آخر تحديث :الجمعة-19 أبريل 2024-05:29م

أخبار وتقارير


تناقضات الحسم العسكري بتعز .. الصراع الذي لن ينتهي

الجمعة - 17 أغسطس 2018 - 08:23 م بتوقيت عدن

تناقضات الحسم العسكري بتعز .. الصراع الذي لن ينتهي

تعز (عدن الغد) ماهر عبدالحكيم الحالمي:

هناك حقيقة أساسية متعلقة بصراع الحرب في اليمن بمحافظة تعز، لا يبدو أنها ستتغير أبداً؛ وهي أن الحرب تحبط أي محاولة للانتصار او  للحل.

على الرغم من الدعم السخي لدول التحالف العربي وخاصّتاً دعم دولة الإمارات العربية المتحدة لتحرير محافظة تعز، دعم الامحدود، أغاثات إنسانية لتخفيف من حدة التداعيات الإنسانية، التي فرضها الانقلابيين الحوثيين الإيرانيين على محافظة تعز، وعده وعتاد وسلاح وذخائر ومليارات انفقتها دولة الإمارات العربية المتحدة لتحرير محافظة تعز.

ظناً من دول التحالف العربي ستعمل على تحرير محافظة تعز من عبث واضطهاد الانقلابيين الحوثيين، لكن الشيء الوحيد الذي يبدو أنه يتغير هو مدى معاناة سُّكّان محافظة تعز التي تزداد فحسب.

يكشف لنا النظر في البحوث الأكاديمية المتعلقة بالحروب الأهلية عن سبب ذلك، مثل تلك الصراعات يبلغ المتوسط وقت إستمرارها حوالي عِقد من الزمان؛ وهو ثلث الوقت الذي قضته "تعز" في الصراع حتى الآن.

ولكن هناك عدة عوامل يمكن تجعل هذا الصراعات تطول أكثر، وتجعلها أكثر عنفًا وأصعب على الإيقاف وتقريبًا كل هذه العوامل متحققة في تعز.

التدخلات القطرية في الأزمة اليمنية

العديد من تلك العوامل نابعة من التدخلات القطرية في الأزمة اليمنية التي كان الغرض منها إعادة الشرعية الرئاسية لرئيس "هادي" إلى سدة الحكم في العاصمة صنعاء، وأنهاء التمرد الإنقلابي الحوثي، وقطع المد الصفوي الشيعي الإيراني في اليمن، وتدخلاتها في الشئون العربية.

ولكنها بدلاً من ذلك، أنعكست سلباً مشاركة دولة "قطر" في عاصفة( الحزم) العربية بقيادة المملكة العربية السعودية لإعادة الشرعية وحل الأزمة اليمنية، ورسّخت حالة الجمود الذي يتزايد فيه العنف ذاتيًا، وتُغلق فيه كل الطرق الطبيعية المؤدية لتحرير "تعز" او المؤدية للسلام في اليمن بشكل عام.

صراع لا يُنهك أحدًا

تنتهي معظم الحروب الأهلية بهزيمة احد الطرفين، سواء بأن تكون الهزيمة العسكرية او باستهلاك أسلحته، او بأن يفقد الدعم الشعبي، وبالتالي يضطر إلى أنة يستسلم.

كان من ممكن ان يحدث هذا في اليمن إذ أن التمردّ الانقلابيين الحوثيين الذين بدأوا القتال في مطلع عام 2015م نهاية شهر مارس، كان قد بدأوا المتمردين الحوثيين يضعفون في منتصف عام 2016م ولا يستطيعون تحمل القتال طويلاً.

وبدأ الجيش الوطني والمقاومة الموالية لقوّات الرئيس "هادي" وتحالف العربي، التوغل وسيطرة على عدد من المناطق في محافظة تعز وحجة وصعده ولجوف وساحل الغربي كانت تحت سيطرت مليشيات التمرد الحوثي.

ولكن الأزمة الخليجية أنعكست سلباً على ذلك، وسبب التدخلات التركية في الأزمة اليمنية، لتوسعت مشروع أرودغان التوسعي لحزب الأخوان المسلمين في اليمن، مستخدمة القفاز القطري،فعطلت تدخلاتها قوانيين الطبيعية المعتادة.

القوى التي من المعتاد ان تخفف جمود الصراع غائبة، وتسمح باستمرار القتال لوقت أطول مما يحدث في الصرعات الشبيهة في محافظة "تعز" الحاضنة او التي تحت سيطرت حزب الإصلاح التجمع اليمني احد فروع حزب تنظيم الأخوان المسلمين، وهو المسيطر على القرار السياسي ولعسكري في محافظة "تعز"، لوجود القيادات العسكرية والمدنية الحكومية موالية لحزب الإصلاح التجمع اليمني.

لا أحد أن يُهزم..ولا أحد أن ينتصر

وبما أن تركيا هي المنصة الراعية للإخوان المسلمين، الذين يلتقي مشروعهم مع طموحات أرودغان التسلطية الخبيثة، بعد أن أستسلم ويئس من الحلم انضمام تركيا للاتحاد الأوربي أتجه نحو الشرق، ليوجه سمومه الإخوانية نحو العرب، مستخدماً القفاز "القطري".

فالأخوان المسلمين في اليمن لا يزيلون فقط الميكانيزمات المؤدية للأنتصار او المؤدية للسلام، . إنهم يضيفون ميكانيزمات داعمة ذاتيًا للجمود المكثف طوال الوقت كما هو الحاصل في محافظة "تعز" اليمنية، الذي نرى فيها من ذي قبل تصعيد أقوى ضد المليشيات الإنقلابية الحوثية الإيرانية، ويسرّع من وتيرة القتال ضد المليشيات الإنقلابية، بدون أن يغيّر من التوازن الأساسي في الحرب، لكننا نلاحظ هذا التصعيد فقط إعلامياً للإخوان المسلمين دون الواقع الميداني على الأرض.

كانت هذه قصة "تعز" تقريباً منذ البداية، في منتصف عام 2016م، والمليشيات الإنقلابية تعاني من الهزائم في "تعز"، ومع بداية عام 2017م تراجع الجيش الوطني والمقاومة المدعومة من دول التحالف العربي لتحرير "تعز".

التقارب المشروع الأخواني التركي مع مشروع الإيراني في بث السموم نحو العرب، كان هذا التقارب قوي بما يكفي للمليشيات الإنقلابية لتواجه فعليًا أي تصعيد ضدها في "تعز"، ولا يمكن لأحد أن يفرض الانتصار الكامل، وبالتالي تستمر الدائرة، حتى التقلبات الطبيعية في خطوط القتال يمكنها ان تؤدي إلى جولة جديدة.

بنية الحرب تشجع على الفظائع

شهدت محافظة "تعز" قتل جماعي عشوائي للمدنيين من قِبل المليشيات الإنقلابية الإيرانية، وليس الدافع لذلك هو الشر فحسب؛ وإنما شيء أكثر قوّة وهو الدوافع البنيوية.

في معظم الحروب الأهلية، تعتمد القوى المقاتلة على الدعم الشعبي من أجل تحقيق النجاح هذه "„الأرض البشرية"„ كما يطلق عليها خبراء مكافحة التمرد، يزودون كل الأطراف بالدفع لحماية المدنيين والحدّ من الفظائع، وكثيراً ما أثبت المدنيون أنهم عامل حاسم للانتصار في الحروب.

لكن في الحروب الشبيهة بحرب في  محافظة "تعز" الذي يعتمد فيه الجيش الوطني بشكل مكثف على الدعم المالي وسياسي التركي  والقطري، لتوسعت وتنفيذ أجندت مشروع الأخوان المسلمين في "تعز" وبقيت المحافظات شمال اليمن، يتم تشجيع السلوك المقابل لذلك؛ وفقًا لأبحاث العلماء السياسيين، ريدم وود من جامعة أريزونا، وجاكوب كاثمان، من جامعة نيويورك في بافلو، وستيفن إي جين في جامعة نورث كارولانيا.

لأن المتحاربين في "تعز" يعتمدون على الرعاة الإيراني من جهة والتركي القطري من جهة أخرى، ولطالما التقارب المشروع الإيراني والتركي في بث السموم  نحو العرب، لا يمكن لأحد من أدواتهم المحلية المتحاربين في "تعز" أن يُهزم، ولا يمكن لأحد أن ينتصر، فليس لديهم دافع كبير لحماية المدنيين، في الحقيقة حوّلت هذه الديناميكية السُّكان المحليين إلى تهديد كامن بدلاً من أن يكونوا مورداً ضرورياً.

وجد الباحثون أن تلك الدوافع التي تحث المليشيات الانقلابية على أستخدام العنف والإرهاب الجماعي لتشكيل سلوكيات السُّكّان الصور التي نراها للأمهات ولأطفال الموتى ربما لا تمثل مقتل أهداف مقصودة، لم يُقتلوا بسبب الجنون او القسوة، ولكن بحسبة عقلية باردة.

الهجمات العشوائية القاسية على المدنيين تؤدي إلى مخاطر قصيرة الأمد، وفوائد جوهرية ناتج من سياسة المشروع الإخوان المسلمين في "تعز" منها :تعطيل تحرير استكمال تحرير محافظة "تعز" وتعطيل الدعم المحلي، وتحييد التهديدات الكامنه،  ونهب الموارد وغير ذلك.

الخوف من الهزيمة يدعم الوضع القائم

من الأشياء المؤدية للجمود هو عدم اليقين، لا أحد يثق كيف ستبدو "تعز" ما بعد الحرب او كيفية الوصول إلى هذه الحالة، ولكن يمكن لمتحاربين ان يتخيلوا موقفاً أسوأ، يخلق هذا تحيزًا للوضع  القائم، تهتم الأطراف المتحاربة فيه بالحفاظ على ما يملكونه، بدلاً من المخاطرة والسعي نحو أهداف أكبر.

كما يشرح الأستاذ فيرون من جامعة ستانفور(ان تمنع الطرف الآخر من الانتصار أهم من أن تنتصر أنت)

ونتيجة السياسة المتبعة لقادة الجيش الوطني الموالين للإخوان المسلمين، يفهموا أنهم لن ينتصروا، ولكنهم يخشون بالفعل من أي يؤدي انتصار المقاومة الشعبية المدعومة من دولة الإمارات العربية المتحدة إلى وضع غير محتمل، لكن الأطماع السياسية الإخوانية تشكل خطراً على المقاومة.

على سبيل، المثل تررى إيران وتركيا "تعز " كأرض معركة لصراع القوى الإقليمي بينهما، وهما يعتقدان أن هزيمتها هناك ستجلب المخاطر على نظاميها.

بما أن تركيز القوى السياسية بتعز على التعينات والصراع الخفي من أجل تنفيذ أجندات المشروع الأخواني والنفوذ ومحاولة تكديس الأسلحة، يؤثر بشكل سلبي على سير المعارك ويقلل من حجم وعظمة التضحيات.

حتى إذا كانت الحرب في تعز تؤدي جميع الناس على المدى البعيد، وتؤدي إلى التطرف وعدم والاستقرار، فالمخاوف قصيرة الأمد من الهزيمة تدفع جميع الناس للحفاظ على تعادل مستمر وغير منتصر.

يستفحل هذا عن طريق ديناميات صناعية القرار لدى التحالفات الفضفاضة، كل طرف يتكون من عدة فاعلين لديهم أجندات وأولويات متعددة، على الأغلب وكل ما يستطيعون الأتفاق عليه إستراتيجية تعتمد على القاسم المشترك الأصغر.

تعز تعرف القتال لا الانتصار

معظم قادة الجيش الوطني في "تعز" موالين لحزب الإصلاح التجمع اليمني احد فروع حزب الأخوان المسلمين، بعد سنوات من الحرب على الخطوط الديموغرافية يخشى القادة العسكرية من التعرض للإقصاء إذا لم يسيطروا على "تعز" سياسياً، ولذلك تمنع وتقوم بأجهاض أي عملية عسكرية تدفعها دولة الإمارات العربية المتحدة لتحرير "تعز".

يبدو أنه من غير المرجح الحصول على السيطرة او الانتصار السياسي للإخوان المسلمين في تعز، وبالتالي يعتقد القادة العسكريين الموالين للإخوان المسلمين: إن الجمود هو أفضل طريق للحفاظ على السيطرة الإخوانية ووضع لها موقع قدم في "تعز"، حتى إذا كانت نتيجة ذلك هي تزايد المخاطر على تعز في المستقبل البعيد.

ليس هذا هو الطريق الذي يرغب فيه أي أحد في تعز، ولكنه الطريق الذي ينحو إلية مشروع أوردغان التوسعي مدعوماً من الناحية العملية بأموال قطر، ومستفيداً من السياسة الخارجية للدوحة، وهي سياسة قائمة على الحماقات وعلى دعم ما يتصل بالإسلام السياسي.