آخر تحديث :الجمعة-29 مارس 2024-05:58ص

أدب وثقافة


بهلول(قصة قصيرة )

الإثنين - 10 سبتمبر 2018 - 10:19 م بتوقيت عدن

بهلول(قصة قصيرة )

كلمات: مازن رفعت

لم يكن قاتلاً عادياً ، كان استثنائياً ، سباقاً للخير ، لا يفوت صلاة في المسجد ، تجده دائماً في الصفوف الأولى ، وديع الملامح ، دمث الأخلاق ، محبوباً من الجميع ، لم يرتفع صوته في شجار قط ، وإذا هم أحدهم مشاجرته أنبرى الجميع في الدفاع عنه ، الطيب .. هكذا ينادونه بالحارة.

كل هذه الصفات جعلت من الطيب بعيداً عن الشبهات ، ولكن ليس هذا ما ميّزه عن غيره من القتلة المأجورين ، بل حرفيته العالية في تنفيذ جرائمه بطلقة واحدة وبكل هدوء دون أن يثير جلبة حوله ، وأيضاً هو لا يتردد في قبول أي مهمة حتى لو كان الهدف طفل ، وهو ما جذب إليه أغلب الجهات الإجرامية للتعامل معه . وبالرغم من هذا الصيت الذي اشتهر به الطيب في عالم الإجرام إلا أن لديه نقطة ضعف ، خوفه الشديد من الصراصير ، ففي إحدى المهمات ، تسلل إلى منزل الهدف ، فشاهد أمامه صرصوراً على الجدار ، شُلت أطرافه من الفزع وصار يرتجف بشدة ، ليتراجع عن تنفيذ المهمة ، فاستعان بصديق طفولته الوحيد الذي كان يعلم سره ، تسلل معه صديقه إلى المنزل وقتل الصرصور ليسهل له مهمة تصفية الهدف ، ومن يومها صار صديقه يرافقه في كل مهماته ، حيث تقتصر مهمة صديقه في قتل الصراصير إن وجدت ويترك قتل البشر للطيب ، لكنه لم يتحمل مشاهدة جرائم الطيب ، وحاول أكثر من مرة أن يتملص من مرافقته لكن الطيب كان يترجاه ويخبره أن إخفاقه في أي مهمة فيها هلاكه ، فيرافقه مرغماً ، ويتقيأ في نهاية كل مهمة ، يتملكه الرعب في كل مرة وهو يشاهد الطيب وهو ينفذ جرائمه بمتعة طفولية ، حتى أنه لا يتعاطى أي حبوب مخدرة تخلصه من الخوف والتوتر كبقية القتلة ، كان بارد الأعصاب بشكل مخيف ، ما دفعه في ليلة وهما يلوكان القات أن يسأل الطيب عن سر هذا البرود في القتل ، ابتسم الطيب وقال :

_ عندما كنتُ طفلاً ، اشترى والدي كبشاً صغيراً وقام بتربيته حتى يكبر،

   تعلقتُ كثيراً بهذا الكبش وأطلقت عليه اسم بهلول .. صرت أقضي

   مُعظم ساعات يومي معه .. أطعمه .. ألعب معه .. وأتحدث إليه ..

   كبر بهلول .. صار جسمه مكتنزاً باللحم .. وعندما حل عيد الأضحى

   جاء والدي حاملاً السكين ليذبحه ، تجاهل بكائي وتوسلاتي

   ومحاولاتي المستميتة لإيقافه .. بل ابتسم لسذاجتي .. وقام بنحر         بهلول أمامي .. أنهرت ساعتها وأنا أرى الدماء تسيل من عنقه .. وفي  

  وفي وقت الغداء .. اجتمعت عائلتي حول المائدة .. امتنعت عن أكل

  لحم بهلول .. والدي اعتبر امتناعي ضعف ومخالف للسنة .. فأرغمني

  على أكله .. قضمت أول لقمة .. هنا كانت المفاجأة ! لقد تلذذت بالطعم

  لأجد نفسي أكملت قطعة كاملة وطلبت المزيد .. لحظتها أدركت أنه

  ليس لدي عزيز !

ازدادت مهمات الاغتيال ، وصار الطيب ينفذ ثلاث اغتيالات في الأسبوع، وفي يوم كُلِفَ بمهمة قتل صديقه ، صُدِم لكنه لم يملك أن يعترض لأن في ذلك موته ، حار في أمره ، هو يعلم أنه بقتله صديقه لن يجد من يحميه من الصراصير ، ومحال أن يستبدله ، فلو علم أحد بنقطة ضعفه فسيستغله ، إذن ليس السبيل أمامه سوى أن يتخلص من نقطة ضعفه أولاً قبل أن يتخلص من صديقه . قام بحبس نفسه في المرحاض حيث تكثر الصراصير ، وما أن يظهر واحداً حتى يتجمد من الخوف ويهرب ، كرر المحاولة يوماً بعد يوم لكنه عجز عن التغلب على خوفه ، وبعد أن تملكه اليأس ، استخدم مبيداً حشري ، رش به الصرصور الذي سقط عاجزاً ، فسحقه بنعله بكل سهولة ، واستعاد ثقته بنفسه ، وكرر العملية ليتخلص من الصراصير المنتشرة في المنزل ، وأدرك أنه تغلب على نقطة ضعفه ، الآن فقط يستطيع أن يستغني عن خدمات صديقه . استدرجه إلى مكان خالي وقال له مبتهجاً :

_ أتدري أنني تغلبتُ على خوفي وقتلت صرصوراً لوحدي؟!

_ وأنا كذلك ..

_ أنت ماذا ؟!

صوب الصديق المسدس إلى رأس الطيب وهو يقول :
_ تعلمت القنص !

وأطلق النار .