوأ من خارجه , وأن الحمدي لم ينخدع بالغشمي بمفرده بل رزء بفحش حاشيته وادواته المقربة من غرفة نومه أيضا .

 الهروب من صنعاء

  فر عبدالله عبدالعالم وعشرات آخرين معه من صنعاء بعد تنحيته إلى تعز مع قائد كتيبة أخرى وبعض افراده فروا أيضا  الى محافظة  اب مع اسلحتهم ووسائل النقل والاطقم والمعدات المملوكة للدولة.

 وبعد مجزرة شيوخ الحجرية فر عضو مجلس القيادة وقائد قوات المظلات عبر طريق صخرية وعرة من الوازعية الى الصبيحة جنوبا , وارتطمت سيارات الهاربين بالأحجار الكبيرة وانقلب بعضها وقتل بعضهم(نصفه من الله ) في الطريق مع الفارين معه .. وساعدهم بعض أهل الوازعية الذين دلونهم على طريق المضاربة بعدما هلك منهم ونزف البعض  حتى الموت.

اضطرت جريمة قتل الحمدي المدوية الرئيس المغتصب للسلطة أحمد الغشمي الى تعديل سلوكه الجنوني وإظهار تسامحه المفتعل مع المحيطين به , وتحولت عدوانيته المفرطة من وضع الهجوم الى الدفاع خصوصا بعد حادثة إطلاق النار عليه داخل مكتبه من الرائد أحمد الكبسي محاولة ثأر للحمدي .. وتساهل مع حركات عبدالعالم ليظهر مرونته وسلميته , وكونه يعرف حجمها المقدور عليه , بل استغل ذلك أيضا لتصفية باقي المحسوبين على الحمدي!!.

لم يعمل الرئيس  الغشمي اي اعتبار لبقاء الرائد عبدالله وقوات المظلات والصاعقة الضخمة وسط قلب العاصمة صنعاء التي قد تشكل مصدر ضعف لنجاح انقلابه الدموي وإلا كان عبدالعالم في مقدمة المدعوين لمأدبة الغداء الأخير , لذلك استهدف الغشمي الغشوم قائد العمالقة ليس باعتباره شقيق الحمدي بل لخطورة تدخل قواته الضاربة في اللحظة الحاسمة وإفشال  مخططه كذلك فعل مع قناف زهرة صهر الحمدي قائد اللواء السابع مدرع لخطورته .. رغم أن قوات  شقيق الحمدي عن مسرح الجريمة بأكثر من 80 كيلو مترا في محافظة ذمار .. وعندما يدافع الرائد عبدالعالم عن نزاهته من تهمة عدم قيده في سجل كشوفات اللجنة السعودية الخاصة يثير الشكوك حوله أكثر , لأن ذلك ليس مقياسا للوطنية أو العمالة والعكس.

وزعم أنه قاد تمردا في الحجرية ضد الغشمي , وأن يكون ذلك ثأرا للحمدي  فللبطولة طعم ومعنى .. أوهام وضلالات لم تحدث قط لا في أفلام هوليوود ولا بوليوود .

 الغشمي لم يستهدفه

بعد استيلاء الغشمي على الحكم ظل عبدالله عبدالعالم في منصبه كعضو في مجلس القيادة وقائدا لقوات المظلات , بل زادت نثرياته أكثر فتبديد الأموال هو سلوك تميز به الغشمي أكثر من غيره تحت بند(الكرم) وليس شراء الذمم فقط لا غير .. وقد صعق من قبله القيادي الناصري الصديق حاتم أبو حاتم عندما منحه الغشمي قبل عامين من الانقلاب بدون مناسبة ولا طلب شخصي مبلغ 70 ألف ريال يمني تساوي 14 ألف دولار .. ولا ندري عن إصلاح مالي وتبذير نائب الحمدي بهذه الدرجة..

في 6 فبراير 1978 مهد الغشمي لانتقال السلطة إليه والاستيلاء عليها نهائيا والغاء مجلس قيادة الثورة (الجماعي) فأنشأ مجلس الشعب التأسيسي المكون من 99 عضوا رأسه القاضي عبدالكريم العرشي .. وفي 22 ابريل 78م أقر المجلس إلغاء مجلس القيادة واستبدالها بسلطة رئيس الجمهورية فقط التي رشح لتوليها الغشمي منفردا , واقرها المجلس التأسيسي اليوم التالي 23 ابريل.

انتهى بذلك تلقائيا  مجلس القيادة الذي تشكل أيام الحمدي وكانا عبدالله عبدالعالم وعبدالعزيز عبدالغني ممثلين فيها عن تعز لفرض التوازن المناطقي فقط وليس لاعتبارات أخرى أو مزايا خارقة وعبقرية الرائد , مع فارق إن الشهيد عبدالعزيز عبدالغني اختير أكثر لكفاءته الإدارية ومؤهلاته الأخرى , وظل رئيسا للوزراء طوال عهد الغشمي القصير المثير.

وبقي الرائد في موقعه القيادي العسكري أيضا حتى 23 أبريل 1978 م بعد أكثر من 7 أشهر على مقتل الحمدي , فاستثني عبدالعالم من المنصب السياسي فقط واحتفظ بقيادة قوات المظلات والصاعقة المندمجة معها لأن الغشمي يعرف تماما انه حتى لو اجتمعت  كل أسلحة الدمار الشامل بيد عبدالعالم فانه سوف يعظم لها السلام وتحية العلم فقط .. هذا حجمه ومقداره .. فعاد إلى قريته كبطل بعد التنحية التي لم تستهدفه شخصيا بل ازيح  باقي الاعضاء ال 11 الآخرون من مجلس القيادة بحكم ما طرأ  على هيكلية السلطة العليا الجديدة للدولة المغتصبة ومنهم مجاهد أبو شوارب , يحي المتوكل , علي الشيبة , علي ومحمد ابولحوم وغيرهم .. ولكن للمنصب بريق فهو أم المبادىء .. خصوصا عند الذين  يفتقدون للثقة بأنفسهم وقدراتهم الذاتية ولم يتحرك هرمون الكرامة لديهم إلا عندما يفقد البعض مصلحته او المنصب.

في 28 أبريل 78 م كرد فعل تذرع عبدالعالم للغشمي بطلب إجازة لمتابعة علاج ابنه في القرية , فصرف له شيكا  بمليون ريال تساوي 200 ألف دولار يومها ,  استلمها من العرضي بتعز للعلاج داخل البلد في التربة , وسمح له بأخذ ما يريد من الحراسات والعتاد العسكري , فدخل تعز ب 120 حارس شخصي واطقم وأسلحة خفيفة ومتوسطة ومدفعية وغيرها على شاحنتين وسيارات ,  وقعت إحداهما في نقيل اب على سيارة بيجوت أجرة وقتلت شخصين على متنها .

كانت تلك خدعة حركته الارتجالية (الثورجية) التي أعتقد وهما أن محافظة تعز سوف تنتفض لسواد عينيه لإسقاط النظام .. وهذه الأوهام وأعراض جنون العظمة هما القاسم المشترك لمرضى انفصام الشخصية(الشيزوفرينيا ) وحالة الهوس الاكتئابي المتقدمة , وفي كلا الحالتين يقول الاختصاصيون تجتمع أعراض تقدير الشخص المبالغ فيه لنفسه والاحساس بالتوجس وأن ثمة من يراقبه والشك بالمحيطين ووجود قوى خفية تتربص!!.

ماذا حدث بالضبط ؟

استمرت حركة التخريب في التربة وبعض عزل الحجرية اكثر من 3 أسابيع من 28 أبريل -- 20 مايو 78م قتل أول الوسطاء الشيخ  أمين البحر ,  وأعدت قائمة بالمعتقلين في سجن مكتب قوات المظلات بالتربة وادارت الفوضى كتيبة تابعة في الحجرية أيضا.

 بحسب صحيفة الشارع  وشهادة احدهم فرزوا المعتقلين الى أربع مجموعات بين طابور خامس , عسكريون وشيوخ خونة , تجار (برجوازيين) , ورجال دين .. تقرر اعدامهم على وجبات يومية اعتبارا من ظهر الجمعة 20 مايو ولكن الحملة التي قادها علي عبدالله صالح قائد لواء تعز داهمتهم قبل التنفيذ وفر عبدالله عبدالعالم ومعه الشيوخ المعتقلون كرهائن في بيته بالقريشة وبيت الاصبحي في طريقه إلى عدن , وفرت معه عصابات التربة من طرق أخرى جنوبا.

 شخص فر مع  جنود منفلتين وأثاروا الرعب بين الاهالي وأطلقوا النار عشوائيا على الأبرياء في الاحياء لتوفير غطاء ناري لفرارهم جنوبا فقط بسبب اطاحة الغشمي في صنعاء بحضرة الرائد التي غادرها  لينقلب عليه من التربة

 ثم يسمون  الفرار من الزحف (انقلاب) .. وقتل المدنيين بطولة نضالية وليس جريمة.

وكتب أحد الصحافيين الحزبيين  يدافع عن نزاهة  تلك الفاجعة وأنها كانت ملحمة وطنية وأن والده شخصيا فقد إحدى ساقيه في تلك الواقعة واعتبرها تضحية وكيف إن الله تعالى فتح عليه بسببها أبواب الرزق( يقصد الارتزاق من تمويلات القذافي) واتفهم عندما يموت الضمير الأخلاقي قبل المهني عندما تحول ابن الضحية الى تاجر بسرعة البرق واللاسلكي بفضل عاهة وإعاقة والده التي تكسب من بعدها.

بعث عقلاء الناصريين في صنعاء الشهيد عيسى محمد سيف لإقناع عبدالله عبدالعالم بالعدول عن حماقته المتهورة قبل الجريمة فرفض بحسب شهادة القيادي الناصري الأستاذ عبدالله سلام في مقابلة أخيرة 30 أبريل 2019 م وأصر على كذبة وجود مخزون ومؤن عسكرية كافية فعارضونه أيضا رغم انقلابهم على خليفة الغشمي بعد أشهر لاحقة.

 إتهام الرئيس سالمين

والفكاهة المدغدغة إنه  بعد وصول عبدالعالم وبضعة عشرات من الفارين الى قصر السلطان بلحج المخصص لاقامتهم المؤقتة استدعاه الرئيس سالمين إلى دار الرئاسة في (الفتح) بالتواهي نحو التاسعة مساء  وارسل له إلى حوطة لحج سيارة (وفود) خاصة فوجده على تلك الحالة المزرية من اليأس والإحباط .

سأله الرئيس : ما لكم ايش الذي حصل سلامات ؟.

رد عليه بوجه غضوب وكأنه خرج من فوهة جهنم : بصراحة أنتم خذلتمونا وتركتمونا وحيدين.

-- الرئيس :على شوه( على ايش) تتكلم ؟

--  أنتم تركتونا لوحدنا في المواجهة مع نظام صنعاء .

(وبحسب المصدر الاستخباري (المتقاعد)  المتواجد لحظة النقاش الذي أفضى لي بالمعلومة أواخر 2010 م) :

-- تلفت الرئيس سالمين الى الجدران وهو يكتم رغبته في الضحك .. ويداري الضيف بالتهوين عليه ..

-- نحنا ما طلبنا منكم تقوموا بشيء ضد أحد .. وبعدين ما درينا ايش عملتوا بالضبط , وليش تقاتلتوا.

-- وصمت عبدالعالم صمت اهل القبور , لكنه طلب توفير مكان إقامة خاص به .. كان يتشكك من كل أتباعه الذين فروا معه ويخشى على حياته منهم ومن ملاحقة كوابيس الضحايا الذين قضوا أما على يده وأتباعه أو بسببه  , فأراد العيش بعيدا عن دائرته التي ربما فاقته في الدموية واللؤم .. فوعده سالمين بما أراد .. ولكن أين وإلى جوار من ...؟؟.

حتى الرئيس سالمين أراد عبدالعالم تحميله تبعات فشل حركته الفوضوية .. وتلك من طبيعة الشخصية العدوانية التي أشرنا إلى أعراضها المرضية الخطيرة.

بحسب المصدر الخاص المحترم في الاستخبارات العسكرية الجنوبية علم الرئيس سالمين لاحقا بتفاصيل ما حدث بالضبط لشيوخ الحجرية , واعترف لجهازه بعض المدسوسين في صفوف عبدالعالم بارتكابهم المجزرة وفرارهم بسببها .. أما أحداث ال 23 يوما ( الانقلاب من القرية) فكان جهاز أمن الدولة الجنوبي يتابعها لحظة بلحظة عبر مخبريه في كتيبة المظلات بالحجرية , ولم ينقص سالمين سوى تفاصيل وحقيقة إعدام قرابة 40 شيخا معظمهم قضوا على أيدي المناضلين في الطريق والباقي بقصف الطيران لأحد المنازل الذي استخدمه عبدالعالم للتمويه بوجوده فيه.

وتسلم الرئيس سالمين منتصف الليلة نفسها بعد مغادرة قائد المظلات اللقاء برقية عاجلة من الغشمي يعرض فيها عليه تسليم الفارين بجرائم جنائية مقابل تسليم صنعاء كل المعارضين الجنوبيين للحكم في عدن منذ الستينات وإرسال من يثق به الى صنعاء لبحث المسألة بأسرع ما يكون !!.

ومعروف إن الرئيس الشهيد سالمين رحمه الله من أسرة قضاء , فأبوه  كان قاضيا معروفا بنزاهته وعدله , فشعر بتواطئه مع الجناة الفارين باسم التمرد والانقلاب الكاذب على الحكم .. فوعد الغشمي بمناقشة الأمر مع المكتب السياسي وقيادة التنظيم ووزير الداخلية الذي اعتبره المنسق الخاص لهذا الملف .

   العد التنازلي

كانت ال38 يوما هي المتبقية من حياة الرجلين الغشمي وسالمين , فتحركت الأقدار.

وكان اسم عبدالله عبدالعالم والفارين معه على رأس قائمة الغشمي الذي نقل عنه أنه لم يكن مصرا على تسليم المعارضين الآخرين القدامى في الجنوب أمثال الشهيد جار الله عمر , أما سالمين وقع في حيرة من أمره لادراكه إن المعارضين الشماليين في عدن المطلوبين من صنعاء محسوبون على الجناح السياسي الموازي لسلطته في قيادة الدولة ويصعب تخليه عنهم كأقوى ورقة لإضعاف أنظمة الشمال.

وضعت مذبحة شيوخ الحجرية بالكم الهائل من الوسطاء المغدور بهم هيبة نظام صنعاء على المحك وتداعيات أمنية اخرى أضعفت الحاكم المغتصب ..

صباح الاثنين 23 مايو 1978 م وصل فجأة إلى صنعاء صالح مصلح قاسم وزير داخلية جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية كمبعوث عن الرئيس سالمين في مهمة سرية انتظرها الغشمي على أحر من الجمر , فطلب منه فورا تقديم أسماء المعارضين المطلوبين للجنوب فذكر بعضهم استدعا منهم اثنين من كبارهم وأمر حراسته باعدامهم مباشرة في مبنى القيادة العامة أمام ذهول صالح مصلح الذي أحس بوضعية المضيف الحرجة , وهما ( الشيخ أحمد صالح بلحمر , الشيخ عوض الربيزي) والأخير لعله والد القيادي الشهير بالحراك الثوري الجنوبي سالم عوض الربيزي الذي اعتقلته النخبة الشبوانية في عتق , وتسلم مصلح من الغشمي يومها قائمته التي كانت جاهزة.

ووعد مبعوث سالمين بتقديم قائمة المطلوبين الجنوبيين النهائية الى الغشمي(المتعجل) في وقت لاحق بتوقيع قيادة التنظيم والدولة كلهم .. وهي السانحة التي أتيحت للجناح السوفييتي في عدن للتخلص من أعباء معارضة سالمين لقيام(حزب اشتراكي من طراز جديد) عبر خدعة تبادل المطلوبين.

لعب وزير الداخلية صالح مصلح على الحبلين رغم مصداقية سالمين في تبادل المعارضين في الشطرين مع الغشمي , فولدت من رحم ذلك مؤامرة شنطة الحاج تفاريش المفخخة التي أودت بحياة قاتل الشهيد الحمدي في 24 يونيو  وجريمة وإعدام الرئيس سالمين بعده بيومين بتلفيق رفاقه له تدبير اغتيال الغشمي الذي انتظر بفارغ الصبر وصول قائمة المطلوبين فكان هو اول من ينتظرهم  عزرائيل في الشنطة.

رفض الغشمي نصيحة مدير الأمن الوطني محمد خميس بتفتيش المبعوث في المطار حتى لا تتسرب أسماء المعارضين الجنوبيين الى ضباط قد يتعاطفون معهم وافشال صفقة التبادل المقابل مع الجنوب ..ما يؤكد إدارته للعملية شخصيا بمفرده بعيدا حتى عن أجهزته الامنية التي ظهر أنه لا يثق بها فكان أول المطلوبين لنفسه الذين تخلص منهم !!.

بحسب الرئيس الأسبق علي ناصر محمد في مقابلة لمجلة التضامن في مايو 1987 م كان منفذ اغتيال الغشمي الحاج تفاريش (مهدي أحمد صالح) أحد اقارب صالح مصلح.

تمت خيانة سالمين بنجاح غادر ولعب عملاء موسكو في التنظيم السياسي الموحد للجبهة القومية الحاكمة الدور الأبرز في طباخة السيناريو .. وبحسب مقربين من الرجل فإن جهاز أمن الدولة قدم لسالمين قائمة أسماء كل المعارضين المطلوبين المزمع إرسالها للغشمي , لكن الرفاق كانوا يتآمرون على بعضهم البعض ومعظم قيادات المكتب السياسي واللجنة المركزية لديها معلومات مضللة حول ما حصل وهي الثغرة التي نفذ منها شغل الأجهزة (والشنطةالبديلة) بغطاء موسكوي برليني شرقي فتحايلوا على الجميع.

 مع اخطر رجل عالمي

قبيل استشهاد الرئيس  سالمين بأسابيع أوفى بوعده لعبدالله عبدالعالم الذي تسلم مفاتيح الجناح الخاص باقامته في منتجع خليج الفيل بالتواهي بساحل جولد مور , وظن أنه تخلص من مخاوف اغتياله على يد الفارين معه الذين لا يثق بهم رغم مؤازرتهم ومغامرتهم معه من البداية.

لكنه فوجئ في الجناح المقابل بالمنتجع  بإقامة المطلوب عالميا رقم (1) في قضايا جنائية كثيرة  منها اختطاف 11 من وزراء النفط و70 آخرين في اجتماع اوبيك في فيينا عام 1975 م ونقلهم الى الجزائر .. إنه الفنزويلي الييتش راميريز سانشيز والشهير  باسم(كارلوس) ولقبته المخابرات العالمية ب(كارلوس الثعلب) , لم يتعرف عليه عبدالعالم حتى بعد شجار ليلي بينهما  كاد يفقد فيه الاخيرحياته وقال بعد إعتداء الرجل عليه ( كان شيقتلني إبن الكلب), فنقلت أمن الدولة سكن الرائد الى مكان آخر.

واحيط وجود كارلوس في عدن بسرية تامة وتكتم , لكنه ارتاب من قدوم الوافد (المظلي) الجديد وحركته الزائدة داخل مسبح المنتجع ونظراته القلقة, ويبدو إن الأمن نبهوا صاحبنا من قبل.

عام 75 فر كارلوس بجواز جنوبي مزور الى عدن باسم(محمد عبدربه) بعد اغتياله عنصرين من الاستخبارات الفرنسية كانا يراقبانه عام  1975 في باريس .. وهو في الحقيقة ليس ارهابيا كما صنفته الدول الاوروبية بل مناضل ومجاهد اصيل متعاطف مع القضية الفلسطينية وضحى بالكثير من اجلها وعضو سري في الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين , وتقول رواية قريبين من الحدث إن كارلوس عندما سمع بعلاقة عبدالعالم بمجزرة شيوخ الحجرية تحوط منه بتلك الطريقة لاخراجه من المنتجع , وحظي الرجل برعاية موسكو وثقتها أيضا باعتبار عملياته الجريئة استهدفت معاقل الإمبريالية العالمية المعادية للإتحاد السوفياتي بحسب شعارات تلك المرحلة ..

والمضحك المبكي إن مجموعة عبدالعالم النضالية المكافحة في التربة أعدت قائمة اعدامات لمن اسمتهم(التجار البرجوازيين) بما فيهم أصحاب الاكشاك لولا مداهمة الحملة المباغتة لقيادة المظلات التي افشلت جدول الاعدامات.

عبدالعالم والقهالي

انطوت صفحتا حكم الغشمي وسالمين في 24 و26 يونيو 1978 بالتتالي ..

لم تمض 3 أشهر على حكم الرئيس علي عبدالله صالح 17 يوليو الى 15 أكتوبر 78 م إلا بانقلاب الناصريين الفاشل , وتغذت معارضة الحكم الجديد في صنعاء بعده بآلاف رجال القبائل  النازحين جابوا شوارع عدن في ظاهرة غير مألوفة غريبة, وعرفوا شعبيا باسم ( أصحاب الجواجر)* قدموا من عمران وصعدة وحجة وشمال الشمال بملابسهم الشعبية(الزنة والجنبية) لحقوا بزعيمهم الشيخ مجاهد القهالي قائد اللواء الأول مشاة في عمران أمين عام حزب التصحيح الوحدوي الناصري المحسوب على الحمدي والناصريين.

بدأ تبني الجنوب حركة معارضة أقوى لحكم صالح في الشمال , وبين العشرات الذين قدموا مع عبدالله عبدالعالم قبل نحو خمسة أشهر وفر معظمهم , وبين آلاف القادمين مع القهالي تغيرت قيمة الأشخاص وحجمهم ومكانتهم لدى الرفاق في جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية وليبيا.

تضاءلت اهمية عبدالعالم الذي تحول الى عبىء بوجود القهالي وشعبيته كبديل مسلح قوي معارض لصنعاء مع أنصار جار الله في المناطق الوسطى .

وزاد إن فصائل معارضة الحجرية التي حاول عبدالعالم تسويق نفسه للوصاية عليها وتجيير نضالها رفضت انتهازيته والتحدث باسمها ,  والأخطر والأكثر أهمية ظهور كابوس أولياء دم الشهيد محمد علي سعد المفاجئ الذي اعدمه الرجل قبل ست سنوات ظلما وعدوانا وتصدرهم كشيوخ ومقاتلين اشداء لمشهد المعارضة المسلحة والتعبئة في جزء مهم من مناطق الحجرية مع الجنوب .. عدا إن إسم عبدالله عبدالعالم بعد مذبحته الطازجة تسبب بنفور الكثير من الشبان المتعطشين للتغيير والمتعاطفين مع الجبهة الوطنية والمقاومة في المناطق التي قتل فيها شيوخهم على أيدي جنود وضباط المظلات.

لعل ذلك ما يمثل خلفية مناسبة لفهم وقراءة دوافع المهاترات الإعلامية الموسمية المفتعلة بين عبدالعالم والشيخ مجاهد القهالي , اذ ترتب حجم الدعم المالي والتمويل والتسليح الليبي والجنوبي بعد تفجر حرب المناطق الوسطى للفصائل والخلايا المقاتلة بمعايير ثقلها على الأرض , واضطر عبدالعالم إلى البقاء في دمشق غالبا ومغادرة عدن بسبب تهميشه وتحسبا لثأر أولياء دم الشهيد (محمد علي الباشا) الذين ترددوا على عدن كثيرا كقادة فصائل وخلايا لتنسيق العمليات مع معسكر عباس في لحج.

ويفهم بعد كل هذه السنوات والتمويه الذي احاطه الرجل بتحركاته بعد تنحيته من مجلس القيادة إن حجم السلاح الذي سمح له الغشمي بنقله معه من صنعاء الى الحجرية جهارا نهارا كان حماية شخصية لغرض مواجهة أي ثأرات محتملة من الذين تخلص منهم بالإعدام في قيادة المظلات من الحجرية وغيرها حيث طالب أولياء دم آخرون من غير المعنيين بمذبحة شيوخ الحجرية بالقصاص العادل لذويهم من إعدام طالهم خارج القانون من عبدالله عبدالعالم وحراساته الشخصية دون أسباب أو محاكمات ولو صورية بل اعدامات فورية, ومنهم آل حلبوب وغيرهم الذين سنتطرق لهم لاحقا.

 من هو محمد علي الباشا

هو أحد أبطال ملحمة حصار السبعين يوما في صنعاء .

اسمه الكامل محمد علي سعد سلام , لقب عائلته (الباشا) وهو الرتبة الشرفية التي منحها الحاكم العثماني لجده سعد سلام نظير أدواره البطولية في القتال ضد الانجليز في الحرب العالمية الأولى وتصديه لزحوفاتهم بالحديدة ومصرع عدد منهم على أيدي مجموعته المقاتلة, وهي الخسارة الوحيدة للبريطانيين في تلك المعركة.

التحق محمد علي بالجندية منتصف الستينيات , وبحسب شهادة رفاقه في معركة حصار صنعاء ظل يقاتل بعد إصابته في الساق  ونزيفه الى أن اغشي عليه واسعافه لاحقا.

 درس في الكلية الحربية وحصل على رتبة ضابط (ملازم أول) , وكان قائد احدى كتائب  قوات المظلات التي كان يقودها قاتله الرائد عبدالله عبدالعالم.

 تؤكد الوثيقة الرسمية إعدامه من قبل المذكور.

 وقد وجهها قائد لواء المظلات علي بن علي الآنسي في يوليو 1982 بعد أكثر من  عشر سنوات من تصفيته الى وزارة الشؤون الاجتماعية بخصوص صرف راتب الشهيد محمد علي سعد سلام لأولاده القصر الذين تم إعدام والدهم من قبل عبدالله عبدالعالم بسبب (خلافات شخصيةبينهما ).. وهذه فقط واحدة من شهادات أحد زملاء القاتل والمجني عليه وإلى جانبه توقيع رئيس شؤون الأفراد  (محمد علي حميد)  , وزملاؤه الأحياء الباقون لديهم شهادات وملفات مروعة ومخيفة حول جرائم أبشع للمذكور ومعاونيه !!.

فلم يكتف الجاني بأزهاق نفس بريئة بالباطل بل وعاقب زوجته وأطفاله الثلاثة  بحرمانهم من أبسط سبل العيش وعرضهم لمذلة الجوع والفاقة والحرمان العاطفي والمادي.

وبحسب أحد رفاق الشهيد إن راتبه ظل ضمن كشوفات قوات المظلات لمدة سبع سنوات وأن هناك من سطا عليه واعتدى على حقوق اصحابه.

أصيبت زوجة الشهيد رحمه الله بصدمة عصبية وحالة انهيار نفسي لسنوات  طويلة بعد وصول خبر مقتله حيث غادر من منزلهم في القرية قبل يوم واحد فقط من انتهاء إجازته السنوية وأجهض الجنين الذي كانت على وشك أن تضعه هذه الضحية المغدورة بعد أشهر قليلة فقط .

 شهود آخرون ومأساة

وبحسب رواية زملاء ورفاق الشهيد الملازم اول محمد الباشا حول الواقعة , أنه بعد عودته من إجازته منتصف شهر مارس 1972 م إنتظر صباح اليوم التالي في مكتب الرائد عبدالله عبدالعالم قائد قوات المظلات ل(التتميم) واخطاره باستئناف الدوام وفوجئ عند دخوله مباشرة  بتوجيه سباب وشتم حاد وقذف مقذع في عرضه وأهله أمام زملائه , فرد عليه بالمثل وبعصبية, فامتدت يد عبدالله عبدالعالم إلى مسدسه الجاهز أمامه أسفل سطح المكتب لإطلاق النار على الباشا الذي تنبه للحركة فتفادى الطلقة وحاول الاحتماء اسفل طاولة , وتدخلت حراسات الجاني للقبض على الشهيد.

وفي رواية أخرى إن عبدالعالم أطلق رصاصة واحدة فقط من مسدسه إلى الجدار لتوهمه وشكوكه أن الشهيد قد يطلق عليه النار.

واقتيد بطل حصار السبعين إلى بئر معسكر القيادة مكبلا ومعصوب العينين , ومنع عنه الطعام والشراب والتناوب على تعذيبه وحرمانه من النوم حتى صباح اليوم التالي , وقد روينا أعلاه طريقة تصفيته أمام سارية العلم داخل المعسكر.

ولكن إذا افترضنا انحياز تلك الروايات ضد عبدالعالم فلماذا لم يقم بإحالة الشهيد للقضاء العسكري او الجنائي إن كان معتدى عليه لتقول العدالة كلمتها بعد تمكنه منه والإمساك بالضحية والسيطرة عليه بسهولة بالغة ..

هذا هو أحد أدوات العهد الجديد(الاصدقاء) الذين طعنوا مشروع الحمدي الوطني من داخله كما غدر به نائبه الغشمي جهارا نهارا وفي حفل غداء أقيم على شرف تعيين وزير(ناصري) عبدالسلام مقبل كطعم عاطفي لاستدراجه .. ولم يجدوا بعد مقتل الحمدي أثرا لحماته أمثال عبدالله عبدالعالم الذي أكد الأستاذ عبدالله سلام غالب القيادي الناصري المعتق في مقابلة أخيرة له أنهم وجدوا قائد قوات المظلات ليلا  يبكي حزينا في معسكر الصمع بأرحب.

من المسؤول؟

حدثت جريمة إعدام محمد علي الباشا المزلزلة بعد 6 اشهر فقط على تعيين  إبراهيم الحمدي نائبا لرئيس الوزراء للشؤون الداخلية في 18 سبتمبر 1971 م .. لكن لا يبدو إن خطة التصحيح التي تعين بموجبها الرجل لإصلاح الفساد الإداري والمالي في أجهزة الدولة تشمل المقربين حزبيا , حتى وإن كانت الانتهاكات الجسيمة ترقى إلى جرائم القتل العمدي واستغلال النفوذ والمسؤولية لتصفية الخصوم في الخلافات والمنازعات الشخصية.

برر الجاني فعلته الشنعاء المنكرة للمحيطين به إن تصفية الشهيد بسبب خيانته الوطنية واكتشاف انضمامه للماركسيين في الجنوب وأنه استغل إجازته لزيارة عدن (حيث تقيم عمته) وابن عمه الطيار الشهيد (توأم روح الطفولة) ورجح أنه ذهب بزوجته للعلاج , وفعلا بحسب شهود عيان لا يزالون على قيد الحياة في عدن  أكدوا انهم رأوا الشهيد (الأسمر) بصحبة ابن عمه الطيار (ع . ق . سعد) قبل إعدامه الغادر.

كانت التهمة تليق بالقاضي عبدالرحمن الارياني رئيس المجلس الجمهوري ومقولته الشهيرة( الحزبية تبدأ بالتأثر وتنتهي بالعمالة) , ولم يرفع مكتب الحمدي أو أي جهة أمنية أخرى بالواقعة لكنها أبلغت الى القاضي الارياني عبر زملاء الشهيد واحالها إلى وزير الدفاع ونائب رئيس الوزراء للشؤون الداخلية ولم يتلق الإفادة , وأفاد الدكتور عبدالكريم الارياني قبل وفاته لأحد اقارب الشهيد إنه اهتم شخصيا بالموضوع بطريقة خاصة لمعرفته القديمة بنضالات أسرته العريقة , لكنه ألمح الى خطورة المناخ الامني في المرحلة التي سبقت الإطاحة بالقاضي عبدالرحمن الارياني .

ولا يزال ملف هذه الجريمة القذرة وغيرها مفتوحا رغم هروب واحتماء مرتكبها تارة بنظام عدن وأخرى بليبيا وثالثة بسوريا .. ولا يدرك الرئيس بشار الأسد إن تنظيم داعش الإرهابي ليس في الجبهات فقط  ولكن الإرهابيين المخضرمين الأكثر خطرا ولؤما قريبا من غرفة نومه.

وقيل إن المناضل الفنزويلي كارلوس الذي يقضي عقوبة السجن في فرنسا حاليا اعتنق الإسلام عند قدومه إلى عدن 1975 م وربما أنه تاب وأحس بتأنيب ضمير رغم أنه كان يخوض معركة شريفة من أجل قضية العرب والمسلمين الاولى ولم يرتكب جرائم بحق أشخاص عاديين بل قتل عملاء الاستخبارات الذين كانوا يلاحقونه لتصفيته , ولم ترفع اي دولة أخرى ضده أي  تهمة قتل عمدي او غيره , ولكن من نعتبرهم مسلمين اصليين ويمنيين ايضا لم يراجعوا أنفسهم طوال عقود بل يحشرون أنفسهم في زمرة الأبطال العظام ويتباهون بالمنكر , ويعتبرون جرائمهم عناوين للمجد والشرف والرجولة,  وليست انحطاطا في الأخلاق والضمير وغوصا في

السفالة والجبن.

  من هو البطل

 فرق شاسع بين الميول العدوانية والبطولة والشجاعة , وبين البطولة واللؤم ,البطل الحقيقي كريم الطباع يتنازل في موقف قوته  أو لحظة ضعفه حتى عن حقه , واللئيم ضعيف نفس وأمانة  وضمير , طبيعته متحرشة بالغير يفتعل الوقائع لتفريغ عدائيته ضد الآخرين حتى وهو على باطل , يلفق ويتربص بالصديق قبل الخصم لأنه يرى الناس بعين طبعه وكل محيطه عدائي لشخصيته , في مزيج بين أعراض انفصام الشخصية وحالة الهوس.

ولا ينسى المصاب بهذا الداء العضال إلقاء فشله وانتكاساته الخاصة على الآخرين.

وعندما تحين اللحظة ينقض على من يشعرونه بعقدة النقص في انتقام بشع ومخزي بمسمى البطولة أو المهابة وعدم الانكسار.

مناشدة وطنية

نناشد قيادة وزارة الدفاع وهيئة الأركان العامة ومكتب رعاية الشهداء برفع المعاش التقاعدي لاسرة الشهيد (محمد علي سعد سلام) الذي لا يتجاوز حاليا 35 الف ريال فقط وترقيته الى رتبة تليق بمكانته وتضحياته المشهودة في الدفاع عن صنعاء في حصار السبعين وإعادة الاعتبار له , وتحريك دعوى جنائية ضد قاتله الرائد الفار عبدالله عبدالعالم في أسرع وقت.

وللتحقيق بقية إن شاء الله  تعالى.