آخر تحديث :الجمعة-29 مارس 2024-02:09ص

فن


قراءة نقدية في أغنــيـة (عـن سـاكني صنـعــاء)

الإثنين - 08 أكتوبر 2018 - 01:44 م بتوقيت عدن

قراءة نقدية في أغنــيـة (عـن سـاكني صنـعــاء)

كتب / عصام خليدي

فــي هــذا المــقــام سنـــعــرج على هـــــذه الأبيـــات الشعــــريـة في أغـــنـــية (عـن ســاكني صنعاء) ذات الــــقصيدة الحــمينية كــلمات الــشاعر والقاضي العلامة / عبد الرحمن بن يحيى الآنسي لنستخلص من هذا العمل الفني و اللــحن الـبديـع والرشــيق (أهـم خصائص ومميزات الفنان القمة المرشدي الملحن المتجدد والمتطور) منــذ بـــدايتـــه الأولى مروراً بمشواره الـغـنائي الزاخر والحافل بالعطاءات الإبــداعــية وبالــتألق والمفاجآت..

 

البــــدايــــة / المـــقــدمــة الموسـيــقــية .. والإشتغال على خلق جــمل لـــحـنـــــية نــغمــية مــقــامية وإيـــقــاعـية جــديـــدة مبتكرة مــغايـــرة عــن ما كان سـائـداً حينها في ذلك الوقت فإذا أستمعنا للمقدمة الموسيقية جيداً وقمنا بتحليلها علمياً سندرك أنها لحنت على (مقام البـيات على درجة الدوكاه) وأستخدم فيها إيـقــاع الشرح العــدنــي (الثــقيـل 8/6) وكانت المفاجأة في (تراكيب جمل موسيقى صولوا العود) ، حيث أستخدم المرشدي (تـكنـــيكاً عالي المستوى ورفــيعاً) بطريقة (مضاعفة سرعة الـريشـة وزيــادة الوحــدات) إذ أن العود كان متناغماً بإنسجام بــديــع مع (الكمانات وبــقــية الآلات الوترية) في قوام الفرقة الموسيقــية فأستطاع  أن يخلق ويـبتـكر مقطوعة موســيـقــية فائــقة الروعة والجمال ..

 

 ثم يــبـــدأ بعد ذلك الــتمهيـــد الموسيقي والـغـناء بطـريقـة حــديــثة جــديــدة نجــد فيــها (زخرفات ونمنمات هندسية معمارية مقامية نغمية وإيــقـاعــية تـــتماهى وتــتــوحد مع روح وإحساس مدرسة (المرشـدي) فلم يخضع لخصوصية وطبيعة النص الحمـيـني المعروف والتــقــلـيـدي الذي عـــادة ما كان يـكـتـبه شاعر القصيدة الحمــينـية وعُــرفت  قصائــده ملازمة ولصيقة بأهم الموشحات الصنعانية الــيــمنية ، لكن قــدرة المرشــدي المـوسـيـقـية الـــهائـلة مـكـنـــته مـن الخـروج من دائرة الصياغات الغنائية الموسيقية (الإحـــيائـــية) بإشتغال جــاد مبتكر تمرد به من (تـبعيـة) النص الغنائي الحميني وهيمنته على فرض أسلوب محدد ومعروف بصياغات لحنــية وإيـقـاعـية على النمط الغنائي التقليدي المتداول والسـائـد.

فــقــد تــجســد نـجاح (مرشـدنـا) بتلك المــقدمة الموسيقية الرائعة وفي الخروج والتمرد من قوالب التلحين بــطريقـة (الموشح اليمني الصنعاني التقــليـدي) التي فرضته وهيمنت عليه القصيدة الحميـنية مـنــذ زمن طويل جــداً، والواقع أن رغــبة ونزعة المرشدي بتطوير الغناء اليمني إلى أسلوب آخر جـديد مكــنه من الــتـفوق والإجادة والإبداع بمهارة في تخطي تلك (المخاطرة الفـنية الصــعـبة) وتـألقـه بنجاح هذا الـلحـن وأدائه العظيم في إحدى (تجـلـياته المدهشات) المتكـئة على إشــتغـالاتــه الـواعـية، وبـناءاته الـمعمارية الـلحـنية الموسيقية المترفة الــثريــة ،فإلى مذهب الأغــنية التي صاغها من (مقـــام البـــيات على نغمة الــدوكــاه):

عن ســـاكني صنعاء حــديثك هــات/ وافـــوج النسيم/ وخــفف المسعى وقــف/ كــي يفــهم الــقلب الكــليـم/ هل عــهدنا يُـرعى وما يــرعـى/ يـــرعـى العــهــــود إلا الكــريم ..

 

ثم يــزداد إبــداعــه تــألــقــاً وروعة في الكوبليهات التي يــقول فــيها:

تــبدلــوا عــنا ؟! / وقـالــوا عــندنــا منــهم بــديــل/ والله ما حلــنا / ولا مــلنــا عــلى العــهد الأصـــيل/ مــا بــعدهم عنـــا يغيـــرنا / ولــو طــــــال الطــويــــل/ بالله علـــيك يا ريــح / أمـــانه أن تيــسر لك رجـــوع / لمــح لــهــم تلـــميــح / بمــا شـــاهــدت من فيـــض الــدمــوع/ والشـــوق والتــبريح/ والوجـــد الـــذي بــين الضــــلوع ..

 

إن المرشدي حــينما نسمــعه يردد هذه الأبـيات الشعــريــة مــموســقة ملحــنة بــتــنويعــاته النغمية التعبــيرية والتطريبــية وبصوته الدافئ والشجي نــشعر وكــأنه يحــترق لــوعة وعــشقاً وهــياماً للوصول لمحبــوبــه الغــائب، وفي الحقيقة نــجح (أبــوعــلي) ببراعة وإقــتدار في ترجمة أبــيات ومفردات ومعاني قــصيـدة شــاعرنا الكبــير القاضي العلامة (عبد الرحمن بن يحيى الآنسي) وفي التـعبـــير عن (مكنونــاتــه ودواخــلـه الــشعورية) من خلال اللحن الجميل الذي أتـحــفنا به وبكـــثافـــة الأحاسيس والشوق والشجن الذي أمتزجت لــتشكل مع صوته وحــدة فــنية متماسكة ونسيــجاً رومانــسياً عاطــفياً عكس صورة ذلك الزمان الجميل بكل صدق وأمــانــة، ونحن لا نمــلك إلا تســليــط الضوء صوب هذه الأغــنية التي تعــتبر نـموذجاً ومــثـالاً لروائع أستاذنا الجليل الفنان محمد مرشد ناجي رحمه الله عليه ودوره الريادي وخدمته لتطوير الغناء اليمني ..

 

 فهي بقـيمتها الموسـيقــية والغــنائـية من وجــهة نــظري عــلامة بارزة وبصمة هــامـة أضيفت إلى رصيده الغنائي الموسيقي المشرق والمشرف ورفـدت مع عطاءاته الغنائيــة الموسيقية بـثــراء دافــق مـسار الــغـنــاء اليمني وإستمـراريته وتألـــقه نحو الأفضل والأجمل.