بينما كنتُ أمارس طقوسي في الكتابة ، سمعت جاري الذي تميّز بارتفاع الصوت كلما تحدث _ حتى عندما يقول صباح الخير_ يقول لابنه ذي العشرين عاماً بطريقة الاستهزاء و التعصب " أنتم جيل ما منكم فائدة ، أنتم جيل فاسد"
أحسست بشيء يمنعني من الاستمرار في الكتابة و كأنّ الزمن توقف لبرهة ، أصبحت أسمع صدى هذه الكلمات فقط ، و كأنّها تعتذر لي ، ولا أخفيكم أمراً بأنّه حينما سمعتها أحسست وكأنّ صاعقة نزلت على رأسي .. والدم يغلي في عروقي كغليان الماء.
أيا جاري ..
نحن لسنا بهذا السوء الذي تتحدث عنه ، نحن جيل كغيرنا من الأجيال، يوجد فينا السيء والحَسَن ، يوجد فينا من يحتاج لتوجيه و من يحتاج لتشجيع ، و " الكلمة الزينة تكسر العظم الصليب " ،
نحن الجيل الذي لم يرَ بعد المستقبل الذي كان يحلم و يخطط له ، كلما أراد أن يتقدم خطوة .. تستقبله ألف خطوة غير مُرحب بها في طريقهِ ويكتفي بقول " لم يكتبه لي الله" أو " حسبنا الله ونعم الوكيل"
يا جاري العزيز، نحن الجيل الذي رأينا الدماء في وطننا أكثر من مياه الأمطار ، صارت حياتنا بنفس لون الدم الذي ينزف من تلك الجموع التي تموت نتيجة الدمار و الحروب التي لا نعرف حتى ما سببها الحقيقي ومن يفتعلها في أرضنا وما ذنب من يُقتل فيها .
نحن الجيل الذي رأى جنائز أصدقائه أكثر من أفراحهم ، من جرّاءِ عدم الأمان في بقعتنا الجغرافية هذه، صرنا نُعزّي أكثر من أن نهنّئ ، وتبقى إرادة الله فوق كل شيء.
نحن هذا الجيل الذي لطالما قلتم عنه بأنه جيل فاسد لا يستطيع أن يخدم بلده .. وهو لم يجد عملاً له حتى يعرف الفساد كما تزعمون، بل أصبحتم تزينون له بأنّ ماينتظره شيء جميل فقط عليه "بالصبر" وستغدو عليه الأعمال التي من خلالها سيبني وطنه ولكن " ما أشبه الليلة بالبارحة"!
"لذلك أرجوكم كونوا لنا عونا ولا تكونوا علينا .. كفرعون " .
