آخر تحديث :الثلاثاء-19 مارس 2024-07:51ص

ملفات وتحقيقات


75 الف امرأة حامل معرضن لمضاعفات اثناء الولادة.. الناسور الولادي.. يغتال الامهات

الإثنين - 18 مارس 2019 - 08:59 م بتوقيت عدن

75 الف امرأة حامل معرضن لمضاعفات اثناء الولادة.. الناسور الولادي.. يغتال الامهات

تقرير/هشام المحيا

قبل زواجها  بأشهر قليلة لم تكن الطفلة فردوس مهيوب - ذات السادس عشر ربيعا-  تدرك ان عقارب طموحها  تسير بصورة عكسية، بل لم تكن تعلم ان ما استثنته من لوحة احلامها في مرحلتها العمرية تلك - الزواج- هو فقط ما سيتحقق وأنه سيكون اخر مشوراها في هذه الحياة..    فالطريق الذي قادها الى نهايتها المؤلمة هي ذات الخصال التي فرحت بها، فذكائها وجمالها وحسن طباعها جعلها مرشحة بقوة للزواج رغم صغر سنها  ، لتجد نفسها امام حياة مغايرة لتلك التي رسمتها في مخيلتها، وبعد تسعة اشهر من زواجها حان وقت ولادة، وكغيرها من الامهات خالجتها فرحة بقدوم هذا المولود غير ان القدر بخل عليها بهذه الفرحة الصغيرة، إذ تعسرت ولادتها وعاشت مخاضا عسيرا ادى الى اصابتها بمرض الناسور الولادي  لترحل الفتاة الصغيرة عن عالمنا دون وداع ودون فرحة أيضا..وهي اذ ترحل هكذا فإنها ليست الوحيدة في هذا الوطن المكلوم اصلا، فهناك الكثير والكثير أمثال حالتها لم تر قصصهن النور لأسباب كثيرة معضمها غير واقعية او حتى منطقية. 

 

احدى قريبات فردوس كانت حاضرة  في المشهد الاخير من حياة الطفلة فردوس منذ تعسر ولادتها مرورا بإسعافها الى المستشفى وانتهاء باللحظات الاخيرة لحياتها هناك.. 

-وحسب تلك المرأة التي فضلت عدم ذكر اسمها - تعسرت ولادة   فردوس حيث بدأت مخاظها منذ الليل واستمرت تعاني وحيدة دون تقديم أي اسعافات لها حتى  قدوم إحدى قابلات الخبرة في القرية صباح اليوم.. مشيرة الى ان هذه القابلة ضلت  تحاول توليدها منذ الصباح وحتى غروب الشمس، ورغم خروج الجنين سليما الا انه سبب مضاعفات كثيرة للام الوليدة ليتم اسعافها عقب الولادة بساعة تقريبا  الى مستشفى الثورة بتعز الذي يبعد عن منزلها الكائن في اعلى جبل صبر الموادم اكثر من 15 كليو مترا.. وتضيف " رغم محاولات الاطباء انقاذ حياتها الا انهم فشلوا في ذلك"... معللة  توليد اغلب النساء في منازلهن - وعدم الذهاب بهن الى المسشفيات الا في حالة تدهور وضع الوليدة - بالحالة المادية الصعبة للاسر . فحد قولها تتطلب الولادة في المستشفيات مبالغ مالية باهضة تتجاوز احيانا المائة الف ريال. 

 

 

 

ضحية جهل

 

ووفقا لتوصيف شقيقها" رفيق" فقد كانت لحظات فردوس الاخيرة هي الاكثر حزنا... فقبل ان تلفظ انفاسها الأخيرة  تشبثت بيده ، مخاطبة إياه بلهجتها الدارجة وعيناها مغرورقة بالدموع " يا اخي  ما اشتيش اموت " ، فكتم  انفاسه بصعوبة وتراجع خطوات قليلة الى الخلف قبل تخونه قدماه وتفترسه مشاعر القهر على حال شقيقته ليسقط مغشيا على الأرض ، ولم يفق من غيبوبته الا وقد غادرت هي الحياة، تاركة ورائها طفلها البكر يتيما وأهل  لن تمحى من ذاكرتهم طيف طفلتهم المرحة الجميلة التي علموا لاحقا  انهم كانوا احد اسباب موتها بتزويجهم اياها قبل ميعاد الزواج.

وحول الاعراض التي ظهرت على شقيقته يقول رفيق  انه لاحظ - قبيل وفاتها - انتفاخا كبيرا في بطنها،  وهذا ما تؤكد الابحاث والدراسات  الطبية انه أبرز أعراض الناسور الولادي، حيث تشير تلك الدراسات ان انتفاخ البطن او ما يسمى    بالتطبل "امتلاء البطن بالغازات" ، سلس البول أو البراز يعد من ابرز اعراض الناسور الولادي .. وفي السياق ذاته اكد تقرير الوفاة للفتاة أن تعسر ولادة الفتاة وتأخرها لأكثر من 20 ساعة منذ بدء المخاض سبب لها انتفاخا شديدا في البطن ومشاكل في الانسجة الرخوة وإلتهابات شديدة في المهبل   نتيجة الضغط المتواصل من رأس الطفل على الحوض، الامر الذي أدى إلى وفاتها

 

 

 

 

 

أسباب 

 لم تكن فردوس هي الضحية الوحيدة التي افترسها الناسور الولادي الذي يعد الزواج المبكر احد اسبابه الرئيسة وفقا لمتخصصين.. إذ أوضح تقرير صحفي أنفوجرافيك صادر عن شبكة صحافة البيانات في اليمن في أخر نوفمبر الماضي، عن وضع المرأة اليمنية أثناء الحرب بأن عدد النساء اللاتي في سن الانجاب (15-49) باليمن يبلغ 3.25 ملايين امرأة تقريبا ،  منهن 1.1 مليون امرأة حامل يعانين من سوء التغذية فيما تتعرض ما يقارب 75 الف امرأة حامل لمخاطر ومضاعفات أثناء الولادة... هذا وتؤكد احصائيات لمنظمات دولية تسجيل اليمن لأعلى معدلات وفيات الامهات بعد الولادة في المنطقة، وذلك بمعدل 148 حالة وفاة من 100 الف ولادة  

وفي سياق متصل اظهرت دراسة - صدرت قبل سنوات عن مركز الرصد والحماية في منظمة سياج للطفولة، أن ما لا يقل عن 60% من الفتيات اليمنيات يتزوجن قبل بلوغ الثامنة عشرة من عمرهن، في حين تتزوج أخريات بنسبة تراوح ما بين 30% و 40% قبل بلوغهن 15 عاماً.

 

وبحسب الدراسة فإن هذا التزويج منتشر بشكل أكبر في الريف، الذي ينتمي إليه نحو 70% من إجمالي سكان اليمن، البالغ نحو 27 مليون نسمة وفقا للاسقاطات السكانية،  فيما أوردت دراسة ميدانية أعدها مركز دراسات المرأة والتنمية في جامعة صنعاء أن 52% من الإناث تزوجن قبل سن الـ15. وأظهر المسح القاعدي لعام 2000 أن 24.6% من النساء الريفيات في اليمن تزوجن بين سن الـ10 والـ14 عاماً.

ويقدر بأن هناك أكثر من مليوني امرأة في أفريقيا جنوب الصحراء وآسيا والمنطقة العربية وأمريكا اللاتينية والكاريبي، يتعايشن مع الناسور، فيما هناك ما بين 50,000 إلى 100,000 حالة جديدة تظهر سنويا. 

نتائج 

 وقالت الدكتورة اسماء فاضل اخصائية نساء وولادة ان الناسور الولادي هو أحد الإصابات الخطيرة والمأساوية التي تحدث أثناء الولادة حيث يؤدي الى تسرب البول والبراز نتيجة تمزق الانسجة فيها...مشيرة الى ان هذه الحالة تنجم   عن الولادة المتعسرة والمطولة.. ولفتت فاضل الى ان عدم حصول المصابة على العلاج بشكل عاجل فإنه يسبب لها مرضا مزمنا يقود الى نبذها مجتمعيا في الكثير من مناطق اليمن وفقا للعادات والتقاليد الخاطئة  او قد يؤدي الى وفاتها. 

معالجات 

  ولأن القطاع الصحي في اليمن يعاني من مشاكل كثيرة خصوصا خلال مرحلة الحرب هذه، فقد ساهم صندوق الأمم المتحدة للسكان في تأسيس وحدتين لعلاج الناسور الولادي في صنعاء وعدن ...وبحسب تقارير صحفية فقد أجري خلال الفترة القليلة الماضية  28 جراحة ناجحة ومجانية لعلاج الناسور في مستشفى الثورة في صنعاء، فيما سجلت جراحات الناسور  في عدن نجاحا بنسبة 90 في المائة.. وفي السياق ذاته، أنشأ  صندوق الأمم المتحدة للسكان   شبكة تضم المتطوعين المجتمعيين والقابلات وخبراء الصحة الإنجابية والنواسير الولادية  في غالبية المحافظات لمساعدة النساء اللواتي يعانين من الناسور على الحصول على الخدمات داخل وحدات معالجة الناسور الولادي. 

حلول 

كما ان الناسور الولادي يعد مشكلة صحية كبيرة في اليمن، فإن الجهل به يعد مشكلة اكبر، إذ يجهل غالبية السكان خصوصا قاطني الارياف منهم أسبابه ونتائجه بل وحتى اعراضه، الامر الذي يؤدي الى ارتفاع عدد الضحيات، وبالتالي يتوجب على المنظمات الدولية والمحلية عمل حملات توعوية للتعريف بالمرض وطرق الوقاية منه وأساليب التعامل معه في حال الاصابة به، وقبل ذلك إنشاء وحدات طبية متخصصة في كل المحافظات لتقديم العلاج و الرعاية للمصابات بالمرض.