حظيت دعوة دولة الإمارات لنائب رئيس الوزراء في حكومة الرئيس عبدربه منصور هادي، ووزير الداخلية، أحمد الميسري، إلى زيارة أبو ظبي، باهتمام كبير وغير مسبوق من وسائل الإعلام في اليمن والإمارات على السواء، خاصة أنها جاءت بعد تصريحاته النارية للعديد من القنوات الفضائية العالمية، اتهم فيها الإمارات صراحة، بأنها هي من يحول دون عودة الرئيس هادي إلى عدن من الرياض، وأنها تعتمد في إدارة الملف الأمني، على قوات غير مسؤولة، وأنها تدير أحوال السجون اليمنية، التي لا تعلم وزارته عنها شيئاً، وأن دخوله هو شخصياً إلى «العاصمة المؤقتة» عدن، مرهون بتصاريح إماراتية، ناهيك عن أن هذه الزيارة، تأتي بعد تظاهرات حاشدة، شهدها حي المنصورة في عدن، نظمها متضامنون مع المخفيين قسراً، الأسبوع الماضي، حيث هتفوا برحيل الإمارات، وقوبلت بتعبيرات نابية من قبل المسؤولين الأمنيين الإماراتيين في عدن، إضافة إلى كونها جاءت تالية للتظاهرات التي حشدت لها حكومة هادي، مطلع الشهر الماضي، في جزيرة سقطرى، بعد طرد القوات الإماراتية لموظفي المطار والميناء، واستبدالهم بموظفين إماراتيين، ما حدا بالحكومة في حينها، إلى تصعيد موقفها، وإحالة الملف إلى الأمم المتحدة، ليكون بمثابة إنذار مبكر عن إمكانية انهيار مبررات تدخُل «التحالف» في الحرب لاستعادة «الشرعية» في اليمن، الأمر الذي أجبر السعودية على التدخل، والبدء في ترميم العلاقة بين الطرفين.

حلول وسط 

كان الوزير الميسري قد أوجز في تصريحات سابقة أهداف زيارته إلى الإمارات، قبل مغادرته مطار عدن، مساء الأربعاء الماضي. حصرها بحدود تمكين السلطات الإماراتية وزارته من بسط نفوذ أجهزتها الأمنية في مختلف المناطق «المحررة»، بمعزل عن أية أجهزة لا تتبع الوزارة، في إشارة منه إلى الدور الذي يقوم به «الحزام الأمني» في عدن، والمحافظات المجاورة لها، والنخبتين «الحضرمية» و«الشبوانية» المدعومتان إماراتياً، وتمكين الأجهزة الحكومية من بسط سيطرتها وإدارتها على موانئ عدن ومطارها، من دون أي تدخل من أي طرف. 
وفي حديث خص به «العربي»، قال مدير التوجيه في وزارة الداخلية، العقيد عبد القوي باعشن، إنه «من المؤكد أن هذه الزيارة ناجحة، فقد حظي معالي الوزير بحفاوة في الاستقبال، وسيثمر لقائه بنائب رئيس الوزراء، وزير الداخلية الإماراتي، الشيخ سيف بن زائد، بنتائج طيبة».
ويرى مراقبون، أن النجاح المفاجئ لهذه الزيارة، التي لم يكن يحسب لها أي حساب، لم يكن إلا نتيجة لمخاضات عسيرة سبقتها، ونتيجة لترتيبات واشتراطات لبت رغبة الطرفين (حكومة هادي وحكومة الإمارات)، ومنها دور الوساطة السعودية في الأسابيع الأخيرة، إذ لا يمكن للإمارات أن تسمح لنفسها أن تبدو بهذا الشكل من البساطة في مواقفها، وتذهب إلى حد التغيير الجذري في سياساتها مع حكومة هادي، فيما عديد المؤشرات تدلل على أن هناك تنازلات لم يعلن عنها، إلا أنها صارت مكشوفة. 
ويرى الصحافي ناظم محسن، أنه «من الواضح أن إقالة عبد الملك المخلافي، من منصب وزير الخارجية، في هذا التوقيت بالتحديد، يعتبر واحداً من الشروط الإماراتية»، مبرراً هذه الإقالة «باعتباره كان النافذة التي مر من خلالها ملف شكوى الحكومة اليمنية من دولة الإمارات إلى الأمم المتحدة». ويضيف «لا استبعد أن يكون اختفاء بن دغر عن الأضواء، منذ خروجه من سقطرى إلى الرياض، وعدم عودته إلى عدن، قد يكون ضمن تلك الشروط، وقد يكون هو المستهدف الثاني بعد المخلافي، خاصة أن زيارة الميسري، تزامنت مع حشد الإمارات لرؤساء الجنوب بما فيهم، علي ناصر والبيض والعطاس وبحاح، وقد يكون ذلك مؤشراً على أن يكون نجاح هذه الزيارة، سيمكن الحكومة من تجاوز المعوقات الأمنية، في مقابل تسليم زمام رئاستها للعطاس أو بحاح».

صمت «الانتقالي»

لا أحد يمكنه استبعاد الدور المرجح أن تكون الوساطات السعودية وغيرها قد لعبته، بين حكومة الرئيس هادي، وبين الحكومة الإماراتية، خاصة أن هذه الزيارة لم تُحدث ذلك الأثر المتوقع على مستوى الشارع الجنوبي، وتحديداً من قِبّل «المجلس الانتقالي»، والأطراف الجنوبية المؤيدة له، الذين لازموا «الصمت المريب»، على حد وصف البعض، ناهيك عن انكفاء صحافيين وكتاب مواليين لسياسات الإمارات، الداعمة لـ«الانتقالي»، وحرصهم على عدم الخوض في هذا الموضوع، بل وتجاوز ذلك إلى ظهور بوادر تغيير جذري في أراء ومواقف بعضهم.
ورأى الصحافي باسم الشعبي، في حديث إلى «العربي»، أن «زيارة الميسري للإمارات، تأتي في إطار اتفاق بين الشرعية والتحالف، لترتيب الأوضاع الأمنية في العاصمة عدن»، مشيراً إلى أنه «من الأفضل للتحالف التعامل مع الحكومة المعترف بها»، ومؤكدا على أن «هذه تعتبر خطوة مهمة لتصحيح الأوضاع المختلة، والعلاقة التي شابها الارتياب في الفترة الماضية».
وثمة تصريحات لباحثين ومثقفين، ترى أن دولة الإمارات أدركت حجم خطأها في التعامل مع حكومة هادي، وأن بوادر إصلاحها ذلك الخطأ تبدأ من ضرورة تفهم وضع الحكومة، ودعوتها إلى التباحث من أجل وضع حلول للعوائق التي ظلّت تقف أمامها، وفي مقدمتها الملف الأمني في «المناطق المحررة».
وفي مقال مقتضب، علق الكاتب والباحث الجنوبي الدكتور محمد علي السقاف، قائلاً «إن هذه الزيارة، تأتي في إطار اهتمام الامارات بمصالحها البعيدة في اليمن، التي لا يمكن لها أن تحققها إلا باتباع ما يسمى بالواقعية السياسية، وأنها معنية في علاقتها مع الحكومة اليمنية، دون غيرها (في إشارة منه إلى «المجلس الانتقالي الجنوبي»)، لأن العلاقات بين الدول يضبطها القانون الدولي، وميثاق الأمم المتحدة».