آخر تحديث :الإثنين-13 مايو 2024-10:52ص

أدب وثقافة


سعيد عولقي... غياب أم احتجاج؟

الإثنين - 06 أغسطس 2018 - 10:10 م بتوقيت عدن

سعيد عولقي... غياب أم احتجاج؟

عبد الحكيم باقيس - العربي

منذ 30 عاماً كتب سعيد عولقي «السمار الثلاثة»، وهي رواية فلسفية قصيرة، فلسفية لأنها تثير تساؤلات عريضة عن الحرية والقانون وعبثية الواقع، وحافلة بالحوارية التي تتيح صراع المنظورات وتعدد الأصوات، وهي قصيرة لأنها تركز على حدث واحد بأسلوب مشوق، وتميل إلى التكثيف في اختيار المشاهد التي عصر فيها الكاتب خلاصات جوهرية. من هذه الخلاصات في المشهد الأول: عندما علم المؤلف المسرحي مهدي باسنبل بأن القاتل الإرهابي حرُّ طليق، يمارس مهنة القتل، خرج من مكتب أخيه المحامي ضارباً الباب بقوة، سقطت إثره اللوحة المعلقة في الجدار، والتي كتب فيها «عندما يسكت القانون يبدأ الطغيان».
وفي المشهد الثاني: الجمل المعصوب العينين، الذي يدور في المعصرة المجاورة لمركز الشرطة، وقد أطل عليه الملحن الموسيقي أنور خان من فتحة نافذة الغرفة التي احتجز فيها مع رفيقيه المؤلف المسرحي مهدي باسنبل، والصحفي الشاعر أحمد القاضي، كان أنور خان يتابع الحوار الدائر بكل ذرة من أحاسيسه، وإن كان يتظاهر بعدم بالاكتراث، ناظراً من فتحة صغيرة خلف ستارة الشباك إلى «معصرة» زيت السمسم القابعة أسفل التل.. وإلى الجمل معصوب العينين الذي يدور فيها.. ترى متى بدأ ذلك الجمل أولى خطواته... ومتى يتوقف عن الدوران؟ بدا له ذلك المنظر شديد اليمنية، بل أكثر خصوصية... كان المنظر عدنياً خالصاً… أكثر عدنية من كل شيء… و«كريتريا حتى النخاع».
هذان المشهدان يحفلان بالدلالة من رواية شديدة الجرأة، قياساً بالأجواء التي كُتبت ونشرت فيها، تقرأ الواقع بمنتهى الفاعلية والحيوية، كتبها سعيد عولقي في 1988، وكلما اطلعنا عليها مرة تلو مرة نجدها لم تغادر فاعليتها المذهلة منذ ثلاثة عقود في تناول الأفق الثمانيني في جنوب اليمن، وفي إطلاقها نبوءة سردية تستشرف المستقبل الذي أصبح اليوم حاضراً شديد البؤس والمرارة، وكأنما هذه الرواية المكتوبة قبل 30 عاماً مكتوبة عن هذه الأيام! أهي عبقرية الفن الروائي وحساسيته الشديدة في قراءة الحاضر والمستقبل، أم هي دراما الواقع الهزلية بحسب تعبير كارل ماركس؟
الكاتب والناقد والمؤلف الروائي والمسرحي، صاحب «سبعون عاما من المسرح في اليمن»، وصاحب «التركة» أشهر مسرحية يمنية حققت نجاحاً جماهيرياً على الإطلاق، والمجموعة القصصية الرائعة «الهجرة مرتين» والمقالات الساخرة «شقلبانيات»، والرواية المذهلة «السمار الثلاثة» غني عن التعريف، كاتب متعدد آخذ من كل فن بأكثر من طرف، يكتب بأسلوب ساخر، وسخريته كما يقول أحمد محفوظ عمر: «عذبة من اللون المحبوب والمقبول». مرت الآن الثلاثون، ولم يجد من السخرية ما يكفي ليفيض به على ألم هذا الواقع، ولعله لاذ بتراجيديا الصمت احتجاجاً على بؤس الواقع، فتحول الممثل والمؤلف والكاتب المسرحي من خشبة المسرح إلى مقاعد الجمهور، يشاهد بصمت فصول مسرحيتنا الهزلية، أترى ما الذي سيكتبه هذا الرائي لو قرر اليوم الكتابة؟
وأياً كان قرار هذا الكاتب الكبير ـ الذي صنع من الأعمال الإبداعية ما يشكل علامات فارقة في تاريخ المسرح والرواية والسرد في اليمن ـ في ممارسة حقه الشخصي في التوقف عن الكتابة أو الاحتجاج، فإن غيابه عن المشهد الثقافي كل هذه السنوات يُعد خسارة كبيرة، وحين يغيب صمتاً عن المشهد الكتاب الكبار من أمثال سعيد عولقي، لا نملك جرأة الاحتجاج عليه أو ترف السؤال وبلاغة الاعتراض.
ثلاثون عاماً من السنوات العجاف منذ أن كتب سعيد عولقي رواية «السمار الثلاثة»، التي تؤرخ لبداية الأزمة التي تعيشها النخب السياسية والثقافية في جنوب اليمن، ولم تزل نصاً مفتوحا على القراءة والدهشة، وهي الثلاثون نفسها من الغياب الاختياري لهذا الكاتب الكبير عن المشهد الثقافي، أبطال روايته الثلاثة يقررون الصمت احتجاجاً على فساد الواقع، فهل مارس الكاتب ذلك الاحتجاج؟