آخر تحديث :الثلاثاء-19 مارس 2024-07:51ص

دولية وعالمية


طهران تتجاوز "حافة الهاوية".. ماذا تنتظر من ترامب؟

الأحد - 23 يونيو 2019 - 10:20 م بتوقيت عدن

طهران تتجاوز "حافة الهاوية".. ماذا تنتظر من ترامب؟
تعبيرية

(عدن الغد)وكالات:

يمكن القول بكل بساطة إن إيران أوقفت اللعب أو السير على حافة الهاوية، وقررت الدخول إلى عرين الأسد واللعب بذيله. هذا ما يمكن أن يوصف به العمل الإيراني الاستفزازي، وفق توصيف وزارة الدفاع الأميركية، الذي استهدف طائرة أميركية مسيرة على حدود مياهها الإقليمية في منطقة مضيق هرمز، قبالة سواحل محافظة هرمزكان. وهي عملية تعتبر تطوراً غير مرغوب به، بعد تجمع الأدلة لدى الإدارة الأميركية بشأن تورط إيران بعمليات التفجير التي تعرضت لها الناقلات التجارية في ميناء الفجيرة الإماراتي مطلع مايو (أيار) الماضي، وعملية استهداف ناقلتي النفط في مياه خليج عمان قبل أيام.

وليس غريباً أن يأتي استهداف الطائرة الأميركية المسيرة صبيحة زيارة مقررة لكبير مستشاري الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى إيران لبحث موضوع التهديدات الإيرانية بخفض مستوى التزاماتها وتعهداتها بالاتفاق النووي في محاولة فرنسية تهدف إلى الحفاظ على هذا الاتفاق وقطع الطريق على تصعيد سياسي واقتصادي وعسكري لا يرغب به أي من الأطراف الدولية والإقليمية. وهو سياق يشبه إلى حد كبير ما حدث خلال زيارة رئيس الوزراء الياباني شينزو آبي إلى طهران، والرهانات التي واكبتها بإمكان فتح كوة في جدار التصعيد والتأسيس لمسار حواري يضع الأزمة بين واشنطن وطهران على سكة الحل.

مساران إيرانيان

إسقاط الطائرة الأميركية يكشف عن وجود مسارين داخل النظام الإيراني، وحتى داخل المؤسسة العسكرية. كل واحد منهما يحاول سحب السجال مع الولايات المتحدة إلى دائرته. ففي الوقت الذي أعلن عن هذه العملية وخروج قائد حرس الثورة اللواء حسين سلامي ليؤكد أن "الحدود الإيرانية خط أحمر"، وأن قواته ستتصدى لأي خرق لهذه الحدود، في موقف يتوافق مع موقف سكرتير المجلس الأعلى للأمن القومي علي شمخاني، الذي أطلقه من موسكو، وتأكيده مقولة "الخط الأحمر"، فإن الإدارة السياسية أو الحكومة برئاسة حسن روحاني ورئيس دبلوماسيته محمد جواد ظريف لم تصدر أي موقف واضح حول هذه العملية ومستوى التصعيد الذي وصلت إليه الأمور مع واشنطن، بل إن مواقف هذه الإدارة تركز على العقوبات الاقتصادية ووصفها بأنها "إرهاب اقتصادي" تمارسه واشنطن ضد إيران وشعبها.

هذا الاختلاف في المواقف، التي يمكن وصفها بأنها "متباينة"، يؤكد وجود اختلاف داخل النظام الإيراني، بين الاتجاه إلى التسوية والحوار أو إلى التشدد والتصعيد والمواجهة. فالنظام الذي يعرف بمركزيته الشديدة والمشددة، من المعروف عنه عدم السماح لأي جهة أو تيار سياسي أو حزبي بأن يتخذ مواقف تتعارض مع السياسة العامة للنظام خارج إطار النقد الناعم، الذي لا يصل إلى حد التشكيك باستراتيجية النظام ومؤسساته. وقد مارس هذه المركزية في كثير من الملفات إلى حد "التعتيم"، خصوصاً في الأزمة السورية، التي منع فيها القيادات السياسية والوسائل الإعلامية حتى من التعاطي معها بذريعة ضبط الموقف حتى لا تتحول التعددية في الآراء إلى تشكيك في القرار الاستراتيجي للنظام في هذا الملف.

الرئيس الأميركي دونالد ترمب، وخلال مؤتمره الصحافي مع رئيس الوزراء الكندي جاستن ترودو في البيت الأبيض، الخميس، وصف العمل الإيراني بالخطأ الفادح، داعياً إلى انتظار الموقف الأميركي منه، إلا أنه أشار إلى سيناريوات قد يعتمدها للخروج أو الابتعاد عن دائرة الرد التصعيدي، بحديثه عن إمكان وجود خطأ إيراني، أو شخص غير منضبط قام بإصدار الأمر بإسقاط الطائرة. ما يعني أن هناك إمكانية لدى إدارة ترمب للبحث عن مخارج لوضع التطور الأمني والعسكري في إطار "خطأ في الحسابات" من قبل الجانب الإيراني من دون تحميل النظام المسؤولية الكاملة والتامة عن العملية. بالتالي، عدم الذهاب إلى اعتماد خيار الرد الواسع والشامل والقاسي على إيران.

أما في الجانب الإيراني، إذا صح السيناريو الذي قدمه الرئيس الأميركي، فإن هذا يؤشر بشكل واضح على وجود "تفلت" في سيطرة القيادة الإيرانية على مثل هذا القرار الاستراتيجي، الذي قد يؤدي إلى إشعال حرب واسعة ومدمرة لإيران بالدرجة الأولى، خصوصاً أن مثل هذا القرار لا بد من أن يصدر عن المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني، الذي بدوره يترجم الموقف النهائي لمرشد النظام الذي يتولى مسؤولية القائد الأعلى للقوات المسلحة وبيده قرار الحرب والسلم والقضايا الاستراتيجية والمصيرية. وتداعيات حصول هذا الاعتداء بفعل قرار فردي هي تداعيات خطيرة، قد تشكل مؤشراً على وجود اختلاف عميق داخل النظام، وأن هناك تياراً اتخذ من موقف مرشد النظام الرافض للتفاوض غطاءً للذهاب إلى الحد الأقصى في إحراج القيادة السياسية التي يمثلها روحاني وفريقه. وأن هذا التيار قد لا يكون ممثلاً لكل المؤسسة العسكرية، وتحديداً حرس الثورة، ويبدو أنه وصل إلى مرحلة من التأزم والتوتر جراء حالة "لا حرب ولا سلم"، التي فرضتها الإدارة الأميركية. بالتالي، فإنه يحاول جر إيران إلى التصعيد والدخول في مواجهة عسكرية مباشرة، تسمح له، بغض النظر عن النتيجة التي قد تسفر عنها، بفرض سيطرته على النظام وإيران على حساب كل الأطراف الأخرى، حتى المحافظة. والانتقال بإيران من نظام أمني إلى نظام عسكري خاضع له، إضافة إلى أن هذه الحرب، من وجهة نظره، لن تبقى محصورة في حدود الجغرافيا الإيرانية، بل ستسمح له بتطبيق خطته الاستراتيجية باستهداف دول المحيط العربي، خصوصاً الدول الخليجية، التي يعتبرها المنافس الأول له في المنطقة، بالتالي ضرب أي تسوية لأزمات المنطقة.

الرد الأميركي المتوقع

من الصعب تصور عدم رد الإدارة الأميركية على الاعتداء الإيراني، حتى لو لم يتسبب بخسائر بشرية. فالرئيس الذي يعتبر القائد الأعلى للقوات المسلحة، والذي يملك نصف القرار في الحرب إلى جانب الكونغرس، قد لا يكون قادراً على السكوت على الفعل الإيراني الذي يشكل تحدياً واضحاً ومباشراً للهيبة العسكرية والردعية الأميركية. بالتالي، قد يجد نفسه مجبراً على التفتيش عن مخارج تضمن له حق الرد على هذا الاعتداء، مع مراعاة ألا يكون هذا الرد مدخلاً لإشعال فتيل حرب واسعة وشاملة لا يريدها ولا يرغب بها انطلاقاً من رؤيته لتحقيق الأهداف الأميركية الاستراتيجية من دون اللجوء إلى حروب مباشرة. من هنا، تبدو الحاجة الأميركية إلى توجيه ضربة "تكتيكية" أو ما يمكن تسميته "ضربة تصويب المسارات"، أي ما دون الحرب، التي تضمن لواشنطن حق الرد ولا تعطي للجانب الإيراني ذريعة الرد عليها وتفتح الطريق أمام تغليب المسار السياسي داخل النظام الإيراني والدفع به للجلوس إلى طاولة المفاوضات، التي قد تكون من دون شروط مسبقة تحت ذريعة تطويق التداعيات العسكرية في المنطقة. ومن غير المستبعد أن تنشط القنوات السرية الفاعلة بين الطرفين وتتحرك من أجل "رسم" إطار الضربة الأميركية وحدود الرد الإيراني، بما يضمن للطرفين الانتقال إلى مستوى الجهد السياسي والتفاوضي.

مسارعة الخارجية الإيرانية للتحرك باتجاه المجتمع الدولي والأمم المتحدة وتبني الدبلوماسية الإيرانية رواية الاعتداء الأميركي على الأجواء الإيرانية، قد يشكل مدخلاً لتحريك المسار التفاوضي، لكن ذلك يشترط إدراك قيادة النظام بأنه قد دخل فعلياً وعملياً في دائرة الخطر الحقيقي وأن الضربة العسكرية لم تعد مستبعدة ولم يعد بإمكانه الرهان على عدم رغبة واشنطن ورئيسها في الدخول بالحرب. بالتالي، العودة إلى تعزيز دور الدبلوماسية الإيرانية وإزالة العوائق أمامها داخلياً من أجل فتح الباب أمام الحوار والتفاوض، من أجل إبعاد شبح الحرب والتقليل قدر الإمكان من حجم التنازلات التي قد تكون مجبرة على دفعها في حال استمرت بالتعنت واللعب على الحد الذي تجاوز هذه المرة حافة الهاوية.

وقد يكون لدى الإدارة الأميركية مستوى آخر للرد على الاعتداء الإيراني من اعتماد خيار الرد العسكري المباشر، بأن تعلن مياه الخليج ومضيق هرمز وخليج عمان منطقة أمنية ومصدراً لتهديد أمن إمدادات الطاقة الدولية والعالمية، بالتالي رفع مستوى الحضور العسكري وإعلان الحماية المباشرة لهذه الممرات الحيوية وسحب ورقة التهديد الإيرانية بإمكان استهداف الخطوط التجارية والنفطية. ما قد يسمح للإدارة الأميركية بفرض حصار مباشر هذه المرة على صادرات النفط الإيرانية وعدم الاكتفاء بالعقوبات على بيعها وشرائها. أي إحكام الخناق على الاقتصاد الإيراني، الذي سيدفع طهران إلى التنازل والذهاب إلى الحوار والتفاوض لمنع انهيارها الداخلي.