آخر تحديث :الخميس-25 أبريل 2024-09:07ص

أدب وثقافة


وأد الرجال(الأولى) قصة

الإثنين - 17 سبتمبر 2018 - 08:04 م بتوقيت عدن

وأد الرجال(الأولى) قصة

كلمات/ عصام عبدالله مسعد مريسي:

في شتاء عدن تحلق الغيوم في السماء واعدة ولو بزخات خفيفة تذرفها على ثراها الغالي لتزيد من حماسة الناس ورغبتهم في الذهاب لقضاء اعمالهم تحت زخات المطر الباردة وهي تستعد للخروج نحو وظيفتها الحكومية بعد تجهيز وجبة الافطار لأفراد عائلتها زوجها قد شرع في الخروج من المنزل ، تستوقفه:

انتظر سوف اضبط النسر والنجمتان اللاتي تزينان كتفك

يستدير القائد نحو زوجته التي دائماً تشعره بالحب والرعاية بعنفوان قائلاً لها وهو يرفع يدية ليؤدي التحية العسكرية لقائدة المنزل:

تفضلي سيدتي القائد

تقبل نحوه لتضبط له هندامه العسكري قبل مغادرته للمنزل والطفلان يتجهزان لمغادرة المنزل متجهان نحو مدرستهما وهي بعد تفقد كل الاحتياجات تكون اخر المغادرين نحو المشفى الذي تعمل فيها.

الأمور شبه معتادة غير ان السماء مازالت ملبدة بالغيوم وتذرف بين الحين والاخر زخات من المطر وفجاءة يخيم السكون على غير المعتاد وتنقطع الحركة ويسكن الدبيب  وما ان تقترب عقارب الساعة من العاشرة والربع حتى تعمُّ الفوضى وينتشر الخوف والاضطراب في المدينة الهادئة .

الطفلان يغادران المدرسة بعد توجيهات المديرة :

على جميع التلاميذ العودة لمنازلهم حتى اشعاركم بالعودة إلى مقاعد الدراسة

ينصرف التلاميذ في أفواج مغادرين البوابة وبعد أن أصطحب الولد البالغ من العمر ثالث عشر سنة اخته الصغرى يغادران بوابة المدرسة نحو المنزل والمدينة الممتلئة بالحياة تغص في نوبة من الجمود والصمت القاتل والفتاة الصغيرة تسأل أخاها:

لماذا غادرنا المدرسة

يرد عليها ببراءة الطفل الذي لا يعلم شيء

لا أعلم أختي .. المهم اليوم اجازة سنعود إلى المنزل كي نلعب

بعد ساعات قليلة يتوافد الجرحى والقتلى من المعسكرات وبعض المرافق السياسية إلى المستشفيات , ترتفع الأصوات ويشتد الصخب وكل طواقم الأطباء في انهماك في الاهتمام بالجرحى وثلاجات المشافي قد امتلأت بالقتلى ، يتجول في المشفى رجال لا يعرف انتماؤهم يبحثون عن الجرحى الذين ينتمون لمناطق من السهول الشرقية للبلاد ويقتادونهم إلى أماكن غير معلومة ، تتحرك الغيرة الانسانية في نفوس الأطباء وطواقم التمريض محاولين منع أولئك غير معروفي الهوية:

إلى أين تذهبون بالجرحى .. إنهم بحاجة للعلاج وحالات بعضهم حرجة

يأتي الرد من بعضهم بعنجهية :

هؤلاء خونة منشقين ليس لهم حق في الحياة بعد الخيانة والانشقاق

لكن قائد المجموعة كان أكثر حنكة حاول أن يغلف الهدف من اقتياد الجرحى قائلاً:

هؤلاء قيادات وسوف تجهز لهم غرف خاصة للعلاج وقد ينقل أصحاب الحالات الحرجة إلى الخارج , خضع الطاقم الطبي لتعليل قائد المجموعة وتم ترحيل الجرحى في سيارات اسعاف إلى جهات غير معلومة وحمل ركام الجثامين لدفنهم دون البحث عن هوياتهم والاتصال بذويهم أو حتى حصرهم فهم وقود حرب قد أدى ما عليه احترقوا وانتهى أمرهم.

مازالت نار الفتنة متقدة والجثامين تتوالى لصفها في ثلاجة الموتى وجموع من الجرحى يساقون تحت الحراسة المشددة والبحث عن هوياتهم ومناطقهم .، تجر عربات أسرة الاسعاف تلمح الطبيبة زوجها القائد العسكري يمتد وجراحه تنزف تقف لبرهة من الزمن في ذهول ويتسارع نبضها وتكاد ترتمي على جسده المنهك وتبكي وتقبله فتمتلأن عينيها بدموع وسرعان ما تفيق من هول الفاجعة لتطلب من الطاقم الدخول به إلى غرفة العمليات