آخر تحديث :السبت-20 أبريل 2024-12:26ص

أدب وثقافة


فلذات كبدي (الأولى)

الأربعاء - 21 أغسطس 2019 - 06:32 م بتوقيت عدن

فلذات كبدي (الأولى)

كتب/ عصام مريسي

كانت واقفة ترقب حركة أبنائها الثلاثة وفلذات كبدها ومهجة حياتها وهم يضجون بالحيوية والشباب بعد أن يتلقى مكالمة خاطفة في جواله فإذا بأكبرهم يقبل نحوها ويقبل رأسها وكأنه يودعها :

أمي .. لا تنسينا من دعواتك

بخوف الأم وحنينها وعاطفتها المرهفة تجذبه كي تحتضنه وتقبل رأسه وحول عينيها بريق دمعة محبوسة الأنفاس:

إلى أين يا ولدي

بحماس وهمة عالية وثقة في النفس يحاول طمأنة أمه العجوز:

أمي دعاني الواجب ، فكما عودتني لا أستطيع إلا ان ألبي ، فأنا جندي في صفوف القوات المسلحة وقد تسلمت استدعاء للمناوبة في القصر الرئاسي حيث عملي .

مازالت تنظر إليه وهو يكمل هندامه العسكري ويمتطي سلاحه الالي على كتفة يغادر عتبة الباب وقبل أن يغادر يرسل بعينيه رسائل لأمه يطمئنها وهو يرسم ابتسامة عريضة تشعر الأم القلقة بشيء من الرضا والاطمئنان ما تلبث تصرف نظرها من وداع كبير أخوته حتى تقلب بصرها في منزلها الصعير فإذا بأصغر أبنائها قد أكمل هندامه وهو يلوح بعلم الجنوب المكون من الألوان الابيض والأسود والأحمر وفي أحد جوانبه المثلث الأزرق تتوسطه نجمة  خماسية حمراء منظر أعاد إلى قلبها الأسى والحزن فقد لف جسد زوجها المقدم في الجيش بعد أصابته في طلق ناري في مليونيه قبل  أثنى عشرة سنة في حركة للعسكرين الذين همشهم النظام بعد حرب صيف 94م ودون شعور ترفع صوتها بالصراخ وهي تحث ولدها على ترك العلم وخلع ملابسة التي رسمت عليها أعلام وشعارات ثوار الجنوب:

اخلع هذه الملابس .. اترك العلم

وبقوة تجذب ملابس ولدها وتحاول تمزيق العلم وهي تأمره بعدم الخروج , وأصغر أبنائها يحتضنها ويحاول ان يهدي من انفعالها وهو يحاول طمأنتها:

أمي حاولي أت تهدئي ..سأشترك في المسيرة المشيعة للجثمان ونعلن رفضنا لاستمرار مشروع الوحدة غير العادلة ونعود.

وهي تجهش بالبكاء تردد:

نفس العبارة قالها أبوك قبل سنوات ولم يعد إلا مكفن بهذه الألوان

مازال اشاب الصغير يراجع أمه محاولاً الخروج :

أمي إنه الواجب .. فإذا صمتنا فمن يعيد لنا حقوقنا المسلوبة ومن يأتي بدم أبي المغدور

تجلس الأم في أحد زوايا المنزل المتواضع وتتكأ على وسادة من القش كانت مصفوفة وهي تحاول إعادة انفاسها بعد أن انهكها البكاء والصراخ