آخر تحديث :الجمعة-29 مارس 2024-12:35ص

أدب وثقافة


وأد الرجال 2 (قصة قصيرة)

السبت - 29 سبتمبر 2018 - 05:55 م بتوقيت عدن

وأد الرجال 2 (قصة قصيرة)

كتب/عصام عبدالله مسعد مريسي

وفي غرفة العمليات تم اسعاف القائد ، واخراج الرصاصات العالقة في كتفه وفخذه ، وخارج غرفة العمليات يتجول المجهولون يبحثون عن أجساد منهكة ليقوموا بنزع الحياة منها واحالتها إلى ثلاجة المستشفى وعند اكتظاظها بالجثامين تسحب على شاحنات وترمى في حفر جماعية دون البحث والتحقق من هوية اصحابها واشعار ذويهم ليقطعوا اليقين بالشك ويبدؤون حالة الحداد.

وقبل الخروج من غرفة العمليات تعلن الزوجة الطبيبة موت الجريح وتأمر بنقله إلى ثلاجة المستشفى ، تجره عربة الجرحى وهو موسد وأثار الدم تضرج سريره وغطائه وعمال المشفى يقودوه نحو الثلاجة المكتظة بالجثامين وهو ما زال تحت تأثير البنج وتسرع الطبيبة الزوجة من فوره خلف عربة الاسعاف وتأخذ جريحها إلى إحدى غرف المشفى بعيدة عن انظار المراقبين وتغير ملابسه بملابس عمال نظافة المشفى وتطلب من عمال النظافة أخذه إلى سيارات نقل النفايات للخروج به من المشفى :

انقلوه إلى سيارات القمامة وسنلتقي خارج المستشفى حتى انقله في الباص الخاص بنقل الاطباء

أثار طلبها فضول أحد عمال النظافة التابعين للمشفى فأخذ يسأل:

من هو ؟ ولماذا كل هذا الاهتمام بهذا الجريح ؟

بالكاد تلتقط أنفاسها وتحاول في عجلة وغموض الهروب من السؤال:

ستعرف لاحقاً.. الأن ساعدوني لإخراجه

تمد يدها تقلب في أحد جيوب معطفها لتخرج بعض النقود وتمدها نحو العامل السائل:

خذ .. اشتري بعض الهدايا لأولادك

يتم نقل الجريح في سيارة القمامة والخروج به إلى خارج المشفى حيث  يقف إلى جوار الحافلة الخاصة بنقل الأطباء ومن فورهم يتم نقل الجريح الذي يرتدي ملابس عمال النظافة إلى الحافلة التي تغادر نحو منزل الطبيبة .

تقف الحافلة بالقرب من المنزل يترجل الجريح مسنود بزوجته تطرق الباب يتقدم ولدهم يتسأل :

من طارق الباب

تشد الأم والزوجة المكلومة بمصاب عشيرها من عزيمتها لتخفي المصاب الذي حلَّ بالأسرة :

افتح .. أمك وابوك هم مَن يطرق الباب

ينطلق الصبي ومن خلفه أخته الصغرى يفتح الباب فتقع عيناه على والده المصاب وهو مسنود  إلى كتف أمه فيسكن الخوف قلبي الصغيرين ويقفان في حال ذهول مما قد يلحق بأبهما وقبل أن ينطلق لسان الصبي ليبدي خوفه تشير الأم بعينيها إلى صغيريها أن اصمتوا ، فيسكن اندفاع الصبي ويتراجع إلى وسط غرفة الاستقبال كي يفسح الطريق لدخول والديه وما أن يستلقي المصاب على سريره في غرفة نومه حتى تتحدث الأم إلى صغيريها:

لا تخبرا أحداً بعودة أباكما

لكن صغيرة المنزل وذرة المها مشهد الأب الغائب عن الوعي وعدم الاكتراث بوجودها فلم تعتاد هذا الصمت من ابيها فكلما دخل داعبها وشدها نحوه كي يقبلها فأجهشت بالبكاء وهي تتمتم :

أمي ما الذي حل بأبي

تحزم الأم أمرها مخاطبة ولديها قائلة:

إذا اردتم الحياة لأبيكما عليكم بالصمت وعدم أخبار أحدٍ بوجوده .. وكل مَن يسأل عنه قولا منذِ خرج للعمل لم يعد

تفهما الصغيران الكارثة التي تمر بها اسرتهما وأقبلا نحو أمهما يعانقنها وهي تمرر أصابع كلتا يديها فوق رؤوسهما محاولة طمأنتهما :

سيكون أبوكما بخير .. وسنتجاوز هذه الأزمة طالما وجوده لا يعلم به غيرنا

يلقي الأبناء نظرات تشوبها الحزن والخوف على مصير الأب ، وتنهض الأم من فورها لتباشر علاج القائد الجريح   

عصام عبدالله مسعد مريسي