آخر تحديث :الخميس-28 مارس 2024-06:31م

ملفات وتحقيقات


لا يقدمان حلولا ولا يعترفان بالإخفاق.. الشرعية والانتقالي .. صراع الفشل؟

الإثنين - 06 أغسطس 2018 - 10:28 ص بتوقيت عدن

لا يقدمان حلولا ولا يعترفان بالإخفاق.. الشرعية والانتقالي .. صراع الفشل؟

عدن(عدن الغد) خاص:

 

صراع النفوذ حول عدن إلى مربعات صغيرة محتقنة

السباق على التمكين والنفوذ عطل حركة البناء في المدينة

حركة الاستثمار في تراجع والضمانات غائبة وعدن تعاني

تقرير/ صالح المحوري

 

 

حينما كان القادة الجنوبيون الذين أزاحهم الرئيس اليمني لاحقًا، يتزعمون مناصب حكومية في الدولة لم تكن لهؤلاء أي مشاكل مع الحكومة اليمنية بزعامة د. أحمد بن دغر وكانت الأخيرة تبادلهم الموقف ذاته.

 

مُذّاك كانت جبهة الفشل واحدة لكنها ليست متحدة الأهداف، والآن صار لدينا فريقين أحدهما يمثل الدولة الرسمية فيما الآخر ينتمي للفريق الجنوبي الذي أُقصي، وهذان الأخيران يتصارعان منذ عامين ونصف حول السيطرة والتمكين ولكن هذا الخلاف أنعكس بشكل مباشر على عديد ملفات في الأمن والخدمات، ذلك إن اكتظاظ المدينة بحلفاء للفريقين ساعد في توسعة مناطق الصراع داخل أرجاء المدينة التي تتخذها الحكومة اليمنية مقرًا مؤقتًا لها منذ ما يقارب الأربعة أعوام.

 

والوضع حينها لم يكن جيدًا لكن  كِلا الطرفان تماهى مع الآخر في عديد تفاصيل من بينها مسألة الخدمات والفساد والأمن، ولكن بعد إن أنفضت الشراكة الشفافة بينهما أصبح كل منهما يحشد ضد الآخر ويتهمه بالفشل.

 

عندما أُعلنت مدينة عدن الجنوبية في منتصف يوليو من العام 2015 مدينة محررة من تحالف الحوثيين والرئيس السابق علي عبدالله صالح، بدأ ذاك الإعلان ناقصًا، لأن الهاجس الأكبر آنذاك، كان يتمثل في  كيف يمكن إن تصبح الحلول ناجحة لغربلة تلك الفصائل الصغيرة المسلحة داخل المؤسسة الأمنية الرسمية.

 

والآن أضحت المخاوف تزداد لأن تلك الفصائل الصغيرة تغولت كثيرًا وأصبح لها أمرا حرب صغار لا تعترف إلا بهم.

 

ومع إن المدينة التي تقف على بركان صغير في أقصى جنوبي اليمن، تبدو كمعسكر كبير يمتلئ بالمئات من القادة المحليين الصاعدين وأعداد أكثر من الجنود الذين أنجبتهم الحرب، إلا إن ذلك لم يغير شيئًا في واقع الأمر.

 

لأن عمليات الاغتيال في تصاعد مستمر وصارت الفوضى هي المعيار لانتزاع الحقوق.

 

وتوجد في عدن قوات أمنية منقسمة في ولائها للسلطة اليمنية الرسمية ودولة الإمارات العربية المتحدة لكن نظرة أعمق في المسرح الأمني تظهر إن حلفاء أبوظبي يمسكون بزمام السيطرة الأمنية في المدينة، فيما تملك الحكومة اليمنية الصفة الرسمية الإدارية في وزارة الداخلية ولديها قوات أمنية متواضعة التسليح والنفوذ.

 

وتبرز أسباب كثيرة لحالة الفشل الأمني في المدينة من بينها غياب التنسيق والتواصل بين القوات الأمنية الموالية للحكومة اليمنية والإمارات على حد سواء، لأن هذه الأخيرة خاضت حربها فيما بينها حول النفوذ والتمكين ولم تسعى لخلق عامل مشترك فيما بينها ما أدى إلى خلخلة المسرح الأمني لأنه لم تعد هناك وظائف معينة لكل قوة أمنية وصارت تلك الفصائل الصغيرة تتصارع فيما بينها على أدوار مكررة.

 

 

 

- الأمن

 

وهذا السباق المحموم على التمكين في المدينة وتعزيز، النفوذ بين الحكومة اليمنية المعترف بها دوليًا والمجلس الانتقالي الجنوبي تسبب في عرقلة مسار الأمن في المدينة.

 

ويستخدم كلِا الطرفان أوراق عديدة لكسب المواجهة ضد الآخر وهذا أمتد ليشمل المؤسستين الأمنية والعسكرية اللتان باتت أوراق ضغط قوية يستخدمها طرفي الصراع في عدن.

 

ومن شأن هذا إن يعزز المخاوف لأن البنية الوطنية المؤسسية للأمن والجيش انهارت وما بات حاضرًا هي مجموعة من الفصائل التي تملك السلاح وتتلقى تعبئة جهوية مناطقية ضد الفريق الآخر.

 

واستطاع قادة الفصائل العسكرية التحكم بالإطار الجامع لكل فصيل من حيث تمرير الدعم وتعزيز التحشيد وفق قاعدة تحريضية وهذا نجح بشكل لافت لأن أغلب عناصر هذه الفصائل من الشباب الذي لا تتجاوز أعمارهم ال20.

 

ولا يخضع هؤلاء لأي عملية تأهيل معنوي أو جسدي كما أنهم لا يتلقون محاضرات في جانب التوجيه المعنوي وبالتالي يُسهل تعبئتهم عبر تمرير الخطاب التحريضي وفق هرم القيادة لكل فصيل.

 

لكن الباعث للقلق في كل هذا هو أن عمليات التجنيد لهؤلاء الأفراد تتم بصورة عاجلة وعشوائية دون معرفة خلفية كل جندي وهذا يعطي تأكيدًا على أن طرفي النزاع يُجندان جنودًا لا تعرف خلفياتهم السياسية ولكن الأخطر من ذاك أن بعض الفصائل التابعة لقوى النزاع في عدن تستقبل المجندين وفق قاعدة الانتماء المناطقي وهذا ساعد على استحضار ذكريات أطراف الصراع.

 

وتتواجد هذه القوات في مناطق ذات نفوذ معين وهذا يعزز من الانطباع السائد أن مسألة تقسيم المدينة الجنوبية وفق قاعدة المربعات الأمنية عدن تمضي قدمًا لكن بشكل سلبي، بالتزامن مع دعم ثنائي متبادل للجانبين.

 

ولكن من جانب آخر فأن كل مديرية باتت منقسمة على جبهتين لا تفصل بينهما أمتار قليلة وبالتالي قد يدفع هذا التقسيم إلى أي صدام مستقبلي.

 

في المدينة القديمة كريتر التي تحتضن القصر الرئاسي في منطقة معاشيق تخضع تلك الأجزاء الجبلية لقوات الحرس الرئاسي الموالية للرئيس عبد ربة منصور هادي لكن في المدينة ذاتها وبمسافة لا تبعد كثيرًا توجد مراكز أمنية تتبع قوات الحزام الأمني التي تدعمها دولة الإمارات العربية المتحدة.

 

وفي مديرية خورمكسر إلى الشرق من عدن تتمركز قوات أمنية تتبع حلفاء الإمارات في مبني إدارة الأمن والمطار الدولي ولكن قرب أمتار قليلة يوجد اللواء 39 مدرع وهو أحد ألوية المنطقة العسكرية الرابعة الموالية للرئيس هادي.

 

وفي الأحياء المتاخمة للمواقع أعلاها هناك فصائل محلية تمتلك نفوذًا وتأييدا شعبيا في خورمكسر قائد محلي هو سليمان الزامكي ويعتقد أن هذه تميل لصالح هادي لكنها لم تظهر ذلك.

 

والحال نفسه ينطبق على مديريات التواهي والبريقة والشيخ عثمان وهذا يبعث على القلق لدى سكان المدينة لأنهم يعتقدون أن كل هذه الأعداد الهائلة من الجنود لن تسهم في تأمين المدينة ويرون أن تأمين المدينة لا يحتاج لعدد قليل لكن المهم هو تقديم خطة أمنية مدروسة.

 

 

 

- البناء والتنمية

 

قد لا يكون الخلاف بين الحكومة اليمنية والمجلس الانتقالي الجنوبي أستهدف عملية البناء والتنمية بشكل مباشر لكن استمرار حالة المماحكة السياسية بين الفريقين ساعد على عزوف الكثير من عمليات الاستثمار والمستثمرين.

 

وفي عدن كانت بعض الأحداث الأمنية قد أدت إلى تكوين صورة قاتمة عن المدينة وبالتالي فأنه لا يمكن إن يأتي مستثمر محملًا بقائمة مشاريعه التي قد تكلفه ملايين الدولارات والوضع مؤهل للانفجار في أي لحظة.

 

وتسببت أحداث يناير في ضرب الأمن بشكل كبير لأن الأهالي لاحظوا كيف يمكن إن تتسبب مقتلة في تدمير المدينة إن جاوزت الثلاثة أيام كما أنهم استطاعوا معرفة الأبعاد الكامنة وراء عمليات الحشد التي حدثت قبل تلك الأحداث.

 

ولكن مخاوف رجال الأعمال ليست مرتبطة بأحداث ماضية أو حاضرة لكن الوضع الأمني عدن يشبه حلقة واحدة مترابطة وبالتالي فأن كل عملية اضطراب أمني كانت فائتة أو حاضرة لها تبعاتها التي تظل تستمر على أرضية منهارة.

 

ولكن ليس كل هذا السبب، لأن القلق ينبع من إن هذا الوضع المنفلت ساعد على نشوء أطراف أخرى تستغل صراع الطرفين لتقوم هي بمحاولة تحقيق مكاسب لها عبر استهداف عمليات البناء والتنمية.

 

ويلعب انتشار السلاح الذي أصبح في متناول الجميع في عدن دورًا بالغًا في إثارة مخاوف المستثمرين ورجال الأعمال لأنه لا يعرف بالتحديد في ظل هذه المعضلة من هو رجل الأمن ومن هو رجل الجيش ومن هو رجل المليشيا ومن هو المتطرف.

 

ولكن العمليات الإرهابية تحدث بين الحين والآخر وهذا هو أبرز أسباب عزوف المستثمرين لأنه بالإمكان العمل في ظل صراع الفرقاء السياسيين مع أخذ ضمانات، لكن تواجد القاعدة عبر بعض العمليات لا يجعل المستثمرين يقدمون إلى عدن.

 

 

 

- الخدمات

 

الخدمات هي الأخرى تضررت من أجواء النزاع بين الحكومة اليمنية والمجلس الانتقالي الجنوبي وأضحت عدن مدينة تفتقد لأبسط الخدمات الضرورية كالكهرباء والماء والمشتقات النفطية.

 

وتماثل الخدمات مسألة البناء والتنمية من حيث كيفية استهدافها حيث أنها استخدمت كأوراق مناورة حاول الطرفان إقحامها لكسب نقاط من الفريق الآخر، لكن يتضح إن الفريقين أنفسهم لا  يملكان صك تحريكها بشكل متسارع وبالتالي لجأ كل منها لمجابهة مصادرها لتحريك الشارع ضد الآخر.

 

ولأن السكان المحليين هم في الوسط فأنه لاشك إن هذا أضرهم كثيرًا من مسألة عرقلة نجاح الخدمات في المدينة وباتوا في حيرة من أمرهم حول من يكون وراء ذاك العبث الذي يحدث.

 

وسوءا كان الفريقين لا علاقة لهما بما يعتمل في مسألة الخدمات، إلا أنهم يتحملان جزء من المسؤولية.

 

فطيلة ما يقارب الأربعة أعوام صارت الكهرباء تعمل بواقع أقل من نصف اليوم وهذا هو النسبة الأكثر تراجعًا في عمل الكهرباء طيلة تاريخ عدن، كما إن المياه لا تأتي بشكل مستمر وخطوط المياه ليست منتظمة ولا تعمل إلا في وجود مضخات كهربائية وهو ما بات صعبًا في غياب الكهرباء نفسها.

 

ولكن المسؤولين الرسميين داخل الحكومة اليمنية لم ينجحوا في حل تلك المشاكل ولم يضعوا حلولا لها، والحال ذاته يذهب للقادة الجنوبيين الذين تقلدوا مناصب تنفيذية قبل إقالتهم وفشلوا في المهمة.

 

ولما كان الزُبيدي محافظًا لعدن كانت الحكومة اليمنية وحلفائها تتهم إدارة الرجل بالفشل وبعيدا عما إذا كان الزُبيدي فشل فأن الحكومة نفسها لم تساعد الرجل ولا يبدو أنها تنتقد فشله لأجل التصحيح لكنها تفعل ذلك نكاية بالرجل الذي ينتمي لمعسكر على خلاف شديد معها.

 

والآن صار المجلس الانتقالي نفسه يفعل ذلك معها، فالزُبيدي وأنصاره ينتقدون فشل الحكومة في مسألة الخدمات والأمن وهذا استغلال من الرجل وأنصاره لأنه عندما كان هذا الأول محافظًا لم يستطع فعل شيء ولم يقدم حلول أو يكشف عن من هو المتسبب بما يحدث.

 

وهذا يؤكد إن كلا الفريقين يستثمران مسألة الخدمات كونها مرتبطة بحياة الأهالي ليدفع الشارع ويألبه ضد الفريق الآخر وهذا يعطي انطباع إن الاثنان يتصارعان حول من هو الأكثر فشلًا من الآخر.

 

 

 

- هل هناك ثورة قادمة؟

 

وهذه الأيام هناك بوادر لانطلاق ثورة شعبية تطالب بالحقوق وتحسين الوضع في عدن حيث تشهد المدينة انهيارا في الخدمات ولكن لا يجب ان تختصر هذه المطالب على الخدمات لأن الوضع في عدن مترابط بشكل غريب وهذا يحتاج إلى ثورة شاملة لتصحيح الوضع بشكل مطلق وبطبيعة الحال فأن لا شيء سيتحقق مرة واحدة لكن يجب ان ترفع كل هذه المطالب.

 

ومن الجيد إن تساند هذه الثورة حملة إعلامية لتعزيز وعي الناس والشرح والتوضيح لهم كيف سيصبح الوضع سيئًا إن لم يحدث تحرك حقيقي  لإيقاف هذا العبث.

 

ولكن يجب ان يدرك الأهالي ان القوى التي فشلت في تحقيق هذه المطالب ستحاول ان تقترب من الجبهة المحلية ولكنها لا تفعل ذلك بغية تصحيح الوضع وإنما الغرض هو استغلال هذا في حرب السيطرة والنفوذ.

 

من الجيد ان تتوحد أهداف الناس لتصحيح ما يمكن تصحيحه قبل إن تذهب المدينة لوضع اللا عودة ولكن قيام الثورة ليس سهلا ولكنه ليس مستحيلا بالمقابل، لكنه يحتاج لأن تتحرك الضمائر والرؤى أولًا، وان تنهض الناس من سباتها.