آخر تحديث :الجمعة-29 مارس 2024-05:27م

أدب وثقافة


بعد الرحيل(قصة)

السبت - 15 ديسمبر 2018 - 05:24 م بتوقيت عدن

بعد الرحيل(قصة)

كلمات/عصام مريسي:

لم يتغير شيء في حياتها منذُ تلقت نبأ وفاة وحيدها في حادث عرضي بأطلاق  مقذوف ناري عن طريق الخطأ،تنساق قدميها إلى الغرفة التي كانت تعد لزواجه تفتح دولاب ملابسه تقلبها قطعة ،قطعة تضمها بين أحضانها تشم رائحتها التي تذكرها بولدها الفقيد وفي عينيها لألأ من دمع محبوس خلف حدقات عينيها تفتح نوافذ الغرفة حتى تتعرض للتهوية وتلمح منزل خطيبته علَّ رؤياها تشعرها بالفرح وتجدد لحظات السعادة التي جمعتها بولدها وخطيبته ، تفتح نوافذ الغرفة وهالها ما شاهدت من مظاهر العرس فالمنزل تعلوه الزينة وجمع من الناس يتوافدون إلى المنزل وأصوت النسوة ترتفع بالزغاريد وهي ما زالت ترقب الأحداث التي تدور في منزل خطيبة ولدها المتوفى وقلبها يعتصر ألماً وعينيها تفيض بالدموع ، تغلق النافذة المطلة على منزل خطيبة ولدها قبل وفاته  وتعود لترتمي على سريرها وتجهش بالبكاء وهي تتقلب على فراشة وتشم بقايا عبق عرقه وتتمتم في همس مع نفسها:

الكل قد نساك ـ أما أنا لن أنساك أبداً

وكلما ارتفعت أصوات المبتهجين في عرس بنت الجيران ذهبت الأم الثكلى لتغوص في فراش ولدها الفقيد وتتقلب بين دفة السرير الذي كان يعد لعرسة حتى تغص في نوم عميق وتأخذها الأحلام والأماني إلى ما تصبو إليه كل أم  من الاحتفال بعرس ولدها واستقبال المهنئين وهي في خضم انشغالها ما زالت تضفي بابتسامتها العريضة الدافئة على كل الحاضرين قائلة:

أهلاً وسهلاً .. تفضلن بالجلوس

ثم تستدير نحو النسوة المجتمعات لمساعدتها في استقبال المدعوات وهي تلقي إليهن بالإسراع ليقمن بواجب الضيافة نحو الحاضرات:

أسرعن في تقديم العصائر للضيوف

وجميع النساء المقربات الحاضرات للمساعدة في تقديم واجب الضيافة يطفن على المدعوات كأسراب نحل يتفانون في الخدمة وأم العريس تتمخطر كطاؤوس يستقبل كبار الضيوف وهي تشعر بالنشوة والفخر وهي تتلقى التهاني من المدعوات:

مبارك زواج ولدك

بفرحة غامرة وحالة من النشوة والزهو تجيب وترد مباركة الحاضرات:

مبارك عليكن وعقبال الأفراح تعم داركم

الفرحة تغمر الأم وكل جاراتها يباركن فرحها وهنَّ في جو من السرور في انتظار موكب العروسين ، تنطلق الزغاريد معلنة وصول الموكب وتدق الطبول استقبالاً للموكب وتطلق الأعيرة النارية مدوية في سماء الحي والأم تصرخ:

أوقفوا إطلاق الأعيرة النارية .. امنعوا الشباب من إطلاق الرصاص

تستفيق الأم من نومها على صوت الرصاص المنطلق من المخدرة ( صالة مركبة للعرس) في المنزل المقابل ، تفتح النافذة وترى موكب العروسين مغادر الصالة وكلما دققت النظر رأت ولدها يزف إلى جانب عروسه ولكنه ممرغ بالدماء وهي تصرخ وترفع العويل:

أوقفوا إطلاق النار .. لا تقتلوا ولدي.. ولدي عريس .. ولدي عريس

وموكب العروسين ينطلق في سيارات مزينة بالأنوار وصوت الرصاص يلعلع في كل أرجاء الحي وهي تقلب بصرها في أرجاء الغرفة فلا ترى إلا ولدها ملطخ بدمائه ورائحة الدم تهيج مشاعرها فتزيد في البكاء والعويل.