آخر تحديث :الجمعة-19 أبريل 2024-06:11م

فن


الذكرى العاشرة لرحيل الفنان عبدا لله حميد سيف (حميدو).. حكاية نورس - الفنان المهاجر

الخميس - 07 فبراير 2019 - 01:53 م بتوقيت عدن

الذكرى العاشرة لرحيل الفنان عبدا لله حميد سيف (حميدو)..  حكاية نورس - الفنان المهاجر

كتب/ حسام عزاني

الذاكرة لأتمل ولا تتعب من الحنين إلى الولد الشقي الذي مازلنا جميعا نشتاق إلى فنه الذي أحب وارتبط أسمه بالإبهار أينما حل بعد رحلة طويلة أمضاها مع اقرب زملاء المهنة و المشوار الطويل قاسم واحمد ومنصور ممثلا في البدايات وطالبا لفن الإخراج في أكاديمية الفنون والمسرح في مدينة كييف عاصمة جمهورية أوكرانيا  وتخرج وعاد الى الوطن في منتصف الثمانينات  لتقديم ذخيرة جهده وتفانيه في علوم الاخراج المسرحي ثم في منتصف التسعينات كانت هجرته الأخيرة عائدا  الى كييف  المدينة  التي احتضنته طالبا ثم مخرجا وانضم الى اسرته الطيبة فيها وترك الوطن ومن احب كل تلك السنين تحت بعض الظروف حتى وافاه الأجل هناك بين ثلوج فبراير وزمهرير شتائه الذي لايرحم. 

ترعرع في مدينة النوارس الجميلة الوديعة الحالمة ألبريقة وفيها عاش طفولته وشبابه وذكرياته التي ظلت تطارد طيفه المسكين سنينا طويلة عاش تواضعا  طيب القلب والخاطر صادقا في مشاعره أحب أهلها وكان بسيطا معهم وبادله الجميع نفس الإحساس فأخلص لهم وبقيت أعماله وظلت  تحتل ذاكرتهم حتى الساعة.

ولد الممثل عبدالله حميد سيف الشهير بحميدو رحمه الله في مدينة البريقة  في 1954م أيام الاحتلال البريطاني لعدن حيث التحق والد ه الطيب بشركة الزيت البريطانية بي بي عند انشائها في بداية الخمسينات وكان حميدو منذ طفولته محبوبا من أقرانه لما يتمتع به من خفة دم  وفي العاشرة من عمرة  شاهد الأعمال الكوميدية لأول مرة على التلفزيون عند تدشين بثه في منتصف الستينات في عدن والتصق بما يدور ويعرض فيه من برامج فنيه وأدبيه  وأعمال درامية لازمت خياله وذاكرته التي كانت تترجم الكثير من تلك الاحاسيس والمشاعر  فكانت موهبته المبكرة في التقليد والتمثيل وإضحاك الآخرين من أصدقائه خاصة وكان لظهور ونشاط فرقة المصافي الكوميدية كبير الأثر والانعطافة التي غيرت مجرى حياته ومستقبله عند مشاهدته فنانيها وهم يقدمون فن الارتجال في الاسكتشات المضحكة للجمهور في الستينيات في عروض الفرقه على مسرح نقابات مصافي البريقة التي أحبها وظلت تستوطن تلابيب فكرة وذاكرته حتى اخر لحظة في حياته وهي مدينة البحر والشواطئ الجميلة حيث لعب وجال ازقتها وشواطئها وكذا مشاهدته لفطاحله الفرقة في  برنامج مسرح التلفزيون للمخرج علوي السقاف رحمه الله فأحب مهنة التمثيل وتقديم الكوميديا الراقيه التي كانت تقدمها الفرقة وهي احد أقطاب النهضة المسرحية في عدن في تلك الفترة وشارك في الاحتفالات المدرسية ولفت إليه الأنظار, وفي بداية السبعينات كان الأول من زملائه  الذي التحق بالرعيل الأول في الفرقه وقدم معها العديد من الأعمال الجميلة وكان  أحد رموزها مع الجيل الذهبي الذي ضم المع الفنانين منهم علي صالح والحاج عمر وناصر حسين و العمير والسيد حسن وغيرهم في ذلك الزمن الجميل وعانى في تلك الأيام من الظروف الصعبة القاسية التي أجبرته على تذوق المرارة لحظات كثيرة لكنه  لم يستسلم لتلك الظروف وجاهد بضراوة للحصول على حياة أفضل .التحق في منتصف السبعينات بفرقة المسرح الوطني وقدموا معا جليل الأعمال المسرحية الرائعة على الخشبة في التواهي ومنها الجزء الأول لمسرحية التركة التي أعادت صياغة إحساسنا بجمالية المسرح وقوة تأثيرة في واقعنا المعاش وقدم فيها شخصية عيدروس الجندي المقرب وعين وثقة الوكيل قايد بطل المسرحية فنانا الكبير عبدالله مسيبلي رحمه الله واكتسحت المسرحية بقوة مشاعر الجميع وذاع صيتها لأنها كانت تتحدث عن إجابات لكثير من الأسئلة التي عاشت  معنا ولم يجرؤ احد فيها على الاقتراب من مناطق الظل فيها و لأنها كذلك قدمت وترجمت الكثير من الرغبات والمفاهيم المتناقضة  التي عاصرت تلك الفترة وأعادت مشاهدها ذكريات جميله لزمن ولى  بسنينه الماضية وان انطوت لكن أطلالها وآثارها مازالت تعيش فينا.
له محطات كثيرة تألق فيها طوال مشواره الفني في المسرح تحديدا ولازال يسكن مخيلتنا ويختبئ في احد أركانها نحفظ له الجميل الذي طالما اسداه لنا مرات كثيرة حيث أحب التمثيل بشغف كبير وكان من الوجوه الكوميدية المميزة التي ألهبت خشبات المسرح سنينا طويلة وشهد له الجميع من زملائه بسيطرته المطلقة على تلك الخشبة التي أرهقت وإعياء دائها الكثيرين لما يتمتع به من حضور قوي وتلقائية السهل الممتنع في الأداء لايدركه إلا أصحاب المهنة إياها وعين الفنان الخبير المتمكن من أدواته.
وهناك بعيدا عاش بقية حياته في أقصى الشمال من كرتنا الارضية على ارض القياصرة الذين حكموا تلك الاصقاع قرونا طويلة وبنوا حضارة وتراث خالد لازال حتى يومنا هذا يثير الدهشة والإعجاب حيث لا تشرق هناك دوما شمس دافئة وفي تلك البلاد البعيدة الباردة التي تغطيها الثلوج البيضاء  كل شتاء قارص وبقي بجوار أسرته التي عاش معها ماتبقى من أجمل الأيام إثناء دراسته وبعد تخرجه  بعيدا عن وطنه وأهله و زملائه في ذلك الزمن الجميل ودفن في أرضها .

 كان النورس الذي تمرد و انفصل عن سربه الذي أحب عن كل الاشياء بعد إن حلق معه  في الاجواء مرات عديدة وإلى بلاد كثيرة وبقي على حالة يعيش في تلك البقعة المتجمدة التي رسمها له قدره ومصيره لكنه ظل يعيش فراق من احب وشاركته الذكريات الحزينة ايامه الباردة تلك يعاني ويتألم ويشتاق لتلك الأيام الجميلة التي عاشها في الشوارع البسيطة والمنازل الصغيرة في وطنه والتي لاتقارن بماهو فيه بالرغم من شظف العيش فيها وصعوبتها وجفائها وقسوة سنيتها  ومرت السنين متشابهة حتى أزفت الساعة وانتقل إلى الحياة الأخرى   ورحل عنا الى الدار الفانية حيث يتوسد قبره بقعة صغيرة من أصقاع تلك الأرض التي أحب  بجوار اسرتة وبعيدا هناك عن من أحب في مدينته الصغيرة البريقة التي تنام أسفل الهضبة التي تتوسد جبل المزلقم الذي يطل بشموخ على من أحب في حياته من اهل مدينته التي طالما كانت تزور شواطئها النوارس البيضاء في رحلاتها لكن تلك كانت رحلته الأخيرة معها .
هذه هي حياتنا و فيها لايدري كل منا بأي ارض يولد وبأي ارض يموت  وتلك قصة حياته التي اختار إن يخوضها منفردا بملء ارادته ودونما ندم وهي بصدق حكاية مؤلمة تفطر القلب وتدمي الجراح وتوقظ أحلام السنين التي ذهبت مع الريح بلا عودة و يعيش بطلها بلا هدف أو معنى يهيم في البراري والأحراش الخضراء الكثيفة في تلك الأرض البعيدة الجميلة يتجرع فيها مرارة كأس الغربة والهجرة في حياة خالية من الدفء ومشاعر متواصلة من الحنين إلى الجذور والأصل الذي لايستنسخ ولا يرضى بغير دفء وطنه وطن أخر.

قدم السهل الممتنع وبأقتدار مشهود له على ذلك وبقيت شخصية عيد روس التركة علامة فارقة في مشواره وخير شاهد على ماأسلفنا ذكره إلا إن الأقدار  اختطت  له طريقا آخر ملئ بالدموع والأشواق لمن أحب وكان بين خيارين أحلاهما آمر من العلقم و ارتبطا كليهما بالحزن والمعاناة والفراق وكان له وحدة تحديد الخيار الذي كان اشد وطأة من الأخر فكان قرار الرحيل والهجرة والعودة الاخيرة الى زوجته وأطفاله في كييف اوكرانيا في 1996م ولم يعود بعدها الى دارة واهله حتى اللحظه لان الله القدير الرحيم تولاه برحمته ونرسل لهم تعازي كل من احب عيدروس التركة و  تحايا النوارس التي لطالما احبته بصدق ووفاء وظلت تسكن وجدانه و تشاركه لفافة تبغه في ليالي الشتاء الباردة والأحلام المنسية وتعتلي صورها لوحات جدران منزلة البعيد المطل على مشارف الدانوب الأزرق الذي تناثرت على جوانب شواطئه الكثير من الحكايات الجميلة لعمالقة الأدب والفن  و أصبح الوصول إلى جوانبه حلما يراود بقية النوارس التي بنت أعشاشها هناك سنينا طويلة على أشجار ضفافه وتتمنى العودة الى هناك لزيارة احلامها التي تركتها فيها ثم ووضع ورود وازهار على قبر ذلك الغريب الذي يتوسد تلك الارض البعيدة الجافة الباردة  .
ولانه لم يعد لنا في الحياة بقية والى ذلك اليوم الذي ننتظر فيه إطلالة وعودة الذين نحب الى أرضهم  وناسهم سنظل نحفظ لهم عهود الوفاء ونعيش ذكراهم التي ظلت تحلق مع النوارس روحا وفكرا وفنا راقيا لاينسى مهما قست وتناوبت علينا الأيام السنين ومهما تناسى البعض تلك الذكرى ونتمنى تكريم هذا الفنان المبدع الذي لم يبخل في حياته لرفع شأن وطنه في كل المحافل .  
أردنا لهذه الحكاية المؤلمة التي وصلت إلى المشارف إن تكون بنهاية سعيدة للنورس الذي تخلف عن سربه والذي مازال في انتظاره ويحلم بعودته في مغيب احد أيامنا المتعبة والهزيلة .

سلامي وسلام من كان يحب إلي روح ذلك اليمني الطيب ابن الأصالة والحضارة ندعوا له بالرحمة والمغفرة وان يسكنه الله فسيح جناته انا لله وإنا إليه راجعون.

الحكاية الحزينة لهذا الفنان المبدع الذي مازال معنا بين أيديكم  وحتى حكاية أخرى أقدم البطاقة التعريفية والإعمال الفنية لمشواره الطويل .

 

 

 

 

 

البطاقة التعريفية

الاسم / عبدا لله حميد سيف- حميدو)
 البريقه- الميلاد :1954
- ممثل ومخرج مسرحي
- المؤهل ماجستير أخراج مسرحي / معهد كربناكارا العالي للمسرح والسينما / كييف /جمهورية اوكرانيا

الإعمال الفنية

- اول من التحق من دفعته بفرقة المصافي الكوميدية عام 1971م وقدم معها -
- عصا موسى / كاري قعايد / أريد أن اقتل /مصير صرصار/ الوجه المشطور1974 عائلة في خطر 1975
- انظم إلى فرقة المسرح الوطني في عام 1977 وقدم معها أجمل الأعمال الفنية :
- فتاتنا اليوم / ذي زرعتوه اصربوه / التركة الجزء الأول / الفردية القاتلة / نحن والفاشية / القوي والأقوى / مخرج في ورطة / السيد بونتيلا وتابعة ماتي / ثورة الزنج
 - شارك في مهرجان المسرح العربي في دمشق عام 1979م.بمسرحية الفردية القاتلة ونحن والفاشية
 في عام 1980 التحق بمعهد كييف العالي للمسرح والسينما وتحصل على شهادة الماجستير في 1986م
 قدم مع فرقة المصافي الكوميدية في عام 1986 عرف كيف يموت لتوفيق الحكيم يمننة عمر جبلي وإخراج ضرار راوح
 قدم مسرحية ماكبث مع فرقة المسرح الوطني عام 1987م لوليم شكسبير وإخراج جميل محفوظ
اخراج قاسم عمر- قدم في عام 1991م الجزء الثاني من مسرحية التركة

-المهرج لمحمد الماغوط في عام 1993م شارك في مهرجان المسرح الثاني --تحصل على جائزة أحسن ممثل مساعد عن مسرحية التركة الجزء الثاني
- له الكثير من الإعمال الإذاعية والمسلسلات ومنها
العقد الفريد / عبده النجار وزوجته حمامة / صيحة الديك / العاقر
- هاجر إلى المدينة التي علمته فن المسرح وتخرج منها (كييف) في عام 1996م واستقر فيها حتى وفاته فيها في 8 فبراير 2009