آخر تحديث :الجمعة-29 مارس 2024-05:58ص

ملفات وتحقيقات


تجارة الجوازات اليمنية (1-3) .. سماسرة يخدعون الحالمين بالفرار من الحرب

الإثنين - 10 يونيو 2019 - 02:42 م بتوقيت عدن

تجارة الجوازات اليمنية (1-3) .. سماسرة يخدعون الحالمين بالفرار من الحرب

صنعاء، تعز - زكريا حزام، وجدي السالمي، فاروق الكمالي

لجأ العشريني اليمني خليل حامد، إلى وكالة سياحية، تعلن عن تقديم خدمة استخراج جواز السفر لمن يرغب من أهالي مدينته صنعاء الواقعة تحت سيطرة مليشيا أنصار الله (الحوثيين) منذ 21 سبتمبر/أيلول من عام 2014، إذ لم يتمكن من السفر إلى المحافظات الست، (عدن، تعز، حضرموت، المهرة، شبوة، ومأرب)، والتي حصرت الحكومة الشرعية إصدار جوازات السفر من فروع مصلحة الهجرة والجوازات الموجودة فيها، بموجب قرار نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الداخلية رقم (91/12/و.د) الصادر في ديسمبر/كانون الأول من العام الماضي، والذي خلق أزمة السمسرة والمغالاة في قيمة استخراج جواز السفر بشكل غير قانوني، إذ دفع حامد مبلغ 80 ألف ريال يمني (147 دولارا أميركيا) بدلا من 7 آلاف ريال (14 دولارا)، خشية السفر في ظل الحرب الدائرة، وخصوصاً أن الوصول إلى مراكز الإصدار التابعة لبعض مناطق الشرعية يتطلب المرور من مناطق قريبة من المواجهات وكذلك نقاط التفتيش، بالإضافة إلى احتمال عدم حصوله على الجواز حتى لو وصل سالما إلى تلك المناطق، إذ تتكرر أزمة نفاد دفاتر الجوازات.

 

وبالرغم من مضيّ أربعة أشهر، لم يحصل حامد على جوازه بعد، وهو ما عطل معاملة تأشيرة عمل سعودية حصل عليها بشق الأنفس، كما يقول لـ"العربي الجديد"، مضيفا أنه كلما اتصل بصاحب الوكالة يرد عليه متبرما: "اصبر علينا وإلا تعال تاخد فلوسك"، وهو ما رد عليه خالد صالح، صاحب وكالة الخالد للسفريات والسياحة التي لجأ إليها خليل مقرا بعلمه في الظاهرة المتنامية، قائلا: "التأخير في تسليم الجوازات ليس من طرفنا، وإنما لعدم وجود جوازات في فروع مصلحة الجوازات التي نتعامل معها، منذ أربعة أشهر".

 

ولا يدخل عمل وكالات السفر والسياحة في سمسرة الجوازات، ضمن المجالات القانونية المحددة لها، وفق نص القانون رقم (22) لسنة 2009، والذي تنص المادة 48 منه على أنه "تعاقب بالإغلاق والتوقيف عن ممارسة المهنة السياحية كل منشأة سياحية في حالة مخالفتها أي حكم من أحكام المادتين (12/1، 13/أ) من القانون".

 

تسهيل المعاملات

تطلب وكالة الخالد واثنتان غيرها موجودتان في العاصمة، رصدها معدو التحقيق، صورا شخصية من الراغبين في استصدار الجواز، وهو ما قد يؤدي لخرق أمني في إجراءات الاستصدار التي تتطلب حضور صاحب الطلب لتصويره وأخذ البصمات وكذالك مطابقة الصور وإجراءات الفحص والتحري من دقة البيانات وصحتها ومطابقتها واعتمادها، والتي تعد أحد أسباب صدور القرار (91/12/و.د) في ظل سيطرة الحوثيين على مراكز مصلحة الجوازات والهجرة في المناطق الخاضعة لهم، وفق ما تؤكده مصادر التحقيق.

 

لكن الدكتور منصور العبدلي مدير فرع مصلحة الهجرة والجوازات بمحافظة تعز جنوب غربي البلاد، يقول إن الحصول على الجواز عن بُعد، يشترط فيه أن يتم عبر قريب أو صديق ثقة ويكون ضامناً بالوقت نفسه، مضيفا: "عندما يأتي المواطن من محافظة حجه، أو محافظة المحويت، سوف يخسر 200 ألف ريال (365 دولارا) بدلا من 7 آلاف لتكاليف السفر والإقامة انتظارا لصدور جوازه، بالتالي يمكن استصدار الجواز بدون الحضور لكن بشرط أن يكون وفق قرار من وزير الداخلية ورئاسة المصلحة، والأهم هو التحري والتدقيق في الوثائق".

 

في المقابل، يرد سعيد بلحاف المدير العام للجوازات في محافظة المهرة، بأن التسهيلات بالمعاملة عن بُعد أقرّت بسبب مخاطر الطريق للقادمين من محافظات الحوثيين، وجرى إلغاؤها فيما بعد كما يقول، لافتا إلى أنه عقب وصول القرار (91/12/و.د) إلى رئاسة الخطوط الجوية اليمنية، جرى تفعيله وتم رفض الجوازات الصادرة عن مناطق الحوثيين، ما حرم مواطنين لا ذنب لهم من السفر، لكن ملّاك وعاملين في وكالات (الخالد، وسيئون، ونسك) السياحية، التقاهم معدو التحقيق، يؤكدون أنه لا يزال بإمكانهم استخراج جوازات عن بعد، من فروع المصلحة في محافظات الشرعية.

 

اتجار بالجوازات

اتسعت ظاهرة السمسرة بجوازات السفر الصادرة عن مناطق الحكومة الشرعية، في مقابل مبالغ تتراوح ما بين 80 ألف ريال و170 ألف ريال (310 دولارات) والتي تعد مبالغ باهظة في بلد يرزح 85% من إجمالي سكانه البالغ 27 مليون نسمة تحت خط الفقر وفق تقرير مركز الدراسات والإعلام الاقتصادي (منظمة مجتمع مدني متخصصة في الدراسات الإعلامية المتعلقة بالمسائل الاقتصادية) الصادر في سبتمبر/أيلول من عام 2017.

 

ويتعامل سماسرة في فروع مصالح الهجرة والجوازات في مناطق الشرعية مع وكالات سفر في العاصمة صنعاء، وفق ما وثقه معدو التحقيق عبر إفادة عماد المخلافي الذي يتداول اسمه عدد من الراغبين في استخراج جوازات السفر في مأرب، وبالفعل تواصلوا معه وادعوا أنهم بحاجة لاستخراج جواز بشكل عاجل، فأكد إمكانية الأمر في مقابل دفع 1500 ريال سعودي (400 دولار) لكل جواز سيصدره خلال فترة لن تتجاوز 20 يوماً. ويعترف سعيد بلحاف المدير العام للجوازات في محافظة المهرة (شرق اليمن)، بوجود مكاتب لاستخراج الجوازات في مناطق الحكومة الشرعية، مؤكدا لـ"العربي الجديد" أن المعاملات تمر عبر وكلاء وسماسرة، أو مكاتب سمسرة تعامل بشكل جماعي، وبكمية تجارية أحيانا كما يقول.

 

نصب السماسرة

تلقى فرع مصلحة الهجرة والجوازات بمحافظة عدن جنوبي اليمن، 30 بلاغا من قبل مواطنين، تعرضوا للنصب من السماسرة بحسب تأكيد مدير أمن جوازات عدن، عرفات السباعي لـ"العربي الجديد"، والذي قال إن مصلحته ضبطت 7 سماسرة ومبالغ مالية في حوزتهم نهاية العام الماضي، مضيفا أنهم قاموا بحبسهم ما بين 5 و6 ساعات، ثم أخذوا عليهم تعهداً بعدم العودة لممارسة السمسرة بالجوازات، لكنه يحمل المسؤولية للمواطنين الذين وسعوا من ظاهرة السمسرة باعتمادهم على أشخاص في القيام بمعاملاتهم كما يقول.

 

وأصدر الدكتور منصور العبدلي مدير فرع مصلحة الهجرة والجوازات بتعز، قرارا بفصل خمسة موظفين تمت إدانتهم بعد تقدم مراجعين بشكاوى اتهموهم فيها بأخذ مبالغ تفوق السعر الرسمي للجواز، قائلا لـ"العربي الجديد": أحد المواطنين تقدم بشكوى ضد موظف بأنه أخذ منه 50 ألف ريال يمني (95 دولارا) على الجواز، وتم التحقيق مع الموظف ثم فصله من العمل بعد ثبوت إدانته.

 

وتعاقب المادة 154 من القانون رقم (12) لسنة 1994 بالحبس مدة لا تزيد على ثلاث سنوات كل من عرض على موظف عام عطية أو مزية أو وعدا بها لأداء عمل، أو للامتناع عن عمل إخلالا بواجبات وظيفته ولم تقبل منه، أما إذا كان العمل أو الامتناع حقا فيعاقب بالحبس مدة لا تزيد على سنة، أو بالغرامة.

 

وتنص المادة 155 من ذات القانون، على أنه يعتبر راشيا كل صاحب مصلحة عرض على موظف عام رشوة على نحو ما هو مبين في المواد السابقة ويعتبر وسيطا كل من عاون الراشي والمرتشي بأية طريقة كانت على ارتكاب جريمة رشوة وكان عالما بها ويعاقب كل منهما بنفس العقوبات المقررة للجريمة التي اشترك فيها. وتنص المادة 156 من ذات القانون على أنه "يعاقب بالحبس مدة لا تزيد على ثلاث سنوات كل شخص عين لقبض الرشوة دون أن تتوفر فيه صفة الرائش إذا كان عالما عند قبضها بأنها رشوة".

 

حرمان المرضى من العلاج

تسببت عملية السمسرة بالجوازات، والفوضى المصاحبة لصدور قرار رفض الجوزات الصادرة عن مناطق سيطرة الحوثيين، في حرمان فئات متعددة من الحصول على الجواز، ومن أبرزهم المرضى، كما هو الحال مع الثلاثيني أنور الشرعبي، الذي اضطر لدفع 500 دولار، للحصول على جواز سفر عبر سماسرة في فرع المصلحة بمحافظة تعز، حتى يتمكن من نقل والده الذي يعاني من مشاكل مرضية في الكبد إلى الخارج، بعد أن نصحه الأطباء بضرورة ذلك وخطورة تأخر علاجه، لكنه لم يتسلم جواز سفر والده حتى الآن كما يقول لـ"العربي الجديد"، بالرغم من تخصيص فروع مصلحة الجوازات في مناطق الشرعية دفاتر جوازات للحالات الطارئة، مثل الطلاب الدارسين في الخارج ومن لديهم إقامات منتظرة والمرضى الذين يحتاجون للعلاج في الخارج، بحسب إفادة بلحاف مدير عام الجوازات بمحافظة المهرة، لكن 10 من ذوي المرضى، بينهم أنور أكدوا عدم تفعيل هذا القرار، ورد الموظفون عليهم، بأن المعاملة ستتم عندما تتوفر دفاتر الجوازات دون تحديد موعد لذلك.

 

كيف يمكن القضاء على السمسرة؟

ينصح مساعد رئيس مصلحة الهجرة والجوازات، عبدالجبار سالم، المواطنين بعدم التعامل مع سماسرة الجوازات الذين يستغلونهم، إذ رصد حالات لم يقوموا حتى بالتقدم بالمعاملة لمن دفعوا لهم المال في مقابل الحصول على الجواز، بل تهربوا منهم ولاحقا غيروا أرقام هواتفهم واختفوا، قائلا لـ"العربي الجديد": عندما يأتي شخص إلينا ونبحث عن معاملته لا نجد أي ورقة تخصه تم تقديمها. ويؤكد سالم سعيهم لاتخاذ إجراءات لوقف ظاهرة السمسرة، مشيرا إلى أهمية حضور طالب الجواز إلى فرع المصلحة، وفي حالة وجود ظروف قاهرة تمنعه، عليه أن يقوم بتوكيل رسمي لأحد أقاربه وألا يتعامل مع أي سمسار.

 

ويتفق الدكتور العبدلي مع الرأي السابق ناصحا المواطنين ممن جرى استغلالهم بالتقدم بشكوى تتضمن اسم الموظف الذي تعامل معه للحصول على جواز سفر برسوم غير قانونية بشرط إثبات أن الواقعة حصلت فعلا، قائلا: سنقوم بالتحقيق مع الموظف وفي حال ثبتت صحة الشكوى بالتأكيد سنتخذ الإجراءات المناسبة.