آخر تحديث :الثلاثاء-19 مارس 2024-06:01ص

ملفات وتحقيقات


قنبلة اليمن العائمة.. كارثة بيئية تهدد الجزيرة العربية

الجمعة - 13 سبتمبر 2019 - 03:35 م بتوقيت عدن

قنبلة اليمن العائمة.. كارثة بيئية تهدد الجزيرة العربية

(عدن الغد)عبد القادر عثمان:

ترسو ناقلة النفط العملاقة (SAFER FSO) في ميناء رأس عيسى على البحر الأحمر قبالة اليمن، وتهدد بانفجار كارثي سينتج عنه تسرب 1.2 مليون برميل من النفط الخام، يقول الخبراء إنه “سيتجاوز الساحل اليمني إلى سواحل بلدان مجاورة في المنطقة”.

والناقلة عبارة عن خزان عائم ومثبّت بشكل دائم في واحد من بين أكبر ثلاثة موانئ نفطية عائمة في العالم ويسع ثلاثة ملايين برميل، وهو ملك لشركة “صافر للإنتاج والاستكشاف” اليمنية، منذ 1976. والشركة كانت أعلنت عام 2016، في بيان تحذيري، أن “توقف العمل في الخزان يهدد بكارثة لا تحمد عقباها”، لكن تلك التحذيرات لم تجد آذاناً صاغية عند أطراف الصراع: الشرعية والتحالف من جهة، والحوثيون، من جهة أخرى. وبعد عام كامل، بدأت الأطراف تتقاذف مسؤولية تدهور حالة الناقلة وتوقف أعمال الصيانة فيها.

وخلال أكثر من أربع سنوات من الحرب التي يخوضها التحالف على اليمن بقيادة السعودية والإمارات، تعرضت بنية اليمن التحتية لتدمير بالغ، واستهدف التحالف المعسكرات والمدارس والمدن السكنية والمستشفيات والمزارع والمصانع والموانئ وغير ذلك، ووصفت الأمم المتحدة الأزمة الناتجة عن الحرب بأنها الأسوأ في العالم. وفرض الحلفاء حصاراً برياً وبحرياً وجوياً كان كافياً لتوقيف تصدير النفط اليمني، وتوقيف العمل في الخزان العائم (SAFER FSO) نتيجة منع دخول المازوت المشغل للغلايات، بعدما “ظل الخزان يعمل، على رغم انتهاء عمره الافتراضي قبل 10 سنوات”، بحسب خبراء تحدثوا لـ”درج”.

 

توقّف الغاز الخامل

تحتوي الباخرة على غلّايات يتم تشغيلها بالمازوت، وتنتج الغاز الخامل في صهاريج الباخرة، للحيلولة دون حدوث أي انفجار أو تفاعل كيماوي يؤدي إلى الانفجار، وهذه الغلّايات متوقفة منذ أربع سنوات. ويقول مراسل صحيفة “ألموندو الإسبانية” في الشرق الأوسط فرانسيسكو كاريون إن “الحوثيين يحاولون الحيلولة دون وقوع الانفجار، من خلال الحفاظ على مستوى الأوكسيجين في معدل أقل من 11 في المئة”.

وبحسب مرصد النزاعات والبيئة (CEOBS)، منظمة بريطانية، فإن “انعدام المازوت يعني أن محركات SAFER FSO لا تعمل منذ سنوات عدة، وقد تعرض الهيكل للرطوبة والتآكل مع شحة الصيانة، وفي ظل وجود هيكل واحد، قد يكون معرضاً للخطر”، مضيفاً: “الحوثيون لم يكونوا مستعدين لتفريغ السفينة، لأنهم مُنعوا من تصدير النفط الذي تحتويه بسبب الحصار”.

ويقول وكيل محافظة الحديدة للشؤون المالية والإدارية ومحسوب على الحوثيين عبد الجبار الجرموزي، لـ”درج”: “رفض العدوان وصول المازوت لتشغيل الخزان من أجل الصيانة واستمرار عمل الغلّايات، وقد أبلغنا الأمم المتحدة، لكنها ظلت تعطينا وعوداً يتيمة، وسط تقارير تحذّر من كارثة، فبدأ طرح موضوع الإتيان بفريق صيانة”.

من جهة ثانية، يرى المهندس أنور العامري، الناطق باسم شركة النفط اليمنية سابقاً، وهو طرف محسوب على الشرعية، إن “الحوثيين مستفيدون من حدوث التسرب”، لكن من دون تحديد نوع الفائدة، ويضيف لـ”درج”: “إنهم يطالبون بتوريد عائدات النفط الموجود إلى صنعاء، للاستفادة منها، وهو مبلغ يقدر بـ80 مليون دولار أميركي (44 مليار ريال يمني)”.

 

تهديد البيئة

يشير البروفيسور هاني دماج، وهو خبير في التلوث البيئي وأستاذ في الهندسة الكيماوية إلى أن “انفجار الخزان يعتمد على كنية النفط الخام الموجود فيه ونوعيته، ونفط مأرب، الذي يصب في الخزان عبر الأنبوب الممتد بطول 430 كلم، خفيف جداً، لذا فهو يحتوي على الكثير من المركبات المتطايرة التي تؤدي إلى انفجار وشيك”.

في هذا السياق، يوضح مركز الدراسات الأميركي “ذا أتلانتك كاونسل” أنه “إذا حدث الانفجار فلن يتسبب في إتلاف أو غرق أي سفن في المنطقة المجاورة فحسب، بل سيؤدي أيضاً إلى أزمة بيئية تقارب أربعة أضعاف حجم تسريب النفط في إكسون فالديز (ألاسكا 1989) التي بقيت آثارها الكارثية لسنوات عدة، وقد يتجاوز قناة السويس ليصل إلى مضيق هرمز”، بمعنى أن معظم دول المنطقة العربية ليست في مأمن.

 

إن “الحوثيين مستفيدون من حدوث التسرب”، لكن من دون تحديد نوع الفائدة.

 

كذلك يحذّر دماج من “حدوث أي تسرّب نفطي، مهما كان حجمه، لأنه يمثل تهديداً مباشراً للبيئة البحرية، فضلاً عن أن يكون ناتجاً عن انفجار لخزان يحوي هذا الكم الكبير من النفط!”. ويردف: “إن التلوث لن يقتصر على مكان التسرب أو الانفجار، بل سيعتمد على ظروف مناخية تساعده على الانتشار إلى مساحة واسعة، يجعل من الصعب تجميع آثاره ومعالجتها”.

ويؤكد دماج أن ذلك “التلوث يشكل تأثيراً كارثياً وخَطِراً في البيئة البحرية، وأول ضحاياه هي الشعاب المرجانية الحاضنة لتكاثر الأسماك، كما أنه يوثر في العوالق وهي كائنات صغيرة وركيزة غذائية للأسماك الكبيرة، علاوة على الضرر الذي سيخلفه في القاعيّات، إذ تترسب أجزاء النفط الثقيلة إلى أعماق البحر وهذا تأثير طويل المدى، وعملية معالجته صعبة ومعقدة ومكلفّة”.

“عموماً يمكن تقييم المشكلة بأنها قنبلة موقوتة، قد تؤدي إلى أحد أكبر التسربات في تاريخ الصناعة النفطية. وهذه الظاهرة تحدث في الخزانات ذات السطح الثابت، حيث هناك فراغ بين سطح السائل المخزون وسطح الخزان، ويحتوي هذا الفراغ على تجمع أبخرة النفط الخام، ونتيجة العوامل الطبيعية مثل درجة الحرارة العالية المحيطة بالخزان والأكسدة. وإن حجم الضرر والتأثير البيئي الناتج عن هذه الكارثة، يصعب تخيله”، كما يقول البروفيسور عبّاس الخدفي، أستاذ هندسة البترول في جامعة حضرموت.

 

ويضيف الخدفي لـ”درج”: “إن التلوث المتوقع سيكون له تأثير مباشر في تغيير التوازن الطبيعي للبحر، وهذا يعني تعرّض صحة الإنسان للخطر، وتدمير الموارد البيولوجية من نباتات وحيوانات بحرية، وعرقلة الاستخدامات الأخرى المشروعة للبحر كالصيد والسياحة، والتقليل من صلاحية الانتفاع بالمياه البحرية”.

 

كارثة إنسانية

يهدد الانفجار حوالى 150 ألف صياد في اليمن وحده، وتقترب الكارثة من مليون و350 ألف أسرة تعتمد في معيشتها على الصيد، كما أن 650 ألفاً من العاملين في مجال التعبئة والتخزين والنقل في قطاع الأسماك، مهددون بالبطالة، على رغم أن المنظمات أشارت إلى أن كثيرين منهم فقدوا أعمالهم، نتيجة توقف عدد كبير من الصيادين عن الدخول إلى البحر، مع استمرار الحرب واستهداف التحالف لقوارب الصيد في أوقات سابقة.

يقول الجرموزي إن “البيب (الخرطوم) الرئيسي المسؤول عن تفريغ حمولة SAFER FSO انقطع في منتصف نيسان/ أبريل المنصرم، نتيجة الإهمال وتعرضه للرطوبة والملوحة وبقي في الماء خمسة أيام، قبل أن يتمكن فريق الطوارئ في الخزان من إعادة ربطه ورفعه، لكنه مهدد بالسقوط مرة أخرى ويحتاج إلى قارب متخصص بالصيانة، وكرين (رافعة قوية)”، مؤكداً لـ”درج”، أن كمية كبيرة من النفط تسربت في هذه الفترة.

وقلّصت شركة صافر عدد موظفيها الموجودين في الخزان عام 2016، عقب منع التحالف وصول المازوت لاستمرار تشغيل الغلّايات، وقالت في مذكرة بعثتها إلى وزيري النقل والنفط في حكومة هادي في 8 تشرين الثاني/ نوفمبر 2016 إن التحالف لم يسمح للناقلة “راما1” بالدخول إلى الميناء لتفريغ حمولتها التي تبلغ 3000 طن من المازوت، واصفة إياها بأنها “الأمل الوحيد لإنقاذ الوضع”. كما طالب مكتب الهيئة لعامة للشؤون البحرية في الحديدة من الرئيس التنفيذي للهيئة في عدن بتسهيل مهمة دخول السفينة لكن من دون جدوى.

ويحمّل الجرموزي، التحالف “المسؤولية الكاملة عن أي تلوث قد يحدثه الخزان العائم لأنه المسيطر على البر والبحر والجو، ويستهدف كل من يقترب من الخزان وهو الذي منع العمل فيه ويستمر في ذلك منذ 2015. كما منع وصول المازوت إلى اليمن وتسبب في تآكل السفينة وتلفها وحرم سكان الحديدة من الكهرباء في أشد أيام الصيف حرارة”.

 

تراشق واتهامات

ومع استمرار تفاقم المشكلة في الخزان وتحذير الأمم المتحدة من أن وضعه بات خطراً للغاية، فإن حكومة هادي في الرياض تحمّل الحوثيين مسؤولية أي خطر قد يحدثه التسرب النفطي، فيما يحمّل “أنصار الله” (الحوثيون) التحالف والحكومة مسؤولية ذلك، ويطالب الطرفان الأمم المتحدة بالتدخل الحازم.

أخيراً، ظهر وكيل الأمين العام للشؤون الإنسانية ومنسق الإغاثة في حالات الطوارئ مارك لوكوك، في إحاطته لمجلس الأمن، موجهاً الاتهامات للحوثيين بأنهم “رفضوا منح تصريح لفريق الصيانة التابع للأمم المتحدة بالدخول إلى الخزان”، لكن “أنصار الله” ينفون ذلك، مؤكدين أنهم من يبادر “باستمرار لمخاطبة المنظمة بالتدخل للصيانة”، ويتهمون لوكوك بتنفيذ أجندات سياسية تخدم التحالف.

يقول العامري لـ”درج”: “إن الحوثيين يطالبون بضمانات من الأمم المتحدة للحصول على عائدات النفط المخزن”، فيما يقول الجرموزي إنهم أبلغوا كل مسؤولي المنظمة “الذين زاروا الحديدة خلال الفترة الماضية بطريقة رسمية من أجل إيقاف الكارثة وصيانة الخزان لكنهم لم يتفاعلوا معنا، ومع ذلك اتفقنا قبل شهر، على أن ترسل الأمم المتحدة فريقاً لتقييم الخطر وصيانة الخزان لتجنب الانفجار ونحن بانتظاره”.

وكان المجلس السياسي الأعلى في صنعاء (مكّون من أنصار الله والمؤتمر) قدم في وقت سابق مبادرة لوضع حل للخلاف، من خلال توزيع عائدات النفط المخزون في خزان صافر بين مصرفَي صنعاء وعدن المركزيين وتوزيعها رواتب للموظفين بإشراف أممي، إضافة إلى اجتزاء تكاليف الصيانة منها”، غير أن حكومة هادي ترفض أي حل يعود على الحوثيين بالفائدة. ويتجاهل الطرفان عواقب الكارثة، على رغم اتفاقهما خلال المفاوضات التي احتضنتها العاصمة السويدية ستوكهولم في كانون الأول/ ديسمبر المنصرم على أن تتولى الأمم المتحدة بيع النفط المجمد في السفينة، لتحوله لدفع الرواتب.

 

نسيان وتجاهل

الأحداث الأخيرة التي شهدتها عدن أبعدت قضية صافر من المشهد اليمني وانشغلت حكومة هادي بمحاولة تفسير السيناريو الذي رسمه التحالف هناك، وكيفية الخروج من مأزقها بعد أربع سنوات من الحديث عن وجودها على الأرض، الذي نفته الأحداث، فيما تجاهلت الأمم المتحدة القضية وينتظر الحوثيون معجزة للحل.

ويرى العامري أنه “لا بد من تنظيم مؤتمر للدول التي تهددها الكارثة لوضع المخاطر الحقيقية وتبعاتها وسبل تلافي وقوعها، وتحميل الأمم المتحدة المسؤولية الكاملة عن الانفجار للضغط على أي طرف يرفض الوصول إلى حل لذلك، أما تراشق الاتهامات فلا فائدة منه”.

لوقت الراهن مع بلوغ هذه المرحلة من الخطورة، يرى الخدفي أن من الواجب “السماح للفرق الفنية الخاصة والشركات المتخصصة بالوصول إلى الموقع لتقييم الضرر واقتراح حلول سريعة لتفادي الخطر القائم، وبناءً على التقييم الفني يتم تفريغ الخزانات ومن ثم إجراء صيانة شاملة”.

وتحتاج الناقلة “صافر” إلى التعامل معها من قبل الأطراف من منظور فني بيئي إنساني، بعيداً من الخلافات السياسية وضغوطات الأطراف التي تزيد الوضع تعقيداً، ما يطيل أمد الحرب وأمد الأزمات، ويُبقي ناقلة الموت في مكانها، بانتظار لحظة الانفجار.