آخر تحديث :الخميس-18 أبريل 2024-06:18ص

ملفات وتحقيقات


جبل شمسان.. قمة المعاناة في قلب عدن!

الثلاثاء - 30 يوليه 2019 - 05:43 م بتوقيت عدن

جبل شمسان.. قمة المعاناة في قلب عدن!

خاص

تقرير: رقية دنانا

أحياء سكنية تبدو كأنها نبتت خصيصا لتشكيل صورة معبرة عن البؤس بكل ملامحه، و مع تدقيق النظر في الصورة ستلمح أطلال المرافق الخدمية الوحيدة هنا و ستكتشف أنها من بقايا الاستعمار البريطاني، هكذا تتضخم صورة البؤس لتتحول إلى تمثال من القهر، تمثال متشعب من الحجارة و الاسمنت و الصفيح يسكن داخله آلاف البشر.
تلك الأحياء السكنية المنسية تقع في قلب مدينة عدن ما بين المعلا و التواهي و كريتر، إنها منطقة جبل شمسان الذي نفتخر به و تتعامى أعيننا عن رؤية من يعيشون على تخومه.

عدن ثغر اليمن الباسم، المدينة الأكثر اكتضاضا بالسكان و الأكثر حظا من حيث توفر الخدمات والحياة الحضارية و التمدن العمراني،
من سيصدق أنه يوجد في بؤرة المدينة الحضرية منطقه اقرب ما تكون إلى الريف او المناطق النائية المفتقرة للخدمات!؟ منطقة جبل شمسان الواقعة ضمن مديرية المعلا.
زيارة واحدة لتلك المنطقة تكفي لإصابة الزائر بالصدمة نتيجة ما سيراه من مظاهر بدائية بعيدة عن التمدن و منافية لأبسط مقومات الحياة الحضرية، هي أشبه بقرية مكونة من منازل متزاحمة و متلاصقة على نمط القرى النائية، دونما وجود للخدمات الاساسية بما في ذلك الشوارع الصالحة لمرور وسائل المواصلات.
أحياء سكنية تبدو كأنها سقطت في فجوة زمنية اختبأت فيها عن عجلة الحضارة و مشاريع التطوير و التنمية منذ ستين سنة، فلم تشهد أي تطوير أو تحسين منذ الاستقلال، البيوت و المرافق و الخدمات الاساسية هي بقايا أطلال لما تركه العهد الاستعماري قديما و لم يقوم أحد بتحسينها رغم تٲثرها بعوامل البيئه وزيادة نسبة السكان فظل السكان على انماط الحياه التي صنعتها لهم بريطانيا،
و هنا وجدنا خالد الشاب ذو 35 عاما في حالة تذمر من الوضع الذي يعيشه ونقل معاناته بقوله "بنموت وما بيعرفوش ينزلونا لتحت وبنعيش وما نقدر نتحرك كما الأوادم".
هكذا أنهى خالد كلامه ومضى يتٲلم لحاله وحال الكثيرين ممن حوله الذين ظلوا ينظرون اليه ولسان حالهم يهتف بنفس المعاناة.

إمرأة أخرﯼ رأتني من أعلى الجبل ثم نزلت و جاءت لتقول: "انتم تبع حكومه فاشلة، للي يسكت عن شعبه يموت من الجوع والمرض ما ينفعش يشتغل بالبلاد حتۑ مكنس شوارع" . هذا هو لسان حال العديد من السكان الذين يعانون الأمرين من حيث وعورة المنطقة السكنية التي يعيشون فيها و انعدام الخدمات الأساسية في ظروف الجو الحار الذي أهلك سكان عدن البسطاء. ناهيك عن مدى معاناة المواطنين من جراء تٲثرهم بكوارث المجاري والقمامة المتكدسة بالقرب من البيوت و الملاصقة لها، و هناك ما يبعث على القهر أكثر كلما صعدت إلى ارتفاع أعلى في الأحياء المنحدرة على وجه الجبل و توغلت في عمق الحواري إذ ستكتشف حدوث كوارث بيئية فظيعة لا سيما في أوقات هطول الأمطار والسيول التي تختلط بمياه المجاري و ترفع منسوبها حتى تغرق بعض البيوت، و الكارثة الأكبر هي اختلاط مياه الصرف الصحي مع مياه الشرب التي تصب من حنفيات البيوت كنتيجة لتردي شبكه الصرف الصحي وتدهور شبكه المياه المتواجدة بالمنطقة، الأمر الذي يجبر أهالي المنطقه على البحث عن بديل عبر شراء الماء أو "البوزات" لغرض الاستخدام اليومي خلال فترات تعفن المياه.
و إلى جانب هذه المعاناة الموسمية هناك المعاناة الدائمة و الأكثر مشقة على السكان و هي عدم وجود شوارع أو فتحات او أزقة كافية تسمح للناس بنقل حاجياتهم اليومية عبر السيارات أو إسعاف المرضى من ذويهم في حالات الأمراض المستعجلة...

ختاماً: في جولة واحدة رأينا الكثير من البؤس و المعاناة و المشقة التي يعانيها الناس لتسلبهم أي إحساس بكرامة الحياة الآدمية، لكننا قطعا لم نتمكن من الإحاطة بكل جوانب النقص و انعدام الخدمات و متطلبات الحياة الكريمة فذلك أمر يتطلب زيارات عديدة و فريق استطلاع ميداني، لكن ما رأيناه يكفي للخروج بنتيجة قاطعة مفادها أن أحوال هذه المنطقة مزرية إلى درجة كارثية في ظل سكوت المجلس المحلي للمنطقة و التجاهل الذي تمارسه الجهات الرسمية و السلطات الحكومية ممثلة بالمسئولين و أصحاب النفوذ في عدن.
ترى، متى سيتكرم هؤلاء بالقيام بواجباتهم نحو منطقة جبل شمسان التي صارت بؤرة للمعاناة و الاوبئة، و متى سيعرفون أنهم مسئولون عن تحسين أحوال هذه المنطقة التي تقع في قلب عدن و ليست في مدغشقر.