آخر تحديث :الثلاثاء-14 مايو 2024-11:12ص

أدب وثقافة


"جمهورية القاع"..يوميات من وحي الواقع (1)

الخميس - 10 يناير 2013 - 12:06 ص بتوقيت عدن

"جمهورية القاع"..يوميات من وحي الواقع (1)
منظر عام لمدينة الحوطة التقطت قبل اشهر بعدسة هشام عطيري

الحوطة(( عدن الغد)) خاص:

هنا في حارة ضيقة بأتجاه عمق الخراب الذي تعيشه مدينتي حوطة لحج..يخيل لي في أحيان كثيرة أن أبتعد عن كل هذا البؤس ما الضير لو سكنت بقعة من ضوء بعيدة جدا عن هنا..تكاد فكرة مجنونة..لمجنونة مثلي..!!كيف لي أن أعيش ساعتها..وعلى أي قصص سأقتات؟؟  تتبخر هذه الفكرة تباعا كلما أيقنت أن البؤس هنا ملهم جدا..فهنا الناس لا يتعبون في سرد قصصهم..بالتزامن مع أن خيالي فضفاض ويتسع دوما لملايين النهايات والحبكات الدرامية..منذ طفولتي وأنا أسكن تلك الحارة..

تبدو لي جغرافيا المكان تمتد نحو العمق..وكان البيوت التي تقف خارج نقطة المركز يعد البؤس ليست وجبتها الدسمة كل يوم..تشتد حده الألم بإتجاه العمق..هناك مركز حارتي وهناك تكمن أسرار "جمهورية القاع" وأنا كنت على موعد مع جاذبية غريبة تشدني دوما نحو عالمها السفلي..ذلك المظلم, رغبة جامحة تجتاح قلمي في أن يسرد أسراراها..

ألم مشوب بسخط شديد..كلما عرفت خبايا حكاية من تلك الحكايا التي تدور خلف الأبواب الموصدة..لا أنكر أنني في صباحات عديدة أشعر بتفاهة شديدة..وأنا أجد نفسي في قمة الأمل لأبدأ يوم جديد في خضم اليأس المحيط..لما لا أبكي؟؟ لماذا لا تنتابني نوبات اكتئاب..صراخ..لا مبالاة؟؟ كيف لواحدة مثلي تسكن "جمهورية القاع" أن تحتفظ بقدر لا بأس به من الحياة..تساؤل أرهقت به عقلي لسنوات..فضلت أن أمنحه الراحة ولن أحاول الإجابة عليه..أو ربما لا أجرؤ!!

على طاولة الألم كان عشائي هذا المساء ..تدافعت الأسرار تباعا فخنقت شهيتي الحقيقية للأكل.., فكرت يوما أن أستطلع أراء من حولي لم يكن في بالي قضية للنقاش ولا حتى تساؤل معين بل شغف حقيقي أن أنصهر معهم وأتذوق خبز يومهم المعجون بألامهم وأحلامهم..لم يكن هناك ما أخاطر به .

نأخذ الحياة بكثير من البساطة في أحيان كثيرة عندما نخسر الكثير ولم يعد هناك شيئا أخر لنخسره ما كنت أبحث عنه زمنا طويلا وجدته هنا بينهم.. كان يومي الأول في الحارة مثيرا للشفقة ترمقني النظرات من كل الجهات..حاصرتني على نحو لاينفع معه الفرار فأستسلمت !!

-         وجهك مألوف؟؟ ..صوت أقترب مني هامسا

-         نعم..كنت أقطن هنا منذ عشرون عاما..

-         اها..عرفتك!!

-         ربما..

-         لا.. أعرفك جيدا..فأنا أعرف الجميع..

ياله من متكبر!! لم أتي هنا لأسرد حكايتك..قلتها في نفسي غاضبة.., لكني فضلت أن أمشي خلفه صامتة..فوحده من يستطيع مساعدتي..تحملت نظراته المغرورة كان الطريق بإتجاه العمق طويلا, تخيلت ساعتها القصص المأساوية التي تنتظرني خلف الجدران..شعرت بالإرتباك كلما أقتربت من سماع إحداهن..فكرت بالطريقة التي سأبدو عليها أمام بكاء البعض أو إنفعالهم..تزايد الإرتباك كلما تذكرت نظرات سكان الحارة الذين استقبلوني بإستغراب شديد ..

 

 

  يتبع..

*من شيماء باسيد