آخر تحديث :الإثنين-06 مايو 2024-06:46م

أخبار وتقارير


أزمات عالقة: رؤية تحليلية للقضايا العالمية الأكثر إلحاحا في عام 2013

الأربعاء - 02 يناير 2013 - 02:27 ص بتوقيت عدن

أزمات عالقة: رؤية تحليلية للقضايا العالمية الأكثر إلحاحا في عام 2013

السياسة الدولية

عرض: نسرين جاويش، باحثة في العلوم السياسية

ونحن علي أعتاب العام الجديد، 2013، لابد من إجراء تقييم سريع للعام المنقضي 2012، والذي كان وبحق عام التغيرات الكبرى. فالسمة الأساسية لهذا العام هى أنه عام التغيرات السريعة، والبطء في اتخاذ القرارات، والتي استغرقت وقتاً أطول مما كان متوقعاً لها. ومن الأمثلة العديدة علي ذلك اعتقاد الكثيرين بأن الرئيس السوري بشار الأسد لن يشهد عام 2013، وهو في سدة الحكم في سوريا. وعلى الرغم من ذلك، نرى أن بشار لا يزال في منصبه. وفي الوقت نفسه، لا يلوح في الأفق أي نهاية لعمليات القتل والتعذيب والتدمير المستمرة، بل وقد تزداد عن العام المنقضي.

أزمة منطقة اليورو شهدت على أثرها العديد من الاجتماعات، والتي تنبأ البعض بتخطيها بنهاية عام 2012 وهو ما لم يحدث، بل قد تستمر لعام آخر. فبعد اثني عشر شهراً من المفاوضات والاجتماعات، لا تزال اليونان في منطقة اليورو ولا تزال أزمتها مستمرة. وبالنظر إلى إسبانيا، والبرتغال، وإيطاليا، وفرنسا فهى أيضاً على شفا مرحلة الخطر، ولكن بدرجات متفاوتة، في حين تقاوم ألمانيا، وتؤكد أن منطقة اليورو ستستمر على قيد الحياة.بدأت روسيا العام المنقضي باندلاع الاحتجاجات غير المتوقعة إبان إجراء الانتخابات البرلمانية، وهو ما أوحي بحدوث تغيير كبير في المستقبل القريب. وعلى الرغم من ذلك، تم انتخاب بوتين بهدوء. وبنهاية العام، تراجعت أصوات التغيير.

وفي هذا الشأن، تتناول جيسيكا توكمان ماثيوز في دراستها المُعنونة "العالم في 2013"، والصادرة عن مؤسسة كارنيجي للسلام الدولي، الخمول النسبي على مستوى التحركات الدولية في عام 2012، والذي يرجع في جزء كبير منه إلى تغيير القيادات، وبخاصة في دول شرق آسيا، وفي مقدمتها روسيا، والصين، وكوريا الشمالية، وكوريا الجنوبية، واليابان، والتي تحاول قياداتها إما التركيز على السياسة الداخلية، وإبقاء الأمور بالخارج هادئة، حتى يتم توطيد السلطة، ومن أمثلة ذلك: كيم يونج أون، الذي قضى العام بهدوء في كوريا الشمالية، أو تطوير اتجاهات سياسية جديدة، ومن أمثلة ذلك: الرئيس الصيني شي جين بينج، الذي من المتوقع أن يستمر في التطوير طوال عام 2013.

ويُستثني من ذلك عندما تقوم بعض الحكومات باستخدام الصراعات الخارجية لكسب ود السياسة في الداخل، وأبرز مثال على ذلك الصراع المستعر بين اليابان والصين، والذي تلوح بدايته فى الأفق على جزء من الجزر في بحر الصين الشرقي، والذى لن تتنازل في سبيله أي منهما، في ضوء الانتخابات التي تلوح في الأفق، بالإضافة إلى رغبة كل منهما في تحقيق مطالب السيادة المطلقة المترتبة على تأجيج نيران القومية بداخل كل منهما، وتأمل ماثيوز فى تجنب وقوع صراع بحرى بينهما، والمحاولة للوصول إلى حل وسط.

الأحداث الأكثر إلحاحا في 2013:

تؤكد ماثيوز أن هناك ثلاثة أحداث رئيسية تُعد بمثابة القوة الدافعة للأحداث في عام 2013، وهى:

أولا: أزمة النظام الغربي، وسببها الرئيسي عدم قدرة الولايات المتحدة وأوروبا على التعامل مع القضايا المالية والضريبية. فالمشاكل الاقتصادية التي تواجههما سببها نقاط ضعف سياسية بالأساس، ويتزامن مع ذلك محاولة الولايات المتحدة تفادى السقوط في الهاوية المالية، وهو ما قد يُجبر الكونجرس الأمريكي بانتهاج منهج خفض الإنفاق، وزيادة الإيرادات من خلال زيادة الضرائب، وهي إجراءات شديدة القسوة، ولكنها تعد الحل الأمثل في هذا التوقيت. وعلى الصعيد الأوروبي، فالقضايا الاقتصادية أشد وطأة فقد يكون من المستحيل استجماع الإرادة السياسية اللازمة لاتخاذ الخطوات اللازمة لإنقاذ منطقة اليورو من الانهيار المالي الوشيك.

وتؤكد ماثيوز أن عواقب الفشل المستمر سينتج عنها ضعف الغرب في بقية أنحاء العالم، خاصة مع عدم قدرتهما على تحقيق الازدهار، وحماية وتعزيز المصالح الوطنية الأساسية.

ثانيا: ارتفاع الفتنة الطائفية في الشرق الأوسط، خاصة مع الاضطرابات السياسية المصاحبة للصحوة العربية، والربيع العربي، وانتقال الإسلاميين من صفوف المعارضة لسدة الحكم، وما نتج عنه من تحول الحركات الدينية من جماعات محظورة إلى تشكيل الأحزاب السياسية، والمشاركة في كتابة الدساتير للأنظمة الجديدة، وإجراء الانتخابات. وتشير ماثيوز إلى أن مظاهر الفتنة الطائفية في منطقة الشرق الأوسط سوف تصبح المحرك الرئيسي للأحداث في المنطقة خلال عام 2013.

ثالثا: الانسحاب الأمريكي من العالم، والذي سُيلقي بظلاله على الشئون العالمية في عام 2013 وما بعده، وإثارة المخاوف حول الانسحاب المقرر للقوات الأمريكية من أفغانستان بنهاية عام 2014، والذي تستعد له الدول المتاخمة لأفغانستان، بما في ذلك باكستان، وإيران، والهند، وآسيا الوسطي باتباع سياسات من شأنها الحفاظ على نفوذها عقب الانسحاب الأمريكي، بالإضافة إلى عجز الميزانية الأمريكية، والحاجة إلى خفض الإنفاق، خاصة في ميزانية الدفاع، وهو ما يوحي بأن الولايات المتحدة ستلعب دوراً أصغر في الفترة المقبلة.

الشرق الأوسط في 2013

تؤكد ماثيوز في البداية أن موجات الربيع العربي التي اجتاحت منطقة الشرق الأوسط كان من شأنها أن تؤدي إلى تغيير سريع وحلول للأوضاع السياسية والاقتصادية التي تفاقمت في هذه الدول. ولكن على العكس من ذلك، فإن تعقد الأوضاع دفع بالولايات المتحدة إلى اتباع استراتيجية طويلة الأمد للتعامل مع الأوضاع الجديدة الطارئة، وكذا الجماعات الجديدة التي اتجهت للصعود إلى الحكم بهذه الدول.

ولعل أبرز الأمثلة على ذلك التطور السياسي في مصر، والذي يزداد تعقيداً. فبعد التأكد من تخلي الجيش عن رغبته في الحكم، صارت مقاليد الأمور في أيدي جماعة الإخوان المسلمين، وهو ما نتج عنه الكثير من العنف السياسي الذي سيستمر من وجهة نظر ماثيوز في عام 2013 . وتؤكد كذلك أن الأوضاع ستظل غير مستقرة أيضاً في كل من ليبيا، والأردن، والكويت، والإمارات، وكذلك العراق. فبعد رحيل القوات الأمريكية في عام 2011 من العراق، اتهم رئيس الوزراء العراقي الشيعي، نوري المالكي، نائبه السني بالخيانة، وهو ما عُد من جانب المحللين السياسيين مؤشرا مبكرا على الصراع الطائفي المتفاقم في البلاد. ومنذ ذلك الحين، والنسيج السياسي أصبح أكثر ضعفا بشكل مُطرد في العراق.

أما فيما يخص دولة المغرب، فتشير ماثيوز إلى استمرار النظام المغربي في المماطلة بالاعتماد علي نظام الحكم الملكي به، محاولاً تجنب الاحتجاجات، والبقاء في السلطة. كذلك، ستبقى الأوضاع غير المستقرة في العراق. وتنتقل الكاتبة إلى المأزق السوري، الذي أصبح الصراع فيه يسير نحو الهاوية في إطار الإفراط في استخدام القوة العسكرية من كلا الطرفين، والتي قد تحقق مكاسب حاسمة أحياناً لأحد الطرفين، والتي تعود سريعاً لصالح الطرف الآخر. وتؤكد استمرارية ضبابية الوضع في سوريا، وأن نظام الأسد سيقاوم للبقاء في السلطة، على الرغم من شدة وطأة العقوبات الاقتصادية الدولية المفروضة، وهو ما يفرض بالضرورة ضرورة التوصل إلى تسوية سياسية بين عناصر النظام (والتي لا تشمل الأسد) والمعارضة، سواء الموجودة خارج البلاد أو داخلها.

وعن إيران، تشير ماثيوز إلى أن انخفاض قيمة العملة الإيرانية، والتضخم، والبطالة المتزايدة كانت أهم ملامح تراجع الاقتصاد الإيراني في عام 2012 لتدفع إيران لأول مرة، مقابل سعيها الحثيث للحصول على أسلحة نووية في المواجهة النووية طويلة الأمد.

وعلى الرغم من ذلك، سعت طهران نحو الاستمرار في تخصيب اليورانيوم لتشغيل المفاعلات المدنية، وواصلت إسرائيل سعيها نحو الدفع لبدء حرب ضدها، ولكن الانتخابات الأمريكية حالت دون ذلك، وهو ما أدى إلى استمرار المفاوضات، في ضوء عدم قدرة الولايات المتحدة على تحديد "القدرات النووية الإيرانية" بشكل دقيق، وهو ما يحول دون الدخول في مواجهة حقيقية مع إيران. في حين أكد كلا المرشحين الأمريكيين للرئاسة إبان فترة الانتخابات في مطلع نوفمبر 2012 أنه من غير المقبول احتواء إيران النووية، ولكن ما يحول دون ذلك هو عدم تحديد قدرتها النووية بشكل دقيق.

تطرح ماثيوز السؤال الأهم في هذا السياق، ومفاده: ماذا سيحدث الآن؟ وتقصد بذلك إسرائيل، وضرورة قيام رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، لإعادة تقييم خياراته في ضوء نتائج الانتخابات الأمريكية، والتعبير العلني عن المعارضة للحرب من قبل العديد من العسكريين في إسرائيل، وقادة الاستخبارات، بالإضافة إلى أن الانتخابات المقررة في يناير 2013 في إسرائيل سوف يكون لها أكبر الأثر في فرض تعديلات في السياسة الإسرائيلية المتبعة فيما يخص قضية إيران النووية، وهو ما يلقي بالعبء الأكبر على الحكومات الأمريكية والأوروبية لتشجيع استئناف مفاوضات جادة في هذا الشأن في 2013.

وفيما يخص الصراع الفلسطيني- الإسرائيلي، ترى ماثيوز أن حل الدولتين الذي أصبح من وجهة نظرها كأنه لم يكن. فالحل القائم على إقامة دولتين، إحداهما إسرائيلية، وأخرى فلسطينية، أصبح وكأنه لم يعد على قيد الحياة، خاصة مع امتداد أجل عملية السلام إلى أجل غير مسمى.

ومع الصحوة العربية الحادثة في منطقة الشرق الأوسط، تشير ماثيوز إلى أن الاتفاق بين إسرائيل وفلسطين لم يعد كافياً، وأنه أصبحت هناك حاجة إقليمية للتوصل إلى اتفاق ما بين إسرائيل والعرب، وهو ما سيتطلب جهداً هائلاً من جانب الولايات المتحدة. ومن ثم، فإن السؤال هنا مفاده: هل سيكرس أوباما الجزء الأكبر من ولايته الثانية لتحقيق هذا الهدف التاريخي؟ ترى ماثيوز أنه أصبح أمرا بعيد المنال، بعد القتال في نوفمبر 2012 في غزة.

جنوب آسيا بعد انسحاب القوات الأمريكية

بمجرد إعلان الرئيس أوباما في عام 2011 أن القوات الأمريكية ستغادر أفغانستان في نهاية عام 2014، وصلت أرقام الضحايا لأعلى مستوياتها بعد تسع سنوات من الحرب لتصل إلى أعلى المستويات على مدى عامي 2011 و2012 ، بالإضافة إلى حوادث إطلاق النار على القوات الأمريكية وقوات حلف شمال الأطلسي من قبل الشرطة الأفغانية، وهو ما أدى إلى ضرورة البدء في المفاوضات مع طالبان، وكذا تهيأت الدول المتاخمة لأفغانستان لفترة من عدم الاستقرار، والتي ستحدث بشكل أكبر بعد مغادرة القوات الأمريكية والدولية.

وترى ماثيوز أن الولايات المتحدة وشركاءها الدوليين سيضطرون إلى توسيع جهودهم الرامية إلى بناء المصالحة السياسية لتشمل الجماعات الأفغانية، وأنهم سيقومون بالضغط من أجل إجراء انتخابات رئاسية نزيهة تنهي من ولاية الرئيس الأفغاني حامد كرزاي في عام 2014 ، حتى لا تتسبب هذه الانتخابات في نكسة مدمرة.

على الجانب الآخر، من المرجح أن تشهد الانتخابات الباكستانية في العام المقبل نهاية الفترة الأولي من الحكم المدني بها بشكل سلمي، واستبعاد حدوث عنف، أو انقلاب عسكري، خاصة مع تراجع هواجس باكستان مع عدوتها التقليدية، الهند، والحديث عن جهود جديدة للوصول إلى تسوية طويلة الأمد للنزاعات الإقليمية بين الهند وباكستان.

ويعزز من ذلك تزايد التجارة عبر الحدود بينهما بشكل ملحوظ، وتخفيف القيود على التأشيرات، وهو ما يخفف من وطأة احتمال سقوط إسلام آباد في قبضة حكومات غير ودية، وكذا الحال في نيودلهي وكابول، وهو ما سيسمح لباكستان بالقيام بدور أكثر إيجابية في تشكيل مستقبل أفغانستان.

روسيا.. لا تغيير

بعد أن اجتاحت الأراضي الروسية موجة عارمة من الاحتجاجات في ختام عام 2011 والمستوحاة من الصحوة العربية، وهو ما تنبأ له المحللون السياسيون بأنه سيكون بمثابة نقطة تحول فاصلة في السياسة الروسية، إلا أن الحركة ضعفت. وبعد ثلاثة أشهر فقط، أعيد انتخاب رئيس الوزراء الروسي فلاديمير بوتين لمنصب الرئيس، والذي ترتب عليه إلحاق أضرار جسيمة بالشرعية، فقد جمع أكبر قدر من السلطات بيده.

تؤكد ماثيوز أنه من غير المتوقع في عام 2013 ، وربما لعدة أعوام مقبلة، حدوث أي تغيرات جذرية في روسيا، خاصة في ظل استمرار دعم روسيا للنظام السوري بقيادة بشار الأسد، والحيلولة دون الحصول على قرار حاسم من مجلس الأمن الدولي، في ظل مساندتها والصين للنظام السوري. وبالتالي، فإن أهم قرار على المدى القريب- بناء على تحليل ماثيوز- هو ما إذا كانت ستجد كل من الولايات المتحدة وروسيا وسيلة للتعاون على بناء أنظمة الدفاع الصاروخية أم لا، والذي من شأنه تغيير قواعد اللعبة بعلاقات روسيا بالغرب، والحد من الأسلحة النووية.

ملاحظات ختامية:

تؤكد ماثيوز في ختام دراستها جملة من الملاحظات، أهمها:

أولا: إذا تمكنت الولايات المتحدة وأوروبا من التعامل مع القضايا الاقتصادية التي تواجهها بفاعلية، فسوف تطغى هذه القضايا على باقي القضايا الأمنية والسياسية على مدى عام 2013.

ثانيا: لابد من اتفاق الأطراف السياسية الفاعلة في الولايات المتحدة على وسيلة لتخطي الهاوية المالية التي تسير نحوها، خاصة مع سيادة حالة من الضبابية الاقتصادية طوال ثمانية عشر شهراً مضت، وإعطاء دفعة لاستثمارات القطاع الخاص، والتي من شأنها الإسهام في حالة الانتعاش الاقتصادي الضرورية واللازمة.

وتضيف أن الظروف السياسية المتمثلة فيما إذا كان الحزب الجمهوري سيرغب في الوصول إلى اتفاق حقيقي يخص النهضة الاقتصادية المبتغاة أم لا هو ما سيحدد المسيرة الاقتصادية في الفترة المقبلة.

ثالثا: بالنسبة لأوروبا، الكيان الاقتصادي الأكبر في العالم، فإنها على شفا مرحلة حرجة، وهو ما يستدعي الإرادة السياسية لتحقيق الانضباط الاقتصادي المطرد، وأن عليها بذل الجهد اللازم لإنقاذ اليورو، مع الأخذ في الحسبان أن الإصلاحات الهيكلية المطلوبة، وما سيصاحبها من إجراءات تقشفية، ستستمر لسنوات عديدة. وتؤكد ماثيوز أن التحدي الحقيقي هو تجنب حدوث أي انتكاسات طوال عام 2013 لهذه الخطة التقشفية، وبشكل خاص في فرنسا.

تعريف الكاتب:  جيسيكا توكمان ماثيوز خبيرة في العلاقات الدولية