آخر تحديث :السبت-20 أبريل 2024-06:46ص

أدب وثقافة


لطالما كنت وطنا

الأربعاء - 05 سبتمبر 2018 - 03:43 م بتوقيت عدن

لطالما كنت وطنا

(عدن الغد) خاص :

كتب / صلاح الحيدري

 

لطالما  كنت وطنا وملجئا لكثير من الفارين من جحيم أوطانهم التعيسة التي خانتهم وخذلتهم وشردتهم منها ذات يوم  ...

لطالما كنت أمانا لكثير من الخائفين والقلقين ولطالما كنت راحة لكثير من المهمومين الذين ضاقت بهم هذه الارض وضاق بهم رحاب هذا الكون الفسيح  ...

لطالما زرعت بذور السعادة على كثير من القلوب  المتصحرة والمهجورة والبائسة, ولطالما أسقيت هذه البذور من دمعي ودمي في سبيل أن تتحول صحاري قلوبهم المنهكة إلى بساتين تنبت الزهور والورد وتجري من تحتها الأنهار ...

لطالما رسمت تلك المسماة بالإبتسامة على كثير من الوجوه التي ظلت محرومة منها لأشهر كثيرة وربما لسنوات  ,  

لطالما كنت مرهما لجروح كثير من الموجوعين  وحروق كثير من الحارقين ممن التهمت النيران قلوبهم وارواحهم ..

لطالما كنت وكنت وكنت ولكن حين خانتني كينونتي, حين تجردت من كل شيء ضاعت عني  كل تلك الوجوه والقلوب والأرواح , واختفى عن حياتي كل اولئك الناس  ..

فأما تلك القلوب التي حولتها يوما من صحاري قاحلة إلى بساتين تجري من تحتها الانهار , فقد تكبرت بل وصارت تسخر من الحال السيء الذي وصل إليه قلبي,

وأما  تلك الوجوه التي زرعت فيها آلاف الضحكات فقد أنكرتني بل وأضحت شاحبة وغاضبة مني وكانني من أبكاها ذات يوم وليس من أضحكها ,

تبا لي حين جعلت ذات يوم من قلبي وطنا للجميع يحميهم من كل شيء وفرشت لهم قاع قلبي ورودا ليسكنوا فيه ,  بينما  لم أجد اليوم أي متسع بقلب احد بل أنني لم اجد من كل اولئك الناس ولو حتى مظلة  تقيني من أمطار الخيبة وتحميني من عواصف الخذلان ...

 وأما الأمان الذي زرعته في قلوبهم فقد صارو يسقونني إياه  خوفا وغربة وصرت أخاف قربهم اكثر من بعدهم, بل صاروا هم الخوف بكل معانيه وتفاصيله ..

في الأخير شكرا لكل من خذلوا أحبتهم وخانوا أحبتهم وتنكروا لعشرة أحبتهم , شكرا لمن قصموا ضهور أحبتهم, وزرعوا السكاكين في قلوب أحبتهم ليتركوا فيها جراحا عميقة بل أنهم لم يكتفو بالطعنات والجراك فقد نثرو ورشوا بالملح فوق هذه الجراح في سبيل أن يعانوا أحبتهم ويتألموا أكثر وأكثر ...

شكرا لكم يا هؤلاء لأنكم قد صحيتمونا من غيبوبة غبائنا ومن غفوة طيبتنا الساذجة , شكرا لكم لأننا دونكم تعلمنا أن نركن لانفسنا وأن نعالج انفسنا بأنفسنا, وأن ندواي جراحنا بصبرنا, والأهم من ذلك أن خذلانكم علمنا أن نهتم بأنفسنا كثيرا بعد ان كنا قد اهملنا انفسنا كثيرا في سبيل إرضائكم وسبيل راحتكم وسعادتكم, وحتى سعادتنا صرنا نصنعها بانفسنا ولأجل أنفسنا بعد ان كنا نطعمكم وجبات السعادة يوميا بينما نقعد نحن جائعين ومحرومين منها , باختصار نود أن نخبركم اننا أصبحنا نزهر بأنفسنا ولأنفسنا ولم نعد نحتاج لسقيكم ولا لاهتمامكم فشكرا ثم شكرا لكم