آخر تحديث :السبت-20 أبريل 2024-12:03ص

حوارات


المحبشي : «الانتقالي» خيب آمالنا و«الشرعية» فاسدة

الأربعاء - 09 مايو 2018 - 12:35 م بتوقيت عدن

المحبشي : «الانتقالي» خيب آمالنا و«الشرعية» فاسدة

العربي -حاوره عصام واصل

يتحدث الأكاديمي في جامعة عدن، الدكتور قاسم المحبشي في حوار صحفي  عن ما وراء ما يحدث في عدن من اختلالات وانفلات أمني، بعد ثلاث سنوات من «تحريرها». يرى أن «الشرعية» تمعن في الفساد والإهمال للمناطق «المحررة»، وأن «المجلس الانتقالي» خيب آمال الناس، الذين وثقوا به ورأوا أن الخلاص على يديه. ويؤكد المحبشي أن سقطرى، ربما تكون قد ضاعت من يد الشعب، كما ضاعت أمور كثيرة... ذلك وغيره، في الحور التالي:

تعرضت أخيراً لتهديدات بالتصفية من جهات غير معلومة... هل ذلك بسبب آرائك السياسية؟
دعني أقول لك يا صديقي بأنني أكاديمي ولا أشتغل بالسياسية، بوصفها مهنة الاسترزاق والخراب في البلاد العربية عامة، وفِي اليمن تحديداً! لكن هذا، لم يمنعني من التفكير والكتابة في السياسة، بوصفها شأناً عاماً يهم جميع مواطني كل دولة من الدول، وأمارس الكتابة في مجالات مختلفة، منذ أكثر من ثلاثين عاماً، وحينما أكتب في السياسة، لا أتناولها من زاوية المنخرط في الصراع، بل من رؤية الخبير المتخصص بتاريخ الفكر والفلسفة السياسية، من جمهورية أفلاطون، مروراً بابن خلدون، إلى نظرية جون لوز في العدالة كإنصاف. وقد حرصت أن أكون على مسافة مريحة مع القوى والأطراف السياسية المتصارعة في اليمن جميعاً، التي تتشابه كرؤوس الكلاب، بمختلف القوى والأحزاب، من اليسار إلى اليمين وما بينهما، للأسف الشديد.


أما إذا كان التهديد يتصل بما كتبته ونشرته من آراء سياسية في الأزمة اليمنية، فهذا أحد الاحتمالات الممكنة، لا سيما وأنني كتبت وعبرت عن مواقفي النقدية العلنية من الانقلابيين والشرعية والتحالف العربي والمجلس الانتقالي بنِسَب متفاوتة، فأنا بذلك، ليس لدي صديق سياسي، لكنني كذلك لا أعتقد بأن لدي أعداء سياسيين، فكتاباتي لا تهدد وجودهم أبداً، بل تهدف إلى تقويم الممارسات السياسية العابثة، التي أوصلت بلادنا إلى ما نحن فيه من حال ومآل.
عرفت بمواقفك المؤيدة لـ«الانتقالي» في البدء، ثم أخيراً بنقدك لسياسته وتوجهاته الفردية... ما سر هذا التغيير؟
نعم كنت كغيري أراهن على المجلس الانتقال الجنوبي، ليلتقط اللحظة الحاسمة التي هيأتها لنا مسارات الأزمة اليمنية، وقد التقيت بالأخ عيدروس الزبيدي، وهو بالمناسبة زميل مهندس الطيران صالح أخي، وفِي كلية القوات الجوية، في دولة الجنوب المغدورة، التقيته لأول مرة في مكتبه بجولد مور، بمعيّة عدد من الأكاديميين والأكاديميات من جامعة عدن، كان ذلك قبل أكثر من عام، وقلت له رأيي بوضوح من دون مواربة؛ إذ شكرت المجلس الانتقالي على دعوة الأكاديميين ومنحهم المكانة التي تليق بهم، في تقرير مصير الشعب والوطن، بوصفهم علماء وخبراء في مختلف اختصاصات ومجالات الحياة. وقدمت نفسي له، بوصفي كاتب رأي حر، ومواطن يبحث عن دولة قانون، ونظام عادلة! وقلت، أريد أن أسألك سؤالاً يا عزيزي: ما هي طبيعة المجلس الانتقالي على وجه التحديد؟ هل هو مجلس جماهيري ثوري؟ أم مجلس فعل سياسي؟ إذ إن الوضع يختلف في كل الأحوال، إذ كنا بصدد التأسيس للاستحقاق السياسي الجنوبي المنشود، فعلى المجلس الانتقالي الحالي، أن يعيد التفكير بالآليات وأدواتها، ولبناء وتأسيس الدولة يحتاج إلى الخبراء والعلماء والتكنوقراط في مختلف مجالات الحياة، ولا بد من العمل الجاد والمسؤول مع كل القوى الفاعلة، المحلية والإقليمية والدولية، والكف عن لغة التخوين والإقصاء، والبحث عن القواسم المشتركة مع النخب والحساسيات والقوى والفعاليات الجنوبية كلها، الصامتة والمحايدة والمعارضة. ومن المهم، التفاوض مع الحكومة الشرعية، ودول التحالف العربية، بشأن إعادة الإعمار والاستثمار، والشروع الفوري في تأسيس مشاريع تنمية مستدامة في الزراعة والموانئ والصناعة والبحر، وكل الممكنات التي من شأنها توفير فرص عمل، وحياة كريمة لعشرات الآلاف من الشباب العاطلين عن العمل، قلت له يا أخي العزيز، على المجلس الانتقالي أن يعرف كيف يجعل الناس يتدبرون لقمة عيشهم، وما هي مصادرهم وفرصهم... إلخ، تلك القضايا التي تهم الناس، وتنتظر منكم الإسراع في زحزحة عبئها الثقيل من على كواهلهم! وغير ذلك من الأشياء التي قلناها للأخ العزيز عيدروس الزبيدي، وتقبلها بصدر رحب، وكانت ردوده معبرة عن حسن استماعه واهتمامه بما قيل، ويبدو من كلامه أنه صادق فيما يقول، ويبعث على الثقة، وفِي المرة الثانية، التقيته مع منسقية اتحاد الأدباء والكتاب في عدن، فأعدت قول ما قلته مسبقاً، مع بعض الإضافات، إذ قلت له أن الأمر الملح اليوم، هو الإسراع في توفير فرص العيش الكريم لعشرات الآلاف من الشباب العاطلين عن العمل، وفتح المجال للاستثمار في مختلف المجالات الاقتصادية المعطلة، وفقاً للقاعدة التي تقول: كلما ضاقت فرص الحياة، اتسعت فرص الموت، والعكس صحيح. وحدثته عن النظرية السلوكية، التي خلاصتها أن توفير بيئة صالحة للعيش الكريم، كفيل بتنمية السلوك القويم، أفضل ألف مرة من التعليم والوعظ الأخلاقي المجاني! وغير ذلك من الأفكار التي تناولها الزملاء الأعزاء في مداخلاتهم، المتسمة بالمسؤولية في حمل أمانة الكلمة والتعبير عن عموم الناس العامة، بوصفنا، صوت من لا صوت لهم! لكن للأسف، المجلس الانتقالي خيب أملنا، ولم يكن كما وعدنا، فضلاً عن كونه مقيد بشروط وكوابح خارجية، أفقدته القدرة على الحركة والاستدارة. فليس لديه الدينامكية السياسية المطلوبة للتعاطي مع مستحقات اللحظة التاريخية الراهنة، وأشياء أخرى أحتفظ بها إلى وقت لاحق!
يمر الجنوب بمنعطف تاريخي خطير، تتناهب قضيته دول وأحزاب ومجاميع يبدو أنها مجرد بيادق.. كيف تفسر ذلك؟ وإلى أي مدى يؤثر ذلك على مسار قضيته؟
نعم، الجنوب وقضية شعبة العادلة، تمر بلحظة في غاية الخطورة والحساسية، ومن المؤسف أن أمر اليمن كله، جنوباً وشمالاً، لم يعد بيد أبنائه، بل صار بأيدي قوى إقليمية متصارعة، لها أجنداتها ومصالحها الخاصة، وكل قوة وجدت لها في الداخل من يسعى إلى تمكينها، وتبرير أفعالها، بالغالي والرخيص، والوضع في عدن المحررة منذ أكثر من ثلاث سنوات، هو شاهد حال ومآل. وانتصار المقاومة الجنوبية في عدن، والمحافظات الجنوبية، وتحريرها من قوى الغزو الانقلابية الحوثية العفاشية، في مدة قياسية، قدم فرصة ذهبية للشرعية اليمنية، ودوّل التحالف العربي، لتقديم نموذجها السياسي المفترض في تطبيع وتنمية وتأهيل وحكم وإدارة المناطق المحررة؛ النموذج الذي من خلاله، يمكن المقارنة والقياس بينها وبين الانقلابيين، ونموذج حكمهم وإدارتهم للعاصمة صنعاء والمحافظات الشمالية التي تخضع لهم! فماذا فعلت الشرعية اليمنية في عدن، التي أعلنتها عاصمة مؤقتة لها منذ ثلاثة أعوام ونيف من تحريرها على يد أبنائها، الذين تصدّوا ببسالة نادرة للغزاة، وقدموا تضحيات جسيمة، حتى تمكنوا من تحرير عدن وكل المحافظات الجنوبية بجهودهم الذاتية، ودعم وإسناد بعض الآليات العسكرية من التحالف العربي؟! ماذا فعلت الشرعية اليمنية لعدن المحررة، العاصمة المؤقتة، بالمقارنة مع ما فعلته القوى الانقلابية لصنعاء العاصمة المتمردة؟! للأسف الشديد، كل الشواهد والمؤشرات، تدل على أن الشرعية اليمنية، تعمل على تنفيذ إستراتيجية القوى الانقلابية الهادفة إلى جعل عدن والمدن المحررة في الجنوب، تبدو في أسوأ حالاتها من التدهور والفوضى والإنهاك وخيبة الأمل والإحباط الآتي من مختلف نواحي الحياة في عدن المدمرة! إذ لا شيء في عدن، يبعث على الفرح أو التفاؤل والأمل! ولا أعتقد أن الحكومة الشرعية ودول التحالف العربي، بتقديمها هذا النموذج الفاشل في حكم وإدارة عدن والجنوب المحرر، منذ سنوات، قد خدمت أحد أكثر مما خدمت القوى الانقلابية في صنعاء ونواحيها! فكيف هو حال الناس والمؤسسات وإدارتها في كل من عدن الشرعية وصنعاء الانقلابية؟ وكيف حال البنية التحتية للمدينتين، وكيف النظام العام وعمل الأجهزة الأمنية والقضائية؟ وكيف واقع انتشار الجريمة والفوضى والعصابات والنهب والسرقات، وكيف هو حال الكهرباء والماء والطرقات، وكيف هو حال الأمن والأمان والشأن العام بوجه عام؟ ومن المستحيل منع الناس من المقارنات بين الحالين، طالما والناس في كل زمان ومكان مفطورين على المقارنة، ومن المقارنات المؤسفة في عدن هذه الأيام، التأكيد أن وضع الكهرباء كان أثناء الحرب أفضل مما هو عليه الآن، بعد ثلاثة أعوام ونصف من التحرير! والناس من دون مرتبات، والغلاء فاحش، والعملة في حالة تدهور مستمر، وبات راتب الأستاذ الجامعي في عدن يقدر بخمسمائة دولار فقط، وهو أعلى مرتب حكومي، فكيف يكون حال من مرتباتهم لا تزيد عن المئة ألف ريال يمني، فضلاً عن تضاؤل قيمتها الشرائية من الحاجات الأساسية، وبلغت نسبة البطالة بين خريجي الجامعة ٧٦٪‏، فضلاً عن مئات الآلاف من الشباب والشابات، الذين حرموا من التعليم بسبب الفقر، وسدت في وجوههم فرص العمل؟ هذا غيض من فيض في عدن الشرعية. كما أن النهب السافر للمؤسسات العامة، والمنازل والمصالح الخاصة، والأراضي والمتنفسات، لم يحدث في عدن، إلا بعد طرد قوى الغزو الانقلابية، ولا زال! والشرعية لم تفعل في إعادة ترميم وإعمار عدن أي شيء مما هدمته الحرب، حتى أنقاض الحرب تركتها كما هي! ولم تعلن للناس ماذا لديها من مشاريع مستقبلية لتنمية المدينة، وإعادة تنميتها وتأهيل الحياة فيها! وكل ما فعلته، هو إعلان وجودها في منتجع المعاشق، ترقب المدينة من قمة الجبل الحصين، وتستمتع بتعذيب سكانها ليل نهار! فضلاً عن افتتاح قاعة للأفراح الاتحادية، ولوحة جدارية لصور الشهداء الأبرار، الذين ضحوا بحياتهم من أجل أن تنعم مدينتهم بالحرية والخير والسلام والازدهار، ولم يكن يدور بخلدهم أن يكون حصاد زرعهم هذه الثمار، التي حصدتها الشرعية خراباً وفساداً وإهمالاً! إذ لم يحدث في تاريخ الحروب والمدن، أن تُعاقب المدينة المنتصرة على صمودها وانتصارها، كما هو حال مدينة عدن الباسلة، إذ لا تزال، بعد ثلاثة أعوام من الانتصار والتحرير المجيد، تعاني من الإهمال الشديد من قبل كل الأطراف التي تتنازع السلطات فيها: شرعية ومحلية رسمية وأهلية، مليشيات وعصابات وجماعات من مختلف الأشكال والألوان، جميعها تتصارع في المدينة المثخنة بالجراح، لنهب ما لم ينهب بعد! وتحت أنظار الأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي، وبدعم ورعاية دول التحالف العربي. منذ تحرير عدن العاصمة، لم ير الناس إي مشروع أو عمل جدير بالقيمة والاعتبار على صعيد الترميم والإعمار بما يمكنه أن يعيد بعض الأمل للسكان! أنقاض الحرب والدمار لا تزال تصدم الأنظار في كل مكان من شوارع المدينة وأحيائها، الطرق العامة تتدهور حالتها كل يوم، والمؤسسات الحيوية مغلقة الأبواب، والكهرباء أسوأ بكثير مما كانت عليها قبل الحرب وأثناءها، والماء دائم الانقطاع، والمجاري طافحة، والقمامة متراكمة في كل زاوية، والأوبئة تزداد انتشاراً! ورغم ما تحقق على صعيد الأمن، وهو المنجز الوحيد الذي يمكن رصده بالقياس إلى ما شهدته الأشهر الأولى، التي تلت الانتصار والتحرير! إلا أن الجرائم المتتالية من القتل والسطو والنهب والاعتداء والسرقة وغيرها، التي شهدتها المدينة في الأيام القليلة الماضية، في ظل غياب الأجهزة القضائية والأمنية، هي شاهد حال عن هشاشة الوضع والتدهور العام، الذي أصاب المدينة في صميم صميمها! من دون أن يعمل أحد على وضع حدا لهذا التدهور المتسارع، في مختلف مناحي الحياة الاجتماعية. والأدهى، أن يحدث كل هذا التدهور المريع، في ظل وجود الحكومة الشرعية وأمام بصرها! من دون أن تحرك ساكناً أو تحدد المسؤولية! وهكذا هي الشرعية اليمنية، صارت مثالاً ونموذجاً للفشل المزدوج: إذ فشلت في حرب تحرير عاصمتها صنعاء، من بضع مليشيات طائفية، وفشلت في إدارة وحكم المدن المحررة، وعاصمتها المؤقتة خير مثال! وهي بذلك، ورطت دول التحالف العربي، في حرب عبثية كارثية خاسرة، يمكن أن تكون لها نتائج عكسية على المدى الطويل!
دخلت عدن ثقافياً بعد العام 2015 مرحلة الغياب... ما تفسيرك لذلك؟
الغياب سياسي أكثر ما هو ثقافي في عدن يا عزيزي، إذ شهدت عدن على مدى السنوات ما بعد الحرب، محاولات مضنية لاستعادة روحها الثقافية والعلمية والأدبية والفنية، وقد رصدت هذه المحاولات في جملة من المقالات منشورة، ودعني أقول لك، رغم قسوة الحياة وسطوة المحن التي تعيشها عدن منذ 23 عاماً، إلا أنها لم تستلم لمشيئة الحروب والحصار، وكل صنوف العذابات والفتن، فها هي تقتنص لحظات الهدوء العابرة في مهب العاصفة، لتعاود الحلم والأمل بالحياة التي تستحقها، وتبوح بما يختلج في أعماقها من أشواق وآمال إبداعية، علمية أكاديمية وثقافية متقدة، للانطلاق في فضاءات المستقبل الأجمل. إنها عدن، حورية البحار، وأميرة المدن القديمة والجديدة، المسكونة بالنار الأبدية، التي لم ولن تخمد أبداً، منذ أن صنعها الخالق الباري، المصمم العظيم، بهذه الهيئة الطبيعية الباذخة في السحر والجمال؟! 
تشهد سقطرى حالة توتر كبيرة بين حكومة بن دغر والإمارات.. أين تراها تتجه؟
ماذا يمكنني أن أقول عن سقطرى، إنها جوهرة بيد فحام، ووضعها من وضع اليمن عامة، وحينما يحل الخراب بالبنية الكلية للكيان السياسي الوطني، يصبح الكلام عن خراب الأجزاء نافلاً. لا توجد شرعية في تاريخ العالم تسلم شرعيتها من دون قيد أو شرط إلى أيدي قوى أخرى كانت تتربص بها منذ أمد طويل، إلا شرعية علي البيض، الذي سلم الجمل بما حمل لسميه علي صالح. البلاد كلها في مهب العاصفة، وسقطرى ربما طارت من أيدينا، كما طارت دولتنا ومؤسساتنا الوطنية.