آخر تحديث :الأربعاء-24 أبريل 2024-09:42ص

ملفات وتحقيقات


تقرير: الصراع المؤجّل.. هل أطـلَّ برأسه؟!

الإثنين - 25 مارس 2019 - 07:14 م بتوقيت عدن

تقرير: الصراع المؤجّل.. هل أطـلَّ برأسه؟!

عدن (عدن الغد) خاص:

كتب: صلاح السقلدي

 

نتعمّــد أحياناً أن نفهم بعض الأمور فهماً خاطئاً لئلا نصطدم بالحقيقة وتتسرب آمالنا من بين أصابعنا،وهذا هو الفشل ومخادعة النفس بعينه...فما تشهدهُ المحافظات المعروفة بالمناطق المحررة ومنها الجنوب مِــنْ توترات واشتباكات عسكرية ومعارك إعلامية مستعرة وتصريحات سياسية حادة بين القوى السياسية والوحدات العسكرية والأمنية والجماعات المسلحة المتعدة الانتماءات والولاءات الداخلية والخارجية هي نتيجة متوقعة الحدوث، ليس من اليوم  ولا حتى مِن قبل عام، بل منذ بداية هذه الحرب التي تطوي اليوم عامها الرابع  بحكم الخليط السياسي والفكري والايدلوجي والاقتصادي والاجتماعي الغير متجانس، بل والمتصادم داخل هذه الجبهة، نقصد الجبهة  العريضة التي تضم عدد من قوى بالشمال والجنوب المناوئة للحركة الحوثية وقوات الرئيس السابق صالح، ولكن لم نكن نتوقع حدوث هذا الصدام  بهذه السرعة وقبل هزيمة الطرف الآخر وقبل سقوط صنعاء" السقوط الافتراضي طبعاً" الذي يبدو اليوم بعيد الحدوث، فقد كانت توقعاتنا أن تصمد هذه التوليفة ويتأخر الصدام  المتوقع الى ما بعد انتهاء الحرب ولو بفترة وجيزة على الأقل، ولكن توقعاتنا كانت خائطة، وحدث الصدام بوقت أسرع مما توقعنا بكثير.!

 

        فالمعسكر الواسع الذي يضم : الشرعية وقواها المتعددة والقوى الجنوبية والتحالف والجماعات الجهادية وبرغم ما   يحتوي داخله من خلطة سياسية مفخخة -ضمت الشامي مع المغربي كما يقال – إلا أنه بدأ متماسكاً الى حدٍ كبير  بعامه الأول حين  كان يخوض حربه بالساحة الجنوبية، وحين كانت القواسم المشتركة ما تزال تجمعه  بالحد الذي يمكنه  أن يتشكل في قالب إعلامي وسياسي واحد، ويتخندق بخندق عسكري مشترك، ولكن بدأت تتفكك  حجارة جدرانه مبكرا، وترتخي عروته سريعاً بمجرد أن فرغتْ هذه القوى من حسم الأمور عسكريا بالجنوب ومن حين بدأت الأبصار على إثر هذا الوضع تشخصُ شمالاً وتترقب الدور الذي ستضطلع به بجبهات الشمال أكبر القوى الشمالية في الشرعية المنضوية تحت مظلة هذا التحالف ونقصد" حزب الإصلاح" - وهو الحزب الذي يتمتع بدهاء سياسي لا نظير له- يقوم بالدور العسكري شمالاً على غرار الدور الذي اضطلعت به القوى الجنوبية بالجنوب" المقاومة الجنوبية وبعض قوى الحراك الجنوبي"، ولكن شيء من هذا التعويل لم يحدث أو على الأقل لم يحدث بالصورة التي انتظرها التحالف من حزب الإصلاح الذي من المفارقات لا ينفك التحالف من أن ينعته  بتهمة الإخوانية، ليكتشف أي التحالف أنه وقع في خديعة من العيار الثقيل، وأنه استند على جدار مائل، وعلى قاعدة بيانات مضللة ومغلوطة ، راهن على ضوئها على حسم الحرب  مبكرا من وسط صنعاء بمجرد أول ضربة طيران تنتفض معها جموع القبائل هناك قبل عدن وتعز يتم بعد ذلك حسم الحرب كلياً بأسابيعها الأولى أو بأشهرها الأولى –كأسواء الافتراضات-، ولمّا لم يحدث هذا شرعَ التحالف للملمة شتاته متوجهاً صوب الجنوب  كأضعف حلقة في حلقات القوات الحوثية والصالحية المندفعة لتوها جنوبا، ليعوض  خيبته بالشمال. وبالفعل كان له أي التحالف بالجنوب ما أرادَ، وسجّــل نصراً عسكريا بدماء جنوبية كان هذا" التحالف" بمسيس الحاجة إليه أمام العالم  ليخرجه من مأزق وورطة عميقة حين جرت الأمور العسكرية بمصلحته بعدن وبعموم الجنوب بالطريقة الدراماتيكية المتسارعة التي شاهدناها جميعاً.

وعلى إثر تلك الخيبة التي تلقاها التحالف من حزب الإصلاح ومن خيبة ظنه بانتفاضة شمالية عارمة ظلت كرة ثلج الشك والريبة تكبر وتتدحرج فوق رؤوس الجميع، وبالذات بين التحالف والإصلاح بعد أن أضمحل - أو أوشك - خيط الثقة الرفيع بينهما، خصوصا بعد تفجر الأزمة السياسية الخليجية بين قطــر من جهة والسعودية والإمارات من جهة ثانية. لنكتشف سريعا أننا أمام ائتلاف هو أشبه بكرة قش متماسكة الخارج مفككة الداخل.

 

      وعطفاً على هكذا ائتلاف داخلي وخارجي متنافر رخو، وعلى هكذا علاقة مهترئة ,وحالة ثقة تراوح تحت درجة الصفر، فلا غرو أن نشهد اليوم  وضع مضطرب ومتفجر كالذي نشاهده بكل الإرجاء في عدن وشبوة وحضرموت وتعز والضالع وأبين والجوف، فالجميع و في لحظة زمن مباغتة  وقف على أرض رخوة، واستمسك بنسيج هش، ليقف أمام  خصم شديد المراس برغم حشره بالزاوية إلّا أنه أستطاع أن يهتك نسيج هذه الجبهة العريضة المتسلحة بكل أسباب القوة وبسند الدعم السياسي الدولي الغير محدود لينسفها بعبوة اسمها إطالة أمد الحرب وتوظيف خلافاتها والمساهمة بزيادة الشقة فيها واستغلال تفاقم  حالة الريبة داخل هذه القوى المحلية والإقليمية .

 ففي الجنوب  من المنطقي أن يرتاب الجنوبيون وبالذات قواه المتمسكة بالقضية الجنوبية من تثاقل حزب الإصلاح بجبهات الحرب بالشمال ومن توجيه فوهة  اهتماماته جنوباً، ويتوجس من حالة التسمين والتعزيز التي يقوم بها هذا الحزب لنفسه  بالمال والسلاح والتغلغل بمفاصل المؤسسات واستحواذه  على أهم المواقع  المناصب تفرده  بالقرارات الرئاسية والحكومية، في ذات الوقت الذي لا يدخر  فيه" الإصلاح" جهدا لتقويض حركة القضية الجنوبية وقواها الفاعلة وبالذات بعد ظهور المجلس الانتقالي الجنوبي على الساحة. وعلى خلفية هذا الوضع المحموم شاهدنا جولات من الصراع العسكري بين المعسكرين" الشرعية والانتقالي الجنوبي" في يناير من العام قبل الماضي . وما يدور اليوم -وما قد نشاهده غدا- من سجال وتوترات مسلحة أو جماهيرية في عدن وبعض محافظات الجنوب هو قطعا نتاج لصراع مشاريع سياسية متضادة وأن تم إلباسها جلابيب أخرى، ونتاج طبيعي لحالة لسيادة منطق الخداع والفهلوة ولغياب التسوية السياسية الشاملة للأزمة اليمنية, وتمنُّــع قوى داخلية وخارجية حل القضية الجنوبية بإرادة شعبية جنوبية واصرارها عوضا عن ذلك على تمرير مشاريع سياسية  قديمة تجاوزتها المرحلة وسحقتها جنازير الدبابات.

 

    وفي تعز والجوف وبعض المحافظات الشمالية التي يتواجد بها الإصلاح بمعية قوى شمالية أخرى نرى الحالة مشابهة لما هو في الجنوب بل اشد قتامة وخطورة برغم توافق المشاريع السياسية فيما بينها الى حدٍ يمكن القول باطمئنان أن ما يجمعها من أهداف أكثر مما يفرقها، ومع  ذلك- وبشكل يثير الغرابة- فالصراع العسكري والأمني هناك على أشده من الدموية والصدام بين قوى من المفترض انها تقف بجبهة واحدة ،- فما يدور اليوم في مدينة تعز هو صورة جلية لوضع مسموم ومريع يشي بمرحلة  قادمة عصيبة. ولكن حين نتذكر أن جوهر الأزمة اليمنية منذ عام 2014م وما قبل هذا التاريخ – هو بالأصل صراع سلطة لا صراع على بناء وطن ودولة، وصراع طغيان فكر الاستحواذ والهيمنة الذي يتملك كل الأطراف هناك فأن ما نراه هو منطقي أن يحدث , بل ومتوقع حدوث ما هو أفظع منه في قادم الإيام أن ظل الوضع يراوح مكانه من طول الحرب ومن انسداد أفق التسوية السياسية للأزمة اليمنية واستمرا تمزق الممزق الى حد التفتيت وتضخم حالة فقدان الثقة بالآخر.

 

    يقول البعض أن التحالف" السعودية والإمارات" هو أكثر الأطراف المستفيدة من  الصراع الداخلي  المحتدم اليوم باليمن سواء بين قوى الشمال مع بعضها بعض ومع الجنوب, وبين قوى الجنوبية مع بعضها بعض, وبين القوى الشمالية والجنوبية، وأنه أي التحالف مستفيدا من انشغال الجميع بالجميع ليتنسى له اهتبال الفرصة لترسيخ وجوده العسكري والسياسي بسهولة بعيداً عن صداع الإعلام وزوابع الاعتراضات والاحتجاجات في المهرة وسقطرة والحُــديدة وغيرها من المحافظات ،ففي هذا القول شيء من الصحة  الى أبعد الحدود, ولكن بالمقابل فأن رسم صورة مشوهة لليمن أمام العالم يعني بالضرورة فشلاً صريحاً للتحالف على كل المستويات والصُــعد، كما أن مُضي اليمن نحو اضطرابات وتباينات حادة وشاملة تتجاوز السقف الذي يرسمه ويشجعه  التحالف  للمتصارعين  من خلف الحجب - سيكون حائلاً أمامه من تحقيق أهدافه وتطلعاته التوسعية ومنها بالتأكيد الحضور العسكري والنفوذ السياسي في المدن الرئيسية  والجزر والموانئ، الموانئ التي يتطلع  التحالف -والسعودية تحديداً- أن يطل من خلالها على بحر العرب كنقاط تصدير لنفطه باتجاه الأسواق العالمية. وبالتالي فالتحالف سيحرص على إبقاء الأوضاع شمالا وجنوبا في حالة لا استقرار كامل الى درجة أن تستعيد كل القوى توازنها وتلتفت لمصالحها وللتوسع الخليجي المتنامي, ولا انهيار شامل الى درجة أن يفقد معه التحالف مكاسبه العسكرية والسياسية المحققة، وتطلعاته الاقتصادية  المرجوة.. بمعنى أوضح فأن الوضع المناسب للتحالف هو يمن بين بين.!