آخر تحديث :الخميس-25 أبريل 2024-12:10ص

ملفات وتحقيقات


تقرير: كيف تنتشر الممنوعات في عدن؟!.. ناقوس الخطر يُقرع

الإثنين - 10 سبتمبر 2018 - 07:44 م بتوقيت عدن

تقرير: كيف تنتشر الممنوعات في عدن؟!.. ناقوس الخطر يُقرع

عدن(عدن الغد) خاص:

المخدرات في عدن تمضي في التوسع برعاية دولية وتواطؤ محلي

ما هو الرابط بين تصفية العلماء ورجال الدين وانتشار المخدرات؟!!

كيف تساعد الأسرة في انتشار المخدرات في عدن؟!!

أين يروج تجار المخدرات سمومهم؟!!

 

تقرير: صالح المحوري

 

كان السكان المحليون في مدينة عدن الجنوبية يعدون الأمن اختبارا حقيقيًا سيكشف المدى الذي يمكن من خلاله إن تنجح القوات الأمنية التي يدعمها التحالف الخليجي في إعادة التوازن للمدينة مجددًا، والآن لم يعد الأمن الاختبار الوحيد لأن قائمة طويلة من الجرائم وأعمال الفوضى بحسب مصادر أمنية رفضت الإفصاح عن أسمها، تتعلق أساسًا بازدهار تجارة المخدرات والحشيش في المدينة الساحلية والصغيرة.

ومنذ إعلانها مدينة محررة من الحوثيين وحلفائهم في منتصف يوليو من العام 2015، كانت أصناف المخدرات والحشيش موجودة لكنها لم تجد مجالا نشطا لتتحرك فيه.

ولكن عودة سريعة إلى الأيام الأولى من التحرير تكشف كيف إن تراجع منسوب الأمن تنازليًا منذ ما بعد التحرير، أوجد مجالًا لرواد تجارة الممنوعات لينعشوا تجارتهم التي تُدر مبالغ مالية هائلة.

 

*كيف انتشرت المخدرات في عدن؟

بدأت تجارة المخدرات بطريقة لم يلاحظها أحد في المدينة الساحلية عدن، كان التركيز بعد التحرير على ترتيب الوضع الأمني وإعادة ملف الخدمات التي تضررت من الصراع في عدن.

في خِضم هذا المعمعان، كانت الفرصة مواتية لجهات محلية لديها ارتباطات وان ليس بشكل مباشر بجهات دولية، ضمن منظومة دولية تنتشر على نطاق واسع في الإقليم والمنطقة، لتمرير الحشيش والمخدرات لزبائنها المحليين الذين يشكلون نسبة كبيرة من فئة الشباب.

ليس هناك تاريخ محدد لانطلاقة تجارة الممنوعات (الحشيش والمخدرات) في عدن لكن الفترة الزمنية تعود إلى ما بعد تحرير المدينة، ولكن ذروة النشاط وتأثيراته على أوساط الشباب والمجتمع بدأت تظهر للعيان في العامين الأخيرين.

تمرير هذه الأنواع من المخدرات والحشيش يشيع في المناطق المضطربة بالصراعات والحروب والانفلات الأمني لكن في الحالتين الأوليين فأن انتظار ردة فعل جدية من الأمن لإيقاف هذا، ليست مجدية.

وهذا يعود إلى أنهُ في مناطق الحروب والصراعات يبقى التركيز على التجييش العسكري وتحدث عملية عسكرة للقوى الأمنية وبالتالي يتلاشى الدور الأمني شيئًا فشيئًا.

في هذه الحالة يجد تجار الممنوعات صعوبة في تمرير بضائعهم نتيجة الحالة العسكرية المضطربة وتبادل القتال وهذا يعرقل حركة تنقلهم لتمرير بضائعهم بالشكل الأنسب كما في مواقع الانفلات الأمني حيث تصبح العملية أسهل.

ومن جانب آخر فأن الزبائن التقليديين لهؤلاء التجار في فترة الحروب يجدون صعوبة هم أيضًا، لأن المقابل المادي الذي يُدفع لهؤلاء مقابل هذه الأنواع من المخدرات خلال الحرب والصراع لا يكون متوفرًا لأن الدولة تكون شبه غائبة، مقارنة بحالة الانفلات الأمني حيث تتواجد الدولة ولو قليلًا ويحصل الزبائن المحليين لرجال المخدرات على مصادر دخل كما إن الأخيرين يستطيعون التحرك بسهولة ويسر في الحالة الثانية.

في عدن، بدأ ايقاع الأمن يتراجع بشكل تنازلي خلال العامين الأخيرين وبدأ واضحًا إن اللاعبين الدوليين في مشهد الانفلات الأمني بعد يتبادلون أدوارهم بعناية وهذا يتضح مع تغير أدوات وشكل وأساليب الانهيار الأمني في المدينة.

في قراءة خاطفة لتغير أدوات القتل والصراع في عدن خلال الأربعة أعوام الأخيرة، يلحظ إن العامين الأوليين بعد التحرير شهدا اغتيالات منفردة وعمليات انتحارية بواسطة انتحاريين يقودون سيارات مفخخة.

في هذا النموذج تصدر المتطرفين الجهاديين المشهد وكانت هذه العمليات تُغلف بغطاء إرهابي بحت.

لازال هؤلاء ينفذون عملياتهم حتى الآن، لكن الواضح إن الأداة والمنفذ تغيرت في العام ونصف الأخير.

يمكن أن يلاحظ المتابع البسيط إن ما نسبته 70% من عمليات القتل والاختطاف والاغتصاب في عدن ،خلال الآونة الأخيرة أتت ببصمة مغايرة تحمل الشكل الفجائي والغريب عن ما كانت عليه الأحداث من قبل، وأتضح من هنا إن بعض هذه العمليات نفذها شباب يتعاطون المخدرات والحشيش.

 

*انهيار الأمن

شكل انقسام الجهاز الأمني في عدن إلى قوى متباينة في المواقف السياسية ، وأمراء حرب يدعمهم التحالف الذي تقوده السعودية، خارج الإطار الرسمي، إلى التأثير سلبًا على المشهد الأمني وعامل مساعد داعم لحركة نشطة لتجارة الحشيش والمخدرات.

استثمر تجار الحشيش والمخدرات المحليين تضارب المصالح داخل المسرح الأمني في عدن بالطريقة الأمثل ونجحوا في الانتشار داخل الرقعة الجغرافية عبر وكلاء معينين يمررون هذا النوع من الممنوعات إلى فصيلة الشباب داخل كل منطقة.

ويمكن التركيز على التقسيم الأمني في عدن لتبرز من هنا أسبابًا منطقية لانتشار المخدرات والحشيش.المديريات الثماني في عدن تتقاسم تأمينها قوات أمنية مختلفة تتلاشى بينها روابط التنسيق والاتصال بسبب اختلاف الداعمين والممولين لها، وهذا يقدم خدمة مجانية لوكلاء وبائعي المخدرات والحشيش للتنقل من وإلى هذه المديريات بيسر.

ففي مديريات كريتر والتواهي والمعلا تتواجد قوات أمنية تلتقي في مسائل الدعم والارتباط لكن التنسيق يبدو غائبًا بينها وإن كان ثمة تواصل وتعاون من نوع ما بين تلك الوحدات في القضايا الأمنية فأن هذا يعد بابا يفتح سؤالًا آخر حول كيف يمكن إن تمضي هذه الممنوعات إلى تلك المدن إن افترضنا اليقظة الأمنية للوحدات والفصائل الأمنية فيها.

في كِلا الحالتين ليس هناك من شك في إن تهاوي منظومة الأمن في المدينة ساعد تجار المخدرات في تسيير مبيعاتهم في النطاق الجغرافي لعدن وهذا إن لم يأتي استغلالا لغياب الأمن، فهو يشير بشكل أو بآخر إلى إن قادة الوحدات الأمنية يعرفون جيدًا بشكل أو بآخر مراكز ومواقع مروجي المخدرات والحشيش ويتقاضون عن هذا مقابل عوائد مادية تعود لخزائنهم أو إن هؤلاء القادة متورطون بشكل غير مباشر في ترويج الممنوعات في المدينة.

ولكن نظرة على الأطراف الكبيرة المغذية لانفلات المشهد في عدن يقدم لمحة عن إن القادة الأمنيين لا يمتلكون القدرة للتحرك خارج الإطار العملياتي المسموح به وبالتالي فإن تجاهل انتشار المخدرات والحشيش من قبل القادة الأمنيين، يشبه الحالة نفسها لانتشار السلاح وهذا يقدم صورة أكثر وضوحًا تتعلق بسعي الأطراف الدولية الفاعلة في اليمن تغذية الفوضى في عدن عبر الضغط على مراكز القرار بواسطة حلفائها لاستمرارية الفوضى وهذا سيتم عبر نشر السلاح والمخدرات.

 

*رعاية دِولية

لا يمكن الحديث عن المخدرات التي تنتشر في البلدان بدءا من مراحل الصراع، بمعزل عن الارتباط الدولي لبعض القوى الإقليمية التي تسعى لاستثمار وجودها بطرق مختلفة ومن بينها تجارة المخدرات التي تُدر مبالغ كبيرة عليها، ومن جهة أخرى فهي تمثل وسيلة فاعلة لإنجاح مشاريع تتعلق أساسًا بالتأثير على مجتمعات الشرق الأوسط التي تشهد صراعات، لتساعد فيما بعد على التمهيد لصفقات سياسية من قبيل التسويات السياسية في مناطق النزاع أو إعادة تقسيم المجتمعات وخلخلتها من الداخل.

في الحالة العامة تظهر تجارة الممنوعات بشكل يظهر أنها لا تتلقى دعمًا ورعاية لكنها بالأساس مشروع دِولي ينفذه وكلاء محليون.

 

*غياب الرقابة الأسرية

يتصدر غياب الرقابة الأسرية القائمة الرئيسية للعوامل التي تساعد على انتشار المخدرات والحشيش وبالمقابل يمكن إن تلعب الأسرة الدور الأبرز في منظومة الحد من انتشار المخدرات.

الصراع الذي يستمر في البلاد منذ الأربعة أعوام وانعكاساته السلبية من عمليات التجييش العسكري والتجنيد العشوائي وغياب الأبناء في المراكز العسكرية لأيام وأشهر طويلة في فترات التجنيد والدوام يعد سببًا رئيسيًا في انحدار دور الرقابة الأسرية.

 

*تراجع الخطاب الديني

مع تراجع الخطاب الديني وخفوته بعد تعرض عديد رجال دين لعمليات اغتيال في مدينة عدن، بدأت المخدرات تنتشر على نطاق أوسع، ويمكن الربط بين تراجع الخطاب الديني عن المخدرات ومقتل رجال الدين، وشيوع المخدرات بسعي الداعمين الخفيين لانتشار المخدرات لإزالة حجر عثرة.

وإن لم يكن من قاد عمليات الاغتيال شبابا يتعاطون المخدرات ولم يكن رابط بينهما ،فأن الأمر الأكيد إن مخطط تصفية رجال الدين يخدم بشكل مباشر الأجندة الرئيسية لدعم انتشار المخدرات والحشيش في عدن.

يلعب المسجد دورًا بارزًا في التعريف بمخاطر وعواقب تعاطي المخدرات من الناحيتين الشرعية والاجتماعية ودور المسجد يعزز من عملية التعاضد المحلي ضد بائعي ومروجي المخدرات.

أمام مسجد في مديرية خورمكسر شرقي عدن رفض الإفصاح عن أسمه، قال لعدن الغد "دورنا في المسجد ليس غائب ولكن تعلمون الوضع الذي يعيشه أئمة المساجد في عدن، نحن نسعى لنشر وتعريف المخاطر المترتبة عن انتشار المخدرات وهذا عبر بعض النشرات الحائطية وبعض الوقفات بعد الصلوات المفروضة".

 

*غياب التوعية

حملات التوعية والتثقيف هي ركيزة أساسية في حملة مكافحة المخدرات في عدن ومع إن هناك نماذج جديرة بالاحترام إلا أنها لم تحصل على الدعم الكافي لتسيير أعمالها بطريقة منتظمة وهذا أدى بالتالي خفوت الصوت التوعوي الإعلامي مقابل الكم الهائل من خطابات التحريض والكراهية بين بعض وسائل الإعلام التي باتت مُجندة لصالح فصائل الصراع في مدينة عدن.

ويمكن إن تكون حملات التوعية أكثر ناجحًا إذا ما تم ربط مسار هذه الحملات بالعملية التعليمية في المدارس الأساسية والثانوية وكذلك الجامعات وتقديم محاضرات تبرز الجانب الصحي السيء وراء انتشار تجارة الحشيش والمخدرات.

 

*مراكز البيع

لا يحتاج مروجي وبائعي المخدرات للتنقل من مدينة لأخرى ليوصلوا بضاعتهم إلى زبائنهم الشباب لأن هؤلاء ابتكروا وسائل جديدة لتمرير مبيعاتهم والبعض منها يتم في أسواق القات، ولدى بائعين محددين.

وهناك باعة آخرون يتواجدون في محلات لبيع (التمبل) ومتاجر أخرى البعض منها غذائية و يحدث إن لا تتوقع أنها تباع فيها وهذه هي أحد طرق التمويه وحرف الأنظار والتركيز.

وقال محمد عبدالله وهو رجل خمسيني لعدن الغد "الناس في عدن أصبحت تقلق أكثر من انتشار المخدرات، وأعتقد أنها ستصل للمناطق المجاورة لعدن، لأن هناك مشروعا باعتقادي هو يتمثل في نشر هذه الممنوعات في المناطق المجاورة لعدن وهذا هو معيار النجاح لتلك القوى "لم يسمها" لإحاطة عدن بمخزون من المخدرات"

قد لا تحمل هذه المادة الصحفية معلومات بالأرقام لكننا نتحدث عن حالة مخيفة تبرز التدُرج في ظهور المخدرات والأسباب المساعدة لها وانتشارها.