آخر تحديث :الثلاثاء-19 مارس 2024-07:51ص

ملفات وتحقيقات


الأسير علي الحميدي يروي لـ"عدن الغد " تفاصيل اعتقاله : فجر الحوثة منزلي وتخلى عني الجميع وحتى اللحظة لازلت بدون ماوى ومستأجر بيتاً أثقل كاهلي الإيجار

الإثنين - 24 يونيو 2019 - 05:53 م بتوقيت عدن

الأسير علي الحميدي يروي لـ"عدن الغد " تفاصيل  اعتقاله : فجر الحوثة منزلي وتخلى عني الجميع وحتى اللحظة لازلت بدون ماوى ومستأجر بيتاً أثقل كاهلي الإيجار

(عدن الغد)خاص:

التقاه / الخضر عبدالله :

لأن "الظلم ظلمات يوم القيامة"، فما قامت به مليشيات الحوثي بحربها الأخيرة على أرض وشعب الجنوب هو الظلم والعدوان بعينه، فلم تراعِ ما جاء بالأثر( كل المسلم على المسلم حرام عرضه وماله ودمه).

 

المواطن "علي بن محمد ناجي عمر الحميدي" يعمل معلماً بمكتب التربية والتعليم م. لحج ويسكن في كرش وهو في العقد الأربعين متزوج وله أربعة أولاد، كان إماماً لأحد المساجد يخطب ضد التمدد الحوثي بالجنوب إلا أنّ جار الحميدي كان لا يعجبه ذلك بحسب كلام علي فحقد عليه حقداً كبيراً دفع ثمنه علي، وهو تفجير منزله ووقوعه بأسر تلك المليشيات عند احتلالها لمنطقة كرش، حكاية من دراما الواقع الحقيقي، الذي لم يشاهد بالأفلام أو بأي حروب جاهلية.

 

تفجير المنزل :

 

يروي الأسير الحميدي  لـ"عدن الغد " قائلاً ":  لقد حاصر منزله في أواخر شهر شعبان طقمين مزود بالدوشكا وأكثر من 22 جندي مدججين بمختلف أنواع السلاح و تحت قيادة شخص يُدعى الخميني  نتيجة لبلاغ كيدي باطل من جاري بالمنزل باعتباري داعشي وقائد عمليات للمقاومة بكرش وتمّ تطويق منزلي من كل اتجاه واقتحام المنزل دون خوف من الله أو أي أخلاق لحرمة المنزل  وقاموا بالاعتداء عليّ بأعقاب البنادق وتكبيل يديّ والزّجّ بي إلى أحد الأطقم بقوة وإخراج أسرتي عُنوةً حفاةً، وبدون عبايات ولا حول ولا قوة إلا بالله ( وهنا يتوقف علي عن الحديث لحظات وهو يتذكر تلك اللحظات الأليمة جداً بتاريخ حياته وأسرته)، ويستكمل الحديث وهو يمسح الدموع عن عينية ويقول لقد اخرجوا زوجتي وأطفالي وأنا مقيد اليدين مربوط بالطقم ونهبوا بعض مستلزماتي الشخصية وقاموا بزرع عبوات داخل المنزل وفتح أسطوانات الغاز وبعد ذلك يقوم أحدهم برمي منزلي بقذيفة (آربي جي) ليتفجر منزلي أمامي وأمام أسرتي كاملاً وأمام من كان حاضراً في مشهد لا يختلف عن ما تقوم به بنو إسرائيل في فلسطين لقد كنت في قهرٍ كبيرٍ جداً وأنا أشاهد أطفالي في خوف وبكاء شديد دون أي رحمة من قبل تلك المليشيات التي لا تخاف الله وفي لحظات تحول منزلي إلى أكوام من البلوك والأخشاب والدخان مع كامل المحتويات بما فيها من مال وذهب و إتلاف سيارتي الخاصة.

 

كنت متماسكاً جداً بالرغم من قسوة المشهد ولكن تم انهياري وأنا أشاهد ( أمي ) وهي تجري من منزلها نحو منزلي وأطفالي بأعلى صوت يصرخون ( يا بـــه قتلـــوك مـــن لنا من بعــدك) وهنا أمي انهارت وسقطت على الأرض دون أي شعور .

 

فتم بعد ذلك الاعتداء علي بأعقاب البنادق حتى سقطت داخل الطقم وقاموا بوضع كنبل فوقي.

 

وبعد ذلك قاموا بالمرور بي بالسوق كعمل استهزاء بي أمام عامة الناس وكنت أشاهد الناس رؤوسهم بالأرض لا يقدروا النظر إليّ وأنا مقيد اليدين والدماء تنزف من جسدي.

 

استجواب الأسير :

 

ويواصل: لقد تمّ وضعي بسجنٍ بكرش بمنطقة الخشم بالقرب من مدرسة قميح وفي غرفة مظلمة لمدة يومين وليلة دون أي طعام وكنت أشرب الماء بعبوات غير نظيفة من بقايا المساجين.

 

وقبل دخول شهر رمضان بيوم أحضروا لي غداء  وبالليل حضر محققين وقاموا بالتحقيق معي بعد ربط عيوني وكل ليلة يحضر محققين مختلفين كنت أميزهم من لهجتهم وكانوا يسألون من يصنع ويفعل الكمائن؟ وأيضاً كان سؤالهم الأساسي من فين تحصّل (علي ردمان) على السلاح؟ وذات مرة وضعوا فوهة البندق على رأسي وتارة يقوموا بإطلاق الرصاص بالقرب من رأسي والاعتداء على جسدي بعبوات الماء وبقوة .

 

المحقق أبو حِميَر :

 

ويتابع السرد: بعد ذلك ظهر محقق يطلق عليه (أبو حمير) وتحدث معي بأنه درس بجامعة الإيمان سنتين  وطلب مني الاعتراف بتخرجي من جامعة الإيمان وعندما أنكرت ذلك أظهروا لي بطاقة فيها اسمي صادرة من جامعة الإيمان وهي في الحقيقة بطاقة دخول ندوة قبل تفجر الثورة كانت تناقش وضع انهيار الدولة شارك فيها العديد من المكونات ، واستمرت فترة التحقيقات معي تقريباً عشرين يوما مع استمرار الاعتداء بالضرب ليلاً وذات مرة كان أحد المحققين قرر قتلي وتدخّل شخص يدعى ( أبو يحيى ) ومنعه من قتلي .

 

الطيران وظهور أبو علي :

 

يقول الأسير علي :  تقريباً في 18 رمضان كنت أسمع تحليق الطيران بسماء كرش وتمّ قصف منزلاً بالقرب من مكان احتجازي  ومع تحليق الطيران بكرش ظهر قائد جديد كنيته (أبو علي) وتمّ ترحيلي على طقم وأنا مربوط العينين ومقيد اليدين  وفي الطريق تم استبدال الطقم بطقم آخر وبعد مسافة توقف الطقم وتم إنزالي بمنطقة تابعة لهم وبعد العشاء جاء طقم آخر وترحيلي إلى منطقة الدكم بالقرب من كرش وتم إنزالي من الطقم مع ساعة 12 ليلاً وسط جنود عددهم تقريباً 30 جندي كأنهم جميعاً من تعز وحقق معي محقق سيء جداً وكان يستخدم معي القوة ويريد معلومات عن ( جواس وردمان) وعناصر السنة والإصلاح  وتعصب المحقق لعدم معرفتي بهم وتم أخذي بقوة مقيد اليدين مربوط العينين والسير بي لمسافة تقريباً 200 متر وتمّ الاعتداء عليّ بالضرب وشحن السلاح بوجهي وإطلاق رصاص كثيف وفي تلك اللحظات اعتبرت نفسي قد انتهيت وسيتمّ إعدامي وكنت أنطق بالشهادة، وفجأة حضر طقم ورموا بي فيه باحتقار كبير جداً وإيداعي بغرفة مظلمة لمدة ثلاثة أيام.

 

مدرسة الحسيني :

 

ويتابع الأسير علي حديثه: بعد ذلك تمّ ترحيلي إلى مكان آخر والزّجّ بي بغرفة صغيرة مع العديد من الأسرى وفيها كراسي فقالوا لي الأسرى  بأنها مدرسة الحسيني وكنا جميعاً صيام بشهر رمضان ونتقاسم شربة الماء مع الإفطار بعد أن يتم السماح لنا مع الفجر بالخروج لقضاء الحاجة ونتحصل على قطرات من الماء من ثلاجة المدرسة وهو حار ومع الإفطار يحضروا لنا وجبة طعام لا تشبع فرد ونتقاسمها جميعاً  ، ومكثنا معاً بالحسيني 13 يوم .

 

الترحيل إلى العند :

 

بعد ذلك تم ترحيلنا جميعاً من الحسيني إلى العند ولقد وجدنا هناك مايقارب ( 500 )  أسير من مختلف الأعمار وهم في جوع شديد ودون ماء وشاهدت بعض الأسرى مقيدين باليد مع الرجل وأيضاً أسرى مقيدين بالأرجل وآخرين بالأيادي وكان ذلك قبل عيد الفطر بيومين ، فمكثنا بالعند لمدة أسبوع وكان الطيران يقصف أماكن بالعند قريبة من مكان احتجازنا وكنا نسمع شخص يطلق عليه أبو محمود وهو يتصل بآخرين بعد القصف مباشرةً وهو يقول ( لقد تمّ قصف المكان  لكن أولاد الكلب لم يموتوا ) وفي العند كنا نشعر بنوعٍ من الفرج حيث كان يتم أسر أشخاص وإحضارهم إلينا ويقولوا لنا بأنّ المقاومة في تقدّم ونشعر بفرح وعلامات النصر وكانت معنوياتنا تشتحن بالتحلي بالصبر وتحمل الأذى.

 

الترحيل إلى صنعاء :

 

ويقول الأسير علي تمّ ترحيل الأسرى من العند على شكل دفعات فوق ستة باصات وكل أسير مقيد بيد الآخر ويتم حشونا في الباص بأكثر من حمولته المسموح بها ، ويضيف لقد كان مصيري تقــييد يدي بيد أسير مختلٍ عقلياً وكان لايفهم مايُطلب منه وتمّ الإعتداء عليه من قبلهم  حتى تحول كامل وجهه نزيفاً من الدماء بينما هو مقيد بيدي وإصابته بإصابات كبيرة .

 

الوصول إلى صنعاء :

 

عند وصولنا صنعاء تمّ إيداعنا في مكان داخل غرفة وعددنا بالغرفة الواحدة 46 أسيراً وتم الإعتداء علينا بالضرب بأننا دواعش ونحن لانزال مقيدين كلاً بيد الآخر  وكان يوجد معنا ثلاثة مجانين وتم منعنا عن قضاء الحاجة مما حول المكان إلى حمام ... وهنا توقف علي عن الكلام وكرر أكثر من مرة (لا حول ولاقوة إلا بالله حسبنا الله ونعم الوكيل ) وكاد أن يبكي وهو يتذكر تلك المواقف الغير أخلاقية أو إنسانية .

 

وبعد فترة علمنا بأن المكان هو السجن المركزي  ومكثنا فيه أربعة أيام وكان يعطى لنا أكل غير كافٍ أو نظيف وزاد من القسوة هو قسوة البرد الشديد وليلاً كان يتم إخراج الأسرى وهم مقيدين لقضاء الحاجة بساحة وكلاً ينظر الى عورة الآخر ، لقد كانت معاملة قاسية جداً جداً لدرجة مطالبتنا بقتلنا  ولا هذا العذاب ، ومع ذلك ومن دون رحمة تم استبدال القيود بقيد آخر من الحديد سيخ أبو 14 بأقدامنا وتم إيداعنا بزنزانة في ظلام كنا لا نرى النور مطلقاً لمدة 11 يوما وكانوا يحضروا ليلاً يأخذوا بعض الأسرى للتحقيق معهم فكنا نسمع صياحاٌ شديداٌ جداً ولا نعلم ماذا يفعلوا بهم من عذاب وسمعنا بأنه كان يوجد أسير يدعى( أبو علي ) فكان يتم تعذيبه جداً وطلع في الأخير بأنه مشتبه فيه من محافظة أبين وليس من لحج .

 

 

 

الخروج من الزنزانة :

 

وتمّ إخراجنا من غرف الزنازين إلى غرفة نرى فيها الشمس وبداخلها تقريباً (250) أسير وكانت أفضل من الزنزانة مع بقاء القيود بأقدامنا وتسببت لنا  بجروح وكان يُعطى لنا طعام غير كافي مع الماء، ولقضاء الحاجة يوجد اثنين حمامات وعليها طابور من الأسرى وهم مقيدين وتخايل وأنت مقيد في انتظار وصول الحمام لقضاء الحاجة وفجأة يقال الخزان حق الماء  فارغ ، هذا الفعل كان يجعلنا مابين الحياة والموت وفي انتظار المساء لقضاء الحاجة في الساحة لأنه لايتم تعبئة الخزان بالماء إلا مرة واحدة في اليوم .

 

ويقول الأسير الحميدي لقد مكثنا في هذا الوضع الغير إنساني لحد تاريخ 18/12/ 2015 م ، يوم ترحيلنا للإفراج عنا من الأسر ولله الحمد والشكر.

 

الإفراج وسقوط القذائف :

 

يقول الأسير علي الحميدي بعد الإفراج عدت لكرش مسقط رأسي وقد انتهى منزلي فانتقلت إلى مكان إقامة أسرتي بمنطقة شعب  قحفة وكانت مشاهدة أطفالي فرحة لا توصف وعلاج لكل معاناة الأسْر ولمدة أسبوع وأنا وسط أسرتي في راحة ونعيم ولكن فجأة سقطت على رؤوسنا مرة أخرى قذائف مليشيات الحوثي وإثر ذلك تم نزوحنا إلى عدن واستئجار منزل ب15 ألف ريال ولحد اليوم وبعد عام من الحرب والأسر والقهر وكل ذلك العذاب لم تنظر إلينا الدولة ولو بنص عين الرحمة وتقديم لنا ولو قطمة أرز أو فراش للأطفال حتى المنظمات والجمعيات وأهل الخير ما قد امتدت أيديهم إلينا لفعل الخير.

 

ظهور وجوه جديدة :

 

ويتألم بقهر بالغ الأسير الحميدي عن كل تلك التضحيات التي قدمها شهداء المقاومة الجنوبية وجرحى المقاومة والأسرى  وما قد وصل الحال اليوم بهم من تجاهل تلك الأدوار البطولية التي قدموها من أجل نيل الحرية والكرمة فيقول لقد ظهرت وجوة جديدة تدّعي المقاومة وماسك بالأمور وغير مبالين بما قدمه الشهداء والجرحى ومعاناة الأسرى ويصف هذا التجاهل والتهميش بأنة ظلم لا يختلف كثيراً عن ظلم مليشيات الحوثي وأنصار صالح وإنا لله وإنا إليه راجعون.