آخر تحديث :الخميس-25 أبريل 2024-07:06م

أدب وثقافة


قصة قصيرة.. طويلة.. تفاصيلها كثيرة.. قديمة.. ومازالت جديدة!

الجمعة - 27 يوليه 2018 - 11:12 م بتوقيت عدن

قصة قصيرة.. طويلة.. تفاصيلها كثيرة.. قديمة.. ومازالت جديدة!

عدن (عدن الغد) خاص :

آح.. آح.. زاد علينا غانم الوالي، وفاجأنا بمضخة ومواسير مثل شبكة العنكبوت، ولما اعترضنا بأدب ولباقة مثل الانجليز، قال غانم الوالي:

- يا ناس عيب.. اعتبروا الدوابيه اخواكم.

وانا واثق من ان ابني عزمي عندما يكبر، سوف يقف في وجه غانم الوالي، ويقطع حبال الدوابيه، ويسترد البئر التي حفرها الشيخ عزمي بحافتنا زمان.. زمان.. قبل ان يجوع التتار.

نحن سمحنا لغانم الوالي ان يشرب من البئر، وان يتوقف عن تدليل الدوابيه، لكنه(كتّر به)، وسمح للدوابيه ان ينصبوا عيدانهم، ويربطوا عليها حبالهم كالمشانق، ويشفطوا الماء من البئر حتى كادت تجف، ففكرنا نشتكي، وذهبنا الى ياسين ابن العطار، انا وجميل الهاشمي وحسن الريمي وعلي رنجله، لكن ياسين ابن العطار سقط المسواك من فمه المفتوح مثل الخندق، وهو يصرخ في وجوهنا، لما شفنا نصف لسانه الداخلي المتقيّح، ثم استمر يصرخ قائلا:

- حرام عليكم ياناس.. اكلتم حمير البحر.. وعصرتم عنب النخل.. واتيتم اليوم بكفر صريح.. اتقوا الله.

صراخ ياسين ابن العطار هو حجته القوية وبرهانه المبين، الله يخرب بيتك يا بريطانيا، ولا سامحك يا حجة اليزابيت، نحن تعلمنا ان نختلف بلا انفعال، قبل ان نطرد اليهود ونحرق دكاكينهم، بقطط داخل جواني بُر ُتشتعل، وانا واثق من ان ابني عزمي عندما يكبر، سوف يعصر الطاري في عيني ياسين ابن العطار، ويسكب الهرور داخل انفه، وسيردم حلقه المفتوح مثل الخندق، بحمولة اسمنت افرغتها سفينة روسية في الدكة، وسيطلب من غانم الوالي شهادة حسن سيرة وسلوك، وشهادة براءة ذمة، والدوابيه سيفرض عليهم الجزية.

ولان البئر التي حفرها الشيخ عزمي بحافتنا.. زمان.. زمان.. قبل سقوط المماليك، عزيزة علينا،  اتفقنا نستشير حامد ابن العسكري، فهو يؤلف كتبا لا نقرؤها، ويكتب شعرا يذكرنا بعنتر بن شداد.

ذهبنا الى بيته، انا وجميل الهاشمي وحسن الريمي وعلي رنجله، فقادنا الى غرفة مليانه بالكتب، مرت عشر دقائق وهو يكتب في دفتر كبير، فزالت الرهبة عن نفوسنا، فقال جميل الهاشمي:

- غانم الوالي اتمسكن لما اتمكن.

ضحك حامد ابن العسكري وضحك معه كرشه، ثم خلع نظارته السميكة، وقال بهدوء:

- غانم الوالي انسان مش عادي وبسيط زيكم، ومافيش معاكم غير الصبر.

ونحن نتجه الى الباب، لاحظت ان علي رنجله تعمد ان يدوس على كتاب، وبلع حسن الرسمي لعابه كي لا يبصق على الارض، وجشع جميل الهاشمي، وانا كان في قلبي كلام، فرجعت لحامد ابن العسكري وسألته بمنتهى الادب:

- وهل من العادي ان غانم الوالي يحشّر ظهر احمر ويبول فوق جدار بيتي.

وقبل ان يجيب، سبقته لاقول بصوت مرتفع:

- ابني عزمي لما يكبر سيرغمه على تنظيف الجدار.

ولان التفريط بالبئر التي حفرها الشيخ عزمي بحافتنا، زمان.. زمان.. قبل حرب سعيد باشا، عارٌ علينا، ذهبنا لنوسط عاقل الحارة، انا وجميل هاشم وحسن الريمي وعلى رنجله، متجاهلين انه يغسل ويكوي ثيابه مجانا عند الدوابيه، لذلك كان هدفنا هو المحاولة، لكن عاقل الحارة فاجأنا بكلام لم نسمعه من قبل، فقال لنا بصوت مكسو بانبهار، كمن يروي كيف مرت عليه ليلة القدر:

- صدقوني.. غانم الوالي رجل مبروك، يوم ولدته امه أُعلنت الجمهورية في الشمال، وتأخر ختانه الى يوم الاعلان عن الكفاح المسلح في الجنوب، وفي اليوم الذي أتم فيه حفظ القرآن خرج الانجليز.

(فهق) حسن الريمي، لكن جميل هاشم (طرش) ، و(ضرط) علي رنجله، وانا حزين، لكني لم اشعر باليأس، لاني واثق من ان ابني عزمي قد مات، ومن انني لازلت قادرا على انجاب عزمي الثاني، وعزمي الثاني سيعلم غانم الوالي ان(1 1=2)، وسوف يسترد البئر التي حفرها الشيخ عزمي بحافتنا، زمان.. زمان.. خلال الحقبة الفاصلة بين اختراع الكتابة، واستخدام البارود، زمان.. زمان، قبل اكتشاف الـ( d. N. A) وقبل ابحار اول سفينة مجنزرة في الخط العالمي لتهريب الويسكي والفياجرا وحبوب منع النوم، وقبل تزوير الكتب المقدسة، وقبل ان يعقروا الناقة، وقبل الذكرى الثالثة والعشرين لحرب الفجار.

آح.. آح.. الله يرحمك يا شيخ عزمي.

* من مختار مقطري