آخر تحديث :الجمعة-29 مارس 2024-03:07ص

اليمن في الصحافة


هل يلتقي شمال وجنوب اليمن أخيرا؟

الثلاثاء - 18 ديسمبر 2012 - 01:10 ص بتوقيت عدن

هل يلتقي شمال وجنوب اليمن أخيرا؟
الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي مع أمين عام الأمم المتحدة بان كي مون في صنعاء

المجلة

لقد كان استخدام الفزاعات نشاطا برع فيه الرئيس اليمني السابق، علي عبدالله صالح. فلسنوات عديدة، كان الرئيس اليمني السابق يستكشف المخاوف الإقليمية والدولية حول وجود تنظيم القاعدة، فيما لم يكن يحترم أيا من اتفاقيات عدم الاعتداء مع القيادة الإقليمية للتنظيم. ومرارا وتكرارا، كانت حكومته تزعم أن هناك صلات بين الحوثيين في شمال غربي اليمن وإيران ولكنها كانت دائما تخفق في توفير الدليل على مثل تلك الصلات.
وقد سمحت هذه الإستراتيجية لصالح بتأمين أشكال مختلفة من المساعدات من الغرب ودول الخليج وبتغطية سجل الحكومة البائس المؤسس على نظام رعاية مترسخ والحصول على تصريح مفتوح بقمع المعارضين الداخليين.

لقد كانت الاضطرابات من السمات الرئيسة لليمن منذ وحدتها في 1990، إلا أن الأزمة الحالية في اليمن هي بمثابة اختبار للواقع أكثر من كونها ميزة لخلفاء صالح في الحكومة الانتقالية باليمن. ففيما يناضلون للمرور عبر مرحلة انتقالية سلمية ويتعاملون مع إرث صالح الثقيل، نقلت وسائل الإعلام الدولية – التي كانت تواقة دائما للأخبار الأكثر إثارة – اهتمامها إلى أماكن أخرى. وفي ظل الحرب اللانهائية في سوريا، وامتداد الاضطرابات إلى لبنان، والنزاع المرير الذي نشب بين الفلسطينيين والإسرائيليين، وتهديد حكومة الإخوان المسلمين الخرقاء والسلطوية بوأد عملية الانتقال الهشة التي تمر بها مصر، اضطرت الأطراف الإقليمية والدولية إلى أن تنظر إلى مأزق اليمن دون اهتمام كاف.

ومن ثم، فإن مأزق الحوار الوطني باليمن – ما زال لم يصل إلى درجة المأزق بحسب البعض – مر دون ملاحظة. ففي البداية كان مقررا أن يتم في نوفمبر (تشرين الثاني) من العام الحالي، واستمر تأجيل موعد البدء. وعلى المحك ما يشير إليه العديد من السياسيين اليمنيين باعتباره مستقبل اليمن كـ”دولة مدنية”، وإصدار دستور جديد، وإجراء انتخابات رئاسية في فبراير (شباط) 2014. وسوف تفرض النتيجة المسار نحو الوحدة والسلام أو الانقسام والحرب لهذه الدولة المقسمة بالفعل.

وبغض النظر عن التأجيلات، فإن التطورات الأخيرة تجلب الأمل على الأقل في جمع ممثلي الأطراف المختلفة على طاولة التفاوض. وعلى الرغم من الاتهامات بالمحاباة لعائلته وعشيرته – على غرار صالح- يستطيع عبد ربه منصور الهادي، رئيس اليمن الحالي ونائب الرئيس السابق أن يحصل على شرف بذل جهود حثيثة للجمع بين الشماليين والجنوبيين على مائدة الحوار.

والخبر الطيب هو أن اللجنة التمهيدية قدمت الأسبوع الماضي تقريرها النهائي إلى الرئيس هادي الذي من المتوقع أن يعلن عن تاريخ بداية الحوار الوطني في أي وقت الآن.
ويرجع جزء من الفضل في ذلك التطور إلى الأمم المتحدة. فقد أعلن مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة عبر قرارين له دعمه لوحدة الأراضي اليمنية وسيادتها”. كما زار بان كي مون صنعاء في أواخر نوفمبر (تشرين الثاني) للتعبير عن دعمه للحكومة الحالية. كما هدد الأمين العام للأمم المتحدة باستخدام العقوبات ضد الطرف اليمني الذي يحاول أن يعرقل عملية الحوار الوطني. ولم تكن هذه الرسالة موجهة فقط ضد قادة الحركة الجنوبية المعروفة باسم “الحراك” ولكنها كانت موجهة أيضا لصالح الذي ما زال شبحه يطوف حول السياسات اليمنية. فما زال صالح هو زعيم حزبه، حزب “المؤتمر الشعبي العام”، والذي يضم نصف أعضاء الحكومة الحالية. وهو يتمتع بنفوذ كبير بين صفوف الجيش خاصة الحرس الجمهوري اليمني القوي. وهناك العديد من الإشاعات حول أنه يعمل على ترقية ابنه أحمد علي عبد الله صالح إلى قيادة الحزب حتى يستطيع الترشح لمنصب الرئاسة في عام 2014.

وقد قام جمال بن عمر، مبعوث اليمن في الأمم المتحدة، الذي يعيش في صنعاء بجولة مكثفة من المباحثات الدبلوماسية خلال الشهر الماضي جال خلالها نيويورك وعددا من عواصم دول الخليج والقاهرة حيث التقى ببعض زعماء الحراك. ووفقا لما قاله محمد جميح، الصحافي اليمني بصحيفة “الشرق الأوسط” لمجلة “المجلة” فإن “بن عمر أرسل رسالة من القاهرة لقيادة الحراك بأن كل القضايا يمكن مناقشتها في الحوار الوطني”. ومع ذلك، فإن بن عمر أكد أنه لا يمكن السماح بقبول شروط مسبقة (على سبيل المثال، الكلام عن الاستقلال) قبل بداية المفاوضات. وفي المقابل، قدم معظم الزعماء الجنوبيين تطمينات بأن فصائلهم سوف يتم تمثيلها في المباحثات.

تواجد قوي لتنظيم القاعدة في اليمن

تواجد قوي لتنظيم القاعدة في اليمن

وقد أعلنت بعض الأطراف الأخرى عن موقفها. فقد أكد الحوثيون، المهمشون سياسيا خلال عصر صالح، أنهم سوف يشاركون في المفاوضات ويتوقعون أن تكون لهم كلمة في الاتفاق المستقبلي. وأعلن الشباب الثوري المقربون من حركة الإخوان المسلمين عن دعمهم للوحدة، حيث إنهم يعتبرون فكرة تقسيم اليمن فكرة غير إسلامية.

مفهوم الدولة

وعلى الرغم من أن هناك رؤى متنوعة ومتصارعة حول مفهوم الدولة اليمنية، أنكر “الحراك” وجود انقسامات عميقة بين الفصائل المتنوعة للحركة الجنوبي. فمثلا يؤيد علي نصر محمد وحيدر العطاس الحوار الوطني وتأسيس الفيدرالية أو الكونفيدرالية من خلال استفتاء على الاستقلال خلال خمس سنوات، فيما رفض علي سالم البيض، الرئيس السابق لجنوب اليمن المشاركة في حوار وطني إلا إذا كان الغرض منه هو التفاوض على تقسيم فوري للبلاد ما بين جنوب وشمال. ويعد البيض الذي يقيم في بيروت من المقربين من القيادة الإيرانية.

ولا يجمع أعضاء الحراك إلا على معارضتهم للمركزية التي تحظى بتاريخ سيئ. وسواء كان اللوم في المشكلات السياسية والاقتصادية والاجتماعية لليمن يقع على عاتف حكومة صالح أم لا، فإن أيا من زعماء الجنوب لا يرغبون في أن يشهدوا العودة للوضع السابق.

ومن جهة أخرى، فإن الافتقار للوحدة بين الجنوبيين، ربما يثبت أنه قارب نجاة مؤقت لوحدة اليمن الإقليمية. فمن دون رؤية مشتركة، سوف يفتقر الحراك إلى نوع الحافز السياسي الضروري للضغط على الحكومة اليمنية للإذعان إلى نظام فيدرالي مرن بغرض تحقيق الاستقلال التدريجي. بالإضافة إلى أنه، وأخذا في الاعتبار أنه لا يوجد أحد يعرف حقا ما هي الإرادة الشعبية فعليا في الجنوب فيما يتعلق بخيارات المركزية والفيدرالية والاستقلال، فإن الحراك يفتقر إلى شرعية الادعاء بأنه مفوض بتأسيس فيدرالية أو استقلال مباشر.

وعلى الرغم من أن قدرا كبيرا من ذلك قد مر دون أن تتم ملاحظته بالخارج، فإن التطورات الأخيرة تعمل كتذكرة بشأن أهمية ليس فقط البدء في حوار وطني بأسرع وقت ممكن ولكن ضمان التوصل إلى نتائج مقبولة من قبل كافة الأطراف المعنية.
لقد شهد الشهر الماضي ارتفاعا ملحوظا في أحداث الفتنة الطائفية بما في ذلك عملية تفجيرية استهدفت مجموعة من المسلمين اليزيديين وهو ما غطته “المجلة” مؤخرا. كما كان هناك العديد من حالات العنف والتخريب ضد البنى التحتية للطاقة والاتصالات في جميع أنحاء البلاد بالإضافة إلى عمليات اغتيالات سياسية كما ذكر الصحافي اليمني، ناصر الربيع. وهناك مزاعم أن هذه الاغتيالات تمت بتدبير من أتباع صالح في محاولة للتأثير على وضع هادي، الرئيس الحالي لليمن.
على أية حال، من الضروري أن يستمر الضغط الدولي على أي من الأطراف التي تعمل لعرقلة هذه العملية. فذلك وقت حرج للغاية بالنسبة لليمن.

مانويل ألميدا: هو مساعد رئيس التحرير مجلة ”المجلة”. وقد حصل مؤخرا على درجة الدكتوراة من قسم العلاقات الدولية بكلية لندن للاقتصاد والعلوم السياسية، وهي الكلية التي تخرج منها. وهو يعمل حاليا كباحث زائر بمركز الدراسات الدولية والدبلوماسية بكلية الدراسات الشرقية والأفريقية. ومجال خبرته الأساسي هو السياسة الدولية للشرق الأوسط والدول المنهارة والتدخل الدولي والعنف السياسي.

 *من مانويل الميدا