آخر تحديث :الخميس-28 مارس 2024-06:28ص

ملفات وتحقيقات


(تقرير).. قصة مهندس وطبيب من تعز اجبرتهما الحرب في الالتحاق بجبهات البقع

الثلاثاء - 19 مارس 2019 - 06:17 م بتوقيت عدن

(تقرير).. قصة مهندس وطبيب من تعز اجبرتهما الحرب في الالتحاق بجبهات البقع

تقرير / حسان ياسر:

إلى ما وراء الحدود، يسافر الآلاف من الشباب كرهاً، للبحث عن فرصة أخيرة يؤمّنون فيها حياة أسرهم البائسة.

 

مئات المجندين، في صفوف القوات الموالية للشرعية، وأخرين غير مجندين غادروا جبهات تعز، التي ظلوا مرابطين فيها منذ قرابة أربعة أعوام، إلى جبهات الحدود السعودية، المتاخمة لصعدة وميدي.

 

الأمر ليس مقصورا على المجندين فقط فهناك مهندسين وأطباء ومعلمين التحقوا بجبهات البقع وميدي

 

تختلف حكايات وقصص هؤلاء الشباب والمجندين لكن أغلب النتائج تظل متشابهة  إما قتلى أو مجهولي المصير أو معوقين.

 

أغلقت الحرب المستودع والعيادة

"خ.ا"  ,  "ر.ا"  مهندس وطبيب من أبناء  محافظة تعز، الأول مهندس زجاج  كان يملك مستودعا للزجاج في شارع الستين بالعاصمة صنعاء، وبعد عام من بداية الحرب اضطر الى اغلاقه والعودة إلى قريته ,فيما الأخر مساعد طبيب عمل في مستشفيات عدة , ومؤخرا عمل لدى إحدى العيادات القريبة من منطقته وعند انطلاق شرارة الحرب اضطر مالك العيادة الى تقليص عدد المختصين , فحاول الطبيب البحث عن عمل لدى عدد من المستشفيات والمنظمات في كلآ من محافظات  "تعز - إب - عدن -  مأرب" إلا أنه لم يجد الى العمل سبيلا .

 

الطبيب يستحدث صيدلية في القرية داخل مدرسة حولتها الحرب إلى ملجأ للنازحين

بداية 2016 العام الثاني من عمر الحرب ومع استمراره في البحث عن عمل ' استحدث مساعد الطبيب  صيدلية صغيرة داخل غرفة مدرسة للبنات حديثة البناء تم اكتمال بنائها في العام 2013 فحولتها الحرب إلى ملجأ يأوي عشرات الأسر من النازحين الذين شردوا من منازلهم.

 

المدرسة تتوسط عشرات القرى المشتتة في المنطقة, وعلى أحد جدران غرفة الإدارة يوجد 3 رفوف بطول حوالي مترين تحوي أنواع من الأدوية والمستلزمات الطبية, وفي الزاوية طبيب يقدم خدمة للمواطنين منذ السابعة صباحآ وحتى العاشرة مساء ,وأحيانآ يبيت في الصيدلية, وغالبآ ما يأتي طارئ في ساعات متأخرة من الليل الى منزله إما طفلآ بين أحضان والده في حالة تشنج عصبي وحرارته مرتفعة, أو مواطن آخر ولده يعاني من اسهال وصراخ  شديدين' فيما شخص زوجته ولدت قبل ساعة بحاجة الى علاج لإيقاف النزيف,ولم يكن حينها يملك قيمة إبرة واحدة, في الوقت الذي تكون فيه العيادات والصيدليات الكائنة في الأسواق البعيدة من المنطقة مغلقة.

 

,أيآ كان الأمر وبدافع انساتي بحت ينهض "ر.ا" من نومه  ذاهبآ الى الصيدلية لخدمة الناس , 3 اعوام من عمر الحرب قضاها  في خدمة أهالي المنطقة ومقابل ذلك كان يحصل على عائد مالي لا يكاد يغطي الاحتياجات الضرورية لعائلته' بقدر مايعد عمله كفاح من أجل البقاء ,أملآ أن تضع الحرب أوزارها لتعود الحياة.

 

تراكمت الديون ورفوف صيدليته خاوية من العلاج

نهاية العام الماضي تراكمت عليه الديون في الصيدليات لاقتراضه علاج آجل, بينما هو لا يستطيع اعادة طفل يعاني المرض دون علاج, وخاصة الأطفال الذين تعاني أسرهم الفقر وقلة الحيلة.

 

اطفال الطبيب ال 8 يحتاجون للرعاية, رفوف صيدليته خاوية, وأبواب العمل موصدة أمامه والوضع المعيشي يزداد سوء كل يوم, في الوقت الذي يشاهد فيه أطفال وشباب المنطقة يغادرون للقتال الى ما وراء الحدود ويتسلمون رواتب شهرية مغرية.

 

في المقابل يعرف الطبيب  تمامآ أن "ر.م" أحد شباب القرية المجندين في الحدود استطاع  بناء منزلآ شعبيآ مقابل تعرضه لإعاقة في إحدى رجليه  ,فيما. "ع .ا"  هو الآخر شابآ اشترى ارضية وبدأ بأعمال البناء قبل أن يتم خلع كتفه الأيسر ليصبح بكتف واحد , كما يعرف تمامآ أن الطفل " ع .ح" وحيد أسرته ذو ال14 ربيعآ الذي عاد الى القرية فارآ من أرض المعركة في ميدي  معلنآ الارتباط والزواج يعاني كابوسآ خلال الليل يملئ منزله بالصراخ والبكاء معآ بينما يكون نائمآ جوار زوجته ولن يصحى إلا وهو في حضن أمه إلا أنه خلال الصباح يصبح متنكرآ حالته رافضآ زيارة الطبيب.

 

مساعد الطبيب يعرف الكثير أيضآ عن ضحايا  محارق الحدود من أهالي المناطق المجاورة  وطرق القتل البشعة التي يتعرضون لها هناك,لذلك كان  يرى أن ذهاب شباب المنطقة الى الحدود يعد انتحارآ, لكن ما حدث بعد ذلك شيئآ آخر.

 

المهندس لم يحصل على علاج لطفلته من صيدلية الطبيب

مساء 30 نوفمبر الماضي قدم المهندس "خ.ا" الى صيدلية الطبيب "ر.ا" خلال المساء مستقلآ دراجة نارية لشراء العلاج لإحدى طفلتيه بعد شرحه لحالتها إلا أن العلاج لم يكن متوفرآ , اقترب من رفوف الصيدلية وتحسس اقراص  العلاج للتأكد فإذا بها فارغة, وردآ على سؤاله لماذا؟ أخبره صديقه الطبيب أن قيمة العلاجات دين لدى المواطنين, وأنه لم يعد قادرآ على الاستمرار واتفقا على الجلوس معآ  ظهر اليوم الثاني لمناقشة وضعهما المزري والبحث عن حلول.

 

 التقى المهندس والطبيب ظهيرة 1 ديسمبر وكانت فكرة المغادرة للالتحاق بجبهات البقع الحدودية هي الخيار الوحيد , وبعد 3 أيام غادرا المهندس الأربعيني والطبيب الثلاثيني قريتيهما  للالتحاق بجبهات الحدود وبحوزة المهندس 3 جرام ذهب ملكآ لزوجته لدفع تكاليف سفره وصديقه, وبعد 20 يومآ  من وصولهما منفذ الوديعة دخلا ضمن دفعة قوامها 280 مجند الى منطقة البقع،  تاركين خلفهم 13 طفلآ وطفلة وزوجتين وحيدتين.

 

الطبيب تأبط شهائده الجامعية والمهندس مقتنع أن مهنته غير مجدية

الطبيب كان أملآ أن يحصل على وظيفة في الاسعافات الأولية كونه لديه خبرة في الجراحة, لذلك تأبط شهائده الجامعية إضافة لشهادات الخبرة ،فيما المهندس كان يعرف في قرارة نفسه أن مهنته غير مجدية في جبال وصحاري الحدود ،لا سيما كونه يعرف مسبقآ أن غارات طيران التحالف بقيادة السعودية سبق أن حطمت أعمال  مشروع زجاج مطار صنعاء الدولي الذي كان يشرف على تنفيذه شخصيآ ,ولم تسمح له باستكمال تنفيذ المشروع حتى النهاية.

 

 مصدر عسكري تحدث ل" عدن الغد" أن  المهندس والطبيب وصلا منطقة البقع ، ضمن الدفعة التي تم ضمهما إلى أحد الألوية العسكرية ، مشيرآ إلى أن الطبيب قام بتقديم شهائده  للحصول على عمل ضمن فريق اللجنة الطبية في اللواء وتم استيعابه ضمن الفريق الطبي , في الوقت الذي أشار  فيه المصدر إلى  أنه أثناء ماكان الطبيب يقوم بمزاولة مهامه في إحدى النقاط الطبيةالتابعة للواء كان  العديد من الضباط والعسكريين لا ينفكون أن يحدثوه بين كل لحظة وأخرى بالقول  " أنت ماشاء الله عليك جسدك ملائمآ للضرب بالمعدل" وكان احد العسكريين يلح على تسليم الطبيب معدل شيكي لتجريب اطلاق النار إلا أنه كان يرفض ذلك دومآ",

 

أما بخصوص المهندس "خ.ا" قال المصدر أنه تم توزيعه مباشرة في إحدى الكتائب دون خضوعه لأي تدريبات عسكرية وكان يؤدي الخدمة في العديد من المواقع العسكرية منها مواقع في الخطوط الأمامية.

 

انفجار لغم أرضي بعد عامين من تحرير المنطقة

وأوضح المصدر أنه خلال مساء 19 فبراير الماضي  بينما كانا المهندس والطبيب ماران مشيآ على الأقدام بجانب خط الاسفلت بمنطقة مندبة بعد أن تناولا وجبة العشاء سويآ في بوفية شعبية بالسوق وقبل أن يذهب المهندس لاستلام الخدمة في أحد المواقع العسكرية فيما الطبيب كان في طريقه للمبيت  لدى احد اصدقاءه في السوق  جاءت ناقلة محملة بوجبة عشاء أفراد إحدى الجبهات خرجت الى الطريق الفرعي وانفجرت  ما أسفر عن مقتل السائق وتطاير جزء من حطام الناقلة على جسدي المهندس والطبيب وتم اسعافهما الى مستشفى ظهران الجنوب,وهما في حالة غيبوبة,مشيرآ إلى أنه تبين لاحقآ أن سبب الانفجار لغمآ ارضيآ مزروعآ بجانب الطريق بعد عامين من السيطرة على المنطقة وفرار مسلحي جماعة الحوثي منها.

 

جثمان المهندس ابتلعته الصحراء وجسد الطبيب يعاني فقدان الحياة

وأضاف المصدر في سياق حديثه أنه في اليوم الثاني تم نقل المهندس " خ .ا" الى مستشفى سيرت عبيدة في منطقة خميس مشيط لخطورة اصابته كونه تعرض  لنزيف في الرئة والدماغ، وبعد مرور 5  أيام فارق الحياة  قبل أن يفيق من غيبوبته,محتفظآ بشيك استلام أول راتبآ له في جيبه،بيما الطبيب صحى من الغيبوبة بعد مرور 3 أيام لكنه لا يزال غير قادرآ على الحركة إلى حد اللحظة, كونه مصاب بكسر في الفخذ الأيمن وكسر آخر في الحوض إضافة إلى إصابته في الصدر.

 

المصدر أكد أنه تم الاكتفاء بربط رجل الطبيب المصاب بثقاله واعطاءه المهدئات لأكثر من 20 يومآ  بحجة أن مسامير العملية غير متوفرة في المستشفى, وفي 11 مارس الماضي تم اجراء عملية تثبيت عظام الفخذ الأيمن بعد شرح معاناته لأحد القادة العسكريين الذي قدم لزيارة افراده في المستشفى.

 

جثمان المهندس ابتلعته الصحراء دون مراسيم, فيما الطبيب وإلى جانب معاناته أوجاع إصاباته وحيدا, دخل مؤخرا في حالة انهيار نفسي بعد أن أخبرته طبيبة في المستشفى بأن نسبة إعادة عضوه الذكري للخدمة ضئيلة جدا.