آخر تحديث :الخميس-25 أبريل 2024-05:37م

ملفات وتحقيقات


شق لها الشهيد الخويل عبورًا عظيمًا من أحد مواقع معسكر لبوزة باتّجاه الضالع شعلة.. أول دبابة يمتلكها سلاح المقاومة الجنوبية تُروى قصتها في 1500 ساعة حرب

الخميس - 26 سبتمبر 2019 - 05:18 م بتوقيت عدن

شق لها الشهيد الخويل عبورًا عظيمًا من أحد مواقع معسكر لبوزة باتّجاه الضالع شعلة.. أول دبابة يمتلكها سلاح المقاومة الجنوبية تُروى قصتها في 1500 ساعة حرب

(عدن الغد)خاص:

رصد/ شايف الحدي"
ما ستقرأه عن الدبابة "شعلة"، التي كانت في يوم من الأيام ضمن سلاح الدروع لجيش الجنوب، وعادت إلى المقاومة الجنوبيّة، سيتألف لديك يقين بأنّ ذلك ليس من نسج الخيّال، بل قصّة حقيقية تجلّت في متغيرٍ على أرض المعركة في 1500 ساعة حرب.
دبابة روسية الصنع (تي-T-62) أعاد أبطال المقاومة الجنوبيّة اتجاهها الصحيح وشق لها القائد الشهيد علي عبداللاه الخويل عبورًا عظيمًا من أحد مواقع معسكر لبوزة الاستراتيجيّة في منطقة عقان بمديرية المسيمير بمحافظة لحج، باتّجاه الضالع، لتعتلي مرتفعٍاً ضالعيًا مشرفًا ومحيطًا بكل مواقع ومعسكرات العدوّ.. وبسرية تامة وصلت الدبّابة إلى موقع جبل الدّريب، الذي يبعد مئات المترات عن أعلى قمة في سلسلة جبال جحاف.
كانت هذه الدبابة أوّل دبابة في سلاح المقاومة الجنوبيّة، وبأي طريقة كانت على التاريخ أن يروّي قصتها في 1500 ساعة حرب، وكيف واجهت خمسين دبّابة لمليشيات الحوثي والجيش الموالي لها.
دبابة المقاومة الجنوبية هذه ليست كدبابة (دار البشائر)، التي وسِعت أكبر كذبة في التاريخ العسكري، بل إن القذائف التي استهدفتها أكثر بكثير من القذائف التي أطلقت على جيش إمام صنعاء ليلة 26 سبتمبر.
دوّنت هذه الدبّابة القديمة والمتهالكة ملاحم بطولية في حرب 2015م.. إنّها بالفعل الدبابة العتيقة (تي-T-62) شعلة المقاومة الجنوبيّة، والتي رسمت سيمفونية النصر الضالعي والخطوط العريضة لبشائر النصر الجنوبي، التي عزفها طاقمها المكوّن من خيرة ضباط ومهندسيّ وفنيي سلاح الدروع الجنوبي.. قصّة دبابة المقاومة الجنوبيّة التي امتطى صهوتها القائد المدفعي العقيد ركن/ علي ناصر المعكر (أبو ردفان)، كانت أوّل دبابة يمتلكها سلاح المقاومة الجنوبية.. حقيقةً مكتوبةً ببراعة مذهلة لمن سطّروا ملاحم المجد والبطولة على ظهر هذه الدبّابة، التي كانت رمزا أسطوريا لأبطال المقاومة لاسترداد الأرض والكرامة من قبضة مليشيات الحوثي والجيش الموالي لها في أربعة وستين يومًا من الصمود الأسطوري أمام جحافل الغزاة.
*الروح التحررية
قُبيل اندلاع الحرب الشاملة ببضعة أيام وتحديدًا في تاريخ 2015/3/18م، دفعت الروح المعنوية التحررية القيادي في المقاومة الجنوبية علي عبداللاه الخويل، إلى مهاجمة موقع المُريب العسكري الذي يبعد ثلاثة كيلومترات عن معسكر لبوزة في منطقة عقان بمديرية المسيمير محافظة لحج، واستطاع الشهيد الخويل ومجموعة الشباب الذين كانوا معه من اغتنام دبابتين بغرض نقلهما إلى الضالع لمواجهة تشكيلات قوات الحرس الجمهوري، وقام بتحريكهما هو ومجموعة من زملائه العسكريين باتّجاه الضالع.
*مهمة محفوفة بالمخاطر
ولتوثيق شهادة حيّة عن قصّة هذه الدبّابة التقينا سائقها النقيب صالح محمد قاسم البكري، فني مدرعات بالجيش الجنوبي سابقًا، الذي تحدث قائلاً: “بعد نجاح الهجوم على موقع مُريب العسكري الذي يبعد ثلاثة كيلومترات عن موقع معسكر لبوزة في منطقة عقان بمديرية المسيمير بلحج، بقيادة القائد البطل الشهيد علي الخويل، قمنا بتحريك الدبابتين من الموقع عبر طريق فرعية وسط وادي مُريب باتّجاه مدينة المسيمير، لنتفادى المواجهة مع قوات معسكر لبوزة، الذي كان حينها يعجُ بالمئات من الجنود الشماليين”.
وأضاف: “وصلنا إلى قرب مركز لمديرية المسيمير وتفاجأنا بكمين مسلح من قوات تتبع معسكر لبوزة، حينها استطاع طاقم الدبابتين المواجهة والمناورة مع قوات العدوّ للخروج من موقع الكمين، واستشهد في هذا الكمين قائد الدبّابة التي كنت أقودها العقيد مدفعي سمير علي أحمد الحوشبي، من أبناء المسيمير، وجرح أربعة أشخاص من طاقم الدبابتين، حينها قام الشهيد الخويل بتسليم إحدى الدبّابتين للمقاومة الجنوبيّة في مدينة المسيمير، لإسناد جبهتهم، فيما الأخرى واصلت المسير وقدتُها باتّجاه الضالع، وانعطفنا شرقًا في سائلة المسيمير، ومن ثم استدرنا إلى جهة الشمال الغربي باتّجاه سائلة مديرية الأزارق المسماة “غيل وادي تُبن”، حتى وصلنا بها إلى منطقة (تُوَرْصَة)، التي تقع بين مديريتي المسيمير والأزارق بمحاذاة مديرية مأوية التابعة لمحافظة تعز الشمالية، حيث توقفت الدبابة في هذه المنطقة لنفاد الوقود، ومن جانب آخر حدوث خلل فني بسبب فقدان المياه من خزانها وتعطل محركها (المكينة) بسبب المسافة الطويلة التي قطعناها دون توقف”.
واختتم البكري حديثه: “لقد كانت مهمة وطنية بطولية محفوفة بالمخاطر وُصِفت بالفدائية، لن أنساها ما حييت، وأترحم على روح الشهيدين علي عبداللاه الخويل والعقيد المدفعي سمير علي أحمد الحوشبي وكل الشباب الذين استشهدوا فيما بعد، وأيضًا أحيي كل صنّاع النصر من جرحى ومقاومين”.
*من هو القائد الخويل
الشهيد البطل علي عبداللاه الخويل، قائد جبهة العرشي، في مدينة الضالع، استشهد بتاريخ 2015/4/14م، وهو صاحب المقولة الشهيرة: “لن يمروا إلى العاصمة عدن إلاّ وقد انتهى البشر والحجر والشجر”، وهو من أوائل قيادات حركة تقرير المصير (حتم) عام 1996م، ومن مؤسسي المقاومة الجنوبية عام 1997م.
وتخليدًا لذكراه قامت المقاومة الجنوبيّة بعمل مُجَسَّم كبير لسلاح كلاشنكوف روسي في مكان استشهاده في موقع تبة العرشي، غربي مدينة الضالع، الذي يعتبر المؤشر الأوّل للنصر.. وهذه الجبهة وقفت أمام سلسلة من محاولات الاقتحام للمليشيات التي أكدت بأن إسقاط جبهة العرشي هو مفتاح لإسقاط مدينة الضالع، وخط المرور إلى مدينة عدن.
*التجهيز القتالي
من جهته تحدث العميد ركن مهندس علي محمد ناصر الكحيل، مسؤول قسم الترميمات في الورشة المركزية للمركبات المدرعة في صلاح الدين، بالعاصمة عدن (سابقًا)، الذي شرع في إصلاح هذه الدبّابة، قائلا: “تلقيت رسالة خطية من القائد عيدروس الزُبيدي، القائد الأعلى للمقاومة الجنوبيّة، جاء في محتواها “يتم سرعة وصولكم بصورة عاجلة إلى قيادة عمليات المقاومة الجنوبيّة في معسكر الزند لتنفيذ مهمة وطنية”. وصلت حينها بالموعد المحدد وتم إبلاغنا بموضوع دبابة خارجة عن الجهازية القتالية مرمية في منطقة تُوَرْصَة”.

وأضاف: “على الفور تحركنا بطقم عسكري بمعية فريق من المهندسين إلى المنطقة ومررنا بطرق وعرة في الوديان والسهول والجبال، وبعد ساعات من عناء السفر وصلنا إلى موقع الدبّابة، وقمنا على الفور بفحصها من جميع النواحي، ورفعنا تقريرا فنيا إلى قيادة المقاومة الجنوبيّة بقطع الغيار التي تحتاجها الدبّابة بما فيها المحرك (المكينة) لكي يتم إعادة تشغيلها فنيًا وقتاليًا، وعلى الفور كتب القائد عيدروس الزُبيدي، رسالة خطية إلى القائد العميد ركن/ ثابت مثنى جواس، في القطاع العسكري الغربي في ردفان، جاء في محتواها: (إلى جناب القائد العميد ركن ثابت مثنى جواس، تحية العمل الثوري المشترك وبعد، نرجو التكرم بالتعاون مع المهندسين من سلاح الدروع لإصلاح الدبّابة، التي أبلاغناكم عنها مسبقًا.. شاكرين حُسن تعاونكم لإنجاز هذه المهمة الوطنية)".
وتابع الكحيل حديثه عن قصّة إصلاح هذه الدبّابة بالقول: “وعلى ضوء هذه الرسالة استجاب العميد ركن ثابت مثنى جواس، وأصدر توجيهاته بتوفير متطلبات الصيانة وتسهيل المهمة وحينها قمنا بفك محرك T-55، لدبابة خارجة عن الجاهزية الفنية والقتالية (موديل المحرك V-55 ذو 12 سلندر، يُبرد بالماء، قوِّته 580 حصانًا، بسرعة ألفي دورة في الدقيقة)، لتعذر وجود (دبابة تي-T-62 خارجة عن الجاهزية، وهو نفس نوعية المحرك في كلا الدبابتين قوِّة 580 حصانًا)، وقمنا على الفور بنقل المحرك إلى المنطقة، وأشرف على مهمتنا كل من: الشهيد القائد عمر ناجي محمد (أبو عبدالله)، القائد الثاني في المقاومة الجنوبية، قائد معركة تحرير مدينة الضالع، الذي استشهد في ليلة معركة تحرير الضالع بتاريخ 2015/5/25م، والقائد محمد محسن الردفاني (أبو بكيل)، مسؤول العمليات في المقاومة الجنوبية.. وخلال 48 ساعة من العمل المتواصل والدؤوب تمكّنَ الفريق الهندسي من إصلاحها وتجهيزها فنيًا وقتاليًا، بعد أن عملنا على إصلاحها وتصفير مدفعها عيّار 115 ملم، ذو السبطانة الملساء، وصيانة جهاز التوازن المدفعي في الاتجاهين، الرأسي والأفقي، أثناء الرماية والمرجعات والموقفات (أجهزة الارتداد المدفعي)”.

وأردف قائلاً: “بعد تجهيزها قادها ليلاً السائق عبدالحكيم محمد حسين الطويل، من أبناء ردفان البطولة والشموخ، إلى معسكر الزند التابع للمقاومة الجنوبيّة، وبعد ساعات تم إرسالها إلى مرتفع الدّريب لتبدأ ملحمة البطولة في مواجهة أكثر من خمسين دبابة”.

واختتم: “ظللنا طوال الحرب ليلَ نهار بالقرب من هذه الدبابة والدبابتين الأخريين T-55، نقوم بصيانتها يوميًا، ويتم تموين الدبّابات بالقذائف من القطاع العسكري الغربي في ردفان، وأيضًا من معسكر جبل العُر في الحد/ يافع، أو عبر شراء القذائف من محافظتي البيضاء ومأرب من قبل داعمين للمقاومة الجنوبيّة من أبناء يافع”.
*اختيار الموقع المناسب
بدوره تحدث العميد ركن محمد عبدالله المليشي، قائد ميداني في المقاومة الجنوبية بالقول: “تم اختيار الموقع الجغرافي والعسكري المناسب للدبابة من قبل القيادة العليا للمقاومة الجنوبيّة على أحد المُرتفعات الجبلية الاستراتيجيّة، لمواجهة قوات العدوّ بمختلف أسلحته الثقيلة والمتوسطة”.
وأضاف: “لقد وقع الاختيار أولاً على موقع النوبة - ثلاعث في سلسلة جبال جحاف، وهو موقع عسكري قديم استخدمه البريطانيون قبل الاستقلال عام 1967م كموقع عسكري، ومن ثم وقع الاختيار الآخر على قمة جبل الدُريب جنوبي سلسلة جبال جحاف وغربي مدينة الضالع، لتموضع الدبّابة، وساعدها على الوصول إلى مكانها المرتفع متانتها وجودة أداء محركها وسلاسلها التي مكنتها من عبور الأراضي الوعرة والمرتفعات الجبلية بسرعة كبيرة بعيدًا عن مرمى دبّابات وراجمات صواريخ الأعداء”.
وأردف قائلا: “استطاع طاقم الدبّابة وبمساعدة جميع أبناء قرى جحاف القريبة من الموقع من عمل خنادق وسواتر متفرقة، وكانت في ترسانة محصنة يسمح لها باستخدام الرماية على مواقع العدوّ المحددة مسبقًا، وهذا يعود إلى المعلومات التي كانت تصل من الاستطلاع العسكري إلى عمليات المقاومة الجنوبيّة”.
واختتم حديثه بالقول: “تمكن طاقم الدبّابة من تنفيذ الاشتباك مع العدوّ بنيران مدفعها ومساندة الوحدات القتالية لأبطال المقاومة الجنوبيّة والدبابتين الأخريين T-55، وقامت هذه الدبّابة T-62 العتيقة بمهام عسكرية جبّارة من خلال تدمير ودكّ مواقع العدوّ وتحقيق الضربات النارية، وكانت إحدى عوامل الصمود الضالعي وتحقيق النصر التي حققته المقاومة الجنوبيّة فجر يوم الإثنين الموافق 2015/5/25م بفضل الله، ثم بفضل صمود المقاومة والتفاف الجماهير حولها ودعم دول التحالف العربي”.
*جهاز التسديد
من جهته يقول العقيد ركن فضل علي العُبل، تخصص دبّابات، وأحد أفراد طاقم هذه الدبابة، كان جهاز الرماية للرؤية الليلية (الأشعة تحت الحمراء) معطلاً في الدبّابة، وهذه الأشعة مهمتها اكتشاف الأهداف المعادية ليلاً، والدبابة مزُوِّدة بجهاز يعمل بالأشعة تحت الحمراء للتسديد والرؤية الليلية لمسافة 800 متر”.
وأضاف: “لم يتمكن مهندسو الصيانة الفنيون من إصلاحه لعدم وجود قطع غيار لهذا النوع من النواظير الليزرية، الذي يعمل تحت الأشعة الحمراء، ولأنه جهاز حساس اضطر قائد الدبابة العقيد علي ناصر المعكر، إلى تدوين الأهداف الليلية نهارًا واعتمد جهاز الزاوية تحديد الهدف للتسديد ليلا (بواسطة كاشف مركب على المدفع الرئيسي ويتحرك معه في الارتفاع والاتجاه)”.
وأشار في ختام حديثه إلى القول: “وهذا يسمّى (قانون التدريب الناري) للرماية على الأهداف الثابتة والمتحركة نهارًا، أما التدريب الناري الليلي فهو يعتبر أصعب من التدريب النهاري، ويحتاج إلى خبرات كبيرة من خلال التدريبات الليلة المتواصلة لتحقيق هدف تدمير الأهداف الليلية (الثابتة)، أي أن المسافة يتم تحديدها بموجب الرمي النهاري وتعتمدها في التسديد الليلي، وهذه قاعدة أساسية للرمي تكون عند تعطل الأشعة تحت الحمراء، وتقوم برصد الأهداف البصرية نهارًا، والتعامل معها بالكثافة النارية ليلاً من خلال الأهداف المحددة (الثابتة)”.
*عملية التمويه الدخاني
أمّا العميد الركن مهندس حسن علي عبدالله لعرج، نائب قائد اللواء 25 ميكا للشؤون الفنية سابقًا، وأحد القيادات الميدانية في المقاومة الجنوبيّة فقد أدلى بدلوه قائلاً: “عمد طاقم الدبّابة في سلاح المقاومة الجنوبيّة إلى مراعاة قواعد التخفي والتمويه أثناء التحرك، لتجنب وسائل الكشف والرصد المعادي من خلال عمل السواتر الترابية وإدخال الدبّابة فيها في وضعية الهيكل المنخفض، بحيث لا يظهر منها إلاّ البرج مما يصعب رصدها، ويستفاد من التضاريس الجبلية في تجنب النيران المعادية”.
وأضاف: “كانت الدبّابة أثناء القيام بعملية رمي النيران والمناورة في مواجهة ثكنات وأهداف العدوّ المتحركة، تقوم بخفة الحركة والمناورة والانسحاب سريعًا إلى موقع آخر لإيهام العدوّ بأنّ هناك أكثر من دبّابة في المناورة، حيث كانت تتم عملية المناورة والإخفاء أثناء التحرك بإخراج العادم من القواذف الدخانية الجانبية للدبابة بكثرة، وتنفث الدبّابة بطريقة ذاتية ستارة دخانية تأتي من حقن بخار الوقود في أنابيب العادم على جانبي جسمها، وذلك لإخفاء تحركاتها والمناورة والانسحاب”.. مشيرًا إلى أن “هذا التمويه العسكري يسمّى (منظومة التكوين الدخانية)، أثناء الانسحاب لجعل الدبّابة تموّه العدوّ حتى يفقد تحديد موقعها وتشتت أنظاره”.
واختتم الخبير العسكري حسن لعرج حديثه قائلاً: “يطالب الكثير من المهتمين إلى وضع هذه الدبّابة الأسطورة في متحف عسكري يليق بسمعتها وما قدمته، وتخليدًا لدورها، أو وضعها على نصب تذكاري في الشريط الحدودي بسناح”.
*ساعة الصفر الموحّدة
يقول العقيد ركن المدفعي علي ناصر المعكر، قائد دبابة المقاومة الجنوبية، وهو واحد من أبرز المدفعيين، الذين عرفوا بالدقة والتسديد والرماية على مستوى سلاح الدروع في القوات المسلحة الجنوبية: “قدّمت دبّابة المقاومة الجنوبية (شعلة) أنموذجًا للصمود الأسطوري، واستطاعت مواجهة تشكيلات قوات منظمة وتحييد أسلحتها الثقيلة نسبيًا، وأعطت التمهيد الناري لشباب المقاومة الجنوبيّة للتضييق على قوات العدوّ المختلفة”.
وأضاف: “ليلة تحرير مدينة الضالع حددت لنا عمليات المقاومة الجنوبية بتكليف من القائد عيدروس قاسم الزُبيدي، القائد الأعلى للمقاومة الجنوبية، (ساعة الصفر الموحّدة)، للبدء بتنفيذ العمليات الحربية والقتالية وبداية الهجوم الشامل على معسكرات ومواقع العدوّ، وكان الهجوم مقررًا أن يبدأ الساعة 12:00مساءً تزامنًا مع قصف طيران التحالف، وبحسب الخطة المعدة مسبقًا أنه يجب الأستمرار في الهجوم حسب ساعة الصفر المحددة سواءً شارك الطيران أم لم يشارك، فإننا سنبدأ بفصيلة الدبابات المناورة في المربعات الغربية والشمالية للمدينة، وفعلاً بدأ التمهيد الناري بالضرب على المواقع التالية: المظلوم، القشاع، كتيبة الدفاع الجوي، الخربة، وكذا على معسكري عبود والأمن المركزي، ولفت انتباه العدوّ بأن المعركة في جهتي الغرب والشمال لإتاحة الفرصة لتشكيلات المقاومة الجنوبية للهجوم والانقضاض على مواقع الخزان وبردان والجرباء، وكذا على مواقع لسلاف الممتدة على طول الجبال الجنوبية والشرقية المطلة على قيادة اللواء 33 مدرع، كما عمد الهجوم الشامل على إشغال مواقع وخطوط العدوّ خارج المدينة من جبهة ساحة الشهداء ومفرق الشعيب حتى الشريط الحدودي سناح، من خلال شن هجمات وعمليات قصف لتشتيت قوات العدوّ”.
وأكد في سياق حديثه أن “المعركة بدأت بإشارة الهجوم على الأهداف المنوط بنا ضربها بكثافة نيرانية غير مسبوقة، مع تقدم تشكيلات المقاومة الجنوبية لاقتحام المعسكرات والمواقع العسكرية تحت غطاء من القصف النيراني الكثيف، حيث حققت الخطة نجاحًا محسومًا وشلت حركت العدوّ، وبدأت المعسكرات والمواقع تتساقط واحدًا تلو الآخر حتى تحقق النصر العظيم، وهذا كان بفضل الله ثم بفضل صمود المقاومين ودعم دول التحالف العربي بقيادة المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات”.
وتابع يقول: “أثناء الحرب عملنا دورات لتدريب فنيين في قيادة الدبّابة، وكذا للتعلم على مدفعها حتى صار الكثير منهم ماهرين في قيادتها ورماية مدفعها، وتحولت الدبّابة إلى أكاديميّة عسكرية لشباب مدنيين تخرجوا منها، حيث شارك الكثير منهم في السيطرة على دبّابات العدوّ أثناء عملية اقتحام وإسقاط المواقع والمعسكرات، واستمر عدد منهم بالمشاركة في جبهات الشريط الحدودي سناح”.
واختتم حديثه قائلاً: “كانت الدبّابة (شعلة) ترى الغرباء الغزاة ولا يرونها، وتحولوا إلى أهداف عسكرية ثابتة ومتحركة لها، حيث إنها كانت عتيقة وبمواصفات فنية تعمل بمنظومة بصرية نهارية وأشعتها الحمراء الليلية معطلة، وهكذا اختزلت هذه الدبابة صمود المقاومة الجنوبيّة ولتخلد اسم مدينة الضالع كأوّل المدن تحررًا من قبضة مليشيات الحوثي والجيش الموالي لها”.
*قهرت العقيدة العسكرية والأيدلوجيّة للغزاة
من جانبه أكّد العميد ركن عبدالرحيم عبيد قاسم التهامي، ركن استخبارات محور الضالع، وأحد القادة الميدانيين للمقاومة الجنوبية أن “ما قدّمته دبّابة المقاومة الجنوبية يُعَدّ شيئًا أسطوريًا وأنموذجًا للصمود الجنوبي في وجه الغزاة، وتشكيلات قوات الحرس الجمهوري”.
وأضاف: “كان سلاح الصّمت والتأني والمبادأة والمباغتة من أقوى سمات هذه الدبّابة، وهكذا استطاعت أن تختزل أربعة وستين يومًا من الصمود بوجه الغزاة، وتسهم بفعالية كبيرة في لعب دور محوري في هذه الحرب إلى جانب الدبابتين الأخريين”.
واختتم كلامه بالقول: “قدّمت هذه الدبابة (شعلة)، سلاح الدروع الجنوبي من جديد إلى واجهة الانتصارات، واستطاعت أن تهزم العقيدة العسكرية والأيدلوجيّة لمليشيات الحوثي وقوات الحرس الجمهوري وأسطورتهم التي لا تقهر، الذين امتلكوا السلاح الثقيل من دبّابات وعربات شيلكا وبطاريات مدفعية مختلفة، وراجمات صواريخ، وأسلحة متوسطة ومعسكرات وأكثر من ثلاثين موقعًا عسكريًا”.