آخر تحديث :الثلاثاء-19 مارس 2024-11:17ص

ملفات وتحقيقات


(تقرير): اتفاق جدة.. بداية جديدة ليمنٍ بلا حرب

الثلاثاء - 15 أكتوبر 2019 - 07:17 م بتوقيت عدن

(تقرير): اتفاق جدة.. بداية جديدة ليمنٍ بلا حرب

تقرير / سعيد نادر:

يعقد اليمنيون - بما فيهم الجنوبيين - آمالاً عريضة على ما ستخرج به تفاهمات واتفاقات جدة الجارية حاليًا بين الحكومة اليمنية والمجلس الانتقالي الجنوبي.

لا يقتصر الوضع على الجنوبيين، ذلك أن بنود الاتفاق يمكن أن يُبني عليها للوصول إلى حل شامل ينهي الحرب الدائرة رحاها في البلاد منذ نحو خمس سنوات.

وما يجعل اليمنيين عامةً يترقبون اتفاق جدة، رغم الإيحاء الذي يحمله بكونه اتفاقًا خاصًا بتجاوز أحداث الجنوب الأخيرة؛ هو رغبة السعوديين في حسم ملف الحرب اليمنية برمتها، وليس فقط ما يدور في الجنوب؛ عطفًا على تسارع الأحداث الإقليمية، والضغوط الدولية على الرياض.

إذن.. هل سيكون اتفاق جدة بمثابة نهاية التوتر في الجنوب؟، وهل يمكن للاتفاق أن يكون انطلاقة نحو إنهاء الحرب في اليمن؟

للإجابة على تلك التساؤلات لا بد من استعراض بنود مسودة الاتفاق المرتقب، والذي تحدثت تسريبات إعلامية عن أبرز بنوده الأمنية والعسكرية والسياسية، والتعليق عليها وفق مؤشراتها ودلالاتها.

 

اتفاق شامل

الملفت في اتفاق جدة أنه لم ينحصر ببن طرفين (الحكومة والانتقالي) ولكنه حدد أطراف الاتفاق ب "الحكومة اليمنية، والمجلس الانتقالي الجنوبي، ومكونات جنوبية أخرى"، وذلك بحسب نص الاتفاق، ووفق التسريبات.

وفي ذلك إشارة واضحة إلى أن الاتفاق يسعى إلى وضع رؤية شاملة وجامعة لكل ما يدور في الجنوب، ووضع حد لتكرار التوترات، كما أنه يؤكد رغبة السعوديين في إقفال الملف الجنوبي - ولو مؤقتًا على الأقل - للتركيز أكثر على الملف اليمني الأوسع والأكثر إلحاحًا.

 

مكونات جنوبية تزاحم الانتقالي

كما يؤكد هذا البند أن مكوناتٍ جنوبيةٍ أخرى وجدت لها موطئ قدم في الاتفاق وفي جنوب ما بعد الاتفاق، ويرجح مراقبون أن يكون الرئيس هادي هو صاحب فكرة هذا الدمج، والذي يحاول من خلاله أن يسحب بساط التفويض الشعبي الذي يدعيه ويزعمه الانتقالي عند الحديث عن الجنوب.

ومن المقرر أن تشارك تلك المكونات - بحسب الاتفاق - في الحكومة المقبلة التي ينص الاتفاق على تشكيلها، وأبرز المكونات الجنوبية المتوقع دخولها الحراك السلمي الجنوبي، والإئتلاف الوطني الديمقراطي.

وذلك ما نص عليه البند: "استيعاب المجلس الانتقالي ومكونات جنوبية في الحكومة والسلطة المحلية".

وما يؤكد أن اتفاق جدة سيكون بدايةً لحل شامل في اليمن، وإنهاء سنوات الحرب هو ما نصت عليه إحدى بنود الاتفاق القائلة: "إشراك المجلس الانتقالي ومكونات جنوبية في مفاوضات الحل السياسي الشامل"، وهو ما سيجعل من جلوس الجنوبيين مع نظرائهم الشماليين خطوة مهمة لمعالجة القضية الجنوبية.

 

إنهاء مسببات التوتر

نصٌ آخر تحدث على دمج التشكيلات العسكرية والأمنية في هياكل وزارتي الدفاع والداخلية اليمنيتين، وهو ما يؤكد التوجه نحو التخلص من النخب والأحزمة الأمنية التي خلفتها الإمارات في الجنوب.

ويأتي ذلك كإحدى المعالجات العملية لمنع تجدد التوتر الأمني في عدن والمحافظات الجنوبية كما حدث سابقًا، بالإضافة إلى سعيها للحد من نفوذ وسطوة أمراء الحرب المسئولين عن الإنفلات الأمني وحوادث الاغتيالات والبسط والمداهمات، ودمجهم في مؤسسات حكومية رسمية.

وما يُثبت ذلك أن الاتفاق تضمن بنودًا إلزامية، على غرار النص التالي الذي يتضمن "يُلزم الاتفاق الموقعين على عدم تشكيل أية قوات خارج مؤسسات الدولة".

 

مساعي الرياض بعيدة المدى

وتبدو المملكة العربية السعودية مدركةً لما تقوم به في جدة، وهو تنظر لأبعد من المنطقة الجنوبية، وتحرص على أن يكون اتفاق الحكومة والانتقالس في جدة العتبة الأولى التي تقوم عليها معالجات الشأن اليمني المشتعل منذ 2015.

توحي نصوص مسودة الاتفاق أن بدايات الحل الشامل تبدأ من الجنوب، كما أن القضية الجنوبية ستكتسب زخمًا إضافيًا في ظل مشاركة المزيد من القوى ومكونات الجنوب الأكثر تجذرًا وخبرة.

وإذا ما صدقت الرياض في مسعاها فإن تحقيقها لمطالب إنهاء الحرب اليمنية سيعد تحولاً ومنعطفًا هو الأهم والأبرز في المنطقة، منذ انطلاق عاصفة الحزم قبل خمس سنوات.

ولعل المساعي السعودية فرضتها الرغبة القوية التي لمسها أطراف النزاع في الجنوب قبل غيرهم، بحكم تواجد ممثلين عنهم في جدة، ولمسوا رغبة الىياض عن كثب، وهو ما أكده نائب رئيس المجلس الانتقالي الجنوبي، هاني بن بريك، الذي وصف حوار جدة الذي ترعاه المملكة العربية السعودية بين الحكومة اليمنية والمجلس الانتقالي بأنه "الأمل لتوحيد الجهود للقضاء على المشروع الإيراني في المنطقة".

وحتى ولو كانت تغريد ابن بريك على "تويتر" والتي رصدتها "عدن الغد" القصد منها الجانب للعسكري وليس التفاوضي، غير أن الهدف هو ذاته، مهما اختلفت صوره وأشكاله.

 

ما بعد اتفاق جدة

خلال الأسبوعين الماضيين كان المبعوث الأممي إلى اليمن مارتن غريفيث في جولة إقليمية التقى خلالها مسؤولين سعوديين وحوثيين من بينهم زعيم الجماعة الإنقلابية عبد الملك الحوثي، حيث ناقش معهم التحضيرات "لتسوية سياسية شاملة".

جولة المبعوث الأممي التي شملت الرياض كانت يالتزامن مع انعقاد جلسات حوار جدة، بين طرفي أحداث عدن، كما أنها كانت عقب الهجوم على شركة أرامكو السعودية، وخلالها أكد غريفيث على ضرورة الحل في اليمن ووقف المزيد من التصعيد.

واللافت في تصريحات المبعوث الأممي أنه ألمح إلى تفاصيل "التسوية السياسية الشاملة" التي يحضّر لها المبعوث الأممي، والتي كان من بينها "تشكيل حكومة مبنية على الشراكة الشاملة لجميع الأطراف والأحزاب السياسية".

وأضاف: "التسوية تنص على أن يكون للحكومة الحق في امتلاك السلاح في مقابل انسحاب المليشيات - جنوبية كانت أم شمالية - وسحب أسلحتها تدريجياً من خلال عملية تشرف عليها الأمم المتحدة".

ولعل الإشراف الأممي على انسحاب المليشيات هو المقصود في اتفاق جدة بمصطلح "الطرف الثالث المحايد" الذي أشار إليه الاتفاق، والذي ستكون من مهماته تثبيت الأمن في عدن ومحافظات الجنوب، ومنع أية تجدد لمواجهات محتملة.

 

حوار جدة ضمن التسوية الشاملة في اليمن

عضوة الفريق التفاوضي الحكومي رنا غانم، أكدت كل المعطيات التي سقناها أعلاه، وأضافت: التسوية الشاملة في اليمن تترقب ما سيترتب عليه حوار جدة الجاري بين الحكومة والمجلس الانتقالي المدعوم من الإمارات، مشيرةً في تصريحات إعلامية إلى أن "حوار جدة قد يتوصل لاتفاق قريب يقضي بعودة الحكومة إلى عدن، مقابل ضم الانتقالي في الحكومة".

وتضيف غانم "التحالف الذي تقوده السعودية أُنهك تماما في هذه الحرب، وفي المقابل فإن الحوثيين باتوا غير قادرين على مواصلة الحرب".

التأكيدات السابقة عززها مصدر في الحكومة اليمنية، الذي قال: إن السعودية تريد إنهاء الحرب، لذا دفعت بالحكومة والانتقالي إلى التفاوض، مقابل أن تكون هي المسيطرة بشكل مؤقت في عدن، تمهيداً للانتقال إلى تسوية شاملة مع الحوثيين.

 

كيف ستدير السعودية عدن؟

يتيح اتفاق جدة للرياض إدارة الشئون في عدن والجنوب بشكل منفرد، بعد خروج حليفتها الرئيسية في التحالف "الإمارات" من الجنوب، كما ينص الاتفاق، وبقاءها في الساحل الغربي، وفق مطامع أبو ظبي الملاحية ومصالحها المتواجدة في الساحل الشرقي لإفريقيا، حيث تتمركز في عصب الأريتيرية وما جاورها.

لكن.. بعد انسحاب الإمارات.. هل تستطيع السعودية إدارة الملف العدني بكل تعقيداته وحساسيته؟.. وكيف ستستطيع الرياض التحكم في تناقضات الوضع في عدن، والذي تسبب بمغادرة أبو ظبي؟.

ذات التساؤلات طرحها الباحث السياسي اليمني، عبدالناصر المودع، مبيناً أنه لم يصدر أي توضيح بمن وكيف ستدير المملكة عدن.

وقال المودع، إن التسريبات القادمة من جدة تشير إلى أن السعودية ستتولى مسئولية إدارة عدن.. مشيرًا إلى أنه من غير الواضح كيف ستديرها، وبمن ستديرها؟، مشيراً إلى أنه منذ خمس سنوات ودائرة الفوضى تتسع يوماً بعد آخر، ولا أحد يستطيع أن يتهم التحالف بسوء الإدارة، أم أن هناك أسبابًا أخرى.

 

حتى لا تغرق الرياض في رمال الصراع

وللبحث عن إجاباتٍ علينا أولاً أن نعرف أسباب فشل الإمارات في عدن، والذي يكمن في أن أبو ظبي لعبت على التناقضات السياسية والأمنية، وحتى الدينية التي يعيشها الواقع العدني.

وحتى لا تغرق الرياض في رمال الصراع العدني عليها أن تبتعد عن مكامن الحساسية العدنية، وعدم إثارة المشكلات المناطقية التي اهتمت بها الإمارات وكانت في النهاية سببًا في جرها نحو البحر بعيدًا عن عدن.

يثير مصطلح الطرف المحايد الذي ستعتمد عليه الرياض في إدارة عدن والإشراف على تنفيذ اتفاق جدة الكثير من الاستفاهمات، إلا أن المرجح أن تتشكل لجان تضم في قوامها عناصر من أطراف النزاع، أو ربما قد تلجأ السعودية إلى الأمم المتحدة لاستجلاب مراقبين دوليين لإدارة المدينة التي ضاقت ذرعًا بالمتنازعين من أهلها.

 

ماذا يخفي الانتقالي عن أنصاره؟

يرى مراقبون للشأن الجنوبي أن المجلس الجنوبي الانتقالي لم يستطع تحقيق شعاراته، خلال سني تواجده القليلة في الساحة الجنوبية، كما أن فشل في حصر القضية الجنوبية في شخصه، خاصةً بعد أن نص اتفاق جدة على وجود مكونات جنوبية وحراكية أخرى في مستقبل الجنوب.

ولكن.. يبقى ما يُحير أنصار الجنوب والمترقبين لاستعادة دولتهم، هو المصير الذي ينتظر أحلامهم تلك.

وهو ما دفع بعض القيادات في المجلس الانتقالي نفي أية تسريبات لاتفاق جدة في هذا الشأن، وحاول البعض منهم الترويج لرفض المجلس أية تفاهمات أو اتفاقات من هذا النوع.

حتى ذهبت بعض القيادات الانتقالية للقول إن مجرد تواجد ممثلين عنهم ضمن قوام الحكومة اليمنية القادمة يعتبر خيانةً لمطالب الشعب الجنوبي، وفق تصريحات صحفية صنفها متابعون بأنها تأتي من باب ضغط تلك القيادات في سبيل الحصول على حصةٍ من الكعكة.

 

إسراف الانتقالي في تقديم الوعود

يؤكد الكاتب نبيل عبدالله أن مسودة الإتفاق المسربة لا تحتاج نفيًا من قيادات المجلس الانتقالي؛ لأنها تمثل مكسبًا له، فهو عالق ويعيش وضع صعب وقد يواجه نهاية كارثية يخسر فيها كل شيء.

ويضيف في مقالٍ له على موقع "عدن الغد": صحيح أن قيادات المجلس الانتقالي أسرفوا في تقديم الوعود ورسموا واقع مختلف عنهم لدى المخدوعين من مناصريهم ولكن حان الوقت لاحترام المؤيدين ومصارحتهم، فالانتقالي لم يكن انتقالياً وهو مشروع غير قابل للحياة وعبارة عن مغامرة وأداة ضغط واقتتال.

وأكد نبيل أن مصلحة الجنوب واستقراره ووحدة نسيجه أن ينتهي هذا العبث الذي يقوده المجلس الانتقالي، وأن يتوقف استخدام واستغلال قضية الجنوب التي يراد لها أن تكون منطلق لتركيع الجنوب واليمن عامة وهذا ما يرفضه الجنوبيين.

 

على الانتقالي التحوول إلى حزبٍ سياسي

ويمضي الكاتب نبيل عبدالله في تقديم رؤيته المتوافقة مع مسودة اتفاق جدة: قلنا سابقاً ادأن الانتقالي جزء من النسيج السياسي والاجتماعي للجنوب واليمن عامة، وعليه أن يتحول إلى حزبٍ ويشارك في العملية السياسية.

ويضيف: أن في هذا الطرح احترام للآخر إلا أن من يتبناه يتعرض للهجوم وبشتى الأشكال ممن يقولوا أن الانتقالي مجموع الجميع وليس جزء منهم، وأنه وجد لانتزاع الدولة من دولة الاحتلال لا المشاركة فيها، وها هم اليوم يوصلوا لنفس النتيجة التي أدركناها مبكراً، وأكدها اتفاق جدة، ولكن للأسف بعد تكلفه كبيرة كان من الممكن تفاديها.

واختتم نبيل مقاله ورؤيته بالدعوة إلى توحيد الجهود لدعم هذا اتفاق جدة، ودعم وتعزيز الاستقرار وحضور الدولة، وأن نتعظ من الدروس وأن نقبل بعضنا البعض وأن لا نسمح بنفس الاستغلال والمغامرات وأن نعمل معاً لما بعد انتهاء إشكالية الانتقالي.