الأحد - 16 سبتمبر 2018 - 10:10 م بتوقيت عدن
القصة الفائزة بجائزة المركز الاول بمسابقة القصة القصيرة للكاتب صالح علي بامقيشم
الثائركانت الشمس كقرص لهب احمر يتوارى مذعورا خلف الجبل ، صوت همهمات سكان القرية يفضحها هدوء الليل الذي اتكأ على القرية الصغيرة ليخنقها بثقله ، ازدادت الاحذية ازدحاما امام عتبة كوخ ( عم محسن ) حيث تداعى الاهالي لعقد اجتماعهم الطاريء.محسن رجل كهل استعمر البياض راسه بالكامل مع الضواحي ، رجل عرك الزمن الا ان الاخير ترك اثار خدوشه على ملامحه .حين صمت الجميع وقف محسن ساهما ينظر في الفراغ ويعض على اضراسه ثم غمغم كأنه يحدث نفسه :-يجب ان يكون لنا موقفا موحدا من تجاوزات الشيخ حسانرد احد رجال القرية : نعم ..يجب ان نوقفه عند حدهوتوالت التعليقات-فليبعد الله عنا شروره، ذلك القميء المستتر بالدين-حسان وحراسته يفرضون الاتاوات علينا ..الى متى ياعم محسن-اذا لم نواجهه سيتمادى...نامت القرية نوما مضطربا كمحموم لم تنفع المسكنات في علاجه ، استمر نباح الكلاب كصوت وحيد في تلك الامسية ..انه التمرد الاول اذن..سكان القرية ضاقوا ذرعا بتصرفات حسان الذي يسومهم بطشا وتنكيلا .لم تك جدران القرية امينة على اسرارها فباحت بها دفعة واحدة .-اها..اهل القرية ينفثون احقادهم المطمورة في الصدور منذ سنين ، غمغم حسان كالضفدع وهو يمسد لحيته جيئة وذهاباوبدا ان القرية الصغيرة مقبلة على ايام ساخنة مع تصاعد غضب محسن وولده عبدالاله اللذان تزعما حركة الرفض، وتلقى الشيخ حسان الضربة الاولى حين اشتد نقاش ساخن بين الفتى عبدالاله ومعه عدد من شباب القرية مع احد حراسة الشيخ حسان ، شتموه فرد باقذع الشتائم ، وصف امهاتهم بالمومسات ، اوسعه الاهالي ضربا ، اراد ان يستل خنجره فدفعه احدهم ليترنح على الارض الاسفلتية ويجأر كحيوان بري ..ارتطمت مؤخرة راسه بالارض واغمي عليه فتفرق الجمع .وهم يتوعدون الشيخ حسان بالمزيدارتخت قبضة الشيخ حسان على القرية وبالمقابل بدأت اصوات الاهالي تكتسي بالزهو بعد سنوات من الصمت والحديث المنخفض النبرة وتلقي الصفعات والاهانة .لم يعد حسان يجرؤ على التنقل في الحقول المجاورة فقد يحدث مالايحمد عقباه اذا ماصادف تجمعات للاهالي .ازداد عدد زوار كوخ محسن الذي اصبح قائدا فعليا لثورة المستضعفين ..في تلك الليلة كان محسن هادئا ، يطل من عينيه بريق النصر والسطوة ، هاقد انقلبت الموازين ، اصلح عمامته المزركشة بكوكتيل من الالوان والخيوط ، واسترخى على مدكى بجذعه الايسر قائلا :-حسنا ...اريد ان اطلعكم ان الشيخ حسان قد استدعاني الى منزله للتفاهم ، ساذهب مع ولدي عبدالاله وننظر ماذا يريد ..وغدا سنطلعكم على المستجدات.لم يبد عبدالاله حماسا لاقتراح والده باصطحابه واكتفى بالقول : سابقى هنا ياابي ..عليك ان تحذر من مكائد هذا الافعوان.بدا ان القرية فرضت شروطها ، الغيت الاتاوات التي يفرضها الحراسة ، اخلي سبيل بعض المدينين للشيخ ، وتوافد السكان على البئر الوحيدة للسقي مجانا ، تنفست القرية هواء نقيا .واظب محسن على اللقاء بالشيخ حسان وحضور ولائمه المتتالية ، ولم يعد يرتدي البزة التي استهلكتها السنون ، لم يعد يحضر اللقاءات مع الاهالي ويقضي اوقاته في مجلس حسان .حبست القرية انفاسها وهي ترى زعيمها يتبدل حتى كأنها لم تعد تعرفه ، عاد بعض حراسة الشيخ ليقطفوا ثمار الحقل عنوة ، وصمت الزعيم .استجار سكان القرية بمحسن الا ان الرجل دعاهم لتحكيم العقل .-ابي . سكان القرية غاضبون ، هتف عبدالاله بحنق وهو منكس الراس وقد تحولت اذنيه ورقبته الى اللون الأحمر القاني-يا ابني ..انا اعلم ماذا افعل ، لازلت صغيرا على ادارة الامور ، حتى الثورات تحتاج الى ادارةخرج عبدالاله وصفارات مائة الف قطار بخاري تدوي في اذنيه ..عيناه تزداد اتساعا وهو يلهث كأنه قطع كوكب الارض جرياالاسبوع الفائت استيقظت القرية على تطورات جديدة :حين خرج محسن من زيارة الشيخ حسان كالمعتاد محملا بالهدايا ، كان عبدالاله يحوم حول المنزل وحين شاهد والده ، اندفع اليه كأنه يحتضنه..استل سكينا مختبئا في ثيابه وغرسه بقوة وتصميم في الجسد الذي تهاوى ..ليرتطم بالارض والدماء تسيل كالجدولعاد عبدالاله حاملا جثة والده ليهتف :يا اهل القرية لقد غدر حسان بابي الشهيد بعد ان رفض اغراءاته ..لقد صفع حسان من اجلكم فشعر بالاهانة فعاجله بطعنة نجلاء فحسبي الله ونعم الوكيل ...فهل ستصمتون يااهل القرية .ثوروا يااهل قريتي