آخر تحديث :الجمعة-29 مارس 2024-05:58ص

أدب وثقافة


قصة قصيرة :تحت الخيام

الجمعة - 18 يناير 2019 - 05:37 م بتوقيت عدن

قصة قصيرة :تحت الخيام
تعبيرية

عدن(عدن الغد)خاص:

 

بقلم: عصام مريسي

 

كلما أحست بهبوب الهواء البارد سارعت لتلمس موضع الخلل في خيمتها التي تجمعها مع صغارها الأربعة ، وهي تحمل الخيط والإبرة لتخيط موضع التسريب الذي يسمح بنفاذ الهواء وهي تسعى في تلك الليلة الباردة في تدفئة الخيمة بإشعال عيدان الأغصان التي جمعتها لتحيط صغارها بالدفء ـ لكن تلك الليلة كانت غير واضحة المعالم والسماء قد تلبدت بالغيوم على غير العادة منذُ ثلاث سنوات في المخيم الذي يجمعها مع كثير من النازحين من وسط وجنوب سوريا وقرب الحدود التركية ، وأجساد صغارها ترتعد من البرد وهم يتضورون جوعاً وبرداً:

أمي ـ البرد جمد أطرافي

والأم التي لا حيلة لها وقد تقطعت بها السبل منذُ ولوجها وصغارها الأربعة بعد فرارهم من قريتهم الصغيرة الواقعة في الشمال الغربي قرب شاطئ البحر تنهض من مكانها لتنزع ما عليها من لباس لتغطي صغارها فكلما غطت جسد أحدهم أشتكى الأخر من شدت البرد وهكذا تقضي ليلها تتجول بين صغارها محاولة تدفئتهم ولو حتى بجسدها المنهك من الجوع والبرد، وما أن ينام صغارها حتى تغص في أشبه بالسبات وهي سارحة في ذكرياتها في قريتها الصغيرة حاضنة البحر وشريك حياتها يجهز سلته العزف وسنارته وشبكه الصغير يجره نحو زرقة الماء يقلب رزقه فيما يجنيه من صيد الأسماك ليبيعها في سوق المدينة وهي واقفة تودعه بعد أن جهزت له طعامه في رحلته البحرية ولفت حبات الزيتون وكسر الخبز في صرة من بقايا طرحتها القديمة وتودعه بعينيها وهي تقول:

إن شاء الله تعود بالرزق الوفير وتعود سالماً لنا

وهو يرشقها بنظراته الحانية التي تودعها وصغاره قبل أن يغادر قائلاً:

سوف أعود بأذن المولى حبيبتي وننعم بالحياة الهانئة

وما أن يغادر حتى تجهز فطور صغارها وتضعه على المائدة وهي تشمر عن ساقيها لتلحق بأرضها الصغيرة لتزرعها وتبذر فيها ما يكفيها وأسرتها من الحبوب ، وعلى غير المعتاد تلامس جسدها حبات الثلج من ثقب صغير في جانب من جوانب خيمتها تفتح عينيها وتنهض متجهة نحو بوابة الخيمة فإذا بركام الثلج يغطي كل مساحة المخيم ويرتسم البياض على كل المساحات المحيطة بخيمتها، وما زالت السماء تزخ بكرات الثلج المصحوب برشفات المطر الذي بدأ يتراكم على جوانب خيمتها وصغارها وأجسادهم الهزيلة ترتجف من قسوة الشتاء القارص ، وإذا بصوت صارخ يطلب  من أهل الخيام المغادرة:

عليكم مفارقة الخيام والالتجاء إلى الكهوف في الجبال القريبة .. ستغمر مياه الأمطار المخيم

تلملم بعض أغراضها وتجمع صبيتها وتدفعهم إلى خارج الخيمة وتحمل طفلها المعاق أبن السادسة وتشد من خطواتها كي تسبق السيول الجارفة وتصعد إلى فوهة في الجبل تحتمي من جرف السيول للمخيم ، وصراخ صغارها يتصاعد :

أمي البرد قارص .. الثلج يغطي المكان

وهي في طريق مغادرتها الخيمة نحو الجبل تشتد الرياح والصقيع وصرير الريح يضج الأذان وقوة الرياح تقتلع الخيام ، وما أن تصل الأم وصغارها وتدخل الفوهة ويشعرون بالدفيء حتى يحس الجميع بشيء من الأمان وتسند الأم ظهرها إلى الجبل وتجمع صغارها من حولها يضعون رؤوسهم على حجرها ويذهبون في نوم عميق.