آخر تحديث :الثلاثاء-19 مارس 2024-11:27ص

ملفات وتحقيقات


تقرير:"أدوات الموت المتحركة بعدن"..كيف تخدم الدراجات النارية فرق الإغتيالات ؟ و لماذا يعرقل التحالف قرار منع حمل السلاح؟

الأربعاء - 16 يناير 2019 - 02:17 م بتوقيت عدن

تقرير:"أدوات الموت المتحركة بعدن"..كيف تخدم الدراجات النارية فرق الإغتيالات ؟ و لماذا يعرقل التحالف قرار منع حمل السلاح؟

عدن(عدن الغد)خاص:

تقرير/ صالح المحوري

 

في مدينة الشيخ عثمان شمال مدينة عدن الجنوبية، يمكن إن تشاهد صورتين متباينتين للمشهد الأمني في مدينة السوق الكبير. ففي حين يقود جنود في مركز شرطة المديرية حملة لتنظيم المرور في الشوارع وضبط الأمن، يوجد بالمقابل المئات من المسلحين المدنيين الذين يدخلون المدينة دون إن يسأل أحدهم لماذا تحمل السلاح، كما أنه لا يزآل هناك الكثير من بائعي السلاح في المدينة.

 

وليس ببعيد، ينطلق شباب من على متن دراجات نارية بسرعة كبيرة في شوارع المدينة لنقل بعض المواطنين الذين يستلقون هذه الوسيلة الجديدة للنقل، ليصلوا إلى مواقعهم بشكل أسرع، بدلًا مركبات النقل التي تراجع دورها بشكل لافت، منذ إن ظهرت الدراجات النارية بعيد الحرب الأخيرة.

 

هذا التباين يؤكد كذلك إن الأمن في المدينة الساحلية التي تتخذها الحكومة المعترف بها دوليًا عاصمة مؤقتة للبلاد، بالقدر الذي يسعى جاهدًا لضبط المشهد الأمني إلا أنه سرعان ما يؤكد فشله في التعامل مع ملفات تمثل المعيار الحقيقي للأمن في المدينة.

 

*إنتشار السلاح...السلبيات والإيجابيات

 

أصبح السلاح في مدينة عدن متاحًا للجميع فالمسلحين ينتشرون بلا حدود كما أنه ليس جميعهم منتظمين لصالح قوات رسمية أو حتى مليشيا محلية كتلك التي تتلقى دعمها من الإمارات. فالكثير ممن باتوا يحملون السلاح داخل عدن لا يعرف أحد بشأنهم شيئًا، هذا بالأضافة إلى إن المخاوف تتعاظم بشأن ما إذا كان بعض هؤلاء من المشبوهين والمتهمين بقضايا فوضى وإرهاب.

 

يجوب المسلحين المدنيين شوارع عدن أمام ناظري القوات الأمنية التي لم تتخذ أي موقف صارم لمنع إنتشار السلاح، أو على الأقل، حصره فقط للمنتمين للقوات الأمنية والعسكرية. والمسألة هنا تتداخل مع بعضها البعض في أحد الجوانب، لأن الكثير من المسلحين المدنيين ينتمون للمليشيا المحلية المدعومة من أبو ظبي وباتت القوات الرسمية التي تتبع السلطات الحكومية غير قادرة على إيقافهم أو طلب تصاريح لحمل السلاح.

 

وهنا تمتد المشكلة لتصل إلى رأسي المشكلة تحديدًا، التحالف العسكري الذي تقوده السعودية والحكومة اليمنية ممثلة بوزارة الداخلية اليمنية.

ومع أنه المفترض إن يكون الحديث عن إدارة الأمن في المدينة في إطار مهام السلطات الحكومية، لكن إدارة الأمن في المدينة لا تخضع لوزارة الداخلية، ولكنها تعد أحد الحلفاء الاقوياء للإمارات العربية المتحدة.

 

وبالمقابل تبدو وزارة الداخلية اليمنية غير قادرة على بسط سيطرتها وممارسة سلطاتها بالشكل الذي من المفترض إن تكون عليه، وفي أفضل الحالات تكتفي وزارة الداخلية بممارسة العمل الإداري والإشرافي الذي لا يتجاوز في صورته الأقوى إيهام ما تبقى من أنصار هادي أنه مازال للحكومة بعض الوجود.

 

منذ تدخله لإيقاف الحوثيين كان السكان المحليين في عدن يأملون إن التحالف العسكري الذي تتزعمه السعودية سيدعم الأمن في عدن.

 لكن المظاهر المسلحة لم تتلاشى في عدن بعيد خروج الحوثيين منها، والذي حدث بعد ذلك كان صادمًا لأشد المتشائمين، فالمدينة أضحت سوقًا مفتوحة للسلاح والمركز الرئيس للمخزون البشري الذي يقاتل الحوثيين في مناطق متفرقة من البلاد، لاسيما في مناطق الساحل الغربي ومناطق التماس بين شطري اليمن سابقًا.

 

*التحفيز عبر السلاح

 

يراقب التحالف الأمور في عدن ويدرك ما الذي يحدث هناك، كما إن لديه إستراتيجية واضحة في المدن الجنوبية لا تبدو منفصلة عن مسار العمليات العسكرية شمالًا.

 

وهذه الإستراتيجية تتعلق بتحفيز العمل العسكري في المناطق الخاضعة للحوثي بشكل متقطع بما يسمح في جلب المزيد من مصادر القتال من أقليم عدن، وفي الجنوب يعمل التحالف جاهدًا إن لا تستقر الأمور بشكل تام ويجب إن يصاحب الوضع في عدن بعض الفوضى والإنفلات بما يسمح للإمارات من فرض وجودها في عدن وإبقاء ظلها على الوضع جنوبًا.

 

التحالف يرى أنهُ من الجدير إن لا تستقر الأمور في عدن على الأقل في الوقت الحالي لأن هذا سيجعل المخاوف أمام السعودية والإمارات حاضرة، وسيفقدهم زمام السيطرة على عدن والجنوب.

 

والذي حدث كان يصب في هذا الإتجاه، ولمّا يصبح الأمن متعدد القوى والإتجاهات ينعكس هذا سلبًا على الوضع في المدينة ما يسمح للتحالف إن يتحرك في الوسط بأمان عبر وكلائه المحليين في الأجهزة الأمنية الرسمية، وتلك المليشيا المحلية.

 

كانت الطريقة الأمثل لجعل عدن مدينة معلّقة بين الإستقرار التام والإضطراب التام تتعلق بكيفية توظيف الخليج أمواله لدعم الأجهزة الأمنية في جنوب اليمن عبر فتح ملفات الإرهاب وبالتالي توسّعت الحرب في اليمن لتشمل الحوثيين والقاعدة معًا.

 

كان الناس ينتظرون إن تقوم الأجهزة الأمنية بدعم التحالف لإغلاق محلات بيع السلاح وإصدار أوامر بحصره على العسكريين والإنتباه أكثر للوضع الأمني في المدن التي من المفترض إن تكون محررة  وتقدم نموذجًا أكثر واقعية للبناء والتنمية ولكن ما حدث كان مختلفًا. فبدلا من إن تركز قوات التحالف على تثبيت الأمن في عدن عبر إزالة المظاهر المخلّة بالأمن، ذهب التحالف ليطلق عمليات لمحاربة الجهاديين في مدن مختلفة في حين أضحت عدن مستودع سلاح لجميع المتحاربين.

 

يريد التحالف إن يظل السلاح موجودًا في عدن ومتاحًا للجميع وهو يعتقد أن أي تحرك لمنع السلاح داخل المدينة قد يضر بالمخزون البشري الذي ينطلق من عدن صوب مناطق الساحل الغربي لليمن، بما إن الأعداد الأكثر من المسلحين ومن يبيعون السلاح يأتون ويذهبون غالبًا من عدن والمناطق المجاورة لها.

 

*الدراجات النارية...خدمة للنقل...ولكنها...!

 

يقود شباب يمنيين في مدينة عدن الجنوبية، غالبيتهم في العقد الثاني من العمر دراجات نارية من مختلف الأشكال وينقلون بواسطتها، العشرات من الموظفين الحكوميين والسكان المحليين لوجهاتهم بطريقة سريعة لكنها تكلف الراكبين ضعف المال الذي يدفعونه لقاء الركوب في سيارات الأجرة.

 

وهذه الوسيلة الجديدة في النقل شاعت في عدن بشكل لافت بعيد الحرب الأخيرة والآن بعد مضي ثلاثة أعوام من خروج الحوثيين من المدينة، أصبح عدد الدراجات النارية يقارب عدد مركبات الأجرة. ويعتقد الكثير من السكان المحليين في عدن إن التنقل بالدراجات النارية يساعدهم على الوصول لوجهاتهم بطريقة سريعة، كما أنها تجنبهم الوقوف لساعات طوال قبل إن تنطلق مركبات الأجرة ، ويقولون كذلك أنها تساعدهم على الخروج من مناطق الإزدحام بشكل ميسّر وسريع ولكن هناك الكثير ممن لا يتفقون مع هؤلاء الأخيرين.

 

ويعد البعض الدراجات النارية من وسائل الموت المتحركة أكانت لراكبيها أو للمشاة لأن القيادة الجنونية لبعض الراكبين أدت إلى الكثير من الحوادث التي تؤدي لإصابات كبيرة لأن شكل الدراجة النارية يقترب أكثر للخطر من مركبة الأجرة، لأن تركيبتها المفتوحة وغياب أي وسائل للسيطرة على الدراجة قد يعرض سائقيها وكذلك الراكبين للخطر البالغ.

 

كما إن الكثير من سائقي مركبات الأجرة أصبحوا متضررين بشكل مباشر لإن الأقبال على ركوب الدراجات النارية إزداد في الفترة الأخيرة ما أدى إلى تلقيهم لخسائر متفاوتة، كما أنهم يقولون إن سائقي مركبات الأجرة باتوا يعترضون للسائقين وهذا أضرّ بعملهم حد وصفهم.

 

ولكن بالمقابل يقول بعض السكان المحليين إن سائقي الدراجات النارية يسعون لكسب العيش كما أن هذه الوسيلة صارت مصدر دخل للكثير من الأسر والأهالي، هذا بالأضافة إلى أنها باتت مصدر الدخل الوحيد للكثير من الشباب الذين لم يلتحقوا بوظائف عسكرية أو جامعية.

 

*أحيانًا للقتل!!

 

وإذا كانت الإيجابيات تحضر في بعض الجوانب لهذه الظاهرة، إلا إن السلبيات تحضر أيضًا، فالعديد من السائقين والراكبين تعرضوا لإصابات بالغة جرّاء القيادة السريعة، ولكن الأمر البالغ الخطورة يتعلق بأنها أيضًا أصبحت الوسيلة الأكثر مساعدة لعدد هائل من عمليات الإغتيال التي تعرض لها قادة أمنيين وقادة في المقاومة المحلية، إلى جانب مقتل الكثير من رجال الدين وشخصيات أخرى.

 

وقبل إن تنتشر الدراجات النارية في عدن، كانت عمليات الإغتيال تتم لكنها لم تكن بهذه الوتيرة والسهولة، والأن بدأ واضحًا إن إنتشار الدراجات النارية قدم خدمة ممتازة لفرق الإغتيال التي تنطلق في الظلام على متن دراجات نارية لتصطاد أهدافها بسهولة كبيرة.

 

وتكمن سهولة القتل من على متن الدراجات النارية ، أن قائدها ومن معه يستطيع إن ينفذ عمليتها في وضح النهار أو ليلًا وأمام مرأى الجميع أو في الخفاء، وبعدها يقود بسرعة كبيرة وينسل من بين الأزقة والحواري ثم يختفي عند آخر نقطة تراقبها العين.

 

وسوءًا كان في الآن نفسه أو في اليوم التالي، لا أحد يستطيع تحديد هوية القاتل المعروف وليس المجهول في هذه المدينة المضطربة ، لأنه بلا شك هو أحد من يقودون الدراجات النارية التي تجوب الشوارع وإن لم يكن أحد هؤلاء فأن غياب تطبيق القانون وحظر الدراجات النارية سيجعل الأمر أكثر وضوحًا ولا نعتقد إن عمليات القتل ستتوقف إذا حُظرت الدراجات النارية ، لأن هذا يتطلب عملًا وجهدًا جماعيًا من قبل قوى الأمن في جميع الجوانب ذات الصلة والتأثير على مستوى الأمن، ولكن حظر الدراجات النارية سيساعد بعض الشيء الكثير على تثبيت الأمن في المدينة.

 

يراقب الناس في عدن الوضع في عدن ببعض القلق والريبة لأن الأمن لا يعمل بالشكل المطلوب ويتجاهل الأمور الأكثر خطورة وتأثيرًا على الأمن، وإن كان حظر الدراجات النارية سيوقف دخل بعض الاسر التي تعتمد عليها، فيجب إن تفتح الأبواب للشباب الذين يملكون دراجات نارية ولا يملكون وظائف، ويدفع لهم تعويضات مقابل إيقاف دراجاتهم.

 

وإذا كان ذلك ليس ممكنًا فيجب في الحد الأدني إخراج الدراجات النارية من المدن المزدحمة والأسواق وتحديد مناطق خاصة لها.