آخر تحديث :الأربعاء-24 أبريل 2024-04:09م

ملفات وتحقيقات


دراسة .. قادة الجنوب قبل الاستقلال هل كانوا أكثر إدراكا للاستراتيجية السياسية من طليعة الجنوب السياسية اليوم ؟

الجمعة - 27 يوليه 2018 - 03:35 م بتوقيت عدن

دراسة .. قادة الجنوب قبل الاستقلال هل كانوا أكثر إدراكا للاستراتيجية السياسية من طليعة الجنوب السياسية اليوم ؟
متظاهر يرفع صورة جماعية لقيادات الجنوب في تظاهرة في عاصمة محافظة شبوة بعتق -عدن الغد

كتب/د. محمد شمسان

يجب طرح هذا السؤال بإلحاح شديد اليوم على الطليعة السياسية الجنوبية بكافة اطيافها وكذلك على النخبة المثقفة من اكاديميين وصحفيين ونشطاء المجتمع المدني. فإن عامة الشعب الجنوبي تشعر بالاحباط و بنوع من عدم الثقة بطليعتها السياسيةالتي اختارت منذ عام 2007 تقدم الصفوف بحكم نضالها السياسي (الحراك الجنوبي ) ومقاومتها لكل أشكال التعسف الإجتماعي والتهميش السياسي والوظيفي لقطاع واسع من أبناء الجنوب واستبقاء قلة رمزية تدين بالولاء للنظام في صنعاء لذر الرماد في عيون العالم ، ولم تكن تأبه لا للمعاناة اليومية للمواطنين الجنوبيين ولا تلقي بالا للغليان الكامن والذي بدأ يرتفع ببطء ولكن بقوة دفع متصاعدة في كل مناطق الجنوب حتى تلك التي عول عليها نظام "الوحدة أو الموت" من أصحاب المصالح الذاتية من الجنوبيين. وبالفعل لقد أظهر الطرفان المتحالفان حمقا منقطع النظير ظهر في عدم قدرتهما على استقراء الحالة المجتمعية الجنوبية الطافحة بالغليان برغم تعدد القوى الاستخباراتية والامنية التي كانت تطمئن رأس النظام بأن الأوضاع في الجنوب تحت السيطرة (كل شيء على مايرام يافندم ) وان ماتتناقله وسائل الإعلام ماهو إلا مجرد زوبعة في فنجان ! وعند الإحساس بخروج الأمور عن السيطرة كانت تجابه بالوسائل القمعية المعتادة للأنظمة الاوليغاركية الحمقاء. ونستطيع القول بأن الوحدة التي حلم بها شعب الجنوب طويلا قد قامت تلك القوتان المتحالفتان بدق آخر اسفين في نعشها بالاجتياح الهمجي للقوى الحوثعفاشية لعاصمة الوحدة اليمنية عدن الحضارة والمدنية في ربيع 2015 وكأن  ربيع براغ قد عاد ولكن بقوى أيديولوجية مناقضة. وكان الطرف الجنوبي في ذلك التحالف الآنف الذكر مشاركا بشكل سلبي وغير مباشر في تلك النتيجة الكارثية وذلك بدخوله في لعبة (مقامرة ) سياسية خاسرة مع القوى الرجعية جميعها بمحاولة تقليد أساليب الرئيس صالح في الرقص على رؤوس الأفاعي مما أتاح للطرف صاحب المظلومية المدعاة (بضم الميم ) اكتساح الجميع ، بل إنه استفاد من خدعة صالح الطائفية الشهيرة : بأنه قد يكون آخر حاكم زيدي لليمن ... يقصد : على يد الزعيم اابيض والحزب الاشتراكي قبيل حرب صيف 948م (مذكرات الشيخ سنان ابو لحوم ) وتنطبق نفس المقولة الطائفية - العنصرية  اليوم على تحالف الرئيس هادي والإخوان المسلمين ((رغم ادعاء سنية هذا التنظيم الاسلاموي إلا أن أكبر قياداته السياسية والاجتماعية تنتمي ولو اثنيا للهضبة الزيدية السياسية (الزنداني واليدومي والانسي والديلمي وأسرة الأحمر ... الخ  ) بالإضافة للمنتسبين في أجهزة الجيش والأمن والاستخبارات من نفس المنطقة الحاكمة بقوة الشوكة (كما يقول ابن خلدون ) ... وبالايديولوجية الاكليريكية (الكهنوتية المدعية بحقها الإلهي في الحكم) )).... وربما في هذا السياق الكوميدي الأسود تكون أجهزته الاستخباراتية (الرئيس صالح ) هي من ابتدعت وروجت لنبوءة : " ياويل عدن من صنعاء وياويل صنعاء من دثينة " وذلك لخلط الأوراق في الجنوب والشمال .... وبالفعل تغيرت التحالفات بشكل درامي سريع ومثير ، إذ تحول أعداء الأمس إلى حلفاء تحت راية الزيدية السياسية.  فكانت تلك الانتكاسة المريعة لشعب الجنوب في إجهاض نضاله لنيل استقلاله أو على الأقل بنيل حقه الشرعي في تقرير مصيره،  كما أضيفت للغالبية الشمالية انتكاسة جديدة بفشل مطالب ثورة ربيع اليمن العربي بتحقيق مجتمع العدل والمساواة والكرامة الإنسانية والكفاية المعيشية.

 وبالعودة لموضوع العنوان نبدأ من دثينة التي عرجنا عليها قبل قليل لنعرف مدى تقدم نخبة الجنوب قبل الاستقلال حيث قدمت دثينة نموذجا سياسياً فريدا على المستوى العربي لم تشاركها فيه إلى مدينة (زفتى) المصرية وذلك بإعلان مجتمعيهما الواعي جمهورية زفتى وجمهورية دثينة في زمن يسبق منتصف القرن العشرين. كما يجدر بنا أن نذكر رقي العلاقة السياسية والاجتماعية بين الحكام والمحكومين في سلطنات ومشيخات الجنوب العربي والتي كانت تتسم بقدر كبير من الديمقراطية والتكافل الاجتماعي والعدل حيث كان أشبه بنظام الأسرة الواحدة التي حاكمها بمثابة الأب وليس الحاكم المطلق المسيطر على الدولة والحكم والثروة عكس كل الأنظمة المعاصرة لها في العالم العربي ومن ضمنها أنظمة الجزيرة العربية وشمال اليمن كذلك . أما  على مستوى التعاون العسكري فقد كان حكام الجنوب آنذاك يقيمون تحالفات دفاعية تقوم على أساس التفاهم الأخوي والمصالح المتبادلة والأعراف العربية المكتسبة في إغاثة الملهوف ونصرة المستغيث المتعرض لظلم بين ، والعظيم في هذا المقام ان تلك الممارسات لم تقم على أساس التعصب القبلي (العنصرية) أو المذهبي (الثيوقراطي) ... واضرب هنا مثلين شهيرين  :  الأول : استعانة سلطنة الفضلي بقوات من العوالق العليا في صراعها مع جارتها العبدلية التي كانت بدورها تستعين بقوات يافعية(المثل الثاني ). والأمر المدهش والملفت للنظر أن هذه الممارسات الدفاعية لم تكن على مستوى الداخل المحلي مابين محميات الجنوب العربي ولا على المستوى اليمني بل تعدى ذلك إلى المستوى النصرة الإسلامية في بلاد بعيدة مثل إمارة حيدر آباد الهندية والتي استعان حاكمها المهراجا المسلم بقوات عربية إسلامية من مناطق الجنوب العربي : الفيلق الحضرمي بقيادة العميد (الزعيم ) Brigadier General الكثيري، والفيلق اليافعي بقيادة العميد القعيطي ، والفيلق العولقي. ولعل أهم مانستنتجه من المثلين السابقين أنه لم تكن هناك حساسيات مناطقية أو قبلية في تداخل العلاقات الجنوبية - الجنوبية برغم وجود سلطات حكم مستقلة لكل منطقة وكأنه في العمق الوجداني أو اللاشعور لكل الجنوبيين انهم شعب واحد يعيشون في دولة واحدة وان التأثير الاستعماري التسلطي البريطاني كان ضعيفا، وما يؤكد هذا الاستنتاج الهام أن السلطات البريطانية لم تستطع منع حكام المناطق الثلاث من ارسال قواتها لنصرة حاكم حيدر آباد  المسلم  في بلاد تركب الافيال والذي كان ضد سياسة بريطانيا في الهند والتي كانت تدعم سكان الإمارة ذوي الاغلبية الهندوسية في تمردهم على حاكمها المسلم،  وقد أصبحت الثلاثة الفيالق العربية الجنوبية عماد جيش المهراجا  المسلم (ومازالت مشدة أو عمامة الرأس الجنوبية التي ترتديها الوية في الجيش الهندي والباكستاني حتى اليوم دليلا على ذلك الوجود والتأثير الجنوب عربي وليس كما يروج الخطأ الشائع بأنها انتقلت إلينا من الهند) لقد كان أولئك المقاتلون الاشداء والذين تشهد لهم حتى الوثائق البريطانية بالكفاءة القتالية والشجاعة والإخلاص مما دعا المهراجا لاكرام قادة الألوية الثلاثة بسخاء وبذخ شديدين بحيث صاروا فاحشي الثراء في أغنى إمارات الهند بدرجة تعادل مكانة امراء الأسرة الملكية الحاكمة ، ويصل هذا الثراء لدرجة موازنة الدول بدليل أن القائدين الكثيري والقعيطي قد تصارعا عسكريا (للاستيلاء على حضرموت وحكمها ) بتلك الاموال المكتسبة (كان كل منهما يبعث بسفن كبيرة محملة بالرجال والعتاد والتموين من الهند الى ساحة المعركة بشكل منظم ومستدام) وكانت هذه الوفرة من المال لقاء توطيدهما لسلطة المهراجا المسلم بوجه الاغلبية الهندوسية والدعم الكبير للمستعمر البريطاني وذلك حفز عند كليهما الطموح  لحكم حضرموت واستمر ذلك الصراع لعدة أعوام ولم ينته  إلا بعد وساطة الكابتن البريطاني هنس بتقسيم الكعكة الحضرمية لسلطنة قعيطية عاصمتها المكلا وثانية سلطنة كثيريةعاصمتها سيئون.  (المرجع : كتاب Aden under the British government ) .

وهناك الكثير من الأمثلة المشابهة وأهمها علاقة جميع المحميات بمدينة عدن باعتبارها المرجعية الحضارية والعاصمة التاريخية للجنوب وليست كما هي الآن مجرد جثة أو جسم جريح انهكته الصراعات المتتالية بين الإخوة الأعداء ويحاول الجميع اقتطاع أكبر جزء من جسمها (مايذكرنا بقصة تاجر البندقية لوليم شكسبير ) وهم لايدركون أن عدن الحية المتعافية السليمة أكثر نفعا للجميع .... ليس لأبناء الجنوب فحسب بل لكل من سكنها من الأقرباء والغرباء .....

 وهذا ما ادركه المستعمر البريطاني حيث قنن العدون (الاقامة والسكن في عدن ) بالايجار (Leece ) لمدة محددة غالبا 99 عاما واعتبرت هي وضواحيها ملكية للدولة وليست للافراد ،  وهذا مافهمه أيضا حكام الجنوب العربي (أصحاب العقلية الاستراتيجية) لأن هذا يؤهلها لأن تكون مركز إشراق حضاري وتجاري واجتماعي وادبي وفني يصل تأثيره إلى كل الوطن المحلي والجزيرة العربية بل  ولأبعد النقاط على الكرة الأرضية كما كانت طوال تاريخها المديد ميناء سباء وقتبان الأول وحاضرة حمير واوسان التاريخية (في طريق اللبان والبخور الشهيرة وانشاء الله تكون مركز طريق الحرير البحرية الصينية الجديدة والتي من المتوقع أن تكون أضخم طرق التجارة العالمية خلال سنوات ). فهل يدرك أبناء الجنوب اليوم (حقيقة الوضع السوداوي الذي يعيشه اليمن والجنوب وعدن بشكل خاص) بان عليهم سريعا أن  يتعالجوا من داء العمى المؤقت المصابين به والذي سيذبح الفرخة العدنية التي تبيض كل يوم بيضة ذهب ظانين أن في جوفها الكمية الأكبر من المعدن النفيس !! فأرجو أن تكون الصفوة السياسية والعسكرية والتكنوقراطية الجنوبية  قد تعلمت خلال الثلاثة أعوام الماضية دروسا كافية تجعلهم يدركون ماتبقى من عاصمتهم التليدة والاسراع أيضا باتخاذ الإجراءات الكفيلة للحفاظ على أبنائنا واحفادنا ، أما جيلنا فليس مهما... لأن ضربات القدر المتتالية لم تبق (بضم التاء ) إلا على أشباح اكل عليها الدهر وشرب. (الخاتمة ) لا أعتقد أننا جميعا لو كنا نسعى للسلطة والحكم كما هو ظاهر وواضح سنجد شعبا (سليما عقليا وبدنيا ) لكي نحكمه وعاصمة باقية كي نقعد على كراسي السلطة في قصورها إذا استمرينا على نفس النهج الأناني والأرعن الذي نحن فيه اليوم ؟!