آخر تحديث :الأربعاء-24 أبريل 2024-12:03م

ملفات وتحقيقات


#انسام_عبدالصمد

الأحد - 29 أبريل 2018 - 03:18 ص بتوقيت عدن

#انسام_عبدالصمد

عدن ((عدن الغد)) خاص:

#انسام_عبدالصمد

كانت الساعة الرابعة عصرا  17 فبراير 2014 حينما دلفت إلى مكتبي يومها فتاة في العقد الثالث من عمرها ، سمراء اللون نحيفة بعض الشيء .

قالت لي موظفة الاستعلامات بالصحيفة أنها "أنسام عبدالصمد" كان يومها الاسم لايزال طريا بعد واقعة صدام وعراك في جامعة عدن حول قبعة علم الجنوب التي كانت ترتديها "أنسام" يومها .

بدت "أنسام" منتشية يومها كثيرا كشخص يهوى (الجعة) ويتلذذ بمذاقها ، أشاد كثيرون بموقفها ، وصفوها بالوطنية والبطلة .

سارت الشوارع لاحقا  أشار كثيرون ناحيتها، لطالما شعر زوجها البسيط بالفخر ..

فرك شاربيه وهو يتحدث إلى أهالي الحارة الصغيرة وسط المعلا كيف قاومت زوجته موظف صغير بالجامعة حاول نزع العلم من على رأسها.

لقد تحولت الأسرة فجأة إلى اسرة بطلة قومية و نادرة .

سارت "الأيام" وغابت "أنسام" في زحمة الأحداث لكن قصتها الوطنية البطولية ظلت محل  إعجاب الكثير!! .

اندلعت الحرب في 2015 ، فر كثيرون من عدن وبعد أشهر من القتال كان كل شيء مدمرا ، سار المئات من الأشخاص غبر الوجوه منكوشي الشعور والمشاعر وقالوا للناس نحن مقاومة .

غابت الدولة لأشهر طويلة وساد قانون غاب كبير ..

ظهرت "أنسام" مجددا حاملة مسدسا صغيرا وسط باحة البحث الجنائي بخور مكسر شاهرة إياها في وجه الجميع  لقد تحولت هي والرفاق إلى (أصحاب سلطة) ، لم يعد هناك مظاهرات ولا حراك .

لم تدرس القانون "انسام" ولن تكن شرطية قط.

رددت في أعماق نفسها :" انا الحكومة..

في زمن مابعد الحرب حدثت الكثير من الأشياء الغريبة في عدن لكن أيا من الناس لم يكن يسأل كيف ومتى تتم كل هذه الأشياء.

جلس اللصوص على كراسي الشرطة ، وامن الناس قطاع طرق سابقون أو هكذا ادعوا .

اآئم الناس في المساجد فاسقون كثر.

نهبوا الأراضي وهم يحملون اعلام جنوبية كان الصراخ جنوبيا صرفا.

تغيرت أشياء كثيرة .. باستثناء الشمس كانت لاتزال تشرق من موقعها ؟

لم يكن غريبا ان تتحول الناشطة المدنية في الحراك الجنوبي إلى محققة برأس الجهاز الأمني الأول في عدن ففي مديرية المنصورة المجاورة تحول مروج حشيش إلى مدير فرع جهاز شرطة مهمته مكافحة المخدرات .

غادر المحققون المبنى قبل ساعات من سقوط عدن بيد ميليشيا الحوثي ولم يعودوا حتى اليوم ولم تعد (عدن) أيضا حتى الآن .

كان المشهد ككل هجينا في كل شيء ، جأت أقوام غريبة وعجيبة غاب كل شي وسادت مسميات ابو فلان وعلان .

قالت أحداهن :" كنا ذات يوم على متن حافلة في طريقنا إلى خور مكسر حينما نزلت "أنسام عبدالصمد" من الحافلة ليمد لها سائق الحافلة بورقة نقدية تالفة هي بقية اجرتها .

لم تنتظر توضيحا أكثر ولا تبريرا انتزعت  مسدسها الصغير من زوايا خصرها وأطلقت عيار ناري في الهواء .

وأردفت :" انا أنسام عبد الصمد!! .

كانت أنسام تنتمي إلى مشهد مابعد الحرب بكل جنونه وثوريته وفضاعته وتجاوزاته وفوضويته .

في الجنوب يكفي ان تكون "ثورجيا سابقا" لكي تفعل ماتريد وان يحدث لك كل ما لاتريد ..

كانت "أنسام" نتاج واضح وحقيقي لخيبات الأمل في المشروع الوطني الذي حمله الحراك الجنوبي لسنوات طويلة بسبب الشخوص وليس بسبب (القضية) ..

أمام منزله الصغير بحي المعلا يشعل زوجها جمال عبده سعيد عقب سيجار صغير ويتذكر زوجته التي غابت منذ 9 أشهر مضت .

لجمال 3 من الأبناء بات مسئولا عنهم ورعايتهم .

يضع جمال حشوة "تمبل" في فمه ويذهب لاستجرار الذكريات ، لقد طرق كل الأبواب لكنه لم يتمكن حتى من معرفة مصيرها.

زارنا صباح يوم الأحد 17 سبتمبر 2017 في صحيفة "عدن الغد" قال بلغة حزينة انه لايعرف مصيرا لزوجته وبكى ..

حكى "جمال" كثيرا عن بطولات زوجته ،وحينما كانت تغيب لأيام تأدية لواجب مداهمات كثيرة هنا وهناك.

لم يتخيل الرجل ان يطرق الرفاق نفس باب منزلهم ، حدث ذلك مساء 15 سبتمبر 2017 حينما دوهم منزله واقتيدت زوجته إلى جهة غير معلومة حتى اليوم ..

يكفي في الجنوب ان تقرأ كثيرا كيف ساق الرفاق ذات يوم " قحطان الشعبي" إلى زنزانة متسخة وارغموه على الموت وحيدا .وكيف افرغ آخرون الرصاص في جسد "سالمين" لكي تدرك ان هذا الوطن يأكل أبنائه كثيرا عقب كل جولة انتصار زائفة .

ومنذ إخفاء "أنسام عبدالصمد" وحتى اليوم لم يعر كثيرون واقعة هذه المرأة إي انتباه ، هي عدنية ياحيا الله والعدانية لا اله لهم ..

اعترف إنني كثيرا حاولت ان أتعاطف مع "أنسام عبدالصمد" لكنني فشلت واكتب هذه المقالة دونما إي رغبة بالحزن أو الغضب أو التعاطف الحقيقي ، كانت المرأة ذات يوم ولأشهر طويلة أداة قهر لآخرين .

قالت لي أخت سجين من عدن ان "أنسام" دخلت ذات يوم ضمن فرقة مداهمات منزلهم وصفعت أمها وبكت الام ..

حدثتني هذه الفتاة قبل أشهر من إخفاء أنسام وبعد أيام قليلة من اعتقال أنسام بعثت رسالة قصيرة لي تقول فيها :" لقد انتقم الله لامي ..

ماحدث لانسام أنها ذهبت بأقدامها إلى مستنقع كبير ابتلع المئات من الضحايا ولايزال وبينما هي تساهم في دفع آخرين انزلقت رجلها إلى وسطه .. فهل نحزن؟

ظنت "أنسام" يوما ما ان بيدها تغيير أشياء كثيرة حينما قررت الولوج إلى قضية " سونيا عبده نعمان" ، لم تلتفت المرأة إلى إشارات التحذير التي أطلقت من كل جانب .

كانت تظن ان كل الشعارات التي تطلق هنا عن دولة جنوبية شعارات صادقة ...

لم تكن تدرك ان ثمة "وهم" يباع كثيرا كثيرا .

كانت أنسام  موظفة مستجدة بالبحث الجنائي وكانت "سونيا" مديرة لشبكة كبيرة أولها في صنعاء وأخرها ليس في عدن فقط.

أسقطت "سونيا" أنسام بالضربة القاضية ..

قتلت "سونيا" شقيق قاسم الجوهري وأصابته وابتلعت كثيرين .

لانسام قضية ويجب ان يتم الكشف عنها وان يتم الإيضاح عن حقيقة اعتقالها وأسبابه حتى اليوم .

هذه المرأة لاتملك قبيلة يمكن ان تدافع عنها لكن ان كانت لاتزال حية فعليهم السماح لأسرتها برؤيتها .. هذه أمور أخلاقية قبل كل شيء ..

أطلقوا سراحها .. يكفي 9 أشهر من الإخفاء وان كانت قد توفت ابلغوا أهلها بذلك احتراما لما تبقى من إنسانية ان وجدت في هذا الوطن ..

#فتحي_بن_لزرق

29-ابريل-2018