آخر تحديث :الجمعة-19 أبريل 2024-08:12م

أدب وثقافة


من يعوضني في خسارتي(قصة قصيرة)

الإثنين - 18 مارس 2019 - 10:16 ص بتوقيت عدن

من يعوضني في خسارتي(قصة قصيرة)

عدن(عدن الغد)خاص:

كتب/ همام عبدالرحمن باعباد:

ترقرق الدمع في عينيه وسال على خديه حتى اخضلت لحيته التي اكتست باللون الأبيض مثلما اكتسى رأسه بالشيب، فيما أخذت التجاعيد تنتشر في أجزاء وجهه بكثرة كما بدت العروق أكثر بيانا مما سبق ولعل وقع الخبر وسرعة الأحداث التي أحاطت به قد أسهمت في وجود كل ذلك وتشكل معالم الشيب بسرعة فائقة، بعدما كان يرى إن فجرا جديدا يحمل رغد العيش والحياة السعيد سيأتي قريباً  ولم يعد ما يحجبه سوى بقايا غبش سرعان ما تنقشع وتكون الحياة أفضل مما سبقها فما هي إلا أيام حتى يودعها إلى غير رجعة؛ فقد بدت في ناظريه ملامح الوجه الأحسن للحياة ترتسم في الأفق القريب ولم يعد هناك من بعيد سوى انقضاء تلك الساعات المعدودة، وكم هي قليلة إذا ما قورنت بسنين طويلة قضاها مثل غيره يرجو زوالها ويطمح إلى إصلاح الحال.

كان للشحن النفسي والتعبئة الكبيرة أثر كبير عليه مثل غيره؛ فكان يرى روحه الصغيرة في الأطفال الذين يجوبون الشوارع رافعين الإعلام ويرددون الشعارات الثورية التي صارت نشيداً وطنياً لدى المتبنين لها، كما يشاهد روحه الشابة تسكن في هؤلاء الشباب التي يخرجون اليوم مثلما خرج نظراؤهم بالأمس القريب مطالبين رحيل بريطانيا وكان هناك دافع يأخذه ليشارك في الفعاليات لكن تقدمه في السن وصعوبة الحركة يعيقانه عن ممارسة حياته النضالية التي صارت اليوم مجرد أحاديث عن الماضي الجميل الذي انصهر فيه الجميع داخل بوتقة واحدة وساروا لتحقيق هدف واحد تحت راية واحدة، وعندما تذكر الحاضر ورأى الرايات تختلف باختلاف المشاريع التي ربما ركزت بعضها على الكيد للأخ أكثر من الخصم فحصل بسببها التشتت والضياع وغياب التأثير  وانعدام المشروع أساسا، وكم كان يأسى من تصرفات البعض ممن يتصدرون العمل ولا هم لهم إلا الوجاهة واكتساب الزخم على حساب تضحيات الآخرين بل وعلى حساب قضيتهم التي يدعون بأنهم آمنوا بها ولن يحيدوا عنها قيد أنملة مهما بلغت التضحيات.

كانت هذه الخواطر تعبث بوجدان الشيخ المهيب وذهب في نوبة بكاء حارة عندما عاد ليعيش واقعه المؤلم، فكم هي كبيرة أن يخسر فلذة كبده في قضية غير واضحة المعالم، ولم يعد يعني له شيئا مجلس العزاء ولا فعالية التأبين فقد خسر ما لا يمكن تعويضه بـ مرثية شعرية أو خاطرة حزينة أو شعارات ثورية صاخبة في المهرجان سرعان ما تتلاشى بمجرد انتهاء المهرجان وكان أكثر ما حز في نفسه أن يرى بعضا من حراسات الفعالية والحضور يتعاطون القات، وكأنه يرى فيهم قتلة لولده الذي لقي حتفه في مسيرة ضد بيع القات، فكانت هذه صدمة أكبر من غيرها كان أن انهار يسببها وذهب في غيبوبة لم يصح منها إلا في المستشفى ليتذكر ما دار في الفعالية التأبينية ولم ينس خسارته الحقيقية التي تسبب بها طيش شباب كان يمكن تفاديه لكن ذلك لم يكن ليحدث.