آخر تحديث :الجمعة-29 مارس 2024-05:27م

ملفات وتحقيقات


إلى أين تتجه عمالة الأطفال في اليمن؟

الإثنين - 22 أكتوبر 2018 - 02:08 م بتوقيت عدن

إلى أين تتجه عمالة الأطفال في اليمن؟

عدن(عدن الغد)خاص:

أطفال كثيرون هم الذين يعملون في مختلف المجالات وتوكل إليهم الكثير من المهام وهم في عمر الزهور بين سن الخامسة والخامسة عشر، هؤلاء الأطفال معرضون لشتى صنوف المعاناة و للعديد من الأخطار التي قد تؤدي في غالب الأحيان إلى الوفاة، عن أسباب ومسببات هذه الظاهرة كان لنا هذه المادة الصحفية فتابعونا.

تحقيق / محمد مرشد عقابي:

حددت لائحة الأعمال المحظورة على الأطفال من هم أقل من 18 عاما بقرار وزاري رقم (56) لسنة 2004م أكثر من 58 عملا استنادا إلى اتفاقيتي العمل الدولية رقم (182) لعام 1999م بشأن حظر أسوأ أشكال عمل الأطفال ورقم (138) لعام 1973م بشأن الحد الأدنى لسن الاستخدام الصادرتين من منظمة العمل الدولية وهذه الوثائق هي المرتكزات الأساسية التي تحدد المسار الصحيح في هذا الجانب.

 

مؤشرات خطيرة

تقدر الإحصائيات المحلية وجود أكثر من مليون ونصف طفل يمني منخرط في سوق العمل دون سن الخامسة عشر، وهذه الظاهرة تنمو بشكل متسارع وبمتوسط سنوي بلغ (10%) من إجمالي عدد الأطفال دون سن الثانية عشر، وهناك تقديرات تؤكد وجود أكثر من اثنان مليون طفل يمني يمارسون مختلف الأعمال ومنها الانخراط بصفوف الجيش أو الأمن خاصة في الآونة الأخيرة في الفئة العمرية ما بين  (6-12) سنة ولا تزال الدراسات والبحوث العلمية والميدانية لكل جوانب الظاهرة محدودة وشحيحة لاسيما هذه الفترة التي يعيش فيها الوطن حربا ضروس الضحية والمتضرر الأكبر فيها هم شريحة الأطفال الذي تحصد أرواحهم البريئة لأسباب عديدة ومختلفة منها مشاركتهم كوقود فيها أو للضربات العارضة أحياناً والخاطئة أحياناً أخرى.

 

تفشي ظاهرة عمل صغار السن

يؤكد العديد من الخبراء والمهتمين في هذا المجال بأن العامل الرئيس وراء تفشي وانتشار هذه الظاهرة يرجع إلى الأسباب الاقتصادية للأسرة والمجتمع وارتفاع معدلات الفقر التي تتزامن مع غلاء مطرود وفاحش لأسعار المواد الغذائية في ظل انهيار العملة وضعف دخل الفرد، حيث أوضحت دراسات عديدة أجريت مؤخراً بأن الفقر هو السبب الأول والأخير في ذهاب الأطفال إلى سوق العمل أو المشاركة في الحروب والصراعات الدامية كل ذلك بهدف كسب المال اللازم لأمور الحياة، حيث أن الفقر يجعل من الأطفال سلعة رخيصة الثمن مما يغري أصحاب وطالبي العمل أنفسهم لاستقطابهم وهو ما ينتج عنه ارتفاع نسب البطالة بين الراشدين.. مشيرين إلى أن الفقر من أهم الأسباب والعوامل التي تجعل الطفل يترك التعليم ويتجه إلى سوق العمل أو حتى إلى جبهات القتال المختلفة نتيجة عجز الأهل عن الإنفاق على أولادهم نظير ضيق الحال الذي يعاني منه السواد الأعظم من الشعب اليمني ومن بين الأسباب الاجتماعية وراء تفشي هذه الظاهرة هو انخفاض الوعي الثقافي والإدراك عند الأسر مما يؤدي إلى حصول العديد من الأضرار التي تلحق بالأبناء كالأذى الجسدي والنفسي والمعنوي وحتى الذهني والعلمي فهذه الأسر لا تعي قيمة وفائدة إلحاق أبنائها بسلك التعليم بقدر وعيها بكيفية الحصول على المال عن طريق الدفع بأبنائها نحو الجبهات والأعمال الأخرى دون النظر إلى أعمارهم الصغيرة مقارنة بالمهام التي تناط بهم لأدائها، إضافة إلى رغبة بعض الأطفال أنفسهم في الاعتماد على الذات والحصول على فرصة عمل مهما كانت أهم شيء تضمن الحصول على المال وملء الفراغ بعد ترك الدراسة أو بعد إنهاء مرحلة معينة من مراحل التعليم.

وقال خبراء عمالة الأطفال: "أوضاع المجاعة الناتجة عن الحرب وارتفاع أسعار ضروريات الحياة وكذا سوء الأوضاع التعليمية من أهم أسباب انتشار ظاهرة عمالة الأطفال، فقد أثبتت عدد من الدراسات والبحوث أن هناك علاقة ترابط وثيق بين الحروب والفقر وتخلف المنهج التعليمي من جهة وبين اتجاه الطفل نحو البحث عن المال بأي موقع أو مجال وأن كان ذلك يكلفه روحه وحياته من جهة أخرى، بينما يعتبر ضعف الجانب التشريعي والقانوني وهشاشة المسؤولية الجنائية على أصحاب العمل وأولياء الأمور من بين مسببات انتشار هذه الظاهرة أيضا، في ظل لامبالاة يبديها الكثير من الآباء وأولياء الأمور الذين يقومون بالدفع بأبنائهم إلى المهالك والمحارق ولا يهمهم في الموضوع بأكمله سوى جني المال والربح السريع مهما كلفهم ذلك من ثمن ومهما كانت النتائج، فهؤلاء الصنف من الناس يتجردوا من كل أشكال الرحمة والإنسانية لحظة رؤية المال الذي يسيل له لعابهم غير عابئين بضريبة هذا الجشع والطمع مهما كانت وخيمة.

 

برلمان الأطفال

أكدت العديد من الفعاليات المناهضة والمناوئة لعمالة الأطفال في اليمن أهمية إصدار قرار لمعاقبة أولياء الأمور الذين يدفعون بأبنائهم للمحارق والمهالك وأسواق العمل التي لا تتناسب مع أعمارهم الصغيرة، وكذا معاقبة أي شخص يثبت تورطه بتوفير عمالة الأطفال دون السن القانوني عطفاً على لوائح ونصوص مواد قانون ودستور العمل بالجمهورية اليمنية،

وأكدت تقارير أصدرتها المدرسة الديمقراطية بأن هناك العديد من الأطفال يتم إقحامهم لتأدية مهام لا تتطابق مع مراحلهم السنية الصغيرة والتي تندرج في إطار الانتهاكات لحقوق الطفولة في اليمن والتي تمارس بقصد أو بدون قصد أحيانا.

وأشارت تلك التقارير إلى أن هناك أطفالا ما يزالون يعملون في أعمال لا تتلاءم مع أعمارهم وآخرون يتوجهون إلى مواقع وجبهات الحروب وهو ما يخالف الدستور والقوانين والتشريعات التي تحدد السن القانوني لذلك،

وأوضح تقرير خاص بلجنة الرصد في برلمان الأطفال في وقت سابق وجود فتيان وفتيات يعملون في الأسواق والطرقات بأعمال شاقة وخطيرة على حياتهم ومستقبلهم يكونون فيها عرضة لكافة صنوف الانتهاك اللفظي والجسدي والنفسي والمعنوي أو للاختطاف والاستغلال الجنسي وغيرها من السلوكيات التي قد يتعرضون لها وتكون سبباً مباشراً ومؤشراً سلبياً في تغيير طبيعة حياتهم المستقبلية نحو الأسوأ.. داعياً إلى مساعدة الأطفال في مراحلهم السنية هذه من خلال توفير الضمان الاجتماعي المناسب وإيجاد آلية ملزمة أولياء الأمور بإلحاق أبنائهم بالتعليم وحمايتهم من أي انتهاكات قد تطالهم.

إفرازات ظاهرة عمالة الأطفال

أشارت دراسة أصدرها مؤخراً مركز تأهيل الأطفال العاملين إلى إن عمالة الأطفال تزايدت بشكل كبير وملفت خصوصاً في السنوات الأربع الأخيرة التي يتواجد فيها الطفل في مواقع وأماكن خطيرة على حياته قد تتسبب بوفاته نتيجة عوامل وأسباب أهمها المجاعة والفقر وغلاء المعيشة المصاحبة للحرب التي تعصف بالبلد، إضافة إلى وجود عدد آخر من الأطفال في بيئات يتعرضوا من خلالها لأبشع صور الانتهاكات والممارسات الدنيئة وهذا الأمر يجعلهم معرضين في أي لحظة الانحراف عن مسار والأخلاقيات السليمة والتوجيه لمزاولة أنشطة غير قانونية مثل استخدام المخدرات و المحظورات والممنوعات وتناولها أو الاتجار بها وكذا ممارسة الدعارة والسرقة والانغماس في الرذائل وما نهى عنه ربنا جل في علاه في محكم تعاليم ديننا الإسلامي الحنيف أو حذرنا منه رسولنا الكريم صلوات ربي وسلامه عليه أو سلوك مسلك الجريمة المنظمة بكافة أشكالها وغيرها من الظواهر الشاذة والدخيلة على مجتمعنا المحافظ،

وكشفت دراسة لوزارة الداخلية في فترة سابقة أن جرائم السرقة المرتكبة من قبل الأحداث قد احتلت المرتبة الأولى من بين بقية القضايا، وأكد تقرير أمني حينها ضلوع الأطفال في اليمن بعمليات سرقات للمنازل والمحال التجارية وأكثر المرتكبين لهذه الجرائم تتفاوت أعمارهم بين (5-15).

مشيراً إلى أن جرائم السرقة التي ضبطتها السلطات وثبت تورط أطفال في ارتكابها مثلت 374 جريمة من بين 1083 قضية مختلفة رصدت في العام الأخير قبل الحرب، وأكد التقرير بأن من بين ذلك ارتكاب 36 حالة سرقة سيارات و32 حالة نشل و 24 حالة إتلاف ملكية شخصية و28  حالة انتحال أسماء شخصيات بغرض تنفيذ أعمال مخلة بالأمن أو سرقات وتتوزع بقية النسب في أنواع أخرى من الجرائم.

 

توصيات ومعالجات.

العديد من الشخصيات المهتمة بهذا الجانب ترى أن الحل المناسب للحد من انتشار هذه الظاهرة هو الاستعانة بالتدابير التالية:

-تطبيق القوانين واللوائح والأنظمة التي تسير عملية تشغيل الأطفال بحذافيرها.

-القضاء الفوري على عمل الأطفال في ظروف خطرة أو استغلالهم.

-فرض التعليم الأساسي الإلزامي والمجاني.

-تشجيع وتسهيل تسجيل الأطفال في المدارس لتفادي اضطرارهم للجوء إلى أشكال من العمل الذي لا يناسب أعمارهم.

-وضع السياسات لمحاربة الفقر وتنفيذها.

-الإشراف المستمر ومتابعة أوضاع الأطفال الصحية والعملية.

-توسيع دائرة الحماية الاجتماعية.

-تشجيع البرامج المتعلقة بمحاربة عمل الأطفال.

-استيقاظ الوعي والهمم وتعبئة المجتمع ومنظمات المجتمع المدني والنقابات ومفتشي العمل وتفعيل دور المنابر الإعلامية وخطباء المساجد  ومراكز نشر الوعي والآباء بأهمية محاربة عمل الأطفال.

-دعم البرامج الوطنية لمحاربة تجنيد الأحداث ومكافحة عمالة الأطفال.

-إشراك الأطفال في إعداد وتنفيذ ومتابعة جميع الأنشطة والفعاليات الهادفة محاربة أشكال وصنوف عمالة الطفولة.

- دعم الأسر الفقيرة التي تم انتشال أطفالها من سوق العمل ببدائل مساعدة لتعويض دخلها المادي تغنيها وتنسيها المردود التي كانت تتقاضاه مقابل عمل أطفالها.

خاتمة

إن قوانين عمل الأطفال تحمي صغارنا المعرضين لخطر حوادث العمل والأمراض المهنية ولكن القوانين ليست الوسيلة الوحيدة لتوفير بيئة آمنة وصحية لهؤلاء العمال الصغار إنما هي الخطوة الأولى نحو وضع معيار اجتماعي لحمايتهم، وبصرف النظر عن ذلك فإن بعض أشكال عمل الأطفال قد تكون نافعة لهم، لناحية مشاركتهم في إعادة توزيع الثروة ومن خلال جنيهم للأرباح فإن بيت الطفل هو بيت أهله الدافئ ومكان عمله هو المدرسة وحقله هو ملعب الحي،

وتؤكد الكثير من الأبحاث والدراسات وجود ارتباط عميق ومتجذر بين وضع الطفل في المجتمع والتنمية وهناك فرضية تقول (اعطني طفلاً صحيحاً معافى أعطك مجتمعاً قوياً).