آخر تحديث :الإثنين-13 مايو 2024-01:11ص

ملفات وتحقيقات


الوساطة والمحسوبية يهددان بانقراض المواهب والكفاءات.. الجامعات اليمنية أصبحت كليات عائلية ونعش في تعطيل تحقيق العدالة الاجتماعية!

الإثنين - 08 أكتوبر 2018 - 07:38 م بتوقيت عدن

الوساطة والمحسوبية يهددان بانقراض المواهب والكفاءات.. الجامعات اليمنية أصبحت كليات عائلية ونعش في تعطيل تحقيق العدالة الاجتماعية!

عدن(عدن الغد)خاص:

انتشرت الواسطة والمحسوبية كالسرطان في المجتمع، وباتت تهدد بانقراض المواهب والكفاءات، وبات هناك شبكة من العلاقات المتشعبة تقوم بدفع من لا يستحق على حساب الآخرين، وصارت الكفاءة والعدالة الاجتماعية مفاهيم بالية لا تتناسب مع قانون "الواسطة والمحسوبية "، مما دعا الجميع للتحذير من مخاطرها وتعطيلها لتكافؤ الفرص وتحقيق العدالة الاجتماعية.

تحقيق / الخضر عبدالله:

"كليات عائلية" :

تحدث لـ" عدن الغد" أستاذ معيد بإحدى الجامعات قائلاً: الطالب الذي لديه واسطة يعامل معاملة استثنائية من الأساتذة، فهو دائماً يحظى باهتمامهم، ويحصل على معدل فوق 95%، مضيفاً أما بعد التخرج فهناك توصية من اللجنة بتعيينه محاضر بالجامعة حتى لو مهاراته أقل من زملائه، كما يمكن أن يكون الاختبار شكليا فقط مع المعرفة المسبقة بصاحب التعيين.

وتابع: أيضا بالنسبة للابتعاث فإنهم يختارون لصاحب الواسطة جامعات أكثر تميزاً من مثيلاتها، ويُستثنى من شروط معينة، لافتا على حد قوله إلى وجود كليات "عائلية" يسيطر عليها أبناء وأقارب مسئولين بالجامعة، كما تمتد المحسوبية أيضا إلى تولي المناصب، فيوضع الشخص الغير مناسب في المكان غير المناسب.

ولفت إلى تأثير المحسوبية على سير العمل، واتخاذ القرارات العملية، مبدياً أسفه لحدوث عداءات بين رئيس القسم "المعين بواسطة" والأساتذة المميزين، وقال: رئيس القسم يستبعد الخبرات المميزة من المشاركة في تطوير القسم، حتى لا يفتضح قصوره العلمي، كما لفت إلى امتداد المحسوبية إلى تقييم الإنتاج العلمي، واختيار الأبحاث العلمية، ، فمن لديه واسطة يتحمسون لنشر بحثه، وإظهاره بشكل مميز.

بطالة دراسات العليا :

وعبّر خريج يحمل شهادة الماجستير , عن معاناته قائلاً: كنت أدرس في إحدى الجامعات بالخارج، وعند عودتي  ظللت أبحث عن عمل بالجامعة فترة طويلة حتى هذا اليوم ,ولأني بلا واسطة، فليس عندي تعيين.

مبدياً آسفه لتعيين أقارب مسئولي الجامعة في وظائف تدريسية أو إدارية، ولفت إلى معاناة زملائه الحاصلين على ماجستير ودكتوراه ويعانون من بطالة؛ لأنهم ليس لديهم واسطة، واقترح أن تشارك الجامعة بصدق وأمانة في اختيار المحاضرين والإداريين، أو تقوم بعمل مسابقة للوظائف الشاغرة بالجامعة، عن طريق تقديم الخريجين أوراقهم للجامعة وتختار الأصلح وترسله الكليات . .

 

واسطة قوية :

وتحدث  مواطن عن معاناة زوجته في الحصول على وظيفة قائلاً: زوجتي تخرجت من عام 2009م في كلية الاقتصاد   تقدير جيد، ولم تجد عملاً حتى الآن، مبيناً أن زميلتها بنفس الكلية ونفس التخصص تم تعيينها بالتعليم الحكومي، لوجود قريب لها يعمل بالجامعة.

وأعرب عن أسفه لتجاهل زوجته في التعيين، مع احتياجهم لراتب الوظيفة، وقال: هناك زميلة لها تخرجت العام الماضي، وتم تعيينها معلمة .

 

رقابة وشفافية :

 

وللحد من تفشي ظاهرة الواسطة في المجتمع  يكون بتضافر جهود مؤسسات المجتمع المختلفة ابتداء من الأسرة، فتزرع في نفوس نشئها مبدأ العدل وتكافؤ الفرص، وأن من يستحق يحصل على ما يستحقه بكفاءته، أما بالنسبة للمدرسة فلابد أن يتحقق مبدأ العدل بين الطلاب وأن يكافأ من يجتهد، وكذلك بالنسبة للعمل توظيف الشخص المناسب في المكان المناسب، وشدد على ضرورة أن تكون الرقابة والشفافية في أعلى مستوياتها في كل مؤسسة عامة أو خاصة، وأكد أن ذلك سوف يخلق ثقافة مغايرة ومناهضة لثقافة الواسطة لتجتثها وتُغرس مكانها.

نعش التنمية   :

وأوضح  احد الباحثين الاكاديميين  " فضل عدم ذكر اسمه" ، أنه لا يمكن الفصل بين التنمية في صورتها المثلى وهي تحقيق العدالة الاجتماعية للجميع، وما تحويه من مفاهيم كالمساواة والعدل والتمكين من الحياة الكريمة لجميع المواطنين، سواء في التعليم والحفاظ على حقوق الأجيال القادمة أو بالاختيار للعمل بناءً على الكفاءة لا الوراثة أو المحسوبية.

وأكد أن أول مسمار يُدقّ في نعش التنمية هو انتشار الفساد بكافة أشكاله وأبرزها المالي والإداري وما تعارف عليه المجتمع بـ "الواسطة أو المحسوبية"، لما في ذلك من تهديد مباشر للوفاء بحاجات المجتمع اليومية ومستقبل الأجيال القادمة، مشيراً إلى ما يترتب على هذا الاختيار من أخطاء ومنها على سبيل المثال لا الحصر ارتفاع معدلات الفقر والبطالة بنوعيها السافر والمتخفي، وكذلك الاضطرابات والقلاقل السياسية بسبب الشعور بالغبن، إضافة إلى انحدار مستوى الخدمات وهدر المال العام..

ولفت إلى أن قضية أثر المحسوبية على التنمية ربما لا تلفت النظر للوهلة الأولى كونها بعيدة الأثر، بيد أن تتبع آثارها وسلسلة النتائج الناجمة عنها مفجعة جداً، مطالبا بالتحرك السريع لتطبيق معايير رقابية صارمة وتوسيع مظلة الاختيار للعمل.

وعن الحلول الممكن اتباعها لكبح جماح هذا النوع من الفساد قال: الاتجاه نحو العقود محددة الأجل في القطاع الحكومي والانتقال من مفهوم التوظيف مدى الحياة إلى مفهوم التوظيف المؤقت المبني على الإنتاج والكفاءة، الذي سيسهم كثيراً في قضية خفض مستوى المحسوبية والوساطة ورفع مستوى الإنتاجية والتمكين من العمل للأكفاء والمستحقين ..

ثقافة الواسطة :

من جهته رأى أحد الكتاب الصحفيين أن المجتمع اليمني تفشت فيه الواسطة وتناسى النظام تماماً، وأصبح البحث عن دفتر التليفون والسؤال عن المعارف في أي جهة هو التصرف الطبيعي للكثير من فئات الشعب إن لم يكن كل، حتى في الإجراءات البسيطة التي لا تستدعي الواسطة، فبات هناك ثقافة مجتمعية ترسخ أهمية الواسطة.

وربط قضية الواسطة بالجانب الديني والأخلاقي للمواطنين، موضحاً أن من يستخدم الواسطة للحصول على وظيفة أو ترقية على حساب شخص آخر، فقد ارتكب ظلماً عظيماً، وأوجد عدداً من الحاقدين في المجتمع، وقال: ظهور الواسطة ساهم بشكل كبير في البعد عن الكفاءات، حتى صرنا نضع في أماكن المسئولية أشخاصاً ليسوا أكفاء.

وحول من يرى أن هناك اختلاف بين الواسطة والمحسوبية، قال الكاتب: هما وجهان لعملة واحدة، وربما ترتبط الواسطة بالمصالح المتبادلة، أما الأخرى فتعتمد على المجاملة، وفي الحالتين هناك من يقع ضحية لتلك التصرفات اللامحسوبة.

وأكد الكاتب الصحفي  ضرورة أن يتوجه المجتمع بأكمله للكشف عن الواسطة بكل جراءة، والابتعاد عن العشوائية وشبكة العلاقات المتشعبة، التي تؤدي في النهاية إلى انهيار قيم العمل وأخلاقياته، مما ينعكس بالسلب على الخدمات المقدمة للمواطنين.