آخر تحديث :الجمعة-29 مارس 2024-05:58ص

أدب وثقافة


من التقليدية إلى التحديث.. الاديب والقاص المصري يوسف الشاروني: احمد محفوظ عمر احسن قاص يمني

الخميس - 13 ديسمبر 2018 - 02:44 م بتوقيت عدن

من التقليدية إلى التحديث.. الاديب والقاص  المصري يوسف الشاروني: احمد محفوظ عمر احسن قاص يمني

(عدن الغد) خاص:

د. ميخائيل سوفوروف

عرض وتلخيص : د . شهاب القاضي

 

يظل على الدوام الاديب القاص الرائد الكبير احمد محفوظ عمر ، قريبا من نبض الكلمة او ذلك الخيط الرفيع الذي يجعل فعل القص هو جذر التماهي الوحيد مع بوح الانسان الخاص وهو يستدعي زمنيته الغائرة في تحولات الاشياء والكائنات والتي لا تتوقف وانما هي في سيرورة لا تنتهي ، من ماض ترشح منه الوان الطفولة وعبق المكان الى حاضر يمسك بتلابيب اللايقين والزيف ووعورة الحياة الى مستقبل ترنو اليه المآقي وهو يبدو مبهما عصيا تطارده مجانيته .

 

مطلع عقد الخمسينيات من القرن الفائت ، بدأ يراعه ينحو نحو فن القصة القصيرة ، جاعلا منها صنوا للروح التي تضج بين جنبات جسده النحيل بالحيوية والعنفوان وبالجمال الخلاق فتميز عنده اسلوب القص ونحا متفردا في رؤيته للعالم عن نظرائه في اليمن وبين الكتاب العرب .

 

وعلى هذا السياق يسرني كثيرا ان استعرض الدراسة التي صدرت باللغة الروسية في مجلة (البشير) الصادرة عن جامعة بطرسبرج عام 2005 سلسل رقم(4)إصدار رقم (2)بقلم : د. ميخائيل سوفوروف وهي بعنوان (احمد محفوظ عمر من التقليدية إلى التحديث ) او(القصة اليمنية الجديدة ) وقد نشرتها مجلة الثقافة الصادرة عن وزارة الثقافة والسياحة- الجمهورية اليمنية(العدد79 يوليو 2007 السنة السادسة عشرة).

 

البدايات: التحدي في الاستمرارية 

احمد محفوظ عمر ، احد الكتاب الذي كان طريقه الابداعي يوضح اتجاهات التطور الفني للقصة اليمنية منذ اواسط عقد الخمسينات حتى نهاية السبعينات . ولد الكاتب احمد محفوظ عمر ، في ضاحية عدن ،مدينة الشيخ عثمان عام 1936 وقد كان في المرحلة الثانوية مهتما "بالفن الادبي وكان يقرأ كثيرا في الادب اليمني والعربي والعالمي .في عام 1955 نشر قصته الاولى " ضحية الوطن "في صحيفة النهضة في صفحة الطلاب وفي العام نفسه نشر قصته الثانية "القلب الضائع "في الصحيفة نفسها. وقد نشرت الصحيفة مقالة تشجيعية عن هذا الكاتب المبتدئ، متنبئة له بمستقبل ادبي باهر . وبعد تخرجه في الثانوية العامة عام 1956،عمل مدرسا وكان قد قبل حينها كموظف حكومي مدني في القسم الثقافي في الجيش الفيدرالي في عدن.

 

استمر احمد محفوظ عمر في الكتابة وبحلول عام 1960كان قد نشر (14) قصة من قصصه في الصحف العدنية ، ثمان قصص منها جمعت في مجموعة قصصية بعنوان "الانذار الممزق "التي نشرت في العام نفسه ..وهناك اربع من قصصه قد نشرت متأخرة (1961)،(1966) وايضا قصة "حساب الشعب " المكتوبة عام 1956 والتي جمعت في مجموعة واحدة اسمها " الناب الازرق" صدرت عام 1980م.

 

الاجراس الصامتة : وقع الخطى الثابتة

بعد استقلال جنوب اليمن، قدم احمد محفوظ عمر استقالته من الجيش في عام 1969م وعمل مدرسا حيث يبدو ان الحياة الجديدة في عدن ، ادت الى خيبة امل لدى الكاتب واظهرت روح اليأس والتشاؤم في ادبه . في عام 1974 اصدر المجموعة الجديدة(الاجراس الصامتة)، قصص هذه المجموعة تميزت بلغتها الفنية والتركيبية المعدة بدقة مع انتقاله السريع من مشهد الى مشهد ، من خيال البطل إلى الواقع ، من الواقع إلى الذكريات والمناجاة الداخلية العاطفية التي تتحول الى تيار المشاعر بفكره الفلسفي العميق مع اختلاف نوعية المشاهد، من المدونات اليومية الى الصور والمشاهد الرمزية .

 

برأي جونتر اورت الكاتب والباحث الفني الالماني ، ان الحياة الصعبة والمليئة بالمتاعب حولت ابطال هذه القصص الى أناس معزولين عن الحياة الاجتماعية .. إذ ان قوة الملاحظة لدى الكاتب وإدراكه الحاد للحقيقة والكذب حولت المشاهد الدنيوية البسيطة في قصصه الى تحف فنية صغيرة عن طريق التفاصيل الدقيقة في كتاباته ، مما مكن الكاتب من كشف المشاكل اليومية في المجتمع المرتبطة بالوضع السياسي والاقتصادي الصعب في البلاد ، ففي قصة(الليل الطويل)، يقدم البطل نفسه كالنجم الضائع بين ملايين النجوم المتجولة بحرية في الفضاء الأبدي .. وفي قصة الاجراس الصامتة ، نرى البطل يصل الى مرحلة الاختلال العقلي حيث يعتبر الطبيب أسباب مرضه هو إدمان القات والأدوية المهدئة والتأثر الدائم بالمشاكل العالمية ،فمثلا هو يفكر " ان شبابنا تعبوا في القتال من اجل الحصول على لقمة العيش، تعبوا في محاولاتهم المتواصلة في التغلب على مخاوفهم من المستقبل الغامض " وهنا يقدم الكاتب فكرة اعتراضية حول عدم كمال العالم الحقيقي التي عرفها بانتقال الانسان الى عالم الاوهام ..هذه الفكرة المنتشرة في ثقافة وآداب الغرب في الستينات . تعرض الكاتب للنقد في مجموعة "الأجراس الصامتة" واتهم بتعبيره عن الواقع بطريقة سلبية ولكن بارعة، وفي الوقت نفسه اعتبر الكثيرون ان الكاتب نقل لنا حالة اليمنيين النفسية كما كانت بالفعل في السبعينات .

 

يا أهل هذا الجبل : تمظهر السارد حداثيا تجريبيا

انتقل الاديب احمد محفوظ عمر عام 1975م للعمل في مركز البحوث التربوية واصبح مديرا لمجلة "التربية الجديد" وخلال عمله هناك اصدر مجموعته الجديد " يا اهل هذا الجبل "في عام 1978م التي لقيت تقديرا ليس فقط من قبل النقاد اليمنيين، ولكن من نقاد كثيرين من البلدان العربية .

 

كتب الاديب اليمني د . عبدالعزيز المقالح :في قصص هذه المجموعة ،قد وصل الكاتب الى قمة الكمال الفني واتفق الكل على ان احمد محفوظ عمر تمكن من تحديث السرد اليمني بالفعل واثبت مكانته الادبية " كتجريبي "،مقدما لكل القراء شيئا جديدا في الادب اليمني كفنان متمكن ..قصص المجموعة تكتسي بالهيئة الرمزية التغييرية او السريالية .. الاحداث في هذه القصص تكون في المرتبة الثانية ، بينما يعطي للأفكار المظلمة والاحاسيس والخيال وحتى الهلوسة المرتبة الاولى ..بهذه الطريقة اعطى الكاتب إضاءة لموضة التشاؤم الحديثة التي احاطت في الستينات كل الادب العربي ومس بعض ادباء الواقعية فليس من الغريب ان فن احمد محفوظ عمر حظي بكل التقدير من الكاتب المصري المعروف يوسف الشاروني الذي اعتبر احمد محفوظ عمر احسن قاص يمني .

 

يتحدث الكاتب في قصص هذه المجموعة عن مشكلة العزلة الموصلة للجنون مثل "هوامش وابعاد ، انظر ماذا ترى ، العيون الملطخة بالطين ،الطنين والتنين ، ويا اهل هذا الجبل " ففي هذه القصص وضع احمد محفوظ عمر صورا غامضة ، وغير محددة والتي لم يفلح اي من النقاد في الحكم عليها .

 

 

وقد اشار جونتر اورت  الى ان الشعور بالعزلة والوحدة في مؤلفات احمد محفوظ عمر تتجاوب مع الانفعالات المشابهة للأبطال المهاجرين في احد مؤلفات كاتب يمني آخر هو محمد عبدالولي ، ولكنهم يملكان الكثير من الاختلافات المبدئية ؛ابطال الكاتب عبدالولي يعانون من الوحدة، وعدم فهم الغير لهم بسبب عيشهم في مجتمع تختلف تقاليده عن تقاليد المجتمع اليمني ... أما ابطال الكاتب احمد محفوظ عمر ، فهم وحيدون في مجتمعهم بسبب حياتهم المشوشة ، وعيوب المجتمع الاخلاقية والسياسية ويرى بعض النقاد في قصصه تفسيرا لقدر الانسان العربي في الحياة المعاصرة ، وتم اعتبار احمد محفوظ عمر رائد التحديث في السرد العربي واليمني الذي تبعه الكثير من الكتاب اليمنيين مثل : ابراهيم الكاف ، زيد مطيع دماج ، ميفع عبدالرحمن ، علي صالح عبدالله ، كمال الدين محمد، محمد صالح حيدرة وآخرين

 

في عام  1989 اصدر احمد محفوظ كتاب مذكرات تحت عنوان "قطرات من حبر ملون "يروي لنا فيها حياة سكان الشيخ عثمان ايام طفولته ،يتحدث عن احداث مختلفة في حياة المواطنين العائلية والاجتماعية ، وعن بعض الاحداث البارزة من تاريخ المدينة ، كذلك تحدث الكاتب عن شغفه الادبي وذكر بعض اسماء كتابه المفضلين مثل نجيب محفوظ وجبرا ابراهيم جبرا .

 

وفي عام 2000  تقاعد احمد محفوظ عمر ،وهو عضو مؤسس لاتحاد الادباء والكتاب اليمنيين .