آخر تحديث :الأحد-12 مايو 2024-11:12م

أدب وثقافة


قصة قصيرة:أسوار وجدران

السبت - 16 مارس 2019 - 06:14 م بتوقيت عدن

قصة قصيرة:أسوار وجدران
تعبيرية

عدن(عدن الغد)خاص:

 

بقلم:عصام مريسي

بدأت الأسرة تستعد لاستقبال مولودهم الجديد بتوفير كل متطلبات الولادة والأم الحامل تجهز نفسها للانتقال إلى قرية والدها وهي قرية مجاورة لقريتها التي تقيم فيها منذُ زواجها ، السيارة التي ستقلها مع أصغر أولادها تقف على الباب وهي تودع أولادها الذين سيلحقون بها بعد انتهاء امتحانات المدرسة، تسير الأم التي تعاني من أوجاع المخاض وإلى جوارها صغيرها تركب السيارة وتنطلق نحو القرية المجاورة وباقي أولادها يقفون لتوديعها وتوديع أخاهم الأصغر :

إلى اللقاء يا أمي .. سنراك قريباً بعد انهاء الامتحانات

تسير السيارة صعوداً وهبوطاً تتخلل الجبال والأودية حتى تتلاشى ولم يعد يرى سوى الغبار المتصاعد من جراء سير عجلات السيارة والأطفال لا تزال أكفهم تلوح لتوديع أمهم وأخوهم الصغير، يحاول الأب دفع الابناء للذهاب إلى مدارسهم في طرف القرية:

عليكم الذهاب غلى المدرسة فالطريق طويل سوف تتأخرون

يتجه الصبية نحو مدارسهم يشقون طريق جبلي وعر وعقولهم تتوق شوقاً لقاء أمهم وخواطرهم معلقة لرؤية وجه أخيهم الأصغر.

تنقضي أيام قلائل حتى يتجه الزوج وبرفقة أولادة في سيارته المتواضعة وازيز ماكنتها يهزُّ المسامع وعجلاتها ترفع الغبار حتى يحجب الرؤية ويشكل غيوماً من التراب وما أن يصل الجمع المتلهف لرؤية غائبتهم حتى يفاجئ

الفوج الصغير بقلوبهم الصغيرة المملوءة شوقاً  لحضن أمهم بالجدران والأسوار والنقاط التي أوقفت سيارتهم:

هل تملكون رخصة للسفر

يلتفت الأبناء ببراءة الصغار نحو وجه أبيهم وفي عيونهم أسئلة حائرة لا تجد لها إجابة في عيني الأب الحائر:

هل نحن مسافرون ؟؟ هل غادرنا الحدود

يستفيق الأب من دهشة طلب حارس النقطة الغريب:

لماذا رخصة سفر؟؟ قبل أيام عبرت الطريق ولم تكن ثمة نقطة للتفتيش.. ونحن نتنقل بين قرانا صعوداً وهبوطاً دون أن نحتاج إلى جواز سفر

يجيب حارس النقطة بسخرية على أسئلة الأب العالق في الطريق وأصبحت نصف أسرته في قرية ونصفها في قرية أخرى لا يستطيع لمّض شمل أسرته:

تم تقسيم الحدود .. لا يجوز لمواطني الجنوب الانتقال نحو الشمال إلا بجواز سفر وفيز دخول والعكس

يزداد الأب العالق في الحدود المصطنعة دهشة وحيرة وهو ينظر إلى وجوه صغاره الذين زاد بهم الشوق لرؤية أمهم وأخيهم الصغير والمولود الجديد الذي رزقت به أمهم وتلعب يرأسه الظنون :

زوجتي وولدي في القرية المجاورة وهي قرية أخوالي وأصهاري ، سأخد زوجتي وأعود

بانفعال يرفع الحارس صوته زاجراً الأب:

عليك أن تعود من حيث أتيت .. هذا هو النظام اليوم ... انصرف

ما زال الأب الحائر يراجع الحارس ويتودد علَّه يسمح له بالعبور:

منزل خالي خلف تلك الأكمة ، ومن هنا أشم رائحة خبز زوجتي وأسمع صراخ طفلي.. اسمح لي بالعبور ولن أعود

يرفع الحارس صوته غاضباً:

أرجع .. وإلا اقتدتك إلى الحجز

لم يحرك الأب ساكناً وحولة أطفاله يحدقون النظر نحو الأكمة التي يقع خلفها منزل جدهم وهم يشمون رائحة خبيز أمهم المنبعثة وتثير في قلوبهم الحنين للقاء أمهم والجلوس حولها وهي تجمعهم نحو حضنها حول الصعد ( حجرتين يوضع عليها مقلاة( طاوة) التي يطبخ عليها الخبز وهي تقدم لهم كسر من الخبز يسدوا بها جوعهم قبل أن يجلسوا إلى مائدة الطعام.

ومن خلف الأكمة تتصاعد الأدخنة التي تفوح برائحة الخبز والسمن البلدي وتتبخر معها كلما ارتفعت إلى الفضاء حلم رؤية أمهم وأخويهما الصغيرين