آخر تحديث :الخميس-25 أبريل 2024-09:52ص

أخبار وتقارير


كيف تستفيد الولايات المتحدة من تحالفها مع إسرائيل؟

السبت - 22 ديسمبر 2012 - 11:55 ص بتوقيت عدن

كيف تستفيد الولايات المتحدة من تحالفها مع إسرائيل؟

مايكل أيزنشتات وديفيد بولوك

في المناظرة الرئاسية الأخيرة في موسم الحملات الانتخابية الرئاسية الأمريكية لعام 2012، أتى الرئيس باراك أوباما والحاكم ميت رومني على ذكر إسرائيل نحو 30 مرة، وهو معدل تجاوز ذكر أي دولة أخرى باستثناء إيران. وقد أثار ذلك انتباه العديد من المفكّرين والباحثين، مما دفعهم إلى التساؤل عن طبيعة العلاقة التي تربط الولايات المتحدة بإسرائيل.

وكان "مايكل أيزنشتات" (مدير برنامج الدراسات العسكرية والأمنية في معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى) و"ديفيد بولوك" (زميل كوفمان في المعهد، ممن نقّبوا في خبايا تلك العلاقة الأمريكية-الإسرائيلية) حيث أعد الباحثان تقريرًا في هذا الصدد نشرته مجلة "فورين أفيرز" يوم 7 نوفمبر 2012 تحت عنوان "علاقة المنفعة: لماذا يُعدُّ التحالف بين الولايات المتحدة وإسرائيل مفيدًا لأمريكا؟".

 

شراكة متبادلة

 

استهل الباحثان تقريرهما بالإشارة إلى أن أوباما ورومني وصفا الدولة اليهودية بأنها "صديق حقيقي" وتعهّدا بالوقوف إلى جانبها في السراء والضراء. وبحسب التقرير؛ انتقد بعض المعلّقين السياسيين تصريحات الدعم المفرطة هذه باعتبارها محاولة للاسترضاء، مما يُشير إلى أن المرشحيْن كانا يتطلعان ببساطة إلى الفوز بأصوات اليهود، وأصوات الموالين لإسرائيل.

 

لكن إن كان الدعم الإسرائيلي من عوامل الفوز السياسي، فيُعْزَى ذلك على الأقل إلى إلمام الناخبين بما هو أفضل للمصالح الأمريكية، على حد اعتقاد الباحثين اللذَيْن يلفتان إلى أن التحالف بين الولايات المتحدة وإسرائيل بات يعزز الأمن الأمريكي في الوقت الراهن عن أي وقت مضى؛ إذ نما تعاونهما الثنائي في إطار التعامل مع التحديات العسكرية وغير العسكرية على مدى السنوات الأخيرة.

 

وقد لا تكون العلاقة متماثلة؛ فقد أمدت الولايات المتحدة إسرائيل بدعم دبلوماسي واقتصادي وعسكري لا غنى عنه بلغ أكثر من 115 مليار دولار إجمالا منذ عام 1949. بيد أن ذلك لا ينفي كون الشراكة متبادلة وذات فائدة للولايات المتحدة.

 

أما التكاليف الأخرى الملموسة بشكل أقل والناجمة عن التحالف بين البلدين -والتي تتمثل بصفة أساسية في الضرر الذي لحق بسمعة واشنطن في البلدان العربية والإسلامية، وهي مشكلة نجمت عن التدخلات الأمريكية وعقود من الدعم الأمريكي للحكام المستبدين في الشرق الأوسط- فإنها تتضاءل عند مقارنتها مع المكاسب الاقتصادية والعسكرية والسياسية التي عادت على واشنطن.

 

جذور التعاون الأمني الأمريكي الإسرائيلي

 

تعود جذور التعاون الأمني بين الولايات المتحدة وإسرائيل إلى ذروة الحرب الباردة حينما كان يُنظر إلى الدولة اليهودية في واشنطن على أنها "حجر عثرة" أمام نمو النفوذ السوفيتي في الشرق الأوسط، وعلى أنها دولة مناهضة للقومية العربية. وعلى الرغم من تغيُّر العالم منذ ذلك الحين، لم يتغير المنطق الاستراتيجي للتحالف بين إسرائيل والولايات المتحدة، حسبما أورد الباحثان في التقرير.

 

ولا تزال إسرائيل -على حد وصف أيزنشتات وبولوك- ثقلا موازنًا ضد القوى الراديكالية في الشرق الأوسط، بما فيها الإسلام السياسي والتطرف العنيف. فضلا عن لعبها دورًا في الحيلولة دون استشراء أسلحة الدمار الشامل في المنطقة عن طريق إحباط البرامج النووية العراقية والسورية.

 

وما زالت إسرائيل تساعد الولايات المتحدة أيضًا في التعامل مع التهديدات الأمنية التقليدية، حسبما يذكر الباحثان اللذان يعززان قولهما هذا بالإشارة إلى أن الدولتين تتشاركان المعلومات الاستخباراتية بشأن الإرهاب والانتشار النووي والسياسة في الشرق الأوسط. وقد جسّدت التجارب العسكرية الإسرائيلية نهج الولايات المتحدة في مكافحة الإرهاب والأمن الداخلي، وتعمل الحكومتان الأمريكية والإسرائيلية معًا لتطوير تقنيات عسكرية متطورة، مثل نظم "ديفيدز سلينغ" للصواريخ المضادة، ونظم الدفاع الصاروخية "آرو"، والتي قد تكون جاهزة بعد فترة قصيرة للتصدير إلى حلفاء الولايات المتحدة الآخرين.

 

هذا وبرزت إسرائيل كمورد هام لمعدات الدفاع إلى الجيش الأمريكي، حيث ارتفعت المبيعات الدفاعية من 300 مليون دولار سنويا قبل أحداث 11 سبتمبر إلى 1.1 مليار دولار في عام 2006، وذلك بسبب الحروب في أفغانستان والعراق. وقد قاد مجمع الأبحاث والتطوير العسكري الإسرائيلي العديد من التقنيات المتقدمة التي تحوِّل شكل الحرب الحديثة، ويشمل ذلك الأسلحة السيبرانية، والمركبات بدون طيار (مثل أجهزة الروبوت الأرضية والطائرات بدون طيار)، ونظم الاستشعار، ونظم الحرب الإلكترونية، والدفاعات المتقدمة للمركبات العسكرية.

 

تعاون البلدين في المجال التكنولوجي

 

مهّد التحالف بين الولايات المتحدة وإسرائيل الطريق أمام الدولتين للتعاون في مجالات أخرى إلى جانب المجال الأمني التقليدي. وبفضل العلاقات الأمنية والسياسية طويلة الأجل بين الولايات المتحدة وإسرائيل، يعرف معظم الإسرائيليين الكثير عن الولايات المتحدة ويكنُّون لها مشاعر إيجابية.

 

فالشركات الإسرائيلية التي تبحث عن أسواق عالمية لمنتجاتها، على سبيل المثال، غالبا ما تنظر إلى نظرائها الأمريكيين على أنهم "الشركاء المفضلون". لذا باتت الابتكارات التقنية المدنية الإسرائيلية تساعد الولايات المتحدة في الوقت الراهن على الحفاظ على القدرة التنافسية الاقتصادية، وعلى تعزيز التنمية المستدامة، ومواجهة مجموعة من التحديات الأمنية غير العسكرية.

 

ويلفت الباحثان إلى أن عشرات الشركات الأمريكية الرائدة أنشأت حاضنات تكنولوجية في إسرائيل للاستفادة من ميول البلد نحو اكتساب أفكار جديدة، ويوضحان أن ذلك كان سببًا في إشارة بيل جيتس في عام 2006 إلى أن "الابتكار الجاري في إسرائيل يعتبر مسألة جوهرية لمستقبل عالم التكنولوجيا".

 

وبالمثل، تلجأ الشركات الإسرائيلية عالية التقنية إلى الشركات الأمريكية غالبا لإنماء فرص التسويق المشتركة في الولايات المتحدة وأماكن أخرى، مما يوفر بدوره عشرات الآلاف من فرص العمل للأمريكيين. ورغم أن الإسرائيليين لا يشكلون سوى 3% من سكان الشرق الأوسط، إلا أن إسرائيل كانت في عام 2011 وجهة لـ25% من كافة الصادرات الأمريكية إلى المنطقة، وتفوقت مؤخرا على المملكة العربية السعودية في كونها السوق الأكبر للمنتجات الأمريكية في الشرق الأوسط.

 

ويلفت أيزنشتات وبولوك في تقريرهما إلى أن تعاون الشركات الأمريكية مع إسرائيل في مجال تكنولوجيا المعلومات كان حاسما لتألُّق وادي السيليكون Silicon Valley، وهي المنطقة الأم لأكبر شركات التقنية في العالم. ويُذكر أنه في مراكز الأبحاث والتطوير لشركة "إنتل" في إسرائيل صمم مهندسون العديد من المعالجات الدقيقة الأكثر نجاحا للشركة، والتي شكلت نحو 40% من إيرادات "إنتل" في العام المنصرم.

 

وفي هذا الصدد يقول الباحثان: "إذا كُنت قد أجريت معاملة آمنة على الإنترنت أو أرسلت رسالة فورية أو اشتريت شيئًا باستخدام موقع باي بال (PayPal)، فعليك أن تشكر باحثي تكنولوجيا المعلومات الإسرائيليين".

 

براعة إسرائيل في تأمين المياه ومصادر الطاقة

 

وبحسب التقرير، توصّل المبتكرون الإسرائيليون إلى حلول جديدة للتحديات الأمنية المرتبطة بالمياه والغذاء الناجمة عن نمو السكان، والتغير المناخي، والتطور الاقتصادي. وفي ضوء جغرافيا الشرق الأوسط، تعتبر إسرائيل -على حد وصف الباحثين- رائدا عالميا في الحفاظ على المياه وإدارتها، وفي الزراعة عالية التقنية. إذ تقوم إسرائيل بتدوير أكثر من 80% من مياه الصرف الصحي -وهي أعلى نسبة في العالم- فضلا عن براعتها في استخدام تقنيات الحفاظ على المياه وتنقيتها، بما في ذلك الري بالتنقيط وتحلية المياه.

 

وقد تألّقت عدد من الشركات الإسرائيلية في تطوير مصادر الطاقة المستدامة؛ فشركة "برايت سورس إنداستريز" على سبيل المثال تعمل على بناء محطة طاقة شمسية في كاليفورنيا باستخدام تقنية إسرائيلية ستضاعف كمية الكهرباء الحرارية الشمسية المنتَجة في الولايات المتحدة. وتسهم هذه الابتكارات -التي يعززها الاستثمار الأمريكي الهائل في إسرائيل- في تعزيز أهداف السياسة الداخلية والخارجية الأمريكية المتعلقة بالتنمية المستدامة، حسبما يشير الباحثان.

 

مخاطر التحالف مع إسرائيل

 

لا شك أن التحالف مع إسرائيل لم يكن خاليًا من المخاطر أو الخسائر بالنسبة لواشنطن. فحرب 1973 بين إسرائيل وجيرانها جعلت الولايات المتحدة على شفا صراع مع الاتحاد السوفيتي، وأفضت إلى فرض الدول العربية حظرًا على الصادرات النفطية إلى الولايات المتحدة.

 

ويُذكر أنه عقب الغزو الإسرائيلي للبنان في عام 1982، أرسلت إدارة الرئيس ريجان جنود مشاة البحرية الأمريكية للمساعدة على إرساء الاستقرار هناك، مما أفضى إلى تعرُّض الدبلوماسيين وأفراد الجيش الأمريكيين هناك إلى هجمات عنيفة. هذا وعزز الدعم الدبلوماسي والعسكري الأمريكي لإسرائيل الاتجاهات السلبية تجاه الولايات المتحدة في العديد من البلدان العربية وتلك ذات الأغلبية المسلمة.

 

ومع ذلك، ينوّه الباحثان إلى أن الوقوف إلى جانب إسرائيل لم يقيّد سياسة واشنطن تجاه المنطقة مثلما فعلت الحرب في العراق أو مثلما فعل دعم الولايات المتحدة للأنظمة العربية المستبدة.

 

العرب والولايات المتحدة

 

ساعد التحالف بين الولايات المتحدة وإسرائيل أحيانا في توطيد العلاقات بين واشنطن والعرب؛ فالعديد من الدول العربية ترى أن بمقدور الولايات المتحدة وحدها إقناع إسرائيل بتقديم تنازلات في المفاوضات. وقد كان ذلك جزءًا من منطق ابتعاد مصر عن الاتحاد السوفيتي، وتقربها للولايات المتحدة في سبعينيات القرن الماضي. وحتى خلال العقد الماضي الذي شهد تعاونًا وثيقًا بين الولايات المتحدة وإسرائيل؛ ازدهرت العلاقات العربية مع الولايات المتحدة إلى حدٍّ كبير: فالتجارة والاستثمارات الثنائية آخذة في الازدهار، حيث وصلت الصادرات الأمريكية إلى منطقة الشرق الأوسط في عام 2011 إلى أعلى معدلاتها على الإطلاق مسجلة 56 مليار دولار.

 

هذا وبات التعاون في مجال الدفاع أقوى من أي وقت مضى، وينعكس ذلك في اتفاقات شراء الأسلحة التي أبرمتها واشنطن بمليارات الدولارات مع حلفائها الخليجيين على مدى السنوات الأخيرة. كما تشارك العديد من الدول، من بينها مصر والأردن إلى جانب السلطة الفلسطينية، المعلومات الاستخباراتية مع إسرائيل. ويُذكر أنهم عملوا في أوقات مختلفة من وراء الكواليس لجعل إسرائيل "وسيطا" لدى واشنطن.

 

وقد كان ذلك هو الحال حتى في ظل الحكومة المصرية التي أعقبت الثورة. وبحسب الباحثين، يؤكد ذلك كله الحقيقة القائلة إن المصلحة الذاتية، وليس الأيديولوجية، هي المحفّز الرئيسي لعلاقات الدول العربية مع واشنطن.

 

علاقة مصالح

 

يرى أيزنشتات وبولوك أن الفوائد التي تعود على الولايات المتحدة من علاقتها مع إسرائيل توحي بأن التحالف بين البلدين لا يقوم على القيم الديمقراطية المشتركة للبلدين، أو على شعبية إسرائيل في السياسة الأمريكية، أو على السعي لإحراز تقدم في عملية السلام فحسب؛ بل هي علاقة تقوم على مصالح ملموسة، وستظل كذلك في المستقبل المنظور، من وجهة نظر الباحثَيْن اللذين ينوّهان إلى أن التحالف مع إسرائيل ليس مسألة هيّنة، لا سيما وأنها تواجه تحديات جمّة، منها الصراع المستمر مع الفلسطينيين، والفجوات الاجتماعية والاقتصادية الداخلية، والبرنامج النووي الإيراني، وأصداء الأصوات التي تنكر حقها في الوجود.

 

وفي الختام، يشير أيزنشتات وبولوك إلى أن سعي إسرائيل لدمج أعداد غفيرة من المهاجرين، ورأب الفجوات الاجتماعية العميقة، وإظهار مرونة ملحوظة في مواجهة الحرب والإرهاب تبرّر إمكانية مواصلة واشنطن اعتمادها على شريكها الأقرب في الشرق الأوسط، ومواصلتها الاستفادة من تحالفها مع الدولة اليهودية.

 

عرض شيماء ميدان، مترجمة متخصصة في الشئون السياسية والاقتصادية